لاحظ المقريزي أن مصر وتحديدا منذ أن وطئها الفاطميون سنة362 ه, أي في منتصف القرن الرابع الهجري تقريبا وهي تموج في معمعة من الأعياد وصلت إلي نحو ثلاثين عيدا.. وهذا مثبت في دواوين شعراء تلك الفترة الطويلة بداية من عيد رأس السنة الهجرية, ثم يوم عاشوراء, ومولد الرسول صلي الله عليه وسلم, ومولد الإمام علي, ومولد الحسن, ومولد الحسين, ومولد فاطمة الزهراء, ومولد الخليفة الحاكم, وليلة أول رجب, وليلة نصفه, وليلة أول شعبان, وليلة نصفه, وليلة أول رمضان أو غرته, وليلة القدر, وعيد الفطر, وعيد الأضحي, وعيد الغدير, وعيد وفاء النيل, وعيد النيروز وهو عيد قدوم الربيع, وعيد محمل الحج الذي كان يخرج من القاهرة منذ أن تولي صلاح الدين الأيوبي زمام الحكم بمصر والشام في القرن السادس الهجري إلا أن الاحتفالات بعيد الفطر, ومن بعده عيد الأضحي كانت تأخذ أشكالا تعبيرية شديدة الخصوصية, ومنها كما يقول المقريزي: إن الناس في صبيحة عيدي الفطر والأضحي كانوا يخرجون ويطوفون شوارع القاهرةوالإسكندرية ب( الخيال والتماثيل والسماجات) والخيال هو لعبة خيال الظل المضحكة التي تحولت مع الزمن الي لعبة الأراجوز المعروفة, والسماجات يقصد بها الملابس التنكرية المضحكة, التي تحاكي ملابس الشعوب الأجنبية في زمانهم, وكانوا يتسلون كذلك بنطاح الكباش وعراك الكلاب والديكة, ويقول ابن تغري بردي في كتابه( النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة): إن مصر عرفت صورة الكرنفالات والاحتفالات الكبيرة في عيدي الفطر والأضحي, حيث اتسعت فنون التسلية, ومنها الخروج للتنزه في أمكنة كثيرة علي شاطيء النيل من ناحية الأزبكية, وكان يمر بها قديما, وفي بولاق وجزيرة الروضة, وكانوا يستأجرون القوارب والسفن الشراعية للتنزه بها في النيل, وذات الأمر علي شاطيء الإسكندرية من ناحية الرمل, وكان المتنزهون في القاهرةوالإسكندرية يستأجرون المغنين والمغنيات ليعيشوا معهم فرحة العيد بالأغاني والأهازيج, كما كانت تلقي في تلك الفترة القصائد الشعرية لرموز الشعر الكبار آنذاك امثال ظاهر الحداد والقاضي الفاضل والبهاء زهير والشاب الظريف وابن قلاقس وابن سناء الملك في الحدائق العامة, بل إن الشاعر المملوكي الكبير ابن دانيال دعا السلطان المملوكي الظاهر بيبرس لحضور ثلاث مسرحيات شعرية في نهار أحد أيام عيد الأضحي تمثل مواقف كوميدية ساخرة, وعرضها عليه عن طريق مسرح خيال الظل الشعبي الذي تطور كثيرا في عهد الدولة المملوكية الأولي, ويقول السيوطي في كتابه( حسن المحاضرة) إن من سبيل تسلية الناس في الأعياد آنذاك سماع سيرة عنترة وذات الهمة وأبي زيد الهلالي وسيرة الظاهر بيبرس في الحدائق العامة بالقاهرة والفسطاط والإسكندرية, وكانت الأفراح بالأعياد تزداد وتتسع وتأخذ أشكالا جديدة حينما كان يصل إلي مسامع المصريين أخبار الانتصارات علي الصلبيين والتتار وأعداء الدول الثلاث, فتقام الولائم بالشوارع والحارات المصرية في كل حي, ويخرج الناس إلي مشارف القاهرة من ناحية الجيزة ومن ناحية حلوان لاستقبال الأبطال العآئدين بالأغاني والأهازيج. أما من الناحية الرسمية فقد كان الخلفاء منذ العهد الفاطمي ومرورا بالعهدين الأيوبي والمملوكي يحرصون علي الخروج في صبيحة يوم العيد في مواكب رسمية من أبواب القلعة وحي روضة المنيل تحديدا, لاعتبار طول المسافة, وهي عادة ثابتة في معظم العصور الوسيطة حيث يستمر موكبهم لساعات طويلة لمشاركة الشعب في الاحتفال بالأعياد, ولتقديم الهدايا وأفخر الأطعمة للفقراء والمحتاجين.. تتقدمهم صفوف الوزراء وكبار القادة والحرس السلطاني المهيب وسط تهليل الناس وإطلاق النساء للزغاريد ودعاء الرجال للخليفة بالعمر المديد, علي حد قول القلقشندي في كتابه( صبح الأعشي) وبعد رحلة الخروج يعود الخليفة أو السلطان الي القلعة لتناول الطعام المعد مسبقا مع كبار رجال الدولة من الوزراء والشيوخ والأعيان, وكان الخلفاء والسلاطين يبالغون في الاحتفالات, وفي توزيع الصدقات علي الفقراء والمحتاجين, وفي التوسعة علي العلماء, وكان يشاركهم الشعراء للاحتفال معهم, وتلقي في تلك الاحتفالات القصائد المطولة والشهيرة لتهنئة الخليفة بالعيد ومنها قصائد عمارة اليمني الشهيرة في الخلفاء الفاطميين وبخاصة الملك الصالح, وابن سناء الملك في صلاح الدين الأيوبي وكذلك القاضي الفاضل, والشاب الظريف في ابن قلاوون, وابن عبد الدائم في الخليفة الناصر, وغيرهم كثيرون وكثيرون.