كتبت:سجيني دولرماني إذا كان الهدف من خطة الإنقاذ الأوروبية الأخيرة هو استعادة الثقة في قدرة منطقة اليورو علي تجاوز أزماتها فهو لم يتحقق. وإذا كان الهدف هو إثبات تصميم السياسيين الأوروبيين علي هزيمة المضاربين في الأسواق فتحققه محل شك كبير, أما إذا كان الهدف هو شراء الوقت وتجنب وقوع كارثة بخطة تفوق توقعات فهو ما تم إنجازه وأحدث حالة من الارتياح لن تستمر طويلا إذا لم تخرج قمة العشرين بدعم علني, وإذا تكشفت الكثير من الثقوب في الخطة التي سيكون تغطيتها اختبار عسير لقادة منطقة اليورو خلال الأسابيع المقبلة. وقد اصبحت الخطة ذاتها في مهب الريح بعد ان اعلنت اليونان اجراء استفتاء شعبي عليها في شهر ديسمبر المقبل لا يصح في كل الأحوال التقليل من أهمية الخطة. فبعد عامين من التخبط في معالجة مشكلة الديون السيادية قفز السياسيون فوق خلافاتهم وقدموا خطة شاملة تتضمن خفض الديون السيادية اليونانية بنسبة50%, وتعزيز الوضع المالي للبنوك المحملة بهذه الديون, وتوسيع صلاحيات وموارد صندوق تسهيل الاستقرار المالي من440 مليار يورو إلي تريليون يورو, وتعيين مفوض أعلي للمنطقة مهمته فرض الانضباط المالي علي الأطراف الشاردة ووضع السياسات المتبعة علي مسار أكثر صلابة. ولكن خلف هذه الواجهة البراقة تظهر الكثير من المثالب والثقوب التي تجعل الخطة غامضة ومعقدة في أحسن الفروض وغير مقنعة في قدرتها علي الصمود في مواجهة أي ظرف طارئ, مع التسليم في الوقت نفسه بأنها لا ترقي إلي مستوي إنجاز مهمة إنقاذ منطقة اليورو من السقوط في مستنقع الركود. ولنأخذ أولا هدف خفض الديون السيادية اليونانية بنسبة50%. فالخطة تقضي بالتحرك الطوعي من قبل البنوك لقبول خسائر بهذه النسبة من قيمة الديون المستحقة. والهدف من جعله طوعيا هو تجنب إشعال أزمة في سوق سندات التأمين علي العجز عن السداد التي قد ترتفع تكلفتها علي الدول الأخري المدينة. ولكن هذا يجعل القرار اختياريا للبنوك التي ستتردد في الاستجابة الطوعية خاصة والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي وغيرها من المؤسسات المصرفية الكبيرة لن تكون طرفا في عملية جدولة الديون. ومعني هذا أن نسبة الخفض الفعلية لن تتجاوز30% لأن200 مليار يورو فقط من إجمالي الدين السيادية340 مليار يورو مستحق للبنوك. الحلقة الضعيفة في الخطة هي حائط السد للحيلولة دون امتداد الخطر إلي دول أكبر حجما مثل البرتغال وإسبانيا وإيطاليا. فموارد صندوق تسهيل الاستقرار المالي الأوروبي- حتي في حالة زيادة موارده- لن تكفي لمواجهة امتداد الأزمة إلي إيطاليا مثلا التي تصل حجم ديونها السيادية إلي تريليوني يورو. وكان من الأفضل في نظر الخبراء أن تمنح الصلاحيات للبنك المركزي الأوروبي ليقوم بدور المقرض الأخير في حالة الأزمات, ولكن بسبب رفض الحكومات الدائنة القوية في الطرف الشمالي من منطقة اليورو وبصفة خاصة ألمانيا منح البنك هذه الصلاحيات, ورفضها أيضا زيادة مساهماتها في صندوق الاستقرار الأوروبي تم الالتفاف علي هذه العقبة بطرح اقتراحين تحيط الشكوك بامكانية تحققهما. الأول هو أن يضمن الصندوق طرح الدول المتأزمة لسندات جديدة في الأسواق الأولية وبنسبة20% من الخسائر في حالة حدوثها, وبالتالي توسيع قدرته علي مساعدة هذه الدول دون الحاجة إلي زيادة موارده. ولكن هناك مخاطر قوية أن تتعرض الدول المساهمة في الصندوق وبصفة خاصة فرنساوألمانيا لمشكلات إذا اضطرت إلي تسديد الخسائر لتنتقل الأزمة إليها. أما الاقتراح الثاني فهو خلق أداة استثمارية جديدة لهدف خاص وعرضها علي المستثمرين من أصحاب الصناديق السيادية في الصين والبرازيل ومنطقة الخليج باعتبار أن الاستثمار في صلابة منطقة اليورو ونموها هو من صميم المصلحة الاقتصادية لهذه الدول. وهنا تثور أسئلة منطقية عديدة لماذا تخاطر الصين بالاستثمار في أدوات تتردد الدول الأوروبية القوية في استثمار أموالها فيها؟ وما هي الشروط الاقتصادية والسياسية التي ستطالب بها الصين لتبرر بها مثل هذا الاستثمار الخطر للصينيين الذين يعانون من تدهور القيمة الحقيقية لاستثماراتهم في سندات الخزانة الأمريكية؟ وهل سيفتح الأوروبيون الطرق المسدودة الآن لنقل التكنولوجيا الأوروبية المتطورة إلي الصين؟ لا أحد يعرف يقينا ما قدمه المبعوث الأوروبي الذي زار بكين قبل أيام من ضمانات وهل كانت كافية لطمأنة الصين لأنه بدون ذلك فكل حديث عن زيادة موارد صندوق تسهيل الاستقرار المالي يدخل في إطار التطلعات وليس التوقعات المؤكدة. إذا كان حائط السد لامتداد الأزمات هشا فإن خطة تعزيز الوضع المالي لنحو70 بنكا أوروبيا وتمكينها من تحمل تبعات خفض الديون السيادية اليونانية هي أيضا محل شك. أولا لأن التقديرات الأوروبية التي تشير إلي حاجة هذه البنوك إلي106 مليارا يورو لرفع نسبة رأسمالها إلي9% من قيمة أصولها المدينة بحلول2012 تقل كثيرا عن تقديرات أخري ترفع هذا الرقم إلي300 مليار يورو. ثانيا: أن الاقتراح لا يعتمد علي ضخ حكومي أو أوروبي لهذه الأموال الجديدة ولكن يفرض علي البنوك الحصول عليها من المستثمرين في الأسواق, وهو أمر يصعب تحققه. وثالثا أن البنوك قد تختار تقليص الائتمان للوصول إلي هذه النسبة بدلا من تقليص حقوق مساهميها الأصليين بدخول مساهمين جدد. وهذا بدوره سيخلق مشكلة سيولة وأزمة ائتمان تهدد منطقة اليورو بأسرها بالركود. ربما كان للسياسيين الألمان الحق في اعتقادهم بأنه بدون ضغط الأسواق علي الحلقات الضعيفة فلن يتوفر الحافز للاصلاح المطلوب ولكن الامتناع عن توفير الموارد اللازمة لصندوق الاستقرار لبناء حائط سد منيع, ورفض منح البنك المركزي الأوروبي الصلاحيات الكاملة للقيام بدور عربة اطفاء الحرائق يعني أن الخطة تمضي خطوتين إلي الأمام وخطوة إلي الوراء, وأنه ستكون هناك قمم إنقاذ أخري ولكن التكلفة ستكون أعلي بالتأكيد.