في سنة1967 م احتلت إسرائيل مدينة القدس وكل أرض فلسطين.. ومنذ ذلك التاريخ بدأت التنفيذ لسياستها الممنهجة ضد مقدسات الإسلام في فلسطين.. بدأت بالحفريات تحت الحرم القدسي الشريف لتمهدا لهدمه. وكي تقيم علي أنقاضه الهيكل الثالث الذي أعدت المنظمات الصهيونية بتمويل غربي.. كل أجزاء المعمار اللازمة لإقامته علي أنقاض الحرم القدسي الشريف. وفي أغسطس1969 م تمت تجربة إحراق منبر المسجد الأقصي كاختبار لرد الفعل العربي والإسلامي. فكان المؤتمر الإسلامي الذي أقام منظمة المؤتمر الإسلامي.. ولكن ذلك لم يمنع استمرار المخطط الصهيوني, ولا تصاعد الحفريات التي غدت تهدد الحرم القدسي الشريف.. واستمرت الاقتحامات الصهيونية للحرم, رغم تفجير أحدها لانتفاضة الأقصي.. بل لقد قننت سلطات الاحتلال منع الفلسطينيين من الصلاة حتي الصلاة في الأقصي.. اللهم إلا للعجائز, الذين تقل لديهم كما يظنون جاهزية الجهاد!. وفي1994 م حدثت مجزرة الحرم الإبراهيمي, التي استشهد فيها أكثر من ثلاثين من المصلين في صلاة الفجر.. ليتم بعدها تقسيم هذا الحرم, والاستيلاء علي معظمه.. وذلك تمهيدا لما تم هذا الشهر من ضم هذا الحرم ومعه مسجد سيدنا بلال ببيت لحم إلي التراث اليهودي! وليكون ذلك بروفة لما يعد للحرم القدسي الشريف!. ولقد تصور البعض من الذين لا يدركون قيمة سلاح الوعي بالتاريخ, وتأثير إنعاش الذاكرة التاريخية بأن هذه الوقائع العدوانية هي البدايات الصهيونية في هذا الميدان.. لكن وقائع التاريخ تقول للذين فقدوا حاسة التاريخ أن الكيان الصهيوني قد اقتحم ميدان الاستيلاء علي المقدسات الإسلامية في فلسطين منذ اللحظات الأولي لقيام هذا الكيان سنة1948 م.. ففي ذلك العام هدمت العصابات الصهيونية التي تحولت بعد ذلك إلي جيش هدمت538 قرية فلسطينية, بما فيها من مساجد ومقابر, وحتي أضرحة لأولياء الله الصالحين!. وإذا كان الغرب الذي يطنطن بالدفاع عن حقوق الإنسان وعن حرية المقدسات, قد صمت صمت القبور إزاء هذا الذي حدث ويحدث للمقدسات الإسلامية في فلسطين من مايو سنة1948 وحتي مارس سنة2010 فإن ذاكرتنا التاريخية يجب أن تستعيد مواقف هذا الغرب من المقدسات الإسلامية تاريخيا علي أرض فلسطين.. وخارج أرض فلسطين.. لقد استولي الفرنجة الصليبيون علي القدس سنة1099 م.. وبعد المجزرة التي ذبحوا فيها سبعين ألفا من سكانها, حولوا المسجد الأقصي إلي كنيس لاتيني واسطبل خيل, ومخزن سلاح!.. لكن ذلك لم يمنع الجهاد الإسلامي الذي قاده صلاح الدين الأيوبي من استعادة القدس والأقصي, حرما شريفا مقدسا, في الوقت الذي ذهب فيه الصليبيون مجللين بالعار إلي طيات التاريخ!. وبونابرت, الذي جاء إلي مصر1798 م رافعا رايات الحرية والإخاء والمساواة, اقتحمت خيوله الأزهر الشريف.. وبعد أن قتلوا شيوخه وطلابه الثائرين حتي العميان منهم! مزقوا المصاحف ودمروا المكتبات.. ثم سكروا وبالوا وتغوطوا في الأزهر الشريف!. لكن ذلك لم يمنع ثورة القاهرة التي قادها السيد عمر مكرم من استعادة الأزهر.. بينما هرب بونابرت من مصر بليل.. وذهب هو الآخر إلي مزبلة التاريخ!. ونفس المشهد المأساوي والمخزي صنعه الاستعمار الإنجليزي, عندما اقتحمت جيوشه الأزهر بنعالهم وأسلحتهم وهم يطاردون الثوار إبان ثورتنا الكبري في11 ديسمبر1919 م.. لكن الأزهر قد عاد شريفا.. وذهب الاستعمار الإنجليزي إلي غياهب التاريخ!. وفي الجزائر كرر الاستعمار الفرنسي ذات المأساة, عندما حول مساجد كبري إلي كاتدرائيات! لكن الجهاد الجزائري استعاد هذه المساجد, وطهرها بالدموع والعطور!.. بينما ذهب الاستعمار مجللا بالعار الذي لا تمحوه السنون!.. إذن, هو مشهد بائس.. لكنه غير يائس!.. ذلك الذي تكرره الصهيونية مع المقدسات الإسلامية اليوم علي أرض فلسطين.. فقط.. مطلوب منا انعاش ذاكرتنا بتاريخ مقدساتنا مع الغزاة.. والوعي بالسنن والقوانين التي كانت ولا تزال هي الحاكمة لهذا الصراع حول المقدسات.. وهذه السنن والقوانين هي التي لخصها صلاح الدين الأيوبي[532 589 ه 1137 1193 م] في رسالته إلي الملك الصليبي ريتشارد قلب الأسد[1157 1199 م] عندما قال له: القدس إرثنا كما هي إرثكم.. من القدس عرج نبينا إلي السماء, وفيها تجتمع الملائكة. لا تفكر بأنه يمكن لنا أن نتخلي عنها كأمة مسلمة.. ولن يقوم لكم حجر في هذه الأرض طالما استمر الجهاد! لقد احتل الصليبيون فلسطين قرنين من الزمان, بينما عمر الاحتلال الصهيوني لم يتجاوز الستين عاما إلا قليلا.. واغتصب الصليبيون القدس قرابة التسعين عاما.. بينما عمر الاغتصاب الصهيوني لها لم يتجاوز الأربعين عاما إلا قليلا.. ولقد صنع الصليبيون بمقدسات القدسوفلسطين أكثر مما صنع ويصنع الصهاينة.. لكن للتاريخ في الصراعات سننا وقوانين هي بشير للمجاهدين المرابطين.. ونذير للمعتدين المغتصبين!.