من سيخلف هوجو شافيز؟.. سؤال بات حديث الساعة الآن في فنزويلا مع إقتراب بدء الإنتخابات الرئاسية المبكرة في الرابع عشر من شهر إبريل المقبل, فبعد ستة أشهر فقط من إجراء أخر انتخابات في البلاد يجد الفنزويليون أنفسهم مضطرين للعودة من جديد إلي صناديق الاقتراع لاختيار خلف للرئيس الراحل هوجو شافيزالذي تسيطر صورته علي المشهد بشكل كبير, هي انتخابات سيجد الناخب الفنزويلي فيها نفسه أمام خيارين, إما السير علي درب شافيز بالتصويت للرئيس الحالي بالوكالة نيكولاس مادورو, أو رفع شعار التغيير بالتصويت لمرشح المعارضة إنريكي كابريليس, فمن ستختار فنزويلا؟ كاذب.. فاشي.. هكذا بدأت الحملة الانتخابية الشرسة بين المرشحين والتي شبهها البعض بالقتال بين عملاق قوي وقزم ضعيف, العملاق بالطبع هو مادورو الذي يري الكثيرون أنه يمتلك من المقومات ما يجعله يبدو واثقا من كسب هذه الانتخابات, فلديه إرث أبيه الروحي شافيز, ذلك الزعيم الذي ملأت صوره كل مكان والذي بات أسطورة أكثر من أي وقت مضي لا سيما من قبل أنصاره ومؤيديه, ويمكن القول إن مادورو استغل هذه النقطة لصالحه حيث عمد إلي استحضار روح شافيز في جميع حملاته الانتخابية ومحاكاته في كل شئ, حتي أنه قام بطرد ملحق عسكري أمريكي بعد اتهامه بمحاولة زعزعة استقرار البلاد, تماما كما كان يفعل شافيز, بل اتهم أعداء فنزويلا التاريخيين بالتسبب في إصابة شافيز بالسرطان, إضافة إلي تقليد الرئيس الراحل في طريقة الملبس حيث سار إلي جوار نعشه في الموكب الجنائزي مرتديا سترة قصيرة تحمل ألوان علم البلاد( الأصفر والأزرق والأحمر) مثلما دأب أن يفعل شافيز. ويعتبر مادورو(50 عاما) والمرشح عن الحزب الاشتراكي الموحد الحاكم شخصية معتدلة في الحزب ويحظي بإجماع من بين أعضاء الحزب المتنافرين, ورغم أنه لم يكمل تعليمه وبدأ حياته سائقا لحافلة في مترو كاراكس إلا أنه استطاع أن يتقلد مناصب عدة من بينها عضو الجمعية التأسيسية للدستور عام1999 وعضو في البرلمان ومنسق حملة شافيز ووزير خارجيته ثم أخيرا رئيسا لفنزويلا بالوكالة. أيضا من ضمن المقومات التي يتمتع بها مادورو أنه استطاع تسخير جميع موارد الدولة وإمكانياتها تحت سيطرته في ظل إحكام قبضته من الآن علي مفاصل الدولة بدءا من الجيش الذي أقسم بالولاء له, مرورا بالجهاز البيروقراطي والقضاء ووصولا لصناعة النفط, إذن كل المؤشرات الأولية توحي بأن الأمور تمضي باتجاه تسهيل وصول مادورو إلي الحكم, وهو ما يؤكده آخر استطلاع للرأي الذي تفوق فيه خليفة شافيز علي منافسه كابريليس بحوالي10 نقاط, ولم لا؟ ففي رصيد النقابي العنيد ما يكفي لجعل الآخرين يفكرون كثيرا قبل التجرؤ علي خوض المنافسة في وجهه, ولكن الأمر ليس بهذه البساطة, فمرشح المعارضة إنريكي كابريليس يمتلك هو الآخر بعض المقومات التي من الممكن أن تؤهله لهذا المنصب, فرغم خسارته أمام شافيز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرت العام الماضي, فإن ذلك الشاب الأعزب ذو الأربعين عاما أثبت امتلاكه شعبية لا بأس بها في الشارع, حيث حصل علي نحو45% من الأصوات, ورغم صغر سنه إلا أن لديه سيرة ذاتية ليست بالهينة, فقد انتخب في مجلس النواب الفنزويلي بوصفه أصغر عضو في تاريخ المجلس, ثم نائبا لرئيس المجلس حتي تم حله في أغسطس1999, وفي عام2000 استطاع تأسيس حزب سياسي تحت اسم العدالة أولا للجميع وبعد ذلك انتخب رئيسا لبلدية باروتا في العام ذاته, ثم أعيد انتخابه عام2004 بنحو80% من الأصوات, وأخيرا تولي منصب حاكم ميراندا. وبالرغم من أن كابريليس يعتبر منافسا قويا حيث هزم مرشحين موالين لشافيز مرتين في الانتخابات لمنصب حاكم ولاية ميراندا, بجانب أن النتيجة التي أحرزها في الانتخابات الرئاسية الأخيرة تعتبر أفضل نتيجة يحققها منافس للرئيس الراحل في انتخابات رئاسية خلال السنوات ال14 التي قضاها شافيز في السلطة, إلا أن معظم المحللين يجمعون علي خسارة كابريليس في الانتخابات المقبلة لدرجة أنهم كانوا يتوقعون أن ترشح المعارضة وجوها جديدة حتي يتسني لها صياغة رؤيتها بوضوح دون تدمير نجمها اللامع كابريليس, وحتي المواطن الفنزويلي نفسه يري أن مادورو يتمتع بفرصة أفضل من كابريليس للفوز في الانتخابات وذلك بسبب كل ما قام به النظام الحاكم منذ وفاة شافيز من تأجيج للمشاعر, ولكن كابريليس ليس لديه أي شيء, فهو من وجهة نظر الفنزويليون لا يستطيع أن يحمل حتي شمعة حزنا علي شافيز. أيا كان الفائز في الانتخابات فإنه لاشك سيرث إرثا ثقيلا من سلفه, ولعل أبرز التحديات تتمحور حول الاقتصاد الفنزويلي, المحرك الأول للحياة السياسية في هذه الدولة الامريكية اللاتينية المنتجة للنفط(2.8 مليون برميل/اليوم), ومن أهم أشكالها التضخم والنقص في بعض السلع ونقص الاحتياطي من العملات الأجنبية, كما أن ارتفاع معدلات الجريمة وغياب الأمن هو الهاجس الرئيسي الذي يؤرق الناخبين بعد أن باتت فنزويلا أحد أخطر دول العالم مع زيادة جرائم القتل فيها إلي أربعة أضعاف معدلاتها تقريبا منذ عام.1998 إن الانتخابات القادمة ستكون أكثر من مجرد تصارع بين الخبرة والشباب, إنها معركة حقيقية سيدخل فيها أحد المقاتلين- مرشح المعارضة- الحلبة ويداه مقيدتان خلف ظهره, صحيح أن كابريليس كان يجب أن يترشح, فهو لا يملك خيارا آخر, كما أنها ستكون كارثة إذا استسلمت المعارضة وفككت جهازها الانتخابي ولم تحاول هزم مادورو, غير أنه إذا فاز مادورو, فإنه سيكون من غير المعقول أن يحكم العالم علي نتيجة الانتخابات باعتبارها دليلا علي أن الحركة الشافيزية هي الوحيدة التي تحظي بشعبية واسعة في فنزويلا.