اليوم وبمناسبة حلول الذكري الثامنة والثلاثين لحرب أكتوبر, وفي ظل احتقان مكتوم بين مصر وإسرائيل عقب الاعتداء علي الجنود المصريين بمنطقة الحدود, وجدت أن أركز هذا العام علي صراع العقول بين قادة مصر وإسرائيل قبيل الحرب, فخلال مشاورات تمت بمنزل جولدا مائير رئيس وزراء إسرائيل يوم18 ابريل1973 في عقب ورود معلومات عن احتمال نشوب حرب تمت مناقشة الاحتمالات العسكرية المتاحة أمام مصر فيما هو قادم من أسابيع, والتي تمت بلورتها في ثلاثة احتمالات: الأول عبور قناة السويس والثاني العودة الي حرب الاستنزاف والثالث القيام بإغارات بالطائرات المروحية أو بقوات يتم إبرارها من البحر الي سيناء وأن الاحتمالين الثاني والثالث يندرجان في إطار مخاطر محدودة, وهذا لا يشكل أي خطورة لإسرائيل ويمكن تنفيذهما بدون تجهيزات وبشكل مفاجئ أيضا. أما بالنسبة للاحتمال الأول الخاص بعبور القناة بالفعل, فهذا يتطلب قوات ضخمة وتجهيزات مستمرة للعبور وتحريكا للقوات الي الأمام وجولات تفقدية للقادة وسوف يمكن هذا إسرائيل من اعطاء انذار عملياتي في الوقت المناسب دون الوقوف علي النوايا لاستخدام هذه التجهيزات في حرب فعلية يمكن تصور مسارها, والتصور هو من أخطر القضايا المعقدة التي تواجه أجهزة التقديرات علي مستوي العالم, وقد خلصت أجهزة المعلومات الإسرائيلية من تحليلاتها الي أن الشرط العسكري الذي وضعته مصر لنفسها قبل شن الحرب هو إحداث تغيير جوهري في ميزان القوي الجوي والذي تتفوق فيه إسرائيل من خلال الحصول علي طائرات قاذفة مقاتلة تكون قادرة علي الوصول الي المطارات في عمق اسرائيل, وكذا الحصول علي صواريخ أرض أرض من طراز سكاد الروسية التي كانت متقدمة في ذاك الوقت لتشكل تهديدا لمراكز تجمع السكان في إسرائيل تحقق ما يعرف بالردع المتبادل. ولعل هذا التصور, الذي ظل مسيطرا علي العقلية الإسرائيلية هو الذي جعل قادتها علي اقتناع في يوم الجمعة5 أكتوبر1973 بعدم قدرة مصر علي اتخاذ المبادأة بشن الحرب, في نفس الوقت الذي كانت القيادة المصرية فيه قد انتهت بالكاد من تنفيذ خطة خداع ومفاجأة إسرائيل والتخطيط لاقتحام قناة السويس من خلال شل فاعلية قواتها الجوية باقتحام القناة علي كامل امتداد طولها البالغ160 كيلومترا حتي يتم تشتيت مجهودها الجوي, مما يقلل من تأثيرها علي قواتنا المهاجمة وشل قياداتها وإرباكها وعرقلة إجراءات التعبئة السريعة والحشد الفعال وإعاقة تحركات القوات الإسرائيلية وحرمانها من القدرة علي المناورة, حتي يتحقق الهدف من خلال تدمير الجزء الأكبر من قواتها المسلحة في البر والجو والبحر بإطالة أمد القتال لأطول مدة ممكنة. وكان التخطيط المصري رائعا والتنفيذ أروع, وفي هذا السياق اعترف واحد من أبرز قادة إسرائيل العسكريين هو الجنرال عوزي ناركيس بعد انتهاء الحرب لأحد الملحقين العسكريين الغربيين في تل أبيب قائلا: لابد أن نشهد لجهاز التخطيط المصري بالبراعة, لقد كانت خططهم دقيقة وكان تنفيذها أكثر دقة, لقد حاولنا بكل جهدنا عرقلة عملية العبور وصدها بالقوة وردها علي أعقابها, ولكننا ما كدنا نستوعب ما حدث إلا وقد تحققت لهم نتائجه عندما فوجئنا صباح السابع من أكتوبر1973 بخمس فرق كاملة أمامنا علي الضفة الشرقية لقناة السويس.وكان من اللافت للنظر أنه في نفس اليوم الذي أدلي فيه الجنرال ناركيس بهذه العبارة, نشرت صحيفة الديلي ميل البريطانية في مقالها الرئيسي صباح يوم12 أكتوبر1973: إنه في الوقت الذي تعلم فيه العرب درس عمرهم مما حاق بهم خلال حرب يونيو عام1967 فإن الغرور قد امتص من الإسرائيليين حذرهم فكانت هزيمتهم في المعركة والفضل ما شهد به الأعداء. لواء د. إبراهيم شكيب