من رحمة الله بأهلنا الفلاحين أنهم وزعوا الهموم بين همين: أحدهما يبكي, والآخر يضحك.. ولذلك أطلقوا علي الاختيار بينهما وصف الحوسة, فيقول الواحد منهم أنا محتاس بين هم يبكي.. وهم يضحك!, وحالي الآن أكثر بؤسا في الحوسة بين همين كلاهما مبك!. الهم الأول هو ما سيقود إليه رفع الرموز المقدسة علي أسنة رماح الصراع السياسي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الدائر في مصر الآن, أما الهم المبكي الثاني فهو تلك الهوة السحيقة التي تتسع وتتعمق بين ما تنشغل به النخب السياسية المصرية الآن, وكله متصل بالدستور والانتخابات وغيرها من المتشابهات, وبين ما تنسحق به غالبية الشعب المصري, وكله متصل بكلمة عامية واحدة تختصر ما عداها هي المعايش, أي الأكل والشرب والمسكن والتعليم والصحة والأمن, وما يتصل بحياة الناس اليومية وسأبدأ بالهم الأول, راجيا أن تتاح لي فرصة الحديث في الهم الثاني في مقال مقبل. رفع الرموز المقدسة علي أسنة رماح الصراع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي في مصر الآن يشبه في وجه من وجوهه ما حدث منذ ثلاثة عشر قرنا ونصف القرن عندما وقعت المواجهة بين الإمام علي, كرم الله وجهه, ومعه صحابة متميزون, وبين معاوية بن أبي سفيان ومعه أصحابه, وفي مقدمتهم عمرو بن العاص الذي يعد من عتاة الساسة في التاريخ الإنساني, قديمه ووسيطه وحديثه. يذكر المؤرخون ويجمعون علي أنه في اللحظة التي كاد فيها جيش الإمام علي. رضي الله عنه. وهو خليفة المسلمين, أي صاحب الشرعية الدستورية ان ينتصر علي جيش والي الشام المناوئ, معاوية, اقترح عمرو بن العاص علي معاوية أن يرفع جنودهما المصاحف علي أسنة الرماح, إشارة إلي القبول بالتحكيم احتكاما لكتاب الله, سبحانه وتعالي, واتجه الإمام علي إلي رفض الأمر, باعتباره خدعة, إلا أن كثيرين في جيشه ابتلعوا الطعم وطالبوه بقبول الأمر!, وكان ما كان, حيث كان الطعم الآخر الأكثر فتكا, وهو ما حدث بين أبي موسي الأشعري وعمرو بن العاص, عندما خالف الأخير الاتفاق الذي تم وقرر تثبيت معاوية, فيما كان الاتفاق علي خلع علي ومعاوية معا!. وحتي هذه اللحظة, وإلي أن تقوم الساعة, فيما أعتقد, سوف تظل الأمة الإسلامية تعاني من ذلك الذي شهدته في صدر الإسلام, عندما رفعت المصاحف علي أسنة الرماح, حيث لا يتورع الذين ينسبون أحزابهم وجمعياتهم إلي الإسلام عن ممارسة السلوك نفسه, والإعلان دوما أنهم يريدون تحكيم كتاب الله وشرعه, ثم الحكم بما جاء في كتاب الله, وأنهم وحدهم أصحاب هذه الأمانة, ووصل بعضهم أخيرا إلي الإعلان عن بذل الشهداء في سبيل هذه الغاية, بل إن واحدا آخر حدد عدد الشهداء المستعدين للشهادة بثمانية ملايين شهيد!. إنني لن اتساءل عن أين كان هؤلاء الملايين في ساحات الاستشهاد ضد الصهيانة وغيرهم من أعداء الإنسانية, فهذا ليس مجاله, ولكنني أدعو كل ذي عقل ووعي إلي أن يعيد مطالعة وتدبر ما آل إليه حال المسلمين بعد أن رفعت المصاحف علي أسنة رماح الصراع السياسي, الاقتصادي, والاجتماعي في تلك الفترة المبكرة من تاريخ العرب والإسلام!. لنا أن نتدبر ما حدث لنظام الحكم علي معاوية بتولية يزيد ابنه, وما لحق بالشوري منذ ذلك التاريخ حتي آخر خليفة مسلم أزيح في عشرينيات القرن العشرين!. وقس علي نظام الحكم ما لحق بكل جوانب الحياة لتدول دول الأمويين ومن بعدهم العباسيون وهلم جرا, وهذا كله له نقطة بدء محددة واضحة هي استخدام كتاب الله في مناورات السياسة ومعارك الصراع علي كراسي الحكم. وعلي الجانب الآخر, الذي لن أستطيع أن أفصل فيه. بحكم المساحة. لنا أن نتدبر ما جري في أوروبا وفي العالم جراء رفع الصليب علي أسنة رماح الصراع السياسي الاقتصادي العالمي إثر خطاب البابا أوربان الثاني في مدينة كليرمونت الفرنسية يوم27 نوفمبر1095 ميلادية, الذي بدأت بعده الحروب الصليبية المعروفة في مساراتها ونتائجها!. يا من ترفعون المصاحف.. والشريعة علي أسنة رماح صراع سياسي اقتصادي اجتماعي في مصر الآن.. اتقوا الله وراجعوا مصير الذين فعلوها أول مرة!. المزيد من مقالات أحمد الجمال