تحرك جديد في عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الأحد 19 مايو 2024    أسعار الدواجن واللحوم والخضروات والفواكه اليوم الأحد 19 مايو    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأحد 19 مايو    بالطيران المسير.. فصائل عراقية مسلحة تعلن استهداف هدف حيوي في إيلات بإسرائيل    جانتس يطالب نتنياهو بالالتزام برؤية متفق عليها للصراع في غزة    خادم الحرمين الشريفين يجري فحوصات طبية في العيادات الملكية    شكرى يتوجه إلى أثينا فى زيارة ثنائية تستهدف متابعة وتعزيز مسار العلاقات    وزارة الدفاع الروسية تعلن إحباط هجوم صاروخي أوكراني استهدف شبه جزيرة القرم    عاجل.. رد فعل مفاجئ ل كهربا عقب مباراة الأهلي والترجي    وسام أبو علي: نسعى للتتويج باللقب في جولة الإياب أمام الترجي    حالة الطقس المتوقعة غدًا الإثنين 20 مايو 2024 | إنفوجراف    مصرع 6 أشخاص وإصابة 13 فى حادث تصادم أتوبيس على الطريق الدائرى بشبرا الخيمة    ماس كهربائي وراء حريق أكشاك الخضار بشبرا الخيمة    حظك اليوم وتوقعات برجك 19 مايو 2024.. مفاجأة للجوزاء ونصائح مهمة للسرطان    الفنان سامح يسري يحتفل بزفاف ابنته ليلى | صور    نهائي دوري أبطال أفريقيا| بعثة الأهلي تصل مطار القاهرة بعد التعادل مع الترجي    اليوم.. إعادة محاكمة متهم بأحداث محمد محمود الثانية    إصابات مباشرة.. حزب الله ينشر تفاصيل عملياته ضد القوات الإسرائيلية عند الحدود اللبنانية    ولي العهد السعودي يستقبل مستشار الأمن القومي الأمريكي    تعرف على سعر الدولار اليوم في البنوك    الكرملين: الإستعدادات جارية لزيارة بوتين إلى كوريا الشمالية    بأسعار مخفضة.. طرح سلع غذائية جديدة على البطاقات التموينية    ظاهرة عالمية فنية اسمها ..عادل إمام    8 مصادر لتمويل الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات وفقًا للقانون (تعرف عليهم)    انخفاض أسعار الفائدة في البنوك من %27 إلى 23%.. ما حقيقة الأمر؟    تعليم النواب: السنة التمهيدية تحقق حلم الطلاب.. وآليات قانونية تحكمها    خبير اقتصادي: صفقة رأس الحكمة غيرت مسار الاقتصاد المصري    حملات لإلغاء متابعة مشاهير صمتوا عن حرب غزة، أبرزهم تايلور سويفت وبيونسيه وعائلة كارداشيان    رامي جمال يتصدر تريند "يوتيوب" لهذا السبب    عاجل.. موجة كورونا صيفية تثير الذعر في العالم.. هل تصمد اللقاحات أمامها؟    القومي للبحوث يوجه 9 نصائح للحماية من الموجة الحارة.. تجنب التدخين    الداخلية تكشف حقيقة فيديو الاستعراض في زفاف "صحراوي الإسماعيلية"    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    بوجه شاحب وصوت يملأه الانهيار. من كانت تقصد بسمة وهبة في البث المباشر عبر صفحتها الشخصية؟    الحكم الشرعي لتوريث شقق الإيجار القديم.. دار الإفتاء حسمت الأمر    بن حمودة: أشجع الأهلي دائما إلا ضد الترجي.. والشحات الأفضل في النادي    "التنظيم والإدارة" يكشف عدد المتقدمين لمسابقة وظائف معلم مساعد مادة    مع استمرار موجة الحر.. الصحة تنبه من مخاطر الإجهاد الحراري وتحذر هذه الفئات    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    باسم سمرة يكشف عن صور من كواليس شخصيته في فيلم «اللعب مع العيال»    تعزيزات عسكرية مصرية تزامنا مع اجتياح الاحتلال لمدينة رفح    رضا حجازي: التعليم قضية أمن قومي وخط الدفاع الأول عن الوطن    باقي كام يوم على الإجازة؟.. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    شافها في مقطع إباحي.. تفاصيل اتهام سائق لزوجته بالزنا مع عاطل بكرداسة    "التصنيع الدوائي" تكشف سبب أزمة اختفاء الأدوية في مصر    وظائف خالية ب وزارة المالية (المستندات والشروط)    رقصة على ضفاف النيل تنتهي بجثة طالب في المياه بالجيزة    أخذتُ ابني الصبي معي في الحج فهل يصح حجُّه؟.. الإفتاء تُجيب    رامي ربيعة: البطولة لم تحسم بعد.. ولدينا طموح مختلف للتتويج بدوري الأبطال    دييجو إلياس يتوج ببطولة العالم للاسكواش بعد الفوز على مصطفى عسل    نقيب الصحفيين: قرار الأوقاف بمنع تصوير الجنازات يعتدي على الدستور والقانون    اليوم السابع يحتفى بفيلم رفعت عينى للسما وصناعه المشارك فى مهرجان كان    بذور للأكل للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    تعرف علي حكم وشروط الأضحية 2024.. تفاصيل    هل يعني قرار محكمة النقض براءة «أبوتريكة» من دعم الإرهاب؟ (فيديو)    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    وزير التعليم: التكنولوجيا يجب أن تساعد وتتكامل مع البرنامج التعليمي    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زكريا الحجاوي.. رائد الثقافة الشعبية

عاني الفقر والحرمان في بعض فترات حياته أحمد طوغان هو شيخ رسامي الكاريكاتير87 عاما أطال الله في عمره يكتب هذه السلسلة عن الشخصيات التي شغلت حيزا في وجدانه وخزانة ذكرياته التي يفتحها لملحق الجمعة بالأهرام يتناول فيها الكواليس التي عاصرها عبر مشواره الذي يمتد لأكثر من65 عاما..
وتأتي أهمية هذا السرد الذاتي إلي كونه ليس مجرد حكي بقدر ما هو تأريخ وتسجيل لأحداث غنية بالمعلومات والأسرار ولكن غفلها التاريخ كما يحدث عادة وأسقطها من ذاكرته الرسمية, وكما يفعل رسام الكاريكاتير فهو لايرسم الواقع ولكن تأثير الواقع عليه... كذلك كتب طوغان عن هذه الشخصيات بصدق وحب.
زكريا الحجاوي.. رائد الثقافة الشعبية
أحمد طوغان هو شيخ رسامي الكاريكاتير87 عاما أطال الله في عمره يكتب هذه السلسلة عن الشخصيات التي شغلت حيزا في وجدانه وخزانة ذكرياته التي يفتحها لملحق الجمعة بالأهرام يتناول فيها الكواليس التي عاصرها عبر مشواره الذي يمتد لأكثر من65 عاما.. وتأتي أهمية هذا السرد الذاتي إلي كونه ليس مجرد حكي بقدر ما هو تأريخ وتسجيل لأحداث غنية بالمعلومات والأسرار ولكن غفلها التاريخ كما يحدث عادة وأسقطها من ذاكرته الرسمية, وكما يفعل رسام الكاريكاتير فهو لايرسم الواقع ولكن تأثير الواقع عليه... كذلك كتب طوغان عن هذه الشخصيات بصدق وحب.
في يوم من الأيام كنت في طريقي إلي شراء بعض الخضروات للمنزل, واستوقفتني لوحة كاريكاتورية لرسام إنجليزي كانت ملتصقة علي جدار, فوق مقهي صغير بأحد شوارع الجيزة, وكانت تدعو إلي نصرة الديمقراطية علي الفاشية, أيامها كنا في الحرب العالمية وكان الإنجليز في مواجهة الألمان, ورحت أتفرس في اللوحة ولفت وقوفي أمامها نظر أحد الجالسين الذي قام من علي كرسيه وسألني عما رأيته فيها وما خرجت به منها!
ثم دعاني للجلوس وتناول كأس من الشاي, وكان أن جلست إليه لاستمع حديثا شائقا عن فن الرسم الكاريكاتوري وتفرده عن باقي الفنون بقدرته علي السرعة في التعبير, وأنه بخطوط قليلة يستطيع الوصول إلي أعماق النفس, وأضاف بأن هذه اللوحة تؤدي هذا الدور; وقد لجأ الإنجليز إلي فن الكاريكاتير لما له من تأثير في رفع المعنويات التي هبطت بفعل الانتصارات المتوالية للألمان!
واكتشفت في محدثي شخصية غير عادية, حدثني عن تاريخ الرسم الكاريكاتوري ونشأته في مصر, وكيف أننا أصحاب هذا الفن منذ ما قبل التاريخ ثم وعدني في اللقاء القادم بإهدائي كتابا فيه نماذج عن رسوم الفنان المصري القديم!
ولا يمكن نسيان هذه الجلسة التي عثرت فيها علي هذا الكنز الثقافي ممثلا في محدثي الذي قدم لي نفسه باسم زكريا الحجاوي الذي أصبح فيما بعد علما من أعلام الثقافة والفن في مصر والعالم العربي خصوصا في مجال الفن الشعبي الذي قدم له الكثير.
وما أن انتهي لقائي بزكريا حتي أسرعت بشراء ما كان يحتاجه المنزل وتركته علي كرسي كان بجانب الباب وأسرعت إلي منزل محمود السعدني وقلت له وأنا ألهث من الانفعال وصعود السلم: يا واد يا محمود لقيت لك كنز كان السعدني كما كان معظم صبية وشباب هذه الأيام, نهما للقراءة والمعرفة ولم يكن يعثر علي ورقة حتي في الشارع إلا ويقرأها ليعرف ما فيها, وأذكر أنه جاء يوم يزورني بمنزلي ولاحظت انتفاخا تحت قميصه واكتشفت أنه اختلس كتابا كنت قد أعجبت بغلافه ومن الغريب أنه كان باللغة الاسبانية, ولم يكن السعدني يعرف حرفا واحدا منها ولكن يده طالت الكتاب بحكم العادة كما قال!
في لقائي الثاني مع زكريا علي المقهي الصغير بضواحي الجيزة كان معي محمود السعدني وبعد فترة من الحديث اعتذر زكريا بظرف طارئ خاص بأسرته يضطره للانصراف علي وعد بلقاء آخر, وعرفنا منه أنه يعول ثمانية أبناء وزوجتين, إحداهما زوجة أخيه الذي توفي وهو في شرخ الشباب وترك زوجة وثلاثة أبناء, وكانت التقاليد أيامها في قريته المطرية التابعة لمحافظة الدقلهية توجب علي الشقيق الزواج من أرملة شقيقه وضم أبنائها إليه حفاظا علي كيان الأسرة! وعندما غادر المقهي كان تعليق السعدني: الراجل ده أعطاني مفتاح مستقبلي.
وتكررت لقاءاتنا بزكريا الذي قرر الانتقال بنا إلي ميدان الجيزة الفسيح, هربا من الحر في الشارع الذي كان فيه المقهي الصغير, وعثرنا علي مقهي علي ناصية في ميدان الجيزة, وتشاء الأقدار أن يتحول هذا المقهي العادي الذي ليس فيه ما يميزه إلي منارة ومدرسة ومنتدي تخرج فيه عشرات النجوم والإعلام في الفكر والأدب والفن والصحافة!
كان المقهي الجديد اسمه قهوة محمد عبد الله وبعد فترة ليست طويلة, كان زكريا يجلس أمامه في شبه دائرة من الأدباء والفنانين والتلاميذ منهم الدكتور الأديب الروائي القاص يوسف إدريس الذي لمع كالشهاب وترك عشرات القصص والروايات التي سوف تبقي ما بقيت الحياة, والدكتور سمير سرحان الذي لن تنساه مصر التي قدم لها ملايين الكتب عندما تولي رئاسة هيئة الكتب, ومحمود السعدني الذي تربع علي عرش الكتابة الساخرة في مصر والعالم العربي, ورجاء النقاش ويوسف الشريف ونعمان عاشور وكمال النجمي ومصطفي محمود ومصطفي نبيل.. والشعراء صلاح عبد الصبور ومحمد الفيتوري وأحمد عبد المعطي حجازي والموسيقي محمود الشريف وسيد مكاوي والرسام والشاعر والفيلسوف صلاح جاهين وأنور السادات الذي لعبت ندوة زكريا وعلاقته الوثيقة به دورا بالغ الأثر في تفكيره ومسيرة حياته!
كانت ندوات زكريا تتناول كل شيء, وأحيانا كان عدد الذين يسترقون السمع من زبائن المقهي أكثر من عدد رواد الندوة!
كانت الموضوعات شائقة, كيف يذهب ترياق الثمرة التي يأكلها الإنسان إلي المكان المخصص له في جسمه, وأن النبات أصل الدواء! والأشجار وأنواعها, المثمرة منها والعقيم, والمصرية فيها من عهد الفراعنة والحديثة التي جاء بها الملك فاروق! والسمك وأنواعه وخصاله ومنشأه ورحلاته التي تمتد آلاف الأميال وتأثيره في صحة الإنسان كغذاء! والعلاقة بين الرجل والمرأة وكيف أنها ضرورة لاستمرار الحياة, وما هو السبيل للوصول بها إلي النهاية والإنسان قرير العين هانئ البال! وإلي أين يسير العالم بما فيه من متناقضات وأهواء ومطامع ورغبات في قهر وإخضاع الآخرين والرجوع لهم إلي عصر العبيد!
كانت ندوات زكريا تدور حول كل شيء; التعليم والصناعة والزراعة والفن والأدب والشعر والموسيقي والطب والقانون والسياسية, وحتي آخر النكت التي يتداولها الناس, وكانت سهراتنا معه كثيرا ما تمتد حتي الفجر وأحيانا إلي ما بعد الفجر!
عاش زكريا العبقري الذي نادرا ما يتكرر فترات من حياته في أدني درجات الفقر والحرمان, بسبب تفرده واختلافه عن الآخرين! وفي فترة من حياته عمل محررا بجريدة المصري التي كان يملكها آل أبو الفتح وكان يرأس تحريرها أيامها الكاتب الصحفي أحمد أبو الفتح! وكان مقر الجريدة في شارع قصر العيني, في نفس المبني الذي كانت تحتله عقب تأميم الصحافة عام1954 جريدة الشعب التي كان قد أنشأها وتولي رئاستها الصاغ صلاح سالم!
كانت المصري من أوليات الصحف التي ساندت الثورة; وكان قادة الثورة قبل قيامها يترددون عليها وتربطهم علاقة بأصحابها ومحرريها ومنهم عرفوا أن الملك اكتشف أمرهم وينوي إلحاق الأذي بهم, وكان ذلك حافزا للإسراع في القيام بالثورة!
وكانت المسافة بين مبني المصري ومنزل زكريا في الجيزة حوالي12 كيلو مترا يقطعها مرتين أو أكثر في اليوم مشيا علي قدميه حتي يستطيع توفير ال6 مليمات ثمن تذكرة الترام الذي كان يقطع المسافة من الجيزة حتي ميدان قصر النيل التحرير الآن مارا بشارع قصر العيني لينزل زكريا أمام جريدة المصري!
في مرة ذهبت إلي مقهي محمد عبد الله ووجدت زكريا قد بكر في الحضور, جلست إلي جانبه نتأمل الناس في الميدان ونشكو الأحوال; وفجأة مال علي وهمس في أذني قائلا في ابتسامة ساخرة: تعرف يا طوغان أنا لما بقلع البدلة ما أعلاقهاش علي الشماعة ولما سألته عن السبب قال: أسيبها كده أصل العرق بيوقفها! وعندما انفرجت الأمور والتحق بالعمل في وزارة الثقافة, شاب شعر رأسه مما لقيه فيها من غيرة وحسد أبعداه إلي الهامش الذي لقي فيه الهوان!
ولم تفلح الأيام التي عاشها زكريا في أن تزيل عن وجهه الابتسامة الصافية وتفاؤله الدائم وإيمانه بأن المستقبل أفضل من الحاضر!
كان زكريا فيه من الخصال ما في الأطفال; ومن عجائبه وغرائبه أنه كان يرتعد ويفزع إذا ما صادفته قطة! وكان بعد انتهاء السهرة علي المقهي في آخر الليل وهو في طريقه إلي منزله الذي كان يبعد عن المقهي بحوالي نصف كيلو متر يقف العبقري العملاق الأديب الفيلسوف لينادي علي ابنته سوزان التي كانت أيامها في العاشرة من عمرها لتنزيل إليه وتصحبه في صعود السلم خوفا من القطط!!
وفي يوم جاءتني هدية من أديبة يوغوسلافية صديقة, وكانت الهدية قطة من أرقي أنواع القطط السيامي وعمرها شهور! فانقطع زكريا عن زيارتي نهائيا مادامت القطة في البيت!
كانت القطة من النوع السيامي معقود الذيل بشكل دائري ملتصق بآخر الظهر, وكانت بديعة الحسن آسرة العينين, أذناها وذيلها في سواد الليل وجسمها في بياض الثلج, وكان سلوكها سلوك الأميرات, وما من مرة فتحت فيها الباب ودخلت إلا ووجدتها في انتظاري!
كان بيننا قصة حب خالية من الشوائب, ورغم الرقة والحنان إلا أنها كانت لا تريد للذباب أن يدخل المنزل, وتجري وراء الذبابة وتتعقبها وتتربص لها وتوهمها أنها لا تراها! وفجأة تقفز عليها وتمسك بها وتقوم بتعذيبها قبل أن تقتلها!
وفي يوم وبدون أن أقصد دست علي رجلها, ويبدو أنها أحست بالإهانة, فغضبت وانزوت إلي أقصي مكان تحت كنبة, وحاولت استرضاءها علي مدي يومين لم تعرف فيهما طعم الأكل إلي أن رضيت وخرجت وأكلت ثم ارتمت في حضني ونامت!
وفي يوم وبعد سهرة كان عندي فيها أحمد جبريل قائد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة ومعه فضل شرورو العضو البارز في الجبهة, والدكتور عبد الرحمن البيضاني السياسي اليمني المعروف, وعباس الأسواني, ويوسف الشريف والشاعر الفلسطيني معين بسيسو وعدد آخر من الزائرين فشلت في تذكرهم!
وبعد أن انتهت السهرة, وغادر الجميع, بحثت عن القطة فلم أجدها في أي مكان, ولما هدني البحث والجهد, قادني التفكير إلي أن واحدا من الزوار سرق القطة, واستبعدت من قائمة المتهمين أحمد جبريل وفضل شرورو اللذين كانا قادمين إلي القاهرة في زيارة قصيرة, وفي اليوم التالي فاجأت كل البيوت بالزيارة, ما أن كنت أدخل من باب البيت حتي أسأل الزوجة في ابتسامة متكلفة عن رأيها في القطة التي جاء بها الزوج بالأمس! ولما عجزت عن العثور علي القطة وأصابني اليأس صرفت النظر عن الموضوع وانشغلت في شئون الحياة!
وفي يوم رن الجرس وعندما فتحت الباب, فوجئت بمندوب من المركز الثقافي التشيكي الذي كان في الدور الأول من عمارة مواجهة للعمارة التي فيها شقتي, كان المندوب يحمل صحنا عليه القطة وجسمها ويداها مربوطان بالضمادات!
وقال لي أنها سقطت من عندي وأنهم أرسلوها للمستشفي! وقدم لي فاتورة ب200 جنيه مصاريف عملية جراحية فشكرت المندوب وأخذت القطة وتجاهلت الفاتورة!
كانت علاقتي بالمركز الثقافي التشيكي قد نشأت وتوثقت عندما أقمت فيه معرضا لرسوم واسكتشات رسمتها خلال زيارتي لتشيكوسلوفاكيا بدعوة من وزارة الثقافة فيها لحضور عيد الاستقلال! وزادت علاقتي بالمركز وثوقا بعد قصة القطة!
مرة أخري اختفت القطة, وفي هذه المرة عرفت السارق! كان هو معين بسيسو فصممت علي إبلاغ البوليس, ولكن عباس الأسواني أوقفني واستنكر إدخال البوليس في الموضوع وقال لي: عاوز تحبس شاعر فلسطين عشان قطة ؟!
كنت معجبا بمعين وأحفظ شعره وأردده وكان يصور فيه كل حزن وضني وضياع وأنين الشعب الفلسطيني, وقصائده في غزة تدمي القلب كما أنها سجل للمأساة, وله قصيدة أذكر منها أبيات أربعة قالها في جنازة أحد خونة الأمة العربية الذي سقط قتيلا بالرصاص جزاء خيانته وخدماته للعدو:
غسلوه بما جري من دمائه فتراب العطش أولي بمائه
وارجموا نعشه كما ترجم البومة بالباقيات من أشلائه
واحجبوا الشمس عن الخائن حتي في مهرجان فنائه
ودعوا الليل لمن اتخذ الليل نديما أعز من ندمائه
جاء معين معتذرا واعترف بسرقة القطة وأنه أهداها للفنانة سعاد حسني! كما اعترف بأنه سرق عصا كانت عبارة عن فرع شجرة تلقيته هدية من فنان كوري خلال زيارتي لبلاده في عام1967!, واعترف بأنه قدمها هدية للزميل محمد حسنين هيكل, جاء معين مع عباس الأسواني وفي يده ماكينة حلاقة ذهبية في صندوق من القطيفة لتقديمها لي هدية ترضية واعتذارا, وقبلت اعتذاره ولم أقبل ماكينة الحلاقة التي لم أشك في أنها مسروقة! وعندما أصابه مرض وزرته في منزله, شكت لي زوجته المصرية بأنه لم يترك لها شيئا في المنزل إلا سرقه وأهداه للآخرين! وانتهي الموضوع بفقداني القطة واستعادتي زكريا مستأنفا زياراته لي بالمنزل!
ومن غرائب وعجائب زكريا الذي كان ظريفا خفيف الدم والروح قصص وروايات لا تنسي, منها, أننا كنا في سهرة بمنزلي في شارع شريف بالقاهرة, مجموعة أتذكر منها محمود السعدني وعباس الأسواني وإحسان عبد القدوس وعبد الرحمن الشرقاوي ويوسف الشريف ومحمد علي ماهر والفنان محمد رضا وكلهم كانوا من ملوك الكلام.
وعندما وقعت كارثة1967 ووقعنا في الصدمة والإحباط والحزن الدفين القاتل الذي فتت قلوبنا وأذهل عقولنا, كان زكريا صامدا كالطود وتولي إزالة ما في نفوسنا وقال إن ما حدث هو الضارة النافعة وأكدد أننا سوف نستعيد الأرض ونهزم العدو, وأن الغرور والجهل والغفلة وانعدام الصلة بالناس وقهرهم وإذلالهم هي السبب الرئيسي في النصر واستعادة الأرض!
لم تمض غير خمس سنين إلا وتحققت نبوءة زكريا! عبرنا القناة وهزمنا العدو ورفعنا رايات النصر وأصبنا الدنيا بالذهول أمام عبقرية المصريين في التخطيط والتنفيذ لحرب حطمنا فيها أسطورة نسجتها واقامتها وضخمتها كل عناصر الشر والعدوان, وتشاء الأقدار أن يكون بطل تدبير الأمر وتحقيق النصر واستعادة الأرض في أكتوبر1973 هو أنور السادات جليس ندوة زكريا.
عاش زكريا من أجل مصر وأعطاها ما كان يملك من جهد وفكر وموهبة, وتفان في عشقها وتدله في حبها, ولكنه مات بعيدا عنها, حزينا تأكله الوحدة والإحساس بالغربة, ويفريه الشوق والحنين لمصر التي لم يأخذ منها إلا قرار بهدم المنزل الذي كان يأويه ويأوي أسرته, وقالوا في قرار الهدم إن المنزل آيل للسقوط, وخرج زكريا يبحث عن مأوي وعن عمل وعندما أعياه البحث غادر مصر, ثم عاد إليها في صندوق بعد أن جاءته المنية غريبا عن مصر.
وأول من نادي بإنشاء قصور للثقافة التي تطورت وانتشرت اليوم في كل الأنحاء هو زكريا الحجاوي! وأول من عمل علي إنشاء معهد للفنون الشعبية كان هو زكريا الحجازي! ومن أنشأ الفرقة القومية للفنون الشعبية كان زكريا الحجازي الذي جاب القطر المصري من أقصاه إلي أدناه يدخل الكفور والنجوع بحثا عن الفنان الشعبي ليخرجه ويقدمه للناس, كثير من الفنانين الشعبيين جاء بهم زكريا من قراهم وكفورهم وأصقل مواهبهم وقدمهم للناس ليصبحوا نجوما في سماء هذا الفن الذي ترتكز عليه سمات وتواريخ الأمم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.