مكانة الأسرة في الإسلام الأسرة في الإسلام لها سماتها وخصائصها, فالأسرة في ديننا لا تقف عند شخصين ولا تقف عند خدمات مادية, ولا يقصد بها عالم الدنيا فقط بل إنها في الإسلام تضم شخصين ليكونا بيئة إسلامية صالحة مفيدة ومنتجة ينتشر خيرها في كل مكان. الدكتور مصطفي مراد أستاذ الدعوة بجامعة الأزهر يؤكد أن معني الأسرة شامل وواسع المجال وتبدأ عند الزواج بين ذكر وأنثي ثم تنتقل إلي الأبناء وكافة المسلمين فهي إذن لا تعرف الانفرادية ولا الأنانية ولا السلبية أو ما يعرف بالميكيافيلية لأنها في الحقيقة قائمة علي ما يصلح أمر الدنيا والآخرة بمجموعة من الأشخاص يقودهم شخص وترعاهم أنثي ويقوم بالعمل فيه عدة أفراد وينتقلون لنفع غيرهم فهنا الكل عامل والكل قادر ولا يوجد تمييز ولا طبقية بل يوجد تكامل وتكافؤ واتحاد وبناء مجتمع وتنظيم دولة بصورة مصغرة. ويشير إلي أن الإسلام راعي قدرة الوالدين علي إصلاح الأطفال فلم يذكر عددا معينا من الأولاد ولكن ترك الأمر لما قدره الله فهو الرازق يرزق كل أسرة وهي أمور مقدرة في علم الغيب, ولكن مع هذا الشرع كيف عدد أفراد الأسرة بما يناسبها فلما سأل الصحابة النبي صلي الله عليه وسلم عن العزل لم ينههم وقال: ما يقدره الله سوف يكون ولذلك العلماء أباحوا العزل برضا الزوجين فإذا كان الزوجان يريدان أن يكون عدد الأسرة قليلا ورغبا في هذه الوسيلة وقدر الله سبحانه و تعالي ذلك فلا مانع من ذلك. ويدخل في هذا الإطار كل وسيلة نافعة لا تضر الزوجين ولا تقطع النسل أصلا, ولا تقتل النسل بعد أن يخلق فالشرع حريص علي الأخذ بالأسباب, ومع هذا ركنهم إلي التوكل علي الله لأن العبد قد يأخذ بالأسباب ويعزل وينجب وهنا ما يقدره الله سوف يكون. العبرة.. ليست في الزيادة ويدعو الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف إلي ضرورة معالجة قضية الزيادة السكانية باعتبارها قضية مصيرية للمجتمع المصري لما فيها من تأثير رهيب علي موارد وعجلة النمو الاقتصادي. وينتقد الذين يتعاملون مع هذه القضية بمنطق ولا تقربوا الصلاة والاستشهاد بالأحاديث التي تدعو للزيادة والتكاثر وتجاهل الظروف التي قيلت فيها, كما أن القرآن الكريم والسنة النبوية أقرا تنظيم الأسرة وفقا للآيات القرآنية التي دعت لوجود تباعد زمني بين كل حمل, وذلك حفاظا علي حقوق الطفل في الرضاعة والرعاية. ويضيف أننا لانلزم بتحديد النسل مثل الصين ودول أخري,ولكننا نسعي لتنظيمه بما يتماشي مع تعاليم الإسلام, فالعبرة ليست في الزيادة العددية ولكن في الإنتاج والحياة الأفضل. ويقول: إن الدراسات والبحوث أشارت إلي أن أحد معوقات حل المشكلة السكانية هو الفهم الخاطئ للدين, وقد أدي ذلك إلي الاهتمام بضرورة تأهيل رجال الدين لتدريبهم علي موضوعات المشكلة السكانية وبيان الرأي الصحيح للدين في مواجهتها. ونبه إلي أن تجاهل هذه القضية يساعد علي تفاقم مشاكل أطفال الشوارع وعمالتهم ويسهم في تزايد معدلات الإجرام داخل العشوائيات كنطاق واسع والأسرة الصغيرة بعد ذلك, وطلب من الدعاة الاستفادة من المعلومات المتخصصة التي حصلوا عليها في الدورات التي نظمتها الوزارة لهم وطالبهم بنقل ذلك إلي الناس في الحضر والريف بشكل خاص حيث تزايد معدلات الإنجاب في الريف بشكل كبير. وحذر من تداعيات الزيادة السكانية وتأثيراتها علي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والتنموية خاصة في ظل محدودية الموارد الطبيعية, حيث إن عدد السكان زاد بمقدار2 مليون و50 ألف مولود في العام(2008) أي بزيادة قدرها150 ألف مولود علي العام الذي سبقه, وأنه في حال استمرار معدلات الزيادة الحالية فانه من المتوقع أن يصل تعداد السكان لنحو104 ملايين نسمة بحلول عام2020 أمومة آمنة لأطفال أصحاء وتشير الدكتورة آمنة نصير أستاذ العقيدة الإسلامية بجامعة الأزهر إلي أن قضية تقنين عدد الأبناء من الحكمة والفطنة وحسن الرعاية ويجب علي المرأة أن تكون واعية ويقظة مدركة لأهمية رعاية النسل والأصل هي الأم وبالتأكيد هي بشر تمرض ويصيبها الإرهاق والوهن عندما تستهلك أيامها وصحتها في إنجاب الأطفال وهنا مقولة للإمام الغزالي إذا خافت المرأة علي جمالها وعلي عدم القدرة لحسن إدارة بيتها ورعايتها أولادها وزوجها وحياتها عليها تقنين الإنجاب ويقول أيضا جابر ابن عبد الله كنا نعزل والقرآن ينزل لم ينهانا الرسول صلي الله عليه وسلم. فالقضية في جملتها لايرفضها الإسلام,ولكن مايؤكده بعض الفقهاء وعلي رأسهم الغزالي من أن مستجدات العصر كضيق المساحة وكثرة البشر وقلة الإمكانات التي توفر الحياة الكريمة للسواد الأعظم, فمن المسئولية والحكمة أن نتدارك هذه القضية فالعبرة ليست بالكثرة ولكن بالتشكيل والتربية لأطفالنا. وتضيف أن الأسرة عندما يكون أولادها اثنين أو ثلاثة علي الأكثر تستطيع الأم من حيث الصحة أن تمنحهم الرعاية والأب يوفر لهم الدخل المناسب والحياة الكريمة مما يجعلهم يتشكلون تشكيلا قويا. وأشارت إلي أن القضية كيف أكثر منها كم فعلي كل الأمهات أن يدركن ذلك ومعرفة أن الثروة بالأبناء دون إمكانات وتركهم للعمل في الشوارع والتسول يخلق مجتمعا يعج بالمشاكل والأمراض مما يزيد من التخلف والضعف التي تعاني منه الأمة ويصبح الإنسان عالة علي غيره. ومن الأمور التي توقف أمامها الإسلام الأمومة الآمنة لما لذلك من أهمية بالغة إذ يعد هو الأساس الذي تقوم عليه الأسرة والذي يحافظ علي المجتمع ويقوم عليه النوع الانساني. دفعة لتغيير ثقافة الإنجاب يؤكد الدكتور محمد عبد السميع عثمان أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر وجود نوعين من القيم المسيطرة علي المجتمع المصري أولها: أن الثقافة السائدة مازالت ذكورية فهناك أسر لايهدأ بالها حتي تنجب الذكر, وإن سبقه5 فتيات والدافع لذلك هي الثقافة المسيطرة فهي عادات موروثة لم تتغير وناتجة لتقاليد وموروثات من الصعب تغييرها. ويضيف أن أبرز دليل علي ذلك هو دراسة هذه العادات منذ سنوات بعيدة وتمت إعادة دراستها في الوقت الحالي وكانت النتيجة أنه لم يحدث أي تغيير علي الرغم من وجود حملات إعلامية متعددة,وبالتالي سيستمر تعزيز القيم المرتبطة بالإنجاب لدي الناس وعلينا أن نقيس علي ذلك ثقافة المجتمعات الهامشية والعشوائيات التي تعتبر الإنجاب هو متعتها الوحيدة,ولذا فإن أي مجهود سوف يبذل في هذا الإطار لن يجد آذانا صاغية وذلك لانخفاض المستويات الاجتماعية والاقتصادية لأن هذه الطبقة التي تفضل الإنجاب تصاب بلامبالاة وحتي لو لم يفكر في أبنائه فإنه سيقوم بتصديرهم للشارع والتسول,ولن يفكر في الإنجاب إلا ليكونوا مصدرا لدخله ورزقه كما أن من يقبلون علي الإنجاب سوف يسلكون كل سلوك لكسر القواعد التي تدعو للتوقف عن ذلك فتغيير الثقافة لن يجدي شيئا. وطالب بضرورة تغيير البنية الاقتصادية لهم أولا قبل مطالبتهم بتغيير سلوكهم لأنهم إذا وجدوا متعا أخري غير الإنجاب سيتوقفون, وقال: كل علماء الاجتماع يؤكدون أن التغيير لن يأتي إلا بالتغيير الاقتصادي, فنحن نعاني الثنائية الاقليمية( الحضر والريف) فهناك فجوة واسعة والمجتمع في حاجة إلي القضاء علي الفروق والاختلافات بين الفريقين في الخدمات والدخل والأوضاع الاجتماعية لكي تفكر أسر الريف وهي المستهدفة في تغيير القيمة المصاحبة لكي يكونوا علي وعي, فأي طبقة فقيرة لن تقتنع بما يقال في الإعلام إلا إذا تغيرت أوضاعهم, فلابد من تكاتف جهود المجتمع المدني مع الدولة لخلق بيئة اقتصادية جيدة تشعر بها هذه الفئات الفقيرة. التنظيم يعادل العزل ويوضح الدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الاسلامية ان تحديد النسل لا يجوز شرعا لما يترتب عليه من آثار ضارة ومنها عمليات الاجهاض, فمن المعروف أن كثيرا من الأسر إن لم يكن أغلبها تميل الي إنجاب الذكور فلو تم تحديد عدد الأولاد بقرار من الدولة لأدي ذلك الي لجوء الأسر الي الاجهاض عند معرفة نوع الجنين وخاصة مع سيطرة النزعة الذكورية وهذا قريب من منهج الجاهلية, والأمر الثاني أنه قد يحدث للأولاد أو أحد منهم حادث يؤدي الي فقدهما وبهذا تصاب الأسرة بصدمة كبري. وأما تنظيم الأسرة بمعني أن تكون أعداد الأولاد ملائمة لقدرات الأسرة ماليا واجتماعيا وذلك بالمباعدة بين فترات الحمل مما يحقق الملاءمة الصحية للمرأة عند الحمل الجديد والملاءمة بين دخل الأسرة وعدد الأولاد وهذا لا يمنعه الشرع, ويدل علي ذلك ماحدث أيام الرسول. صلي الله عليه وسلم من أنهم كانوا يعزلون عن نسائهم وبلغ ذلك رسول الله ولم ينههم عن فعل ذلك. ويضيف ان معني العزل إلقاء نطفة الرجل في نهاية الجماع خارج جسم المرأة, ووجه الدلالة من عدم نهي الرسول لأصحابه عن العزل أنه صلي الله عليه وسلم أقرهم علي مايفعلون وهو منع الحمل المؤقت, والإقرار أحد أنواع السنة الثلاثة التي هي المصدر الثاني للتشريع كأقوال الرسول وأفعاله وتقريراته. ويشير الي أن ذلك ليس مبررا للحكومات ان تتعلل بكثرة الناس, فالواقع ان كثرة أعداد الدول ميزة وليست ضعفا, والمفترض في حالات الزيادة السكانية ان تعمل الدولة جاهدة علي شيوع العلم واستثمار الأعداد الموجودة فيما يؤدي الي الانتاج وتقدم الزراعة والصناعة وهذا ماتقوم دولة مثل الصين والهند وينبغي أيضا ألا نغفل المعني الانتاجي لدي الناس عند الإنجاب فلا نجعل الأمر كله سلبيا. إن استئصال النسل والقضاء علي أسبابه يكاد الإجماع ينعقد بين الفقهاء علي تحريم الوسائل والأساليب التي يصطنعها أحد الزوجين أو كلاهما بغرض القضاء علي أسباب التناسل, لما في ذلك من تبديل لخلق الله, وتغيير للطبيعة التي بثها الله في الرجل والمرأة, وسواء في ذلك اتفاق الزوجين أو رفض أحدهما. الفقر جزء من المشكلة المشكلة السكانية ليست إنجابا فقط ولكنها مشكلة توزيع وعدد ونوعية مساحات متاحة وجودة التعليم والفقر الذي تزداد معدلاته وفرص عمل.. بهذه الكلمات بدأ الدكتور جمال أبو السرور مدير المركز الدولي الاسلامي بجامعة الأزهر كلامه مشيرا الي أن المشكلة تكمن في وجود خلل في العناصر السابق ذكرها فبدأت الأسر تشتكي وأصبح الفلاح يبحث عن الإنجاب لزيادة دخله ويجعل أولاده يعملون معه في الحقل مصرا علي تركهم التعليم, كما أن المدن الجديدة لا تتوافر أغلب الخدمات في بعضها. ودعا الي علاج مشكلة التعليم واعادة توزيع السكان علي المساحة الكلية لمصر بشكل يحقق الاستغلال الكامل للموارد المتاحة والعمل علي توفير فرص عمل ملائمة للخريجين أو تأهيلهم لسوق العمل. وانتقد من يدعو لاحتذاء النموذج الصيني أو الهندي لأن كل مجتمع له خصائصه ومن الصعب إجبار أي شخص علي تصرف لا يرغب فيه لما في ذلك من تعارض مع حقوق الإنسان. وقال: لابد من دراسة أي قوانين خاصة بتنظيم الأسرة جيدا قبل إصدارها حتي لا يحدث ارتجاع لدينا في برامج التنظيم كما حدث في الهند, وحث علي السير وفقا لنماذج دول شرق آسيا واندونيسا التي دأبت علي تشجيع العنصر البشري ودعمته بشكل مباشر, ومازالت الجهود مستمرة للاستفادة من الإمكانات البشرية. وكما أن التناسل غاية شرعية مقصودة من الزواج فإن الذرية القوية الصالحة هي التي يرجي خيرها ويؤمن شرها ويكون وجودها مصدر خير وقوة للأسرة وللأمة جمعاء, ولهذا أرشد الاسلام الي أن يكون النسل قويا قادرا علي القيام بمنهج الله والخلافة عنه في الأرض بالبناء والتعمير, ولتكون الكثرة منه خيرا للأمة ولا تكون وبالا عليها, كما أن تنظيم الأسرة لا يعني منع النسل والاجهاض أو قطع التكاثر بالوسائل الجراحية ولكنه يعني تباعد فترات الحمل بما يتواءم مع دخل الأسرة حتي يأخذ الأولاد حظهم من التربية الصالحة, ولا يرهق الآباء أنفسهم بأعباء مالية تفوق قدراتهم فينحرفوا عن المسار المشروع في كسب لقمة العيش, فقد قال ابن عباس: كثرة العيال أحد الفقرين وقلة العيال أحد اليسارين. وأضاف أن الوسائل الحديثة لتنظيم الأسرة مباحة بالقياس علي حكم العزل لأنه لم يشرع لذاته بل لغايته ولهذا يأخذ حكمه مايؤدي الي نفس غايته وهي المباعدة بين فترات الحمل بما يناسب دخل الأسرة وذلك بشرط ألا تؤدي تلك الوسيلة الي ضرر أشد, أو أن يترتب عليها هلاك للنفس كما جاء في السنة الشريفة لا ضرر ولا ضرار. العلاقة بين التنمية والسكان رأي مختلف يطرحه الدكتور حسين شحاته الخبير في المعاملات الاقتصادية بجامعة الأزهر قائلا: إن عنصر العمل وحده لا يحقق التنمية, وعنصر رأس المال وحده لا يحقق التنمية, فلابد من تفاعلهما معا, وفي هذه الحالة تستخدم الطاقات البشرية وتؤدي الي زيادة في السكان الي زيادة في الناتج القومي, وهذا بدوره يقود الي التنمية, ويجب أن نبذل الجهود لرفع الكفاءة الحدية لكل من العمل والمال بما يزيد من تكلفتها. وعقد مقارنة بين حالة الانسان قبل الاسلام في الجاهلية وبعد انتشار الاسلام فكان العرب في الجاهلية يخشون العار والفقر في الحاضر والمستقبل عند إنجاب البنات ويقتلون الذكور أيضا خشية من الفقر, ولعدم ثقتهم في قدرة الله سبحانه وتعالي فجاء الاسلام وحرم قتل الأولاد من منطلق إيماني واقتصادي, وجعل حرمة دم المسلم أكبر من حرمة البيت الحرام وحث الرسول صلي الله عليه وسلم علي كثرة التناسل من منطلق اقتصادي حتي تكون الأمة قوية كثيرة العدد والعدة يقول صلي الله عليه وسلم: تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة,( رواه أحمد) ويقول: إن الاسلام ينظر الي الانسان نظرة سامية, حيث استخلفه الله سبحانه وتعالي في الأرض وكرمه علي سائر المخلوقات وسخر له الكائنات ومافي السماوات وما في الأرض, ويعتبر الاسلام الإنسان هو مناط التنمية الشاملة كما أنه من أهم وسائلها, ولقد تضمنت الشريعة الاسلامية القواعد التي تحفظ له دينه ونفسه وعقله ونسله وماله حتي ينطلق الي المهمة التي خلقه الله لها مصداقا لقوله تبارك وتعالي:( هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب).1