شهدت إيران العديد من الثورات التي كان لها تأثير عميق شمل أغلب مظاهر الحياة في المجتمع الإيراني ويذكر مؤرخ الفرس أن أول هذه الثورات كانت تلك الثورة التي قام بها الصفويون في القرن العاشر الهجري السادس عشر الميلادي وبسطوا سيطرتهم علي إيران كلها تحت قيادة الشاه إسماعيل الصفوي1501 م الذي أحدث ثورة عقائدية انقلاب مذهبي وذلك بتحويل إيران من المذهب الشافعي والحنفي إلي المذهب الشيعي الاثني عشر هادفا من ذلك أن تصبح إيران مختلفة عقائديا عن الدولة العثمانية ذات القوة العسكرية المتنامية... ومن خلال هذه الثورة تم فرض المذهب الشيعي علي الناس. وصحب هذه الثورة أو نتج عنها تأثيرات طالت المجتمع الإيراني كله وظهر أثر ذلك واضحا في فن المسرح الايراني فنشأ ما أطلق عليه مؤرخو الأدب الايراني المسرح المذهبي أو مسرح التعزية. هذا.. ويعتبر مسرح التعزية من الأركان والعلامات المميزة للمسرح الايراني علي مر العصور, حيث يجمع إلي جانب الفن المتميز جانب الالتزام ومن ثم فهو يلقي دعما متواصلا من المسئولين وإقبالا مؤيدا من الجمهور وتطويرا من المسرحيين وقد استطاع هذا المسرح منذ ظهوره في العصر الصفوي أن يعبر عن الشخصية القومية للإيرانيين وتعد التعازي أشهر الآثار الدرامية الأولي للفرس بل يمكن أن نسميها أولي تراجيديات إيران المسرحية وقد بدأ مسرح التعزية بسيطا يعرض في الشوارع والميادين ومما يروي في وصف ذلك قولهم إذا حل المحرم جد الجد وقامت الحركة علي قدم وساق لإقامة التعزية وضربت الخيام في الشوارع والميادين لتمثيل مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ويتولي الانفاق علي ذلك أهل الجاه والتقوي ويبدأ الاحتفال في الثامن من المحرم فيجتمع الناس في خيمة عظيمة مترامية الأرجاء وقد لبسو السواد وتعطلوا من كل زينة وأرسلت الشموع ضوءا شاحبا وساد سكون تقطعه بين الحين والحين همسات وزفرات, ويصف نصر الله فلسفي المقاهي التي كانت تتخذ أحيانا مسرحا بقوله كانت واسعة جدا وجدرانها بيضاء نظيفة وأبوابها تفتح من الجهات الأربع وفي أركان المقهي أماكن مخصصة للملوك والأمراء وكبار رجال الدولة وقد فرشت المقاهي بالبسط وكان الرواد يجلسون علي الأرض وفي الليل كانت المصابيح المدلاة من سقف المقهي تبعث ضوءا شاحبا ينعكس علي مياه الحوض الكبير الذي يتوسط المقهي وتسيل مياهه الصافية من أطرافه كان المسرح يعد من الأرائك الخشبية وسط المقهي ويبدأ العرض المسرحي عندما يعتلي المنشد خشبة المسرح ويبدأ في قراءة قصة استشهاد الحسين بصوت رخيم رقيق يلق الخشوع في القلوب ويستقطر الدمع من العيون, فيقوم من يحمل قارورة ومزعة من قطن ويطوف علي الباكين ليكفف دموعهم بالقطن ويعصرها في قارورته ولا يفرغ من هذا الصنيع حتي تمتليء قارورته ويؤمن الايرانيون بأن القطرة من هذا الماء لها أثر في شفاء الجروح ويزفر الحاضرون من قلب محزون ثم يدخل رجل جسيم كاشفا عن نصف جسمه الأعلي يهز عمودا غليظا يتدلي من وسطه ويتبعه آخر له مثل هيئته ويتلوهم سقاء يحمل قربة مليئة ينحني تحتها ظهرة العاري وهذا رمز واضح لموت الحسين بن علي ظما ثم يؤتي بنعش يتهادي علي أكتاف ثمانية رجال يمثلون أصحاب الحسين الذين قتلوا وهم يدافعون عنه وبعد مده يظهر للناس علي فرس أبيض عليه سرج أسود عليه آثار الجراح وكأن السهام رشقت في جسمه حتي كادت تخفي كل موضع فيه وهو الفرس الذي كان يمتطيه الحسين في كربلاء . وقد شهدت إيران في الفترة التي سميت تاريخيا بالإنقلاب الدستوري نهضة مسرحية إتجه فيها كتاب المسرح الإيراني إلي تقليد المسرح الفرنسي خاصة أو الأوروبي عامة سواء عن طريق الترجمة أو عن طريق اقتباس الفكرة وصياغتها بما يتواءم وظروف الكاتب والمجتمع الإيراني وفي مقدمة هؤلاء الكتاب المسرحيين ميرزا فتح علي آخوند زاده وميرزا آقاتبريزي اللذان يعدان من رودا المسرح الإيراني الحديث.. وفي ظل الحركة الدستورية أيقن الأحرار من ثوار إيران في تلك الفترة أن تأثير المسرح وقدرته علي عامة الشعب في تبصيرهم بالمفاسد الاجتماعية والسياسية يفوق بكثير تأثير دروس الوعظ والإرشاد والتوجيه المباشر لذا حرص العديد منهم علي إقامة مسارح شعبية إيمانا منهم بمدي فاعلية المسرح وكانت أهم فرقة مسرحية ظهرت في نهاية العصر القاجاري فرقة مؤيد وذلك نسبة إلي مؤسسها أحمد مؤيد وهو رجل أعمال كان يحب المسرح كثيرا ولذلك حاول أن إنشاءه علي أسس صحيحة وظهرت بذلك أول فرقة مسرحية سيطرت علي المسرح الإيراني بلا منازع. ومع تتابع ظهور الفرق المسرحية في الحياة الاجتماعية الايرانية ازدهر الأدب المسرحي وانتقل من مرحلة الترجمة والاقتباس إلي مرحلة الإبداع والابتكار وظهرت أنماط مسرحية جديدة كفن التمثيل الصامت والمسرح الشعري والمسرح السياسي الذي أرسي قواعده الأديب عبد المحسن نوشين(1871 م-1901 م) وعلي هذا أصبح المسرح الإيراني موضع اهتمام المثقفين والتجديديين, واحتل المرتبة الثانية بعد الصحافة من حيث الاهتمام, وحرصت الفرق المسرحية التي نشأت في هذا العهد علي اكتساب ميزات ديمقراطية وانتقادية مما حول المسرح من مسرح تسلية إلي مسرح سياسي انتقادي فخرج بذلك زمام الأمور من يد المسرحيين المقلدين إلي يد المجددين. وكانت الفرق المسرحية تابعة إما لأحزاب سياسية أو لسياسة معينة في القضايا الثقافية فأثرت بذلك علي المسيرة الفنية لهذه الفرق التي اهتمت بالآثار الوطنية ذات اللون الانتقادي لكن في المقابل مهدت تلك الفرق أرضية لتدريب الهواة وتعليمهم فنون المسرح ليظهر فيما بعد محترفون في المسرح قل نظيرهم في مجال الإخراج والتمثيل والكتابة المسرحية وتعدد تباعا ظهور الفرق المسرحية حتي وصل عددها إلي سبع فرق. فإذا ما بلغنا عهد رضا خان مؤسس الأسرة البهلوية عام1923 م والذي إتسمت سياسته بالاستبداد المطلق وآحادية التفكير والقرار برغم أن مشروعاته الإصلاحية إستهدفت تحديث إيران لكن وسائل تحقيقها اعتمدت علي القهر وفرض التغيير حتي أجبر علي التنازل عن العرش لأبنه محمد رضا في سبتمبر1941 م. وقد سار محمد رضا علي نمط سياسة والده القمعية وآثار السخط الشعبي ضده ومنح الإمام الخميني فرصة كي يعلن رفضه لأي تسوية مع النظام ويدعو لتغيير جذري وقيام حكم إسلامي وفي فبراير1979 تولت السلطة مجموعة ثورية يقوده.ا علماء الدين وبعد شهرين وعبر استفتاء عام استبدل نظام الملكية الذي دام لآلاف السنوات بجمهورية إسلامية يتولي فيها رجال الدين موقعا قياديا. المسرح الإيراني بعد الثورة بفعل التطورات السياسية والتغييرات الثقافية تطرقت المسرحيات إلي انتقادات للمعضلات الاجتماعية والفردية, وأصبحت انعكاسات لأصوات تمكنت من كسر القيود, لخوض تجربة جديدة, تعالج الحياة اليومية بقلقها وأمنها ومخاوفها وآمالها التي ترافق الناس. ومن حيث المضمون, فقد تحولت العلاقات الإنسانية العميقة والخالدة كالحب والتعاطف إلي مفاهيم اجتماعية, وتميزت المسرحيات بالواقعية. وحاول الكتاب المسرحيون تفسير المجتمع والتاريخ من وجهة نظر التغيرات الفكرية الحديثة, معتمدين في هذا المجال, علي الكوميديا الانتقادية والمسرح التقليدي, للقيام بإصلاحات اجتماعية. ويمكن أن نرصد في هذه المرحلة نوعين من المسرحيات: الأول: هو الذي يعكس حقائق حياة الناس مع إدراك عميق لهذه الحقائق, ويعطي صورة واقعية عن الآلام والمشكلات الاجتماعية بعد الثورة. والثاني: يعكس إحساس الإنسان بالعبث والتعب والملل, وتتم عرض هذه الصور عن طريق الحركات ورقصات الضوء وأنواع العرض الحديثة, بطريقة تقرب فن المسرح من السينما والموسيقي والرقص والرسم والشعر.ومن هنا يمكن القول إن المسرح بعد الثورة دخل إلي مجال المعرفة والتحليل وإيجاد البطل المضاد. ومن رواد هذه المرحلة أكبر رادي, وبهر ام بيضايي, وغيرهما, ولحق بهما جيل شاب منهم نادر برهاني مرند, محمد يعقوبي, ريما رامين فر, شبنم طلوعي, نغمه ثميني, حسين كياني, محمد رضائي راد, حسين مهكام, وحميد أمجد, وغيرهم كثيرون لا يسع المجال لذكر أسمائهم. وتميزت الكتابة لدي هؤلاء بالواقعية, فلم يعد الأبطال شخصيات أسطورية علي غرار رستم وسهراب وسياوش كما عهدنا سابقا, وإنما أصبح الناس العاديون أبطال التراجيديات الجديدة. ويمكن اختصار الكتابة المسرحية بعد الثورة في ثلاث مراحل: الأولي: بدايات الثورة في فترة الثمانينيات من القرن العشرين أو عصر البحث عن الذات. والثانية: في فترة التسعينيات أو عصر اكتشاف الهوية الوطنية, واهتمت الكتابة المسرحية في هذه الفترة بموضوع,,الدفاع ا''أي السنوات الثمانية للحرب الإيرانية العراقية. والثالثة: في أوائل القرن الحادي والعشرين حيث أصبحت الفرق المسرحية كثيرة, ففاقت عددها المائتين داخل إيران, وأصبحت تنشط بشكل خصوصي أو في إطار مراكز فنية وثقافية مختلفة, حكومية أو شبه حكومية أو غير حكومية. أما علي صعيد الأنشطة المسرحية, فهناك مهرجانات واحتفالات ومباريات وعروض مسرحية مختلفة, تقام علي مدار السنة, وعلي كل المستويات: الوطني والدولي ووصل عدد المهرجانات المسرحية إلي خمسة عشر مهرجانا. وتجدر الإشارة هنا إلي أن المسرح الديني في إيران لم ينحصر في قصص الأنبياء والأولياء, أو الاقتباس من الاحتفالات والتقاليد الدينية وعروض التعزية, بل تجاوز ذلك ودخل إلي الحياة اليومية للناس, واستلهم منهم أفكارا ليدخلها في المسرح ويعرضها علي المشاهدين, من أجل إيجاد حلول لمشكلات تطرحها المسرحيات, أو إيجاد وعي للقضايا البشرية والمجتمعية التي تعني الناس جميعا, وهم يواجهونها في حياتهم اليومية كحقيقة يعيشونها, وإن كان لا يزال أمام هذا النوع من المسرح طريق طويل للاقتراب من القمة. وقد لا حقت المسرحيات العاشورائية رواجا وشهرة وطنية شتاء2006 م, نذكر:''كربلاء من دون شمر''لرضا صابري, و'' فضل وفتاح'', و''لن يموت الضمير'',''الخلاص''ونحوها عديدة. اما تقيم المؤسسات الحكومية فاحتفالات متعددة في المدن الإيرانية بمناسبة ولادة الإمام الرضا وشهادته, فهناك العشرات من المسرحيات التي تطرقت إلي حياة الإمام من نواح مختلفة. وفي خريف سنة2007 م, أقامت وزارة الثقافة الايرانية الدورة الخامسة من'' المهرجان الوطني للمسرح الرضوي'', وتمت خلاله عروض مسرحية, موضوعها حياة الإمام الرضا بأبعادها المختلفة, وتنافس فيها المسرحيون من حيث الكتابة المسرحية والإخراج والتمثيل والديكور والموسيقي. وقرر المسئولون في وزارة الثقافة الإيرانية إقامة هذا المهرجان بشكل دولي ابتداء من سنة2008 وطرح اقتراح من قبل مكتب المهرجان بإنشاء اتحاد المسرح الديني في العالم الإسلامي فقوبل بترحيب من مختلف المحافل الإيرانية, وحتي بعض أعضاء مجلس الشوري الإسلامي.كما أن الجامعات والمراكز الثقافية والفنية الإيرانية أدلت بدلوها في تطوير المسرح الديني, فشجعت في القيام بدراسات معمقة عن هذا النوع من المسرح, ونظمت ندوات دولية في الغرض, علي غرار ما نظمته مركز الفنون المسرحية في وزارة الثقافة الإيرانية, بدعم من جامعة طهران ودار الفنانين الإيرانيين, في جانفي.