لا أحد يشك في أن إنجاز هدف التحرك نحو عالم تنخفض فيه انبعاثات الغازات الضارة إلي الحد الذي يحصر الزيادة في درجة حرارة الأرض عند مستوي2 % بحلول عام2020 يحتاج إلي خريطة طريق تستند إلي اتفاقات حاسمة ووضوح في الرؤية والتزامات مالية لانطلاق التكنولوجيا الجاهزة للتطبيق. وحفز الاستثمارات المهيئة للتحرك بمجرد الحصول علي الضوء الأخضر. لكن هذا الضوء الأخضر بدا تائها في قمة دربان للتغيرات المناخية التي تعد السابعة عشر من نوعها منذ أن بدأ الجهد الدولي للحد من الغازات الدفيئة في قمة ريو دي جانيرو في البرازيل عام.1992 فالقمة التي كان من المفترض أن تكون نقطة انفراج تحيي الأمل في استكمال مسيرة الالتزامات في إطار بروتوكول' كيوتو' المبرم في عام1997 دخلت في حقل ألغام مبثوث بأزمات منطقة اليورو, وتعقيدات انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة, وتراجع التعهدات الدولية تحت وطأة الركود, ومحاور التصادم بين الدول الغنية ومجموعة دول البريكس للاقتصاديات الصاعدة وفي وسطها مجموعة الجزر والدول الأكثر تضررا من التداعيات السلبية للتغيرات المناخية المتناثرة في المحيطات وآسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. أكثر المتشائمين يرون أن القمة ستكون مقبرة لإطار الالتزام الدولي للتعامل مع هذه القضية الخطيرة أما أكثر المتفائلين فيرون أنها ستكون قمة الخطوات الصغيرة علي أمل توفر أجواء سياسية أكثر ملاءمة للتحرك إلي الأمام. الهدف الرئيسي للقمة وهو الاتفاق علي إطار جديد للالتزامات بخفض انبعاثات غاز ثاني اكسيد الكربون بعد انتهاء العمل بالتزامات بروتوكول كيوتو بنهاية عام2012 يبدو الآن خارج نطاق الممكن. أولا لأن دول البريكس متمسكة بأن تقدم الدول الصناعية التقليدية التزامات ملزمة بخفض صافي انبعاثاتها الغازية في مقابل تعهدها الطوعي ودون التزام بخفض الانبعاثات الغازية لكل وحدة إنتاجية مع السماح لها بأن تكون مصدر صافي للانبعاثات الغازية علي نحو يمكنها من تحقيق مستويات نمو تتوافق مع احتياجات الحد من الفقر والحصول علي نصيب عادل من فرص الرخاء والتنمية الذي حققته الدول الغنية علي حساب تلويث الغلاف الجوي في القرن الماضي. هذا المنطق يقابل بالرفض من الولاياتالمتحدة التي لم تكن طرفا في التزامات كيوتو وتصر علي أن أي اتفاق دولي جديد لا بد أن يتضمن التزامات من جميع أطرافه خاصة الصين التي سبقت أمريكا باعتبارها المسبب الأول للانبعاثات الغازية منذ2007, ومن اليابان وروسيا اللتين تخشيان فقد قدرتهما التنافسية في مواجهة الصين والهند والبرازيل غير المجبرة بالتزامات وفقا لمقررات كيوتو, ومن الاتحاد الأوروبي الذي لا يري مبررا لاستمراره في تقديم التعهدات في اتفاق لا يلزم أكبر الملوثين وهما الصين والولاياتوالمتحدة ويضم دول تسبب فقط نسبة30% من التلوث المناخي وأدت ما عليها من التزامات كيوتو. هذا الطريق المسدود يعني أن القمة ستنتهي بوعود خادعة بالتفاوض من أجل التوصل إلي اتفاق بحلول عام2015 أو2018 وهي وعود غير كافية ومتأخرة لبناء الإطار الذي يحقق هدف خفض الزيادة في درجة حرارة الأرض. التزامات مالية القضية الساخنة الأخري في قمة دربان هي مطالبة الدول المتضررة الدول الغنية الوفاء بالعهود التي قطتعها في قمة كوبنهاجن عام2009 بتقديم دعم مالي قدره30 مليار دولار علي المسار السريع علي مدي ثلاث سنوات حتي2012 لتمكنيها من التكيف مع الفيضانات وموجات الجفاف والتصحر وغيرها من الظواهر السلبية المرافقة للتغيرات المناخية, علي أن يرتفع هذا الدعم إلي مائة مليار دولار بحلول عام.2020 الدول الغنية تزعم أنها قد أوفت بوعودها, أما الدول المتضررة فتقول إن معظم الدعم جاء في إطار عملية تبديل لبرامج معونات سابقة وبالتالي لا يمثل إضافة حقيقية للدعم, فضلا عن أغلبها جاء عبر مؤسسات دولية بطيئة التحرك في تقديم الدعم مثل البنك الدولي. حتي هذا الدعم المحدود اصبح مهددا الآن في ظل حالة الركود التي تخيم علي الاقتصاديات الأمريكية والأوروبية وفي ظل الخلاف المحتدم حول الصندوق الأخضر للمناخ الذي كان سيتم من خلاله تمرير المساعدات الجديدة حتي عام.2020 فالولاياتالمتحدة اعترضت علي تصميم الصندوق وطريقة عمله وطالبت بأن يكون للصناديق الخاصة النصيب الأكبر في تمويله, وأن يتولي البنك الدولي إدارته باعتبار أن رئيسه دائما أمريكيا. واعترضت السعودية عليه كذلك لإصراراها علي اعتبار الدول المصدرة للبترول من الدول المتضررة من خفض الاعتماد علي مصادر الطاقة الإحفورية, وبالتالي من حقها الحصول علي دعم من الصندوق. البعض يعتقد أن هذه الاعتراضات قد تستخدم كأوراق ضغط تفاوضية وأنه قد يتم في النهاية إقرار صيغة توصلت إليها لجنة في جنوب أفريقيا وهي أن تشكل هيئة إدارة الصندوق من24 عضوا نصفهم يمثلون الدول الغنية والنصف الآخر من الدول المتضررة علي أن يتولي البنك الدولي إدارته خلال السنوات الثلاث الأولي من عمله. ولكن حتي إذا تم التوصل إلي اتفاق لن يأتي الدعم المالي بالسرعة اللازمة لتمكين الدول المتضررة من التغلب علي أزماتها. انتكاسة أخري تعرضت لها الجهود الدولية من أجل الحد من انبعاثات الغازات الضارة وهي الانخفاض الحاد الذي تعرضت له سوق مبادلة شهادات الانبعاثات الغازية والتي كانت تتيح للدول الناجحة في خفض مستويات التلوث بيع شهادات تشتريها الشركات والدول الغنية غير القادرة علي إلزام صناعاتها بخفض التلوث. فقد انخفض سعر الشهادة في سوق المبادلات الأوروبي في بروكسل إلي أدني مستوي له وبلغ8,7 يورو منخفضا بنسبة15% خلال اسبوع واحد وتوقع بنك' يوبي إس' أن يستمر هذا الانخفاض حتي عام2025 بسبب زيادة العرض عن الطلب, وأزمة الديون السيادية الأوروبية, والركود الجاثم علي هذه الاقتصاديات والتي ستجعل مصانعها أقل رغبة في شراء هذه الشهادات لأن انبعاثاتها الغازية ستكون أقل. ويذكر في هذا المجال أن آلية مبادلة الشهادات كانت جزءا أساسيا من آلية تطبيق التزامات بروتوكول كيوتو وبالتالي فإن تراجع أسعارها سيؤثر سلبا علي الوفاء بالالتزامات حتي نهاية العمل بالبروتوكول الحالي في.2012 خطوات صغيرة كل المؤشرات تدل علي نتائج قمة دربان ستكون محدودة, وأن أقصي ما يمكن أن تصبو إليه هي عدم الوصول إلي مرحلة الفشل العلني. ولذلك فالبيان الختامي سيكون غنيا في عباراته المنمقة شحيحا في التزاماته. ولكن هناك الكثير من الخطوات الصغيرة التي تم الاتفاق عليها لتجنب الفشل الكبير مثل الاتفاق علي التعاون وتبادل التكنولوجيا المتقدمة في مجال مكافحة التلوث وإتاحتها للدول الفقيرة المتضررة من خلال منظمات الأممالمتحدة وفقا لما تم إقراره في مؤتمر كانكون في المكسيك. وهناك أيضا الاتفاق علي تمويل عمليات حماية الغابات وعدم قطع الأشجار في المناطق الاستوائية وهو محل إجماع وتم توفير التزامات تصل إلي5,5 مليار دولارمن أجله. يضاف إلي ذلك مفاهيم جديدة تتعلق بالحفاظ علي الحياة في المناطق الريفية والتنوع البيئي التي دخلت قاموس الأممالمتحدة الخاص بالتغيرات المناخية ولكن الدول الفقيرة تصر علي إدخالها ضمن إطار اتفاق ملزم لجميع الأطراف. السؤال الملح الآن هو هل تلغي هذه الخطوات الصغيرة الأمل في التوصل إلي اتفاق شامل يقود خريطة الطريق التائهة إلي بر الأمان. وما هي انعكاسات غياب الرؤية الواضحة والالتزام الجماعي علي قدرة الدول الصغيرة المتضررة علي مواجهة الكوارث البيئية وعلي تحفيز المستثمرين علي توظيف التكنولوجيا المتطورة المتوفرة للحد من التأثيرات السلبية. فهناك اعتقاد خاطئ بأن الاستثمار في التكنولوجيا الخضراء غير مربح وجاذب. والدليل أن الاستثمار في مصادر الطاقة النظيفة جذب العام الماضي استثمارات قياسية بلغت وفقا لما ذكرته صحيفة' فانيانشيال تايمز' البريطانية243 مليار دولار العام الماضي أي خمسة أمثال ما كان عليه الوضع قبل ست سنوات. وتقدر وكالة الطاقة الدولية حجم الاستثمارات المطلوبة في الطاقة النظيفة للوصول إلي الأهداف المحددة لخفض الزيادة في درجة حرارة الأرض بنحو15 ألفا و200 مليار دولار في مجال الطاقة بحلول عام.2035 وتتنافس الكثير من الدول والشركات من أجل الحصول علي نصيب من هذا السوق القابل للاتساع فهناك شركات أمريكية رائدة في مجال الطاقة الشمسية, وألمانية في استخراج طاقة الرياح, وبرازيلية في قطاع الوقود الحيوي, وصينية في صناعة البطاريات الحيوية. وليس صحيحا أن هذه الشركات قد تأثرت بحالة الركود بل إن بعضها حقق أرباحا تفوق ما حصلت عليه شركات التكنولوجيا والاتصالات. ما يعوق تقدم هذه الاستثمارات هو توفر السياسات الحكومية الإيجابية, والإطار القانوني الملزم علي المدي الطويل, والرؤية العالمية الشاملة للتعامل مع قضية التغيرات المناخية التي كانت الخلافات السياسية سببا في جعلها الحاضر الغائب في قمة دربان.