لكل أمة أبطالها الذين تعتز بهم, وتفخر بما قدموه لها من تضحيات, وماواجهوه من تحديات, وماحققوه للوطن وللإنسانية من إنجازات. وتمثل سير الأبطال معينا لاينضب لكل القيم النبيلة كالحرية, والمساواة والعدالة, والدفاع عن الحق ونصرة المظلوم, وتتوسل كل أمة بالعديد من الوسائل لكي تستذكر دائما هؤلاء الأبطال, وتجلو صورهم ليكونوا مثلا عليا في أعين الأجيال الجديدة تربطهم بتاريخهم وأرضهم, وترسخ انتماءهم لوطنهم, وتجدد ولاءهم له, فنجد السير الشعبية للأبطال التي يتغني بها الرواة والمنشدون الشعبيون في شتي المناسبات الاجتماعية, كما نجد صورهم وتماثيلهم في المتاحف والأماكن والميادين العامة, كما نجد سيرهم مجسدة في أعمال فنية درامية كالمسلسلات التليفزيونية أو الإذاعية, أو الأفلام السينمائية أو الأعمال الأدبية نثرا وشعرا, ويأتي, قبل هذا وبعده, مناهج التعليم والكتب المدرسية في اللغة أو التاريخ أو التربية الوطنية. وفي أوقات الأزمات والمخاطر التي تلم بالأمم وتستشعر فيها خطرا يهدد هويتها, أو يزعزع عقيدة أبنائها, أو يتعدي علي كرامتها, فإنها تلجأ أول ماتلجأ إلي استحضار صور هؤلاء الأبطال في نفوس الجماهير, وتمثل مواقفهم من خلال استعادة صورهم وسيرهم ومسيرة كفاحهم. وقد حدث هذا وتكرر كثيرا في تاريخ الشعب المصري بقدر ماخاض من معارك وما واجه من أزمات. ولعل أزمة مباراة الجزائر الأخيرة دليل علي ذلك حيث لجأ شباب مصر للدفاع عن هويتهم وعن كرامتهم بتذكير أنفسهم والآخرين بأبطالهم وذلك بنشر صورهم علي مواقع الانترنت, كما دخلت شركات الإعلانات إلي الحلبة فرفعت صورهم علي لوحات كبيرة علي الطرق الرئيسية. وإذا كان هذا يعكس توهج جذوة الروح الوطنية في نفوس أبنائنا, فإننا يجب ألا ننخدع بهذا, فكثير منهم لايعرفون عنهم سوي أسمائهم علي أحسن تقدير أو بعض المعلومات المشوشة التي تسربت إليهم من خلال وسائل الإعلام, وهم في هذا لهم كل العذر فالكتب الدراسية المصرية, التي من المفترض أن تتحمل الجانب الأكبر في هذه العملية لما يتاح لها من انتشار بين الملايين من الطلاب من مختلف الأعمار الذين يمكن تشكيل أفكارهم واتجاهاتهم وعواطفهم ومن ثم هوياتهم, نجدها بقدر ماحفلت به من أسماء لهؤلاء الأبطال بقدر ما جردتهم من سمات البطولة وخصائصها, التي ذكرناها آنفا. فمحمد كريم قاوم الحملة القرنسية وأعدم, وأحمد عرابي, قاوم الانجليز ونفي, وسعد زغلول نفي فقامت ثورة1919, وعبدالناصر قام بثورة1952 ومات عام1970, وهكذا سرد جاف لاروح فيه ولاحياة ولا تصوير لحالة التوحد بين البطل والشعب, ولاحديث عن الطموحات والتحديات التي جعلت من البطل رمزا ومن الشعب ملهما, فظهر أبطال مصر في كتبها الدراسية أقرب إلي المسخ سردا وصورة, بل هم أقرب إلي أن يكونوا موظفين قاموا بوظائفهم وانتهت أدوارهم وسيرتهم بانتقالهم إلي الرفيق الأعلي. علينا أن ننتهز هذه الفرصة, وأن نعيد النظر في سيرة البطل القومي باعتبارها مكونا أساسيا من مكونات مناهجنا التعليمية وباعتبارها وسيلة من وسائل بناء الهوية الثقافية وتشكيلها بأبعادها المختلفة, وعلينا في هذا السبيل ألا نهمل أبطال السير الشعبية كأبي زيد الهلالي, وعنترة, والأميرة ذات الهمة, وأدهم الشرقاوي فالثقافة الشعبية صارت أحد عناصر مناهج التعليم في الدول المتقدمة, علينا أن نقدمهم لأبنائنا بما يليق بهم وبمصر بدلا من مسخ الأبطال الذي تقدمه كتب الدراسات الاجتماعية أو إعلانات الشوارع التي لاتقدم, بحكم طبيعتها, سوي صور لأناس قلما يتساءل أبناؤنا عن أسمائهم إذا مروا بها مسرعين.