جاء إعلان اللجنة العليا للانتخابات عن تحديد يوم 14 أبريل المقبل موعدا لإجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة لاختيار خلف الرئيس الفنزويلي الراحل هوجو شافيز، بمثابة الفتيل الذي أشعل سباق المنافسة الرئاسية بين مرشح المعارضة إنريكى كبريليس، والرئيس بالوكالة نيكولاس مادورو مرشحا عن الحزب الاشتراكي الموحد الحاكم. وتبادل كل من المرشحين الاتهامات العنيفة، الأمر الذي ينبئ بأن طريق الوصول إلى سدة كرسي الرئاسة في فنزويلا سيكون مفروشاً بالأشواك السياسية، وفور إعلان ترشحه، اتهم كبريليس منافسه "باستخدام جثة الرئيس في حملته" الانتخابية ، بينما سارع مادورو على شاشة التليفزيون الرسمى باتهام زعيم المعارضة "بالسعى إلى إثارة العنف".
معركة مبكرة وكشف مركز أبحاث ودراسات "الشرق الأوسط" أن المعركة بدأت بين الرجلين حتى قبل أن تبدأ الحملة الانتخابية، فمادورو أدى اليمين الدستورية أمام الجمعية الوطنية رئيسا مؤقتا للبلاد، في إجراء طعنت بدستوريته المعارضة . مؤكدة أن رئيس الجمعية الوطنية هو من يجب أن يتولى هذه المسئولية حسب الدستور.
ومع البداية الشرسة لهذه الانتخابات التي تُعد الفرصة الحقيقية الأولى أمام المعارضة في فنزويلا ما بعد شافيز، تأتي ملفات السياسة والاقتصاد والأمن والعلاقات الخارجية لتزيد من حدة وشراسة المعركة الانتخابية، في ظل التباين الواضح في رؤية المرشحين وآليات التعامل الواقعي بشأنها.
ومن أهم هذه الملفات، ارتفاع معدلات الجريمة والعلاقات مع الولاياتالمتحدة والانقسامات السياسية، والمصاعب الاقتصادية رغم كونها دولة نفطية، فالاقتصاد غير متوازن ويتسم بارتفاع الأسعار والأزمات متكررة ومتصاعدة بالسلع الأساسية، كما أن ارتفاع الجريمة وغياب الأمن هو الهاجس الرئيسي الذي يؤرق الناخبين، بعد أن باتت فنزويلا أحد أخطر دول العالم مع زيادة جرائم القتل فيها إلى أربعة أضعاف معدلاتها تقريبا منذ عام 1998.
فضلاً عن أن الانقسامات السياسية التي قد تتزايد مستقبلاً، خاصة مع غياب ما يجمع بين المؤيدين لشافيز وخصومهم الذين ينتمي معظمهم إلى الطبقة الوسطى من قواسم مشتركة ذلك أنه لا توجد في البلاد مؤسسة عامة تقف على الحياد من هذا الانقسام. فالجيش والخدمة والقضاء وصناعة النفط كلها مؤسسات جرى تسييسها.
شعبية كابريليس وبالنسبة لفرص وصول هنريك كابريليس للرئاسة، يمكن القول أنه يمتلك من المقومات ما يؤهله لذلك المنصب، فرغم خسارته أمام شافيز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرت العام الماضي، فإنه أثبت امتلاكه شعبية لا بأس بها في الشارع ، حيث حصل على نحو 45% من الأصوات.
ورغم خسارة كابريليس بهذا الفارق فإن المراقبين يرون في وفاة شافيز فرصة لن تتكرر للمعارضة إن كانت تريد استلام الحكم وخصوصا أنها فشلت في هزيمة شافيز في جميع المعارك الانتخابية، مع استحضار أن كابريليس "41 عاما" المحامي ورجل الأعمال الذي كان رئيس بلدية باروتا في العاصمة كراكاس بين أعوام 2000 و2008 هزم مرشحيْن تابعيْن لشافيز في انتخابات ولاية ميراندا.
وكانت بداية مسيرة كابريليس السياسية عام 1998، عندما انتخب عضوا في مجلس النواب الفنزويلي بوصفه أصغر عضو في تاريخ المجلس، ثم انتخب نائبا لرئيس المجلس حتى تم حله في أغسطس 1999.
وفي عام 2000، أسس حزباً سياسياً تحت اسم "العدالة أولا للجميع" وبعد ذلك انتُخب رئيساً لبلدية باروتا في العام ذاته، ثم أُعيد انتخابه عام 2004 بنحو 80% من الأصوات بعد هزيمته مرشح شافيز، ويعود فوزه الساحق هذا إلى أنه استطاع تقليص مستوى الجرائم من 4705 جرائم حين استلم مهامه إلى 976 جريمة عام 2007.
بعد هذا النجاح في باروتا، انتُخب كابريليس حاكماً لولاية ميراندا في الانتخابات الإقليمية التي شهدتها البلاد عام 2008، وهزم مرشح شافيز، وخلال فترة حكمه استثمر كابريليس في التعليم حيث افتتح 39 مدرسة عام 2011 مقارنة بسبع مدارس أثناء ولاية سلفه، وأعيد انتخابه العام 2012 بعد هزيمته لنائب شافيز السابق إلياس إلياس خاوا الذي أصبح وزيرا للخارجية.
ولا شك أن نجاحات كابريليس المناطقية دفعته في عام 2012 إلى الواجهة ليبرز بوصفه منافساً جديا لشافيز على حكم البلاد، فبعد فوزه بالانتخابات التمهيدية للمعارضة بنحو 64 في المائة من الأصوات تعرض لحملة كبيرة من وسائل الإعلام المحلية بلغت حد وصفه "بالعدو الصهيوني وتابع للنظام الرأسمالي العالمي المسئول عن 90% من الفقر في العالم والحروب الإمبريالية". وخسر الانتخابات أمام شافيز بفارق ضئيل بلغ 11 نقطة مئوية في انتخابات أكتوبر 2012، والآن أصبحت الفرصة مواتية جداً لتحقيق حلم المعارضة للوصول إلى سدة الحكم في فنزويلا ، وهو ما قد يثير نوعاً من العدوى السياسية التي قد تنتقل إلى باقي دول أمريكا اللاتينية مستقبلاً.
فرص مادورو أما بالنسبة لفرص نيكولاس مادورو الرئيس بالوكالة الآن لحين الانتهاء من هذه الانتخابات الرئاسية والمرشح عن الحزب الاشتراكي الموحد الحاكم، فيمكن القول أنه يمتلك هو الآخر من المقومات ما يؤهله للوصول إلى سدة الحكم بشكل دستوري وقانوني.
يعد نيكولاس (50 عاما) شخصية معتدلة فى الحزب الاشتراكى الموحد الذى الذي كان يتزعمه شافيز ويحظى بإجماع من بين أعضاء الحزب المتنافرين، وبالتالي من المؤكد أنه سوف يسير على نهج سلفه، خاصة أنه كان قد إختاره خليفة له بعد تدهور حالته الصحية، بل ناشد أنصاره بانتخابه رئيسا للبلاد فى حال تعذر قيامه بمهامه الرئاسية، قائلاً " هو رجل ثوري، يمتلك خبرة كبيرة على الرغم من شبابه، يعمل بتفان كبير ولديه القدرة على العمل".
وبدأ مادورو مسيرته السياسية عندما كان يعمل سائق باص حين بدأ العمل النقابي غير الرسمي في مترو كاراكاس في سبعينات وثمانينات القرن العشرين، وكان العمل النقابي في المترو محظوراً حينذاك. كما يعتبر أحد مؤسسي حركة الجمهورية الخامسة، وقد ساهم بنشاطه السياسي في الإفراج عن هوجو تشافيز من السجن، ثم عمل منسقاً سياسياً إقليمياً خلال حملته الانتخابية في سنة 1998.
علاقة صداقة نشأت علاقة صداقه بين مادورو والرئيس شافيز عام 1992 حين كان يحاكم الأخير بتهمة تدبير الانقلاب الفاشل، إلى أن أصدرت الحكومة عفوا عن شافيز عام 1994 وأفرجت عنه، وكانت أول خطوة اتخذها شافيز لوضع مادورو على الطريق السياسى هى تعيينه عضوا فى الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور عام 1999، ثم أصبح عضوا فى البرلمان.
وأصبح عضواً في الجمعية الوطنية خلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2005 ممثلاً عن منطقة العاصمة، وانتخب رئيساً لها وبقي في المنصب حتى النصف الأول من عام 2006، وبعدئذ خلفته زوجته سيليا فلوريس في هذا المنصب. وتم تعيينه وزيراً للخارجية في أغسطس 2006. ثم عينه الرئيس الراحل تشافيز في 10 أكتوبر 2012، أي بعد ثلاثة أيام من فوزه في الانتخابات الرئاسية، نائب رئيس خلفاً لإلياس خاوا، وباشر منصبه في الثالث عشر من الشهر نفسه مع الاحتفاظ بمنصب وزير الخارجية.
وحين أعلن تشافيز في 8 ديسمبر 2012 في خطاب متلفز مباشر أن السرطان قد عاوده، قال أن مادورو هو المخول دستورياً بتسيير أمور الرئاسة حتى الانتخابات الرئاسية القادمة في حال لم يستطع تشافيز نفسه القيام بمهامه، وطلب من الشعب انتخاب مادورو رئيساً للبلاد. وهذه أول مرة يسمي فيها تشافيز خلفاً له في متابعة خطه السياسي.
ويبدو أن الفرص المتاحة أمام مادورو للوصول إلى سدة الحكم في فنزويلا، باتت كبيرة جداً، خاصة أن جميع موارد الدولة وإمكانياتها تحت سيطرته في ظل إحكام قبضته من الآن على مفاصل الدولة من الجيش والجهاز البيروقراطي والقضاء وصناعة النفط المرتبطة بمصالح فئات معينة على حساب فئات أخرى.
وفي النهاية يمكن القول أن ثمة فرصاً تكاد تكون متساوية بين المرشحين لرئاسة فنزويلا .