لم يمر بمصر من قبل مثل هذا التحدي الأمني الخطير الذي تواجهه في هذه الأيام العسيرة برغم أنها شاركت من قبل في عدد من الحروب المتتالية بداية من1948 إلي1973, ودورها العسكري في حرب الخليج1991, وجهدها الإقليمي في عمليات حفظ السلام حين شاركت بقوات من الجيش والشرطة ومدنيين من الشعب, قدموا من خبراتهم الكثير لدول صديقة قاست من الفوضي والمحن والحاجة إلي التنمية والاستقرار. والآن يواجه هذا الثلاثي المصري الأمني الجيش والشرطة والشعب تحديات أخري جديدة فرضت نفسها فجأة علي مصر في عالم مختلف انقلبت فيه الموازين والأهداف والأدوات والخرائط الإقليمية والعالمية. الجيش المصري المنوط به في الأساس الدفاع ضد التهديدات الخارجية وجد نفسه بعد اندلاع ثورة25 يناير2011 متورطا في مواجهات داخلية, وتحولات ديمقراطية, وتهديدات إرهابية وفكرية لم تكن في الحسبان, وبجانب ذلك اهتزت علاقاته التسليحية والتدريبية, وشاع الضباب في علاقاته السياسية مع العالم الخارجي وخاصة الدول الغربية وعلي رأسها الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي. لقد توقفت مناورات النجم الساطع ذات الطابع الإقليمي والدولي بما أعطت لمصر من رؤية إستراتيجية واسعة علي امتداد المتوسط, وعلاقات عسكرية مع دول الاتحاد الأوروبي وكندا جعلت من مصر عنصرا إقليميا قائدا في تلك المنطقة من العالم في مواجهة الانتشار الصيني والإيراني الذي يتمدد خطوة بخطوة علي امتداد المتوسط شمالا وإفريقيا جنوبا. ويعتبر الجيش المصري العاشر في العالم عددا وعدة, وانسحاب الجيش المصري من تلك التدريبات والمناورات الإقليمية, وانسحابها من الساحتين المتوسطية والإفريقية, سوف يؤثر سلبا علي دور مصر في هذه المنطقة من العالم. من لحظة اندلاع ثورة25 يناير2011 دخل الجيش المصري' معركة الديمقراطية' ونادي بها بوصفها بنية الإصلاح الأولي برغم ما واجهه من التيارات الدينية المضادة. وعلي عكس ما يعتقد البعض كانت معركة الديمقراطية والفوز بها خطوة مهمة بانت في الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي تمت تحت رعاية القوات المسلحة وحمايتها. وفي عدم وجود برلمان منتخب بعد ذلك لأسباب دستورية استمرت الحوارات متبادلة مباشرة وغير مباشرة, ساخنة وباردة, بين الطرفين المدني والعسكري, وكان واضحا أنه بدون تطوير هذه الآلية السياسية وتصحيح أخطائها فلن تنمو هذه العلاقات بما يفيد مصلحة الدولة والمجتمع. ولاشك أن البرلمان في المستقبل سوف يحرص علي امتلاك قدرات خاصة للدراسات الأمنية تتيح لأعضائه معرفة أوسع في التخصصات الأمنية والعسكرية. ويتعلق بذلك أيضا طبيعة الدولة الديمقراطية, وتطورها, ورؤيتها لمفهوم' سرية المعلومات', وهل كل ما يتعلق بالجيش' سري للغاية؟ وهل من حق أعضاء البرلمان أن يعرفوا كل ما هو' سري' أو' سري للغاية' في كل ما يواجههم من موضوعات أمنية معقدة. وتمثل' الشرطة' الضلع الآخر لمنظومة أمن الدولة. فإذا كان دور الجيش الدفاع عن الدولة والشعب من تهديدات الخارج, فدور الشرطة الدفاع عنهما من تهديدات الداخل وحماية الفرد من كل تهديد موجه إليه. لذلك يقع علي عاتق الشرطة مسئولية ثقيلة والسبب أن تهديدات الداخل تتكرر كل ساعة وكل يوم طبقا للمتغيرات المختلفة وعلاقتها بأمن الفرد والمجتمع. لذلك يطرح دائما في الدول المتقدمة سؤال يتكرر عن' نوعية الشرطة' في المستقبل, وطبيعة دورها, ومدي انحيازها للقانون والشعب. ومن هنا نجد أن التكلفة المادية للمحافظة علي الأمن والاستقرار الداخلي عالية جدا. ويعكس الواقع أهمية وجود منظومة أمنية قادرة علي مكافحة الجريمة وتأثير ذلك علي نوعية الحياة ونمو الاقتصاد وانتعاشه. وأول ما يسأل مستثمر جاد من الخارج يكون دائما عن مدي حياد الشرطة وحرفيتها. وقد أثبتت التجارب البعيدة والقريبة أن الشرطة برغم ما تبذله من جهد في مصر لم يكن علي مستوي التحدي المجتمعي في أكثر من مواجهة, وأن جهدها كان موجها إلي حماية السلطة أولا وليس الشعب, وأن قدراتها وإمكانيتها لا تتفق مع متطلبات المجتمع وتطوره. لذلك من واجب الشرطة في المستقبل أن تكون قادرة علي مواجهة الجريمة بأنواعها المختلفة وسط أطر اجتماعية وجغرافية متعددة. وقد أثبتت التجارب المتتالية, وما يحدث من صدامات متكررة بين الشرطة والشعب, الحاجة الماسة للحضور الشرطي في الشوارع المكتظة, وفي الأماكن الحساسة, مع الاهتمام بالتحديث الشرطي المستمر, والتدريب تحت قيادات تفهم معني' القيادة والسيطرة'. كما يجب أن تخضع مؤسسة الشرطة للرقابة والمحاسبة علي مستوي الأداء, والحرفية في العمل, وكيفية التعامل مع الجمهور بأطيافه المختلفة. لقد أثبتت التجربة أن فترات وجود رجال الشرطة في الشارع يؤثر إيجابيا علي عدد الجرائم; فكلما زادت فترة التواجد الشرطي بنسبة10% تقل نسبة الجريمة بحوالي3% كما بينت بعض الإحصائيات. والتحديات التي تواجه الشرطة حاليا تبدأ بالإرهاب, والجريمة المنظمة, وتتأثر إيجابيا بالمحاسبة الداخلية, وزيادة دخل رجل الشرطة ومدي كفايته, وأهمية إعطاء أفرادها راتب متميز, وراتب إضافي طبقا لطبيعة العمل, مع التركيز علي جودة التدريب. ويجب أن تعلم الشرطة أنها مسئولة أمام قيادتها وأمام الشعب من خلال ممثلين منتخبين, وأمام العامة علي مستوي الأحياء, والقيادات المحلية, وعلي المستوي التخطيطي والتنفيذي, وأن تكون من أهدافها الأساسية خفض مستوي الجريمة, وأن تشعر الناس بالأمان والرضي عند التعامل مع الشرطة. ويمكن القول حتي الآن أن معدلات الثقة في رجال الشرطة مقارنة بالعاملين في الوظائف الأخري أقل من الطبيب والمدرس والقاضي, وفي المقابل يجب أن نعترف بأن معدلات استشهاد ضباط وجنود الشرطة عالية مقارنة بالمهن الأخري. وهناك قائمة شرف طويلة من شهداء الشرطة من أول رتبة اللواء حتي رتبة الجندي المقاتل. ولن ننسي الشهيد البطل اللواء محمود عادل والمقدم البطل عمرو عبد المنعم وكل أسر الأبطال من الضباط والصف والجنود الذين ماتوا في ساحة الشرف في سيناء ضد الإرهاب في أغسطس2005, وحتي الآن لا نجد من المعلومات ما يكفي لتوصيف الوضع الحالي للإرهاب في مصر, وهل نحن في مصر نواجه مشكلة إرهاب أم لا؟ وما هي حجمها؟ وما هي أسبابها؟ ولاشك أن المؤسسات الأمنية الحالية بكل أطيافها سوف تتغير مع الوقت بما فيها وضعها الدستوري والقانوني, وقوتها البشرية ونسبتها لعدد السكان, وظروفها المعيشية, وعلاقتها بمجلسي الشعب والشوري, ومستوي الفساد والشفافية, ونظم الرقابة والمحاسبة, وكذلك دور المرأة في ترسيخ الأمن في المستقبل.