الشعب المصري بطبعه يكره الطوابير.. يقبلها مضطرا من أجل شراء رغيف خبز أو تجديد رخصة سيارة أو استخراج بطاقة, ينضم إلي الطابور عابس الوجه مقطب الجبين, يود لو أزاح من أمامه كل الواقفين, ويحاول أن يتخطاهم تارة بالجدل. , وأخري باللين, وثالثة بالفهلوة أو بالتظاهر بالشعور بالتعب أو المعاناة من الآم الظهر ودوالي الساقين.. وأثناء وقوفه لا يستطيع الصمت فتجد لسانه لاذعا يسخر من مبدأ الطوابير, أو تجده يسب الزحام أو يلعن البلد وربما النظام. هذه هي الجينات المصرية التي نعرفها جيدا في التعامل مع الطوابير.. ولكن الغريب أن هذه الجنيات تعرضت فجأة لتغيير جعلنا نري لأول مرة طابورا من السعداء الباسمين الراضين, الذين لا تؤثر فيهم لفحة برد تلسع أجسادهم ولا قطرات مطر تنهمر فوق رءوسهم, ولم يفارقهم هدوؤهم ولم يفتر إصرارهم علي الوصول بعد ساعة أو عدة ساعات إلي مقر لجنة الانتخابات. ورغم الطابور الطويل اختفت كل الأعذار.. فلا أحد يشكو المرض ولا مسن أو مسنة يتذرع بكبر السن, ولا ثري يدفع رشوة ولا مهم يبحث عن واسطة ولا مسئول يأخذ دور غيره.. دعوني أسأل من أين جاء الرضا, كيف اختفت علامات التذمر والعبوس من وجه الجميع من شباب صغار وفتيات ومسنين ؟ هل معني ذلك أن الجينات المصرية اعترفت اخيرا بالنظام وبأحقية الدور والطابور ؟ لماذا بدا الواقفون سعداء وطول عمرهم يقفون غاضبين ومعترضين وكأنهم بؤساء؟ لماذا رضينا فقط بطابور الانتخابات وكرهنا كل الطوابير؟. سؤال يحتاج إلي إجابة يبدو أننا اخترنا طريق الوصول إلي الديمقراطية.