هل يمكن أن تنهض مصر من كبوتها الاقتصادية مع ثورة يناير1102 والآمال المعقودة عليها في مظلة الحرية ومناخ الديمقراطية؟ نعم, لقد جاءت هذه الكبوة محصلة لمسيرة ثلاثين عاما في حكم حركة يوليو2591 بكل سلبياتها وثلاثين. عاما أخري في حكم الرئيس السابق حسني مبارك تردت فيها مصر إلي وهن سياسي وقصور اقتصادي وظلم اجتماعي, ناهيك عن مصادرة الحرية وفقدان الديمقراطية. وباندلاع ثورة52 يناير1102 انبثق الأمل من طيات الاحباط وأصبح علينا نحن المصريين أن نواجه قدرنا ونتخطي عقبات كثيرة. وأول ما يجب أن نضطلع به هو تثبيت مظلة الحرية وارساء الديمقراطية بانتخابات برلمانية ورئاسية نزيهة وهذا هو الجانب السياسي لانطلاقة الثورة, وبالتوازي مع هذا الجانب تضطلع الثورة بمواجهة كبوتنا الاقتصادية, وهذا الجانب هو موضوع الحديث في هذا المقال. لقد تشكل واقع الاقتصاد المصري في حقبة الرئيس السابق مبارك علي نحو أوقع مصر في كبوتها, ونستطيع أن نتبين ذلك من استعراض بعض ملامح الاقتصاد المصري الآن, فعلي الرغم من تنوع التوزيع القطاعي للاقتصاد المصري فان قطاع الزراعة يعاني من مشكلة متفاقمة مع الزمن هي محدودية الأرض الزراعية التي تنعكس علي محدودية اسهام قطاع الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي, ومع ذلك فقد كان التوسع الرأسي للزراعة المصرية, أي الزيادة المطردة في إنتاجية الأرض سببا في زيادة الصادرات الزراعية حتي بلغت8 مليارات دولار سنويا في الألفية الثالثة, كما شهد التركيب المحصولي للصادرات الزراعية تغيرا ملحوظا مع بقاء القطن الخام في المقدمة ثم الأرز والبرتقال. وتعتبر سوق الاتحاد الأوروبي في مقدمة الأسواق المستقبلة للصادرات المصرية حيث تستوعب24% منها. ويمثل قطاع الصناعة أهمية خاصة للاقتصاد المصري حيث يسهم بمقدار الربع تقريبا في الناتج المحلي الاجمالي ويسهم القطاع الخاص بنسبة318% من الإنتاج الصناعي والقطاع العام بنسبة781% منه, وفي الألفية الثالثة حققت الصادرات الصناعية طفرة كبيرة حيث بلغت22 مليار دولار عام7002, وتواجه الصناعة المصرية العديد من المعوقات من أهمها ارتفاع تكاليف المنتج الصناعي المصري مقارنة بنظائره في الأسواق العالمية نتيجة ارتفاع تكاليف استيراد المواد الخام ومستلزمات الإنتاج وانخفاض الكفاءة الإنتاجية وارتفاع سعر الفائدة علي القروض, وتعاني المنتجات الصناعية المصرية من الجودة حيث ابتعدت عن متابعة نظم الجودة مما أضعف قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية, ويؤدي ضعف القدرة التنافسية للمنتجات الصناعية المصرية إلي إحجام المنتجين المصريين عن التصدير وتفضيل السوق المحلية التي تتسم بمحدودية المنافسة وارتفاع هامش الربح. ويتسم قطاع السياحة بأهمية خاصة في الاقتصاد المصري حيث يسهم بنحو11% من الناتج المحلي الإجمالي,52% من اجمالي حصيلة الصادرات,31% من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة.. وقد تأثر قطاع السياحة تأثرا شديدا بثورة52 يناير وانخفض ايراد السياحة انخفاضا حادا وتوالت الآثار السلبية لذلك علي الناتج المحلي الإجمالي وحصيلة الصادرات الخدمية. ولكي ينهض الاقتصاد المصري من كبوته وينطلق بمعدلات نمو أعلي لمواكبة التطور السياسي نحو الحرية والديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية.. وهي الأهداف المعلنة للثورة المصرية لابد من حفنة من السياسات المحفزة للاقتصاد المصري, وفي طليعة هذه السياسات تشجيع الاستثمار والعمل بخطي جادة وسريعة نحو اجتذاب الاستثمارات الأجنبية والعربية بتقديم حوافز مغرية وخدمات حقيقية للمستثمر مع توجيه الاستثمار الأجنبي المباشر نحو أنشطة التصدير وتوفير فرص العمل.. ويلعب توجيه السياسة النقدية دورا مهما في تحفيز الاقتصاد المصري بتخفيض سعر الخصم وأسعار الفائدة علي القروض وضبط سعر الصرف عند مستويات واقعية وربط الجنيه المصري بسلة من العملات وليس بالدولار فحسب لضمان مرونة هذا السعر. والموارد البشرية من المتغيرات الهامة في تنمية الاقتصاد المصري بالإفادة من الميزة النسبية لوفرة الايدي العاملة المصرية مع تنمية المهارات البشرية التي تتطلبها سوق العمل وتحسين خدمات التشغيل, ولا تتحقق الطفرة التنموية للاقتصاد المصري إلا بتطوير القدرات التكنولوجية لفنون الإنتاج ودعم البحث والتطوير التكنولوجي علي مستوي القطاعات والمنشآت تلك هي أهم السياسات الفاعلة في دفع الاقتصاد للانطلاق من كبوته.هذه لمحات للتشخيص والعلاج ليبدأ الاقتصاد المصري من مثبطات حركته وينمو بمعدل متزايد يعوض فترات الضعف والنقاهة التي يمر بها بعد الاستنزاف الخطير لموارده علي مدي حكم الرئيس السابق حسني مبارك الذي أدي إلي تدهور البنية الأساسية وتدني خدمات التعليم والصحة ومرافق النقل مع معوقات معضلة تمثلت في العجز المزمن في الموازنة العامة للدولة وفي الميزان التجاري وميزان المدفوعات وانتشار البطالة خاصة بين شباب المتعلمين وغير ذلك مما هو معروف من مثبطات الاقتصاد المصري. وثورة يناير بريئة من أي آثار سلبية علي الاقتصاد المصري فيما عدا ما أدت إليه من انخفاض عائدات السياحة, أما انخفاض الإنتاج نتيجة اضرابات واعتصامات بعض العاملين بالدولة والعمال بقطاعات الإنتاج فلا يرجع إلي الثورة ولكن إلي ضعف الوعي السياسي والاجتماعي للمحتجين والانشغال بمطالبهم الفئوية, والانفلات الأمني ظاهرة سلبية واكبت الثورة ولم تكن من نتائجها, والأمل معقود علي النيات المخلصة للصفوة الناشطة من أبناء مصر في إيجاد المناخ السياسي والديمقراطي الموائم لانطلاق الاقتصاد المصري بقدراته القوية وموارده الوفيرة التي تبقي وفيرة وكافية متي اتسم الاداء بالنزاهة والشفافية. المزيد من مقالات د.محمد عبد البديع