النهضة في أوربا بدأت من ايطاليا وفي ايطاليا بدأت من فلورنسا وفي فلورنسا بدأت بالفنون التشكيلية, فلماذا يعاني الفنان التشكيلي المبدع في بلدنا ؟ نحميا سعد....كمال خليفة.. وحامد الشيخ بكري.. وغيرهم كثيرون أسماء طواها النسيان منذ سنوات, البعض حصل علي قليل من التقدير بعد موته, والبعض الآخر فضل السفر والغربة بحثا عن قيمة خارج وطنه, والكثير فضل العمل في مهنة بعيدا عن مجال الفن لعله يوفر قوت يومه, وربما لو قدر لواحد منهم أن يحيا في مكان أخر لنال حظه من الشهرة والتقدير, ولكن لابد أن نتساءل ما هو دور الدولة في رعاية أمثال هؤلاء الفنانين لكي يتفرغوا للإبداع ؟ ومن مات منهم كيف تحافظ الدولة علي لوحاته ؟ عبد الهادي الجزار من أهم فناني القرن الماضي الآن تباع لوحاته بمئات الألاف من الجنيهات, توفي عام1966 وترك لأسرته معاشا لا يتجاوز14 جنيها واضطرت الأسرة وقتها لبيع لوحاته بحفنة جنيهات.. أما الفنانة مرجريت نخلة فماتت وحيدة عام1977, وتعرضت لوحاتها للسرقة بالكامل ولم يستدل عليها حتي الآن, لها مقتنيات في متاحف فرنسا,كتبت عنها الصحف الفرنسية واستحوذت علي اهتمام النقاد هناك ولكنها لم تجد في مصر إلا التجاهل والإهمال. يقول نجاتي حسني الفنان المصري الذي عاش في الخارج لمدة طويلة وله مقتنيات في العديد من الدول الأجنبية والعربية- ان الفنان في الخارج يجد دائما التقدير المناسب, أما في مصر فأنه يوجد فئة معينة مستحوذة علي الوسط التشكيلي نظرا لوظائفهم او مكانتهم الاجتماعية, وباقي الفنانين يجدون صعوبة شديدة في توصيل فنهم مما يجعل الفنان يعمل في صمت أو يبتعد عن المجال كله, ويضيف ان لجنة المقتنيات التابعة للدولة إذا قامت باختيار عمل وهذا نادر الحدوث يكون بأسعار هزيلة جدا. ويقول الفنان الكبير جلال الحسيني من الصعب جدا الاعتماد علي الفن التشكيلي في سد احتياجات المعيشة فأي فنان لابد أن يعمل في مهنة أخري, نظرا لصعوبة تسويق اللوحات, فعلي سبيل المثال حضر كل من وزير الثقافة ورئيس قطاع الفنون التشكيلية افتتاح معارضي عدة مرات ورغم ذلك لم يحدث اي اقتناء من جهة الدولة للوحاتي منذ اكثر من20 عاما ويقول الفنان والناقد عز الدين نجيب رئيس جمعية أصالة للفنون, لقد رصدت30 حالة لفنانين تعرضوا للإهمال في كتاب فنانون وشهداء, وطرحت عدد من الأسئلة التي تبحث عن إجابة حول من المسئول عن هذا التهميش, فهل نعلق المسؤولية علي الدولة أم علي مؤسسات المجتمع المدني ممثلة في الجمعيات الفنية الاهلية ام في انخفاض الوعي العام بالنسبة للفنون وخصوصا الفن التشكيلي.. اعتقد أن الدولة هي المسئولة لأنها تملك الإمكانات المادية والمؤسسات الثقافية وتستطيع رفع الوعي الثقافي والفني بدءا من مناهج التعليم بالمدارس وليس انتهاء بتفعيل دور المتاحف الفنية, كما تستطيع دعم الجمعيات الأهلية الفنية, و إصدار كتب عن الفنانين وإقامة المعارض والاحتفاليات بذكراهم ويقول الدكتور حمدي أبو المعاطي نقيب التشكيليين ان معاش الفنان حوالي100 جنيه وهي قيمة قليلة جدا ومنذ توليت منصب النقيب وانا اسعي جاهدا لزيادة موارد النقابة سواء بعمل حفلات لصالح صندوق المعاشات أو بعمل معارض يتبرع فيها كل فنان بلوحة لدعم الصندوق ونحاول الاتصال بأحد رجال الأعمال لشراء اللوحات, كما يجب أن تقوم وزارة التضامن بتدعيم النقابات المهنية, ويناشد بتسديد رسوم النقابة التي تذهب للصندوق ويضيف ان اكثر من6الاف عضو لم يسددوا الاشتراك منذ سنة1980, وأيضا يجب تسديد نسبة مقابل الإعفاء الضريبي علي لوحات الفنانين, وفي النهاية يبقي السؤال كيف نوفي هؤلاء الفنانين حقهم وهم أساس ازدهار الوطن عملا بمبدأ ان تقدم الأمم وحضارتها يرتبط بمدي ازدهار الفنون بها.. فلا بد من إعادة النظر في تفعيل دور الدولة في تبني التشكيليين ورعايتهم والحفاظ علي لوحاتهم من السرقة والتلف والتزوير حتي لا نفقد جانب مهم من تاريخ مصر الحديثة.