قصف إسرائيلي يستهدف مقراً للقوات الحكومية جنوب دمشق    تعيين رئيس جديد لشعبة الاستخبارات العسكرية في إسرائيل    رئيس لجنة الحكام يعلن عن موعد رحيله    شاهد، إداري الزمالك صاحب واقعة إخفاء الكرات بالقمة يتابع مباراة البنك الأهلي    ليفركوزن يتفوق على روما ويضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي    أيوب الكعبي يقود أولمبياكوس لإسقاط أستون فيلا بدوري المؤتمر    أحمد الكأس : سعيد بالتتويج ببطولة شمال إفريقيا.. وأتمنى احتراف لاعبي منتخب 2008    التعادل الإيجابي يحسم مباراة مارسيليا وأتالانتا ... باير ليفركوزن ينتصر على روما في الأولمبيكو بثنائية بذهاب نصف نهائي اليورباليج    ميزة جديدة تقدمها شركة سامسونج لسلسلة Galaxy S24 فما هي ؟    شايفنى طيار ..محمد أحمد ماهر: أبويا كان شبه هيقاطعنى عشان الفن    حمادة هلال يهنئ مصطفى كامل بمناسبة عقد قران ابنته: "مبروك صاحب العمر"    أحدث ظهور ل مصطفى شعبان بعد أنباء زواجه من هدى الناظر    بعد تصدره التريند.. حسام موافي يعلن اسم الشخص الذي يقبل يده دائما    سفير الكويت بالقاهرة: ننتظر نجاح المفاوضات المصرية بشأن غزة وسنرد بموقف عربي موحد    الصين تستعد لإطلاق مهمة لاكتشاف الجانب المخفي من القمر    أمين «حماة الوطن»: تدشين اتحاد القبائل يعكس حجم الدعم الشعبي للرئيس السيسي    سفير الكويت بالقاهرة: نتطلع لتحقيق قفزات في استثماراتنا بالسوق المصرية    في عطلة البنوك.. سعر الدولار الأمريكي مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية الجمعة 3 مايو 2024    خطوات الاستعلام عن معاشات شهر مايو بالزيادة الجديدة    د.حماد عبدالله يكتب: حلمنا... قانون عادل للاستشارات الهندسية    جي بي مورجان يتوقع وصول تدفقات استثمارات المحافظ المالية في مصر إلى 8.1 مليار دولار    مباراة مثيرة|رد فعل خالد الغندور بعد خسارة الأهلى كأس مصر لكرة السلة    منتخب السباحة يتألق بالبطولة الأفريقية بعد حصد 11 ميدالية بنهاية اليوم الثالث    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    حار نهاراً والعظمى في القاهرة 32.. حالة الطقس اليوم    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات    بسبب ماس كهربائي.. إخماد حريق في سيارة ميكروباص ب بني سويف (صور)    بعد 10 أيام من إصابتها ليلة زفافها.. وفاة عروس مطوبس إثر تعرضها للغيبوبة    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    وصفها ب"الجبارة".. سفير الكويت بالقاهرة يشيد بجهود مصر في إدخال المساعدات لغزة    سفير الكويت بالقاهرة: رؤانا متطابقة مع مصر تجاه الأزمات والأحداث الإقليمية والدولية    ترسلها لمن؟.. أروع كلمات التهنئة بمناسبة قدوم شم النسيم 2024    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    أدب وتراث وحرف يدوية.. زخم وتنوع في ورش ملتقى شباب «أهل مصر» بدمياط    سباق الحمير .. احتفال لافت ب«مولد دندوت» لمسافة 15 كيلو مترًا في الفيوم    فلسطين.. قوات الاحتلال تطلق قنابل الإنارة جنوب مدينة غزة    بطريقة سهلة.. طريقة تحضير شوربة الشوفان    مياه الفيوم تنظم سلسلة ندوات توعوية على هامش القوافل الطبية بالقرى والنجوع    رغم القروض وبيع رأس الحكمة: الفجوة التمويلية تصل ل 28.5 مليار دولار..والقطار الكهربائي السريع يبتلع 2.2 مليار يورو    مغربي يصل بني سويف في رحلته إلى مكة المكرمة لأداء مناسك الحج    محافظ الجيزة يزور الكنيسة الكاثوليكية لتقديم التهنئة بمناسبة عيد القيامة    تركيا تفرض حظرًا تجاريًا على إسرائيل وتعلن وقف حركة الصادرات والواردات    مدير مشروعات ب"ابدأ": الإصدار الأول لصندوق الاستثمار الصناعى 2.5 مليار جنيه    القصة الكاملة لتغريم مرتضى منصور 400 ألف جنيه لصالح محامي الأهلي    حدث بالفن | وفاة فنانة وشيرين بالحجاب وزيجات دانا حلبي وعقد قران ابنة مصطفى كامل    «يا خفي اللطف ادركني بلطفك الخفي».. دعاء يوم الجمعة لفك الكرب وتيسير الأمور    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    السيطرة على حريق سوق الخردة بالشرقية، والقيادات الأمنية تعاين موقع الحادث (صور)    صحة الإسماعيلية تختتم دورة تدريبية ل 75 صيدليا بالمستشفيات (صور)    «الصحة» تدعم مستشفيات الشرقية بأجهزة أشعة بتكلفة 12 مليون جنيه    أستاذ بالأزهر يعلق على صورة الدكتور حسام موافي: تصرف غريب وهذه هي الحقيقة    استعدادًا لموسم السيول.. الوحدة المحلية لمدينة طور سيناء تطلق حملة لتطهير مجرى السيول ورفع الأحجار من أمام السدود    مصطفى كامل يحتفل بعقد قران ابنته    بالفيديو.. خالد الجندي يهنئ عمال مصر: "العمل شرط لدخول الجنة"    محافظ جنوب سيناء ووزير الأوقاف يبحثان خطة إحلال وتجديد مسجد المنشية بطور سيناء    "أسترازينيكا" تعترف بمشاكل لقاح كورونا وحكومة السيسي تدافع … ما السر؟    أمين الفتوى ب«الإفتاء»: من أسس الحياء بين الزوجين الحفاظ على أسرار البيت    مدينة السيسي.. «لمسة وفاء» لقائد مسيرة التنمية في سيناء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخيانة في العينين

قد لاتصدقون ماسوف أقرأه عليكم من كلام‏,‏ كتبه واحد من بقايا تلك الفلول المريضة المندسة المصابة بجرثومة الافكار الهدامة‏,‏ انه يحاول خداعنا باكبر العبارات واكثرها قوة من اجل تمرير فكر هذه الخطة, رغم مارآه مرسوما فوق الورق بقلمي شخصيا, من رفض لهذا الاسلوب, فيحاول ان يغطي المؤامرة بالكلمات الكبيره التي تقول وانا هنا اقتبس ماخطه حرفيا. ازددت التصاقا بالجهاز لكي التقط كل كلمة يقولها, فهو بالتأكيد يعني رجلا واحدا هو انا, فماذا تراني اخطأت في قوله ليجده الان دليلا علي ادانتي؟ ارتدي الرجل نظارته ووضع وجهه بين دفتي الخطة في جزئها الازرق, وقد انعكس بعض من لون الصفحات علي وجهه, من اثر انعكاس اضواء التصوير فوق الورق, فاعطاه شكلا قريبا من شكل دراكولا, وهو يخرج من تابوت الموتي, بوجهة المحتقن ازرقاقا, قبل ان يسفر عن نابيه اللذين لايظهران في الافلام الا وهما يقطران بدماء الضحايا.
هذا مايقوله ذلك المندس في دفاعه عن الفكر الفاسد الذي يكمن وراء هذه الخطط:
(ان ضرورة تأمين الاهداف الاستراتيجية لبلادنا والحفاظ علي الامن الصناعي وتحقيق الامن الغذائي يقتضي ضرورة اقرار هذه الخطة) هل رأيتم غشا وخداعا وكذبا من اجل تمرير الافكار الهدامة اكثر من هذا المنطق وهذا التبرير وكأن الاهداف الاستراتيجية والامن الغذائي والامن الصناعي لايتحقق الا بهيمنتهم وسيطرتهم علي مقدرات الوطن من خلال خططهم الخمسية الستالينية البلشفية.
ثم امسك بالخطة يمزقها ويرمي باوراقها في الهواء, بغل وعصبية وتشنج, قائلا انه تخطيط فاشل ومشاريع املاها فكر هدام متآمر, يجب ان تلغي كلها, وايقاف اي صرف عليها وعدم الاستمرار فيما تبقي من مراحلها وانهاء العقود مع الشركات التي لابد انها كانت شريكا في المؤامرة, فهي مشاريع لاتحتاج ليبيا اليها, لانها تتصل بالبناء المادي والثورة يجب ان تظهر للعالم انها لاتقيم اعتبارا للبناء المادي لان مايهمها اولا واخيرا وفي المبدأ وفي المنتهي هو بناء الانسان. وخبط الطاولة امامه بقوة ثلاث مرات وغادر القاعة.لم اعد احتاج لان اسمع او اشاهد المزيد, اقفلت التلفاز احاول ان استجمع شتات افكاري, حمدا لله انه لم يكن هناك اعضاء من اسرتي, ليشاهدوا حالتي مرسومة علي وجهي, فلابد انه صار يتحول من لون الي لون, وانا ارقب مايحدث في المؤتمر, وارقب مايقوله هذا المعتوه, نعم انها كلماتي كما وردت في الخطة, فلماذا اضفي عليها هذه الخطورة التي لاتستحقها؟ واعطاها لون التآمر والخيانة؟ مع انها كلمات بريئة لاتحمل الا ماكانت تعنيه من حرص علي نجاح الخطة, اذ لماذا توضع الخطط الخمسية,وترصد لها المليارات, ان لم يكن لتأمين الغذاء, وانجاح المشاريع الصناعية, وتحقيق الاهداف الاستراتيجية للوطن؟ ثم جاء ووضع هذا الكلام في سياق غير سياقه الحقيقي, فهو لم يتحدث عن الغاء للخطة حتي اعارضه, أو أشرح له فوائد ابقائها, كان الكلام كله يدور عن خطة, هناك اتفاق علي استمرارها, سواء لحقها تعديل او تحوير او لم يلحق, والنقاش لايتناول مبدأ وجود الخطة اطلاقا, كان كله يدور في اطارها, فماذا تراه يريد؟ ولماذا اقحامي بهذا الشكل العدائي؟ وهو لم يكن يحتاج لتعليق قراره برأيي في الخطة, لقد أراه تتفيه افكار واراء وعقول, واراد الاستهتار بشركات وعقود, واراد اهدار ميزانيات واموال, واراد ان يحيل هذه المشاريع التي اشتغلت فيها آلاف الايدي العاملة, وانفقت فيها مئات الملايين, واسهمت في تنفيذها خبرات عالمية, الي مسألة عبثية, ومزق الخطة واحالها الي نتف من الورق, تتفيها وتسفيها لكل من كان داخل القاعة, ولكل من شاهد وراي مايحدث في ليبيا وخارجها, لان احدا لن يرفع صوته يدين هذا السفه, وهذا العبث, انه في الحقيقة جنون يجلب الجنون ويحض عليه, لانني لاادري شخصيا ماذا يمكن ان افعل, والمشكلة انني لااملك احدا أفاتحه بهواجسي, واستشيره في تفسير مايحدث, لااستطيع ان افاتح زوجتي وانقل لها خوفي, لانها لن تفعل اكثر من ان تضيف رعبا الي رعبي, وتنشر هذا الرعب في البيت فيطال كل من فيه من بشر وحجر, ولا احد هناك خارج البيت يمكن ان اطمئن الي شهامته, وقدرته علي ابقاء الامر بيني وبينه, لان انتشاره بين الناس, سيعني حلقات من العداء اسهم في احكامها حولي, شاكرا خالق الكون ان السيد العقيد لم يذكر اسمي, والا كانت الكارثة اكبر, الرجل الوحيد الذي يعرف ماجري ويجري هو السيد الامين, وهو الآن في مدينة سرت حيث يعقد المؤتمر, غارقا في عمله وتأمين وظيفته, لان هذا هو موسم التأمين او التفريط, ولم يكن امامي بعد ان سمعت الكلام الذي استهدفني الا ان ابقي منتبها لاي طارق يطرق البيت, مستعدا لان اواجه امرا بالسجن أو اكثر من ذلك, دون ان اقول شيئا للاهل او لاي صديق أو قريب تصادف مروره بالبيت, وذهبت في اليوم التالي الي الكلية لاقوم بالقاء محاضرتي والتقي بالطلاب وهيئة التدريس, محاولا ان ابدو طبيعيا, حريصا علي الا اظهر اي نوع من القلق عدت الي البيت ومضي اليوم دون ان يتحقق شيء من مخاوفي, ربما يكون الانشغال بالمؤتمر قد شغلهم عني, وسيجدون وقتا فيما بعد لتنفيذ وعيد سيدهم.
اعرف الخائن بمجرد النظر في عينيه.
كان اخشي مااخشاه ان يكون قد قرأ مارآه في بياض او سواد عيني قراءة خاطئة, ومضي في يقينه انني خائن له. كيف استطيع ان انفي تهمة لاوجود لها؟ وهل كان لي وانا التقي به في خيمته ان اجعل البراءة تطل من نظراتي؟ ربما لو كنت اعرف لطلبت عونا من احد اطباء العيون, او علماء النفس او الفقهاء وكتاب الاحجبة, ولكن هل ابقي مستسلما بطريقة سلبية لما يكون ان يحدث لي؟ الا يجب ان اقوم باي خطوة باتجاه تأمين نفسي؟ نعم, هي تلك, خطوة واحدة اقوم بها تكون فيها نجاتي من مداهمتي في بيتي, وامساكي كالخروف, واقتيادي الي المسلخة, حتي اذا فشلت في اتخاذها اكون عرفت ان هناك اجراء ضدي, واحاول ان أجد طريقة جديدة للتعامل مع هذا الاحتمال, وهذه الخطوة هي السفر خارج البلاد, والسفر يقتضي أخذ تأشيرة خروج والتأشيرة تحتاج الي اجازة سيكون امرها سهلا, لانني سأخذها لاسبوع او اسبوعين, وستكون اجازة مرضية, وفعلا بدأت أباشر أولي خطواتي في تأمين التأشيرة, بدءا من الحصول علي اجازة من القسم بادعاء اني اعاني من شبهة مرض في الكبد, لكي يكون امر المعاينة في الخارج مسألة لا غني عنها لخطورة المرض, ولضعف المؤسسات العلاجية المحلية, وأخذت الإجازة ورسالة من الجامعة لسلطات الهجرة والجوازات لتأمين التأشيرة.
وانتظرت ثلاثة أيام علي قلق, خوف ان يكون اسمي قد دخل قوائم الممنوعين من السفر, وحمدت الله ان وجدت التأشيرة جاهزة بداخل الجواز دون مشاكل, ولم يكن صعبا بعد ذلك تأمين ثمن التذكرة, ومصاريف البقاء في الخارج, واخترت الذهاب الي تونس, لأنها لا تحتاج الي تأشيرة, ويمكن ضغط المصاريف الي حدها الأدني, ثم والأهم بالنسبة لي هو انني استطيع مشاهدة التلفاز الليبي, ومتابعة مايحدث في البلاد بيسر وسهولة, فهي ليست اجازة للمتعة والسياحة وانما محاولة لتفادي أي طارئ في الأيام القليلة القادمة, راجيا بانه اذا مرت هذه الأيام بخير, فان الخطر يكون قد زال, والرجل انصرف للاهتمام بغيري من خصوم واعداء, ربما أكثر أهمية مني ويمثلون تهديدا حقيقيا لعرشه وسلطانه.
أعرف الخائن بمجرد النظر في عينيه.
لم يفارقني الاحساس بالقلق, ولم يعطني وجودي في نزل صغير في إحد الشوارع المتفرعة من شارع بورقيبة أي إحساس بالأمان, استطعت ضمان وجود جهاز تلفاز صغير بالأبيض والأ سود في غرفتي, اراقب منه الأحداث واحصل علي بعض التسلية,, واذهب في الصباح كل يوم الي مقهي باريس, اقرأ الصحف وأحيانا ادردش والعب الورق مع أصدقاء تونسيين تعرفت عليهم خلال جلوسي في المقهي, وانتهي المؤتمر بعد اسبوع مع وجودي في تونس, فصرت اتصل بالبيت هاتفيا بشكل يومي لاطمئن ان احدا لم يداهم البيت في غيابي, عازم علي العودة الي ليبيا اذا مر حقا الاسبوع الثاني دون ارسال الشرطة الي بيتي, وغامرت قبل انتهاء الاسبوع الثاني بطلب أمين التخطيط في مكتبه, وعلي هاتفه الخاص, فسألني وقد فاجأه صوتي, من أي مكان اهاتفه, فقلت انني في تونس لمراجعة طبية سريعة والحمد لله, لأنني اريد ان اطمئن عليه هو بعد ماسمعناه من كلام حول الخط الخمسية, فأبدي ابتهاجه لان الخطة كانت عبئا تخلص منه, وحاولا ان أفهم ان كان قد وصله أي كلام بشأني, فطمأنني ضاحكا وقد فهم ماأعنيه بان ماحدث مجرد نقاش أكاديمي, يجب الا ان يقلقني متمنيا لي الصحة والسلامة.
والحقيقة لاأدري كيف يستمر في منصبه, وكأنه لم ير الجنون فيما فعله الرجل, وفيما قام بافساده من صروح صناعية, ومشاريع أمر بالغائها بعد ان صرفت عليها عشرات بل مئات الملايين, وقرأت أثناء وجودي في تونس صحفا لا تدخل ليبيا وقفت وقفة استنكار امام إلغاء هذه المشاريع, خاصة ان هناك دولا احتجت لإلغاء العقود وشركات رفعت قضايا والمسألة لن تنتهي فقط عند ماتم إنفاقه وان هناك ملايين أخري ستدفع علي سبيل التعويض ولكن هذا كله لم يعد قضيتي لان قضيتي هي ان انقذ نفسي من هذا التهديد المعلق كالسيف فوق رأسي.
ليس هناك خيار من العودة الي البلاد, والي اعطاء المحاضرات في الكلية, فقد انتهت الاجازة, وصار المبلغ الذي جئت به في طريقه الي النضوب, ولا أدري ان كان قد انتفي حقا السبب الذي دفعني للخروج, ولكنه علي الأقل لا يبدو الان أمرا عاجلا. طبعا لا استطيع ان أطمئن لشيء, وقد فعلت مااستطعت عليه للتعامل مع حالة القلق التي انتابتني, خوف ان يتصرف الرجل بسرعة وعنف, وهاهو فيما يبدو لم يأمر بأي اجراء ضدي, وفعلا عدت الي بيتي جالبا بعض ماكان مختفيا من السوق الليبي من أشياء قليلة الثمن, صنعت فرحة للأولاد والأقارب, واستأنفت روتين العمل والحياة وقد بدأت الجامعة تستعد لموسم الهيستيريا الثورية الطلابية في ذكري السابع من ابريل, وقد كانت المشنقة مشهدا متكررا في مثل هذا اليوم في الحرم الجامعي, وفعلا تم نصبها في أكبر ساحات الجامعة, وكانت آهة ارتياح صدرت عن كل من كان حاضرا في الحشد الكبير من طلاب وأعضاء هيئة تدريس عندما جاءت سيارة بوكس تحمل من سينفذ فيه حكم الاعدام من خارج الجامعة, فقد كانت الخشية ان تعقد المحكمة الثورية الطلابية لتحاكم طالبا أو استاذا وتحكم بشنقه, كما حدث في مرات سابقة, ولكن هذه المرة أرادوا ان يستمر في الجامعة تقليد الشنق, ولكن ليس بالضرورة لواحد من أهلها, فقط من أجل استكمال الشكل جاءوا بالضحية من أحد السجون, وانتهي الطقس بما يرافقه عادة من صياح وضجيج وهتافات ثورية, يقابلها في الجانب الثاني بكاء وحالات إغماء تحدث للطالبات اللاتي يتم احضارهن مرغمات, وجاء الطقس الثاني وهو الزحف علي مقاعد العمداء ورؤساء الأقسام فأحالوا البعض مكان البعض الاخر, ثم علقت فيما بعد قوائم التطهير, لان اللجان الثورية لابد أن تكون لها خلال العام ملاحظات تظهر نتائجها في السابع من ابريل, اسقاطا وطردا وتطهيرا للعناصر غير الثورية, التي لا تصل درجة عقابها الي السجن أو الشنق, ويتم الاكتفاء بالطرد أو النقل لجهة لا يختلط فيها بالطلاب, ولم أكن أهتم شخصيا بالنظر في هذه القوائم لأنني لم أكن في أي مرحلة من مراحل العمل جزءا من هذا الصراع, وحيث إنني لم أكن اطمع في احلالي في منصب عميد أو رئيس قسم أو رئيس جامعة أو وزير تعليم أو تخطيط, فلذلك لم أكن بالمقابل أخشي عزلا أو طردا, إلا أن الأمر اختلف هذه المرة, اذ وجدت وأنا في طريقي الي المحاضرة أكثر من طالب وأكثر من أستاذ يقول أن اسمي موجود في قوائم الاساتذة الذين شملهم التغيير, وبكثير من القلق والفضول اتجهت الي حيث لوحة الاعلانات, لأجد اسمي ضمن اساتذة تم الاستغناء عن خدماتهم في الجامعة وإحالتهم الي جهات مبينة أمام اسمائهم, ووجدت ان الجهة التي أحالوني إليها هي المطافيء, وطبعا عدلت عن الذهاب لإلقاء المحاضرة, وذهبت للادارة فأبلغني أحد الموظفين بان احضر في اليوم التالي لأجد رسالة الاحالة الي ادارة الاطفاء موجودة لكي تسلم عملي الجديد هناك, ولم أفهم ماهي علاقتي بالمطافيء, ولماذا لم أجد أي استاذ آخر أحيل لهذه الادارة, فأغلبهم تم نقله الي الهيئة القومية للبحث العلمي, وهي مستودع الأساتذة العاطلين, ومكان لابعادهم عن الجو الطلابي, ورأيت ان اتحدث في الموضوع مع أحد ما, فصرت اطوف أروقة الكلية حتي وجدت زميلا قديما أكبر مني عمرا يمكن ان اطمئن إليه, خرجت معه الي الحديقة أنقل إليه ماحدث, فكان المسكين جاهزا للحديث عن همومه, وماأصاب الجامعة من انهيار, ومايحدث لهيئة تدريسها من اهانات مقصودة, ولا تبرير لها الا معاداة العلم وأهله, وقال لي بان مايفهمه من هذا النقل الغريب ليس إلا تعبيرا عن الاهانة, وسألني عما فعلت لكي ينالني هذا العقاب, وقبل ان اجيبه سألني ان أحمد الله علي هذا الحال, لأنه كان يمكن أن ينالني شيئ أكثر شرا واجراما, وضرب أمثلة باساتذة تم شنقهم أو قتلهم وموتهم تحت التعذيب, غير السجن والاختفاء, وان الله أراد بي خيرا, وعندما رأي مني شيئا من النفور من تنفيذ الأمر, رجاني بقوة ألا أفعل, وأن أحضر في الغد لاستلام رسالتي, وتقديم نفسي لجماعة المطافيء, وأعرف ماذا سيكون عملي هناك, وبناء علي نصيحة الرجل استلمت في اليوم التالي رسالة الاحالة التي تقول إنه بناء علي قرار اللجنة الثورية للجامعة وامتثالا للمقولة التي تقول إن الوظيفة تكليف لا تشريف, تقرر نقلي من هيئة التدريس الجامعي بكلية الاقتصاد الي الادارة العامة للاطفاء بجهاز الدفاع المدني, وكان الرجل الذي يتولي منصب مدير الادارة رجلا عسكريا يرتدي بدلة العمل, عظيم البناء اسود البشرة, اسمه العقيد ميلاد, وقد توقعت ان يرفض هذه الاحالة باعتبار أنني لست صاحب اختصاص في مثل هذا العمل, لكنه كان شديد الترحيب لي, قائلا ان الادارة فقدت استاذا سابقا كان أقل تأهيلا مني, لأنه متخرج من معهد تجاري متوسط, إلا أنه كان صاحب كفاءة تعادل أي دكتور ممن تلقوا تعليمهم حديثا, ثم رفع يديه يقرأ الفاتحة علي روحه لأنه مات أثناء العمل, فهو شهيد الواجب, حيث ذهب لتقييم الخسائر في محطة للكهرباء تعرضت لحريق كبير تم اطفاؤه, وسقط فوق رأسه جزء من السقف ظل ثابتا لفترة من الوقت وتهاوي في اليوم التالي, عندما تصادف وجود السيد المرحوم في المكان, وفهمت منه ان هناك دائما في الادارة احتياجا لرجل اقتصادي, يتولي أحيانا تقييم الأضرار الاقتصادية لبعض المرافق العامة, التي تتعرض للحريق, وهو شأن ظننت انه يحال لعناية شركات التأمين, ولكن هناك حالات كما قال لي لا يشملها أي تأمين, ولا وجود لجهة مخولة بتقييمها, فيقع التقييم علي عاتق ادارة الاطفاء, وكان أسوأ ما في العمل, هو ان دوامه دوام. موظفين, وليس دوام اعضاء هيئة التدريس, فلابد ان اكون موجودا من الثامنة الي الساعة الثالثة كل يوم, وكان ردي هو ان كتبت اجازة اعتياديه هذه المرة, لكي اقوم بترتيب اموري حسب ما تقتضيه الوظيفة الجديدة, المهم بالنسبة لي انني نفذت قرار الاحالة, ولم ابد تمنعا أو رفضا, راجيا أن يكون هذاهو نهاية الانتقام. ولكنه لم يكن, فمن اصدر مثل هذا القرار, كان يعرف بالتأكيد انني لن استطيع, بعد ما يقرب من عشرين عاما في العمل بنظام الجامعة, الذي لايكلفني اكثر من ثلاث او اربع ساعات في الاسبوع, ان اعمل سبع ساعات في اليوم, وفعلا حاولت بعد الاجازة ان امرن نفسي علي الدوام فلم استطع, قدمت استقالتي منذ اليوم الثاني الذي التحقت به بمصلحة الاطفاء, لانني احسست بالاختناق بعد مضي اولي ساعات الدوام, وعندما دخلت مكتب المدير حاملا استقالتي ابلغني ان البت في الاستقالة بحكم القانون يأخذ شهرا, علي الاقل, ويجب ان استمر في العمل خلال هذا الشهر, والا اتوقف عن العمل لكي لا ينتج فراغ في الادارة, التي لن تستطيع تعويضي قبل قبول الاستقالة, ورغم انني لم اقل شيئا, الا انني خرجت من مكتبه مصمما علي الا اعود, وفعلا مضت الايام تجر بعضها بعضا وانتظرت مرور اربعة اسابيع, قبل ان اقوم بالمراجعة, لانني اعرف الروتين واعرف انه لا وجود لرسائل ادارية تصل الي البيوت, وانني لابد ان اذهب لإحضار استقالتي بنفسي, الا انني وجدت بدل قبول الاستقالة, رسالة بالفصل من الخدمة بسبب الغياب, وعندما طلبت استفسارا, احالوني الي المكتب القانوني الذي عزا الفصل الي تخلفي عن الحضور الي العمل, مما يقتضي الفصل بعد غياب خمسة عشر يوما دون مبرر, واراني اكثر من انذار ارسل لي علي عنوان مكتبي في الادارة, يطالب بتبرير الغياب, وعرفت ان الفصل سوف يحرمني من اي مرتب تقاعدي ولكنه لايلغي حقي في الحصول علي مبلغ الضمان الاجتماعي وعرفت انه مبلغ زهيد لايستحق عناء الجهد للحصول عليه.
مضت ايام كثيرة علي بطالتي تقدمت خلالها بطلبات عمل لكل جهة استطيع الوصول اليها, شركات عامة, وتوكيلات لشركات اجنبية, ومكاتب محاسبة ومراجعة, بل طرقت مهنا ليست في مجال اختصاصي, مثل الصحافة, لاحصل علي محرر للشئون الاقتصادية, وقمت بواسطة لدي رجل اعرفه في الغرفة التجارية التي لها استقلالية عن الحكومة, وتلقيت رفضه كرفض سابقيه, الا انه ارسل لي رسالة سرية, بالا اعاود المحاولة للحصول علي عمل, فهناك تعميم باسمي من جهة امنية بعدم تشغيلي, ويسألني ان اكسب راحتي, لانه لاجدوي من هذه المساعي التي ابذلها للحصول علي عمل. جربت ان اتقدم بكتاب جمعته من قديم ابحاثي للنشر, رغم ضآلة المكافأة, ولكن الكتاب لن ينشر بحجة ان كتبا صدرت تتناول نفس المواضيع, مجرد ذريعة للرفض, فبعد ايام بدأ الاحساس بالحصار يأكل من سلامتي النفسية وصحتي البدنية, خاصة ان مدخراتي صارت تواجه نضوبا يوما بعد يوم, ولم يعد ترف الذهاب الي عيادات الاطباء الخاصين واردا, ولابد لاي فرد من الاسرة ان يمضي الي طوابير المستوصف والمستشفي الحكومي, ولم تكن السيدة زوجتنا مؤهلة للقيام باي عمل غير رعاية البيت, فتوسطت لها احدي القريبات لعمل اضافي في احدي المدارس الابتدائية مشرفة ومدرسة اشغال يدوية, وهو عمل يرفعها قليلا عن وظيفة الحاجبة أو البوابة, لكي تؤمن الحد الادني من احتياجات البيت. وهذا كان عمل السيدة عونا علي استمرارنا في الحياة, فقد كان بالنسبة لي زيادة في المهانة والاحساس بالاثم والعار, وبسرعة لم اكن اتصورها تدهورت حالتي النفسية الي درجة فاجأتني, لانني كنت اظن نفسي اكثر صلابة, واكثر قوة وقدرة علي مقارعة الظروف الصعبة, ولم اكن اطلاقا اظن انني هش كل هذه الهشاشة, وتمكن مني نفور من الناس والحياة العامة في الشارع فانزويت داخل البيت, وبدل ان استفيد بهذه الخلوة في الكتابة, والبحث والقراءة, وجدت نفسي انفر من اية قراءة أو كتابة, أو حتي مشاهدة التلفاز, ابقي طوال اليوم نائما في سريري, أو جالسا احدق في الفراغ, في غرفة المكتب أو المكتبة, الي ان جاء يوم افلحت في ربط شرشف في الثريا المعلقة في سقف غرفة النوم, وصنعت بها مشنقة احطت بها عنقي, وانا واقف فوق الكرسي, وضربت الكرسي بقدمي فصرت اتدلي مخنوقا, الا ان الشرشف لم يكن ضاغطا بما يكفي علي حبال العنق, فكان هناك رمق من حياة عندما جاءت ام الاولاد واطلقت صرخاتها وتعاونت علي انزالي هي وعلي, اكبر اولادنا, بعد ان فكا الرباط حول عنقي. نجوت هذه المرة من الموت انتحارا, ولكنني احسست حقا وصدقا انا السيد العقيد حقق انتقامه مني, ودون ان تكون له حاجة ان يصدر امره لحارسه عامر ان يقتلني, لانه جعلني اقوم شخصيا بدور الجلاد واتولي بنفسي تنفيذ امر الموت في شخصي, فالخائن يعجز احيانا عن معرفة نفسه, اما الزعيم فانه يعرف الخائن من عينيه.
تمت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.