استشهاد 3 فلسطينيين على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على رفح    لحظة وصول بعثة الأهلي مطار قرطاج استعدادا للعودة إلى مصر (فيديو)    تشكيل الزمالك المتوقع ضد نهضة بركان في إياب نهائي الكونفيدرالية.. جوميز بالقوة الضاربة    رئيس «مصر العليا»: يجب مواجهة النمو المتزايد في الطلب على الطاقة الكهربائية    نشرة منتصف الليل| الحكومة تسعى لخفض التضخم.. وموعد إعلان نتيجة الصف الخامس الابتدائي    محافظ بني سويف: الرئيس السيسي حول المحافظة لمدينة صناعية كبيرة وطاقة نور    بعد الانخفاض الكبير في عز.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد بالمصانع والأسواق    رضا حجازي: التعليم قضية أمن قومي وخط الدفاع الأول عن الوطن    حزب الله يستهدف عدة مواقع لجيش الاحتلال الإسرائيلي.. ماذا حدث؟    تعزيزات عسكرية مصرية تزامنا مع اجتياح الاحتلال لمدينة رفح    حماية المنافسة: تحديد التجار لأسعار ثابتة يرفع السلعة بنسبة تصل 50%    اسكواش - وأخيرا خضع اللقب.. نوران جوهر تتوج ببطولة العالم للسيدات    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    محمود أبو الدهب: الأهلي حقق نتيجة جيدة أمام الترجي    باقي كام يوم على الإجازة؟.. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    الأرصاد الجوية تحذر من أعلى درجات حرارة تتعرض لها مصر (فيديو)    حقيقة تعريض حياة المواطنين للخطر في موكب زفاف بالإسماعيلية    شافها في مقطع إباحي.. تفاصيل اتهام سائق لزوجته بالزنا مع عاطل بكرداسة    مصطفى قمر يشعل حفل زفاف ابنة سامح يسري (صور)    حظك اليوم برج العذراء الأحد 19-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    أصل الحكاية.. «مدينة تانيس» مركز الحكم والديانة في مصر القديمة    باسم سمرة يكشف عن صور من كواليس شخصيته في فيلم «اللعب مع العيال»    "التصنيع الدوائي" تكشف سبب أزمة اختفاء الأدوية في مصر    بعد ارتفاعه.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 19 مايو 2024    وظائف خالية ب وزارة المالية (المستندات والشروط)    إجراء من «كاف» ضد اثنين من لاعبي الأهلي عقب مباراة الترجي    قفزة جديدة ب160 جنيهًا.. سعر الذهب اليوم الأحد 19 مايو 2024 بالصاغة (آخر تحديث)    أوكرانيا تُسقط طائرة هجومية روسية من طراز "سوخوى - 25"    رئيس الموساد السابق: نتنياهو يتعمد منع إعادة المحتجزين فى غزة    رقصة على ضفاف النيل تنتهي بجثة طالب في المياه بالجيزة    نقيب الصحفيين: قرار الأوقاف بمنع تصوير الجنازات يعتدي على الدستور والقانون    مدافع الترجي: حظوظنا قائمة في التتويج بدوري أبطال أفريقيا أمام الأهلي    دييجو إلياس يتوج ببطولة العالم للاسكواش بعد الفوز على مصطفى عسل    صرف 90 % من المقررات التموينية لأصحاب البطاقات خلال مايو    اليوم السابع يحتفى بفيلم رفعت عينى للسما وصناعه المشارك فى مهرجان كان    ماجد منير: موقف مصر واضح من القضية الفلسطينية وأهداف نتنياهو لن تتحقق    أخذتُ ابني الصبي معي في الحج فهل يصح حجُّه؟.. الإفتاء تُجيب    رغم تعمق الانقسام فى إسرائيل.. لماذا لم تسقط حكومة نتنياهو حتى الآن؟    تزامناً مع الموجة الحارة.. نصائح من الصحة للمواطنين لمواجهة ارتفاع الحرارة    بذور للأكل للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    الهبوط والعصب الحائر.. جمال شعبان يتحدث عن الضغط المنخفض    حريق بالمحور المركزي في 6 أكتوبر    مصرع شخص في انقلاب سيارته داخل مصرف بالمنوفية    مسلم يطرح أحدث أغاني ألبومه الجديد «اتقابلنا» (تعرف على كلماتها)    «فايزة» سيدة صناعة «الأكياب» تكشف أسرار المهنة: «المغزل» أهم أداة فى العمل    إعادة محاكمة المتهمين في قضية "أحداث مجلس الوزراء" اليوم    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    تعرف علي حكم وشروط الأضحية 2024.. تفاصيل    وزير روسي: التبادلات السياحية مع كوريا الشمالية تكتسب شعبية أكبر    البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي الأمريكي سيبحث مع ولي العهد السعودي الحرب في غزة    على متنها اثنين مصريين.. غرق سفينة شحن في البحر الأسود    هل يعني قرار محكمة النقض براءة «أبوتريكة» من دعم الإرهاب؟ (فيديو)    نقص أوميغا 6 و3 يعرضك لخطر الوفاة    أدعية مستحبة خلال مناسك الحج.. تعرف عليها    وزير التعليم: التكنولوجيا يجب أن تساعد وتتكامل مع البرنامج التعليمي    نموذج إجابة امتحان اللغة العربية للصف الثالث الإعدادي محافظة الجيزة    إطلاق أول صندوق للطوارئ للمصريين بالخارج قريبًا    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رغم محاولات الطمس والتشويه‏
علماء الدين‏:‏ الهوية حائط الصد أمام تحديات الأمة
نشر في الأهرام اليومي يوم 18 - 11 - 2011

الهوية الثقافية والحضارية لأي أمة من الأمم‏,‏ هي القدر الثابت‏,‏ والجوهري والمشترك من السمات والقسمات العامة‏,‏ التي تميز حضارة هذه الأمة عن غيرها من الحضارات‏. والتي تجعل للشخصية طابعا تتميز به عن الشخصيات الأخري..وهي حائط الصد أمام المخاطر الحقيقية والتحديات الجسيمة التي تواجه كل أمة وبمقدار تمسك أفراد المجتمع بهويتهم تكون قوتهم, وهويتنا الإسلامية ترفض الصراع والسكون والموات وترفض التبعية والذوبان وترحب بالتعاون والتعاضد, لأن فلسفة الإسلام الأولي قائمة علي عمارة الكون بالصلاح والإصلاح.
وإذا كانت العصور الأولي قد شهدت استمساكا بالهوية الإسلامية وإدراكا لأهميتها, ومن ثم تقديمها علي ماعداها, فإن عقودا طويلة مضت أسهمت عوامل عدة في طمس تلك الهوية واستبدلت بها مصطلحات زائفة ما جنت من ورائها الأمة سوي الفرقة والشتات.. ولما كانت الهوية الإسلامية هي السبيل الوحيد للخروج من الأزمة التي تجتاح المجتمعات الإسلامية, فينبغي أن نحافظ علي هذه الهوية, بالاعتزاز بالإسلام لقوله تعالي: ومن أحسن قولا ممن دعا إلي الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين..وعن عوامل ضعف الهوية وكيفية التغلب عليها كان هذا التحقيق.
مفهوم الهوية
الهوية كما يوضح الدكتورأحمد السنتريسي مدرس مساعد بكلية الشريعة والقانون هي الانتماء إلي الله ورسوله وإلي دين الإسلام وعقيدة التوحيد التي أكمل الله لنا بها الدين وأتم علينا بها النعمة, وجعلنا بها الأمة الوسط وخير أمة أخرجت للناس, وصبغنا بفضلها بخير صبغة. ومن ثم فإن الإسلام الذي ارتضاه لنا المولي عز وجل دينا بقوله تعالي:اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا, يعبر عن الهوية التي ينبغي علي الأمة الإسلامية بأسرها أن تنتهجها, وأشار السنتريسي إلي أن المجتمع المصري يعيش الآن أزمة هوية حقيقية, ما بين الشرق والغرب, وما بين الانتماء للإسلام والانتماء لغيره من المناهج والأفكار الموجودة علي الساحة الفكرية والثقافية والسياسية, ولذلك فالهوية الإسلامية في المقام الأول انتماء للعقيدة, التي هي أهم الثوابت في هوية المسلم وشخصيته, وهي أشرف وأعلي وأسمي هوية يمكن أن يتصف بها إنسان, قال تعالي: ومن أحسن قولا ممن دعا إلي الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين.
الهوية وبقاء الأمة
ويبين الدكتور محمد عبد السلام كامل أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة عين شمس دور الهوية في الحفاظ علي بقاء أي أمة فيقول: إن الهوية تمثل حائط الصد أمام المخاطر الحقيقية والتحديات الجسيمة وفي مواجهة تحدي الهزيمة النفسية وهذا هو أخطر تحدياتنا المعاصرة لأنه يبدد طاقاتنا, ويشير إلي أن هويتنا كعرب ومسلمين هي الثقافة العربية الإسلامية, فالإسلام هو الذي طبع ثقافتنا بطابعه وصبغته صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون.. فهوية ثقافتنا هوية إسلامية وقد شهد بذلك العرب غير المسلمين فهذا ميشيل عفلق واحد من أبرز المفكرين القوميين يقول: إن الإسلام هو الثقافة القومية الموحدة لجميع أفراد المجتمع علي اختلاف أديانهم ومذاهبهم.
ويضيف الدكتور جمال عبد الهادي أستاذ الحضارة والتاريخ الإسلامي جامعة الأزهر: لقد ضاعت الأمة الإسلامية يوم أن فرطت في هويتها المتمثلة في التمسك بدينها ومن يقرأ التاريخ يجد أن المسلمين في كل عصور القوة والتقدم كانت الهوية ظاهرة واضحة في كل تحركاتهم وسكناتهم, وعندما أراد صلاح الدين استعادة بيت المقدس عمل أولا علي استعادة هوية الجيش الإسلامي فحرك الأمة لاستعادة هويتها وباستعادة الهوية كان النصر والتمكين والأمن والأمان.
الأمة رائدة بدينها
ويشير الدكتور جمال عبد الستار محمد أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر إلي أن محاولة تسويق الفرعونية علي أنها هوية الأمة المصرية في المباريات والمناسبات لمن أكبر الأضاليل في تاريخ الأمة; لأن هذه الأمة لم تكن رائدة بمجرد حضارة تمثلت في مجموعة من الآثار المبهرة, والمعابد والتماثيل التي تشهد مع عظمة بنائها علي مدي القهر والاستعباد الذي مورس علي أبناء الأمة, وتسخيرهم لتخليد ذكري الملوك ورفاهية الحكام.أما الهوية الإسلامية وحضارة الإسلام العريقة فهي التي أضاءت عقول البشرية كلها, وحررت الإنسان من العبودية وخلصت البلاد من القهر الروماني وغيره وصار الإنسان هو القيمة الحقيقية. فالهوية منظومة من المعتقدات والقيم التي تجب المحافظة عليها ونشرها لتسعد البشرية بها.
ويبين د. جمال عبد الستار أن الهوية الإسلامية هي الوحيدة التي وحدت الأمة وأرست قانون التعاون والتعايش لا التناحر والتنازع, وهي التي أعلت من قيمة الإنسان أيا كان دينه واعتقاده, وهي التي تركت آثارا إنسانية حضارية عظيمة, فمن آثارها تلك الكنائس الفارهة بجوار المساجد الكبري! ومن آثارها ذلك التعايش البناء بين المصريين علي أساس من المواطنة وحسن الجوار دون تفرقة بين الناس.
ويضيف د. محمود مزروعة العميد الأسبق لكلية أصول الدين أن في المجتمع المصري نجد المسلمين ونجد معهم غيرهم من الأقباط ونظرا لأن هوية بلدنا هي الهوية الإسلامية فإننا نري غير المسلمين قد تطبع كذلك بهذه الهوية لدرجة أن صارت الثقافة الإسلامية معبرة عن ثقافة الجميع, ونلحظ ذلك عند وقوع مشكلة معينة ورد الفعل تجاهها فنري تشابه الطريقة والأسلوب في التعامل مع هذه المشكلة بين كل أفراد المجتمع مسلم وغير مسلم,حتي من يقولون ويدعون أنهم علمانيون أو ليبراليون فإننا نجد في سلوكياتهم العامة فيما عدا شعائر الإسلام وعقائده نراهم متأثرين يقينا بالثقافة الإسلامية, ومن هنا فالإسلام والهوية الإسلامية هي مظلة أظلت الجميع وأثرت فيهم وتأثر بها الجميع.
طمس الهوية
لماذا تراجعت الهوية الإسلامية وتم طمسها أحيانا وبرزت هويات أخري كما هو الحال الآن؟ الدكتورأحمد السنتريسي يوضح أن هناك عوامل خارجية وعوامل داخلية تسببت في ذلك, فالعوامل الخارجية تمثلت في الاستعمار وأعوانه ومحاولتهم سلخ العرب المسلمين من هويتهم وعوامل داخلية تمثلت في الحكومات والمنظمات والمؤسسات في المجتمع ومدي توجهها وما يفرض عليها, مشيرا إلي أن الدول الغربية تسعي دائما إلي طمس الهوية الإسلامية لدي المجتمعات الإسلامية, حيث تعتبر الدول الغربية الهوية الإسلامية الخطر الأكبر الذي يهدد وجودها, لذلك فهي تسعي جاهدة لطمس هذه الهوية عن طريق غزوها الفكري والثقافي والعسكري.فالغرب يسعي دائما إلي إدخال الأفكار والمعتقدات والثقافات التي تساعد علي طمس الهوية الإسلامية لدي المجتمعات الإسلامية, وجعل أبناء هذه المجتمعات يسعون إلي التقليد والاعتناق الأعمي لهذه الأفكار والمعتقدات والثقافات, معتقدين أن هذا هو ما فيه صالحهم الشخصي وصالح مجتمعهم, وذلك سواء عن طريق الغزو الفكري أو العسكري, وينتج عن ذلك أن يكون أفراد المجتمع شيعا وفرقا كثيرة تتناحر مع بعضها البعض غارقين في مفاهيم هذه الأفكار لتلك الثقافات البالية, ففي مصر وقبل ثورة25 يناير كانت الهوية الإسلامية تكاد تكون متلاشية ونجح الغرب بغزوه الفكري والثقافي في طمس هذه الهوية بطرق متعددة, منها محاولات القضاء علي التعليم الديني أو علي الأقل التقليل من فاعليته. ويضيف الدكتور جمال عبد الهادي أن من العوامل التي أثرت في الهوية العربية تعرض الحكومات والأنظمة العربية لضغوط كبيرة من قوي الغرب من أجل القضاء علي التعليم الديني, ونظرا لأن المؤسسات الحكومية كانت لا تمانع في إجراء أي تعديلات تفرض عليها, فالكل كان حريصا علي تنفيذ تلك المخططات التي هي جزء من مخططات أكبر ومساع للولايات المتحدة والغرب بهدف تفريغ التعليم الديني من محتواه.. وقد ظهر أثر هذه العوامل في تحرج بعض المسلمين من إظهار الشعائر والمفاهيم كالحدود والحجاب, وكذلك حذف المقررات الخاصة بالجهاد وتغييب القدوة الإسلامي وجعل مادة التربية الإسلامية مادة هامشية ولا تضاف إلي المجموع وعدم اختيار المدرس القدوة.
ويضيف د.مصطفي حلمي أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة أن من أساليب طمس الهوية: تزييف التاريخ الإسلامي والتشكيك في حوادثه, وإبراز النماذج المنحرفة, والحوادث المؤسفة, وتضخيمها; لتتشبع الأجيال الناشئة بكراهية الإسلام والنفور من تراثهم وتاريخهم.ومن هذا الباب: السخرية من رموز الإسلام من أجل إضعاف التأثر بهم.
ويشاركه الرأي الدكتور جمال عبد الستار قائلا: ومن دلائل سعي الغرب ومحاولته طمس الهوية الإسلامية من خلال محاربته للغة العربية ومحاولته القضاء عليها أنه أي الغرب لما احتل بلاد المسلمين كان من أبرز وسائله في تذويب الهوية الإسلامية أنه حارب اللغة العربية ونشر أنواعا من العادات في الملبس والمأكل والمناسبات وصلت بالأمة إلي المذلة والمهانة حتي صار وقتها السمت غير الإسلامي هو الغالب, فالجامعة خلت ساحتها من الحجاب وأصبح العري هو المهيمن علي الشوارع والمنتديات والجامعات, حتي أسماء الشوارع والمحلات وعبارات التحية وأسماء الأطعمة والمؤسسات فكثير منها تحولت إلي استخدام أسماء غير عربية, وكلها محاولات صنعها الغرب وساعدت فيها الحكومات كان هدفها القضاء علي اللغة العربية باعتبارها رمزا للهوية.
كيف نستعيد هويتنا؟
وللتغلب علي كل هذه الأسباب واستعادة الهوية الإسلامية وتعميقها يقول الدكتور جمال عبد الهادي إنه لابد من الاهتمام بالتعليم والإعلام, أي تربية الشعوب وتثقيفها علي أساس العقيدة والقيم التي تعتقدها, ونقل المعارف العلمية مجردة غير مشوبة بقيم الآخرين وأساليب حياتهم; فمنظومة التعليم والإعلام لا بد أن تكون منظومة قوية مؤثرة, وإلا فإن الناس سوف ينفضون عنها; لأن هناك من الوسائل البديلة عنهما في الوقت الحاضر ما لا تعجز عن ابتكاره القرائح.وقد يدفع الفضول معظم الناس إلي متابعة الغث مما يعرض عليه, ثم لا يلبثون أن يعودوا إلي الحق أو يثوبوا إلي رشدهم; لأن الحق باق لا يبطله شيء.
ويضيف د.جمال عفيفي أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر أن الدين الإسلامي هو الذي يقيم ويبني شخصية المسلم التي تمثل هويته التي يتميز بها عن من ينتسبون إلي مجتمعات أخري فنلاحظ أن النبي صلي الله عليه وسلم يريد أن يحافظ الرجل علي هويته كرجل والمرأة علي هويتها كامرأة فقال لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال فهؤلاء المتشبهون يخالفون فطرة الله التي فطر الناس عليها وهذا طمس ومحو للهوية يرفضه الدين رفضا باتا, يضاف إلي ذلك أن البعض يفخر انه ينتمي إلي دراسة أو ثقافة معينة ويتبرأ من ثقافته العربية وهذا جانبه الصواب لأن العرب والمسلمين هم أصل الحضارة, ففي العصور الوسطي كان المسلمون في أقصي درجات التحضر والرقي في الوقت الذي كان فيه الغرب غارقا في الأوهام والخرافات.لدرجة أن أطلقوا علي هذه الحقبة من تاريخ الغرب بالعصور المظلمة ونلاحظ أن الغرب لم ينفتح علي آفاق الثقافة العلمية إلا بعدما درسوا التراث العربي الإسلامي العلمي من العرب الذين اكتشفوا أصول وأسس المنهج التجريبي كالحسن بن الهيثم وجابر بن حيان وغيرهما من علماء العرب الذين أرسوا دعائم المنهج التجريبي وليس أدل علي ذلك من المكانة التي يحتلها ابن رشد من عند علماء الغرب وهذا دليل علي عمق وأصالة الفكر العربي الإسلامي.
القومية والوطنية والهوية
يقول الدكتورجمال عبد الهادي أنه ينبغي أن نعلم أن الهويات تنقسم إلي ثلاث دوائر متباينة أحيانا, ومتداخلة أحيانا أخري, وهي: الانتماء الجغرافي, والانتماء العرقي, والانتماء الديني. والانتماءان الأولان هما المذكوران في قوله تعالي: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير. والإسلام بهذا أقر بهما دون أن يكون لأحدهما استعلاء عنصري, وذلك كله منصهر داخل الرابطة العقدية رابطة الإسلام الذي صنع للأمة أسلوب حياتها ونظمها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية; لذلك فإن من أبرز ما يميز هويتنا أن مرجعياتها لا تفرق بين الأجناس أو الأعراق, وهذا يعكس قوة الوحدة السياسية المبنية علي أساس عقدي واحد هو الإسلام. أما الوطنية بمفهومها المعروف اليوم, المحصور في قطعة أرض رسم حدودها أعداؤنا, أو الارتباط بعرق أو لون أو جنس, فهذا مفهوم دخيل لم يعرفه السلف ولا الخلف, وإنما طرأ علينا ضمن ركام المفاهيم المخربة التي زرعها الاستعمار وأذنابه لمزاحمة الانتماء الإسلامي, وتوهين الهوية المسلمة التي أذابت قوميات الأمم التي فتحتها في قومية واحدة هي: القومية الإسلامية, ودمجتها في أمة التوحيد. وأضاف: ظهرت كثير من الحركات والدعوات التي دعت للحفاظ علي حق الأمة في هويتها ونظام حياتها, وكانت جميعها تعمل في ميدان التحرر الوطني, إلي جانب عملها في الدفاع عن الهوية الإسلامية, والتي كانت تدفع حركات التحرر الوطني, وتمدها بالزاد الفكري والعملي الأصيل وكان الانتماء السياسي الإسلامي ظاهرا وواضحا لدي هذه الحركات, وظل الأمر كذلك حتي بدا الوجه الآخر المقابل لهذا الانتماء, وهو وجه القومية, وحاول الاستعمار ومن صار علي دربه نزع لباس الإسلامية عن هذه الحركات التحررية وصبغها بصبغة القومية لتعلن أن هذه الحركات لم تسع للتحرر بدافع الدين حتي لا تكون دعوة للتمسك بالدين وإنما بدافع الوطنية فرغم أن مصطفي كامل وأحمد عرابي ميولهم دينية وهويتهم إسلامية إلا إننا لانسمع عن ذلك شيئا.
يضيف الدكتور مصطفي حلمي: فلو نظرنا إلي مصر, فنجد أن الشعب في ثورة1919 م لم يرفع شعارا غير الإسلام, لذلك كان الصراع متجسدا في النفوس, علي أنه صراع بين الحق والباطل, وكانت القيادة وقتها متمثلة في الأزهر الذي نجح في إجلاء الفرنسيين, ولكن بعد أن بدأت الولاءات القومية والوطنية تزاحم الهوية المسلمة, ظهرت الأزمة في مواجهة المستعمر.
العروبة جزء من الهوية
ويؤكد د. محمد عبد السلام أن الهوية الإسلامية تستوعب القومية العربية, فالعروبة لغة وتاريخا جزء أصيل من أجزاء الهوية الإسلامية ولا تعارض بين القومية العربية والهوية الإسلامية, فالعربي المسلم عربي لغة وتاريخا ومسلم ديانة وثقافة, والعربي غير المسلم عربي لغة وتاريخا ويحمل أيضا في تراثه الحضارة الإسلامية لأنه جزء أصيل منها; ومن ثم فإن تأجيج الخصومة بين العروبة والإسلام أمر لا مبرر له, ومعظم المفكرين الإسلاميين التنويريين أبرزوا هذه النقطة في مؤلفاتهم, وبينوا أنه لا تعارض بين الهوية الإسلامية والقومية العربية لأنها تصب في أركان الثقافة التي تقوم عليها هذه المنطقة ممثلة في لغتها وتاريخها وحضارتها, ومن يحاول تأجيج الخصومة إنما هو مبغض لا يريد للعروبة أن تنهض ولا يريد للإسلام أن ينشر حضارته.
أزمة أمة!
ويري د.مصطفي حلمي أن القضية ليست في الهوية, ولكنها في الأمة الإسلامية نفسها; لأن منظري الغرب عامة, والأمريكيين علي وجه الخصوص, يعلمون أن الإسلام هو البديل الحضاري القوي, الذي يمكنه دون غيره أن يملأ الفراغ الذي تعانيه الحضارة الغربية اليوم, بخلاف الأطروحة الصينية أو اليابانية, التي لا تقدم نموذجا متكاملا للحضارة.وهذه الحقيقة ملموسة رغم أنها تغيب عن كثير منا, وقد اعترف بها غير واحد من باحثيهم, علي سبيل المثال: هانتنجتون, وأرنولد توينبي الذي توقع قدوم الإسلام, لعمق شعوره بأزمة الحضارة الغربية; حيث قال: هناك مناسبتان تاريخيتان, أثبت الإسلام فيهما, أنه يستطيع أن يقود العالم: الأولي: علي أيام النبي صلي الله عليه وسلم والخلافة الراشدة, والثانية: في الحروب الصليبية, عندما قام صلاح الدين بقيادة الأمة علي أساس الإسلام, وله نبوءة مستقبلية إذا حدث تغير علي المسرح العالمي, فيقول: سيعود الإسلام ليؤدي دوره من جديد, وأرجو ألا أري ذلك اليوم لذلك لا نعجب من إعلان حلف شمال الأطلسي: أن الخطر القادم هو الإسلام, ومن هنا يتضح أن الأمة مستهدفة لذاتها ولدينها.
وينبه د.جمال عبد الهادي إلي نقطة مهمة وهي عدم طرح مسائل العقيدة, والقيم, والثوابت والأمور المعلومة من الدين بالضرورة للحوارمشيرا إلي أن ثوابت الهوية تتمثل في سلامة المعتقد وثبات المصدر التشريعي, والذي يتمثل في التمسك بالكتاب والسنة, والبعد عن البدع والخرافات لأن العقل لا ينشئ علما, بل إن العلم مصدره الله سبحانه الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان. فالتمسك بمصادر التشريع يؤدي إلي التمسك بقيم وثوابت, فلكل أمة من الأمم ثوابت تمثل القاعدة الأساسية لبناء الأمة وفي مقدمة هذه الثوابت تأتي الهوية باعتبارها المحور الذي تتمركز حوله بقية الثوابت, ولا تستحق أمة من الأمم وصف الأمة حتي تكون لها هويتها المستقلة والمتميزة عن غيرها من الأمم.
حلم وطني
ويري د. محمد عبد السلام كامل أن استعادة الهوية يكون عن طريق استدعاء الثوابت التي لا تتغير وبثها في نفوس الناشئة والشباب, ولابد من وضع حلم وطني نلتف جميعا حوله وليكن هذا الحلم هو استعادة الهوية ثقافيا وتعليميا, فمنظومة التعليم والثقافة لابد أن تتجه اتجاها واحدا متكاملا وتنسق فيما بينها, ولابد لمؤسسة البيت والمدرسة والمنابر الإعلامية والثقافية من التكامل, فالمشكلة في عالمنا العربي أن الجهود لا تتكامل وإنما تكون فردية, ولعلنا نلحظ أن العمل المؤسسي غير واضح, عكس الغرب الذي ما تفوق وتقدم إلا من خلال العمل المؤسسي الذي يبني شيئا فشيئا في تكامل وانسجام وتوافق. وهنا يبرز دور التعليم والثقافة اللذين بني المسلمون حضارتهم عليهما, وهم الذين أسسوا المناهج الاستقرائية والاستنباطية والنقدية التي تعلم العالم منها وعندما فرطوا في هويتهم وتراجعوا وأهملوا هذا الدور قفز الغرب علي بضاعتنا وأخذها منا وطور فيها وصدرها إلينا مرة أخري علي أنها من ابتكاراته, وللأسف هناك من سار معه دون أن يلتفت إلي حقيقة التاريخ والي حقيقة ما تحمله الهوية الثقافية الإسلامية من جينات قادرة علي إنتاج الإبداع والابتكار للعالم, ويجب أن تكون العلاقة بين حضارتنا الإسلامية والحضارات الأخري قائمة علي التفاعل والتدافع والتنافس, فهويتنا الإسلامية ترفض الصراع والسكون والموات وترفض التبعية والذوبان وترحب بالتعاون والتعاضد, لأن فلسفة الإسلام الأولي قائمة علي عمارة الكون بالصلاح والإصلاح.
التمسك باللغة العربية
ويطالب د جمال عبد الستاربإعادة اللغة العربية إلي مكانتها في التدريس والإعلام والتعليم والقطاع العام, والمحافظة علي المناسبات الإسلامية كالهجرة وعاشوراء بضوابطها الشرعية وزرعها في نفوس أولادنا والاعتزاز بالهيئة الإسلامية في الشكل العام. وكذلك لابد أن نؤكد علي منهج الإسلام في المحافظة علي الهوية الذي نهي عن التشبه بالطقوس الدينية لغير المسلمين فقال صلي الله عليه وسلم: من تشبه بقوم فهو منهم. وكذلك نهي صلي الله عليه وسلم عن التقليد الأعمي لغير المسلمين وبين أن هذا التقليد إنما هو من علامات انحدار الأمة وتخلفها فقال صلي الله عليه وسلم لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتي إذا دخلوا جحر ضب دخلتموه خلفهم. ويشير د. أحمد السنتريسي إلي أن من سبل الحفاظ علي الهوية الإسلامية وعوامل ثباتها واستقرارها العناية بترسيخ العقيدة الإسلامية ودراستها والتحذير مما يخالفها وبيان ما يضادها, إلي جانب التعليم الشرعي والتفقه في الدين, بعلومه المتنوعة وعدم موالاة الدول الغربية التي تحاربنا في ديننا أو تحاول استعمار بلادنا.. وإنشاء مراكز الأبحاث والدراسات الهادفة إلي رصد الانحرافات الفكرية التي تخرج من بعض المارقين من قيم الإسلام ومبادئه, والتعقيب عليها بتفنيدها, وتدعيم دور الإعلام الإسلامي بكافة أشكاله مع إحياء حركة تجديد الدين بالمفهوم الواضح, لنعود إلي منابع الإسلام الصافية متمثلة في( منهاج النبوة), بعيدا عن مخلفات القرون..مع الدعوة إلي حتمية الحل الإسلامي لمعضلات واقعنا الأليم, وتحرير الهوية من كل مظاهر الخور والتبعية, والقضاء علي العقبات التي تحول دون تطبيق الإسلام كمنهج شامل للحياة. هذا بالإضافة إلي التصدي لمحاولات تذويب الهوية الإسلامية, وقطع صلة الأمة بدينها, والتي تجري اليوم علي قدم وساق من خلال تخريب مناهج التعليم, وتشويه التاريخ الإسلامي, وإضعاف اللغة العربية, ومزاحمة القيم الإسلامية بقيم غربية, وغير ذلك من أنشطة( التبشير) العلماني والغزو الفكري, وتسميم الآبار والمنافع الإسلامية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.