كان شعار يسقط حكم العسكر عند ظهوره في ميدان التحرير, شعارا زائفا أوحت به شطحات بعض اليساريين, وأغراض خاصة للإخوانيين,وأوهام لليبراليين, جمعها معا عداءها لجمال عبد الناصر ومشروعه الوطني واستغلت سوء آداء المجلس العسكري السابق,وإعتقاد بعض شباب الثورة أن هذا الهتاف يؤكد القطيعة مع نظام مبارك بعد خلعه. لم يفكر الشباب بأننا نعيش واقعا سياسيا يتقاسمه المجلس العسكري والإخوان المسلمين,.وأن الهتاف يضعف المجلس لصالح الإخوان, وأن خروجا عاجلا وغير مدروس للمجلس العسكري من المشهد يؤدي لهيمنة إخوانية كاملة تعيق تمكين أجيال الشباب الجديدة من إستحقاقها التاريخي في قيادة البلاد كنتيجة طبيعية لثورة يناير. وأنهما قوتان غير ثوريتين رغم مساهمتهما في نجاح الثورة بسبب ظروف طارئة اضطرتهما للمشاركة فيها, لذا فبقاؤهما معا هو البديل المتاح إلي حين ايجاد الظروف التي تؤدي إلي رحيلهما معا, وإفساح المجال لقوي الثورة. في صخب الميدان لم يتيسر فهم هذا المنطق, ولا إدراك تعارض هذا الهتاف البائس مع حقيقة أن مصر لم تعرف منذ عام1956- علي الأقل- مايمكن تسميته ب حكم العسكر الذي يهتفون بسقوطه.فرغم أن رئيس الدولة منذ قيام ثورة يوليو كان عسكريا,فإن حجم حضور وتأثير القوات المسلحة في القرار السياسي المصري لم يجسد حكما عسكريا سواء لمجموعة معينة من العسكر أو للمؤسسة العسكرية. وربما لم يزد عن حجم حضور وتأثير الجيوش في القرار السياسي في معظم الدول الليبرالية الحديثة.وهي حقائق أكدها اختفاء أي رد فعل سلبي داخل القوات المسلحة علي السياسات المتناقضة التي اتبعت في عهود الرؤساء الثلاث( عبد الناصر والسادات,ومبارك)ونجاحهم تباعا في حسم جميع صراعات الحكم لصالحهم حتي ما كان منها في مواجهة قيادات القوات المسلحة. وأن أعضاء تنظيم الضباط الأحرار- كانوا من صغار و متوسطي الرتب العسكرية-لكنهم لم يكونوا مجرد عسكر,فقد أمضوا في نوادي السياسة وأروقة الأحزاب السياسية أضعاف ما أمضوه في معسكرات الجيش قبل أن ينجح تنظيمهم في قلب نظام الحكم ليلة23 يوليو.1952 وتأكد-بعد نجاح حركتهم- امتلاكهم لرؤية سياسية لتغيير الأوضاع في البلاد افتقدتها جميع القوي السياسية القائمة في البلاد إبان العهد الملكي. كما لم ينفع التحذير من أن هذا الهتاف يصطدم مع مشاعر الشعب التي تجلت في الاستقبال المدوي لطلائع القوات المسلحة القادمة للميدان والهتاف الشهير الجيش والشعب إيد واحدة, ويمثل قطيعة معرفية مع خبرات الشباب المباشرة والتي تؤكد أنه لولا رفض جيش الشعب الوقوف في مواجهة الثورة لما نجحت في إزاحة مبارك. وأن من يزعمون أن حكم العسكر هو قرين الفشل والبلاء في جميع الأحوال والبلدان ويشجعون علي الهتاف بسقوطه, إنما تعميهم أغراضهم الخفية عن حقيقة أنه لايوجد في ماضيهم ما يفاخرون به إلا حكم العسكر.الإخوان وحلفاؤهم يباهون الدنيا بفاتح مصرعمرو بن العاص, وقائديها قطز وصلاح الدين, وجميعهم من العسكر. أما فصيل الليبراليين واليساريين فأكثرهم من دعاة الفرعونية التي لاتكاد ذاكرة المصريين تحتفظ من حكامها بغير القادة العسكريين مؤسسي أشهر وأقوي الأسر الحاكمة الفرعونية مثل أحمس وتحتمس ورمسيس وحور محب, وفي العصر الحديث فإن قبلتهم الفكرية والسياسية هو العسكري الألباني محمد علي الذي يعتبرونه مؤسس مصر الحديثة ويتناسون في سبيل أغراضهم- كل ما صبغ حكمه من معالم الحكم المملوكي العسكري بحق. لاعجب والحال كذلك أن تسارع جماهير الشعب لإسقاط هذا الشعار الزائف يسقط حكم العسكر لتعلن استرداد وعيها الصحيح واستعادة تواصلها مع تاريخها المعرفي والسياسي. يبقي علي من فشلوا في تزييف وعي الشعب أن يفكروا في الوسائل الانتقالية الصحيحة لإنجاز التحول باتجاه نظام ليبرالي حقيقي,وان يدركوا أنه بدون مشاركة قواتنا المسلحة, بشكل مقنن ومتفق عليه, ولا يتعارض مع الدستور والقيم والمبادئ الدستورية, فإن غضبة الشعب قد تؤدي بنا في أي لحظة إلي حكم عسكرحقيقي.ساعتها سيدركون حجم ما أنتجت خطاياهم, ويدركون أن مصر لم تعرف بعد ثورة يوليو حكم عسكر مما تتبجح به شعاراتهم الزائفة. لمزيد من مقالات أحمد عبد الحفيظ