السنوات أهشُّ السَّنَوَاتِ سَنَةً وَرَاءَ أخْرَي، لكنَّنِي فُوجِئْتُ بسَعِينَ سَنَةً تحطُّ فوقَ كاهِلِي وَتَحْرِمُنِي لَذَّةَ الطَّيْشِ والنَّزَقْ فقلتُ : فلتَكُنْ تلكَ السنواتِ حاجزاً أمامَ الحُزْنِ ورميتُ اللَّحَظَاتِ المُرَّةِ ورسمتُ علي وجهي بسمةَ الشَّبَابِ ولونَ الأيامِ الأولي فكيفَ مَرَّتْ هذه السنون وأين كنتُ أنا في غفلةٍ روحيةٍ؟ أمْ في نومٍ باردٍ عتيقٍ كيف انتظرتُ كلَّ هذا الدَّهْرَ دون أن أري أنني أصبحت شيخا يتوكأ علي عجزه ويمارس لعبة الخداعِ الأبدي فأنا مازلت - في داخلي - شاباَ يعشقُ النساءَ ويرسم بهن أعمارا كثيرة، وحينَمَا دخلتُ حجرتي رميتُ جسد الشيخ وعجز الهرم علي السرير ودفعت ما تبقَّي من عمري نظير عشقِ الكلماتِ فالشعر - رفيق رحلتي - قايض (عمري بالشعر) فدفعتُ ما استطعتُ من الوَهَجِ لقاء قصيدة ورميتُ السنواتِ السبعين خلف العمر الضائع فانشطر الفجر وقدمني للغروب كبشا وضحية. السهول نظرتُ إلي سهول العمر التي امتدت خلفي لم أستطع أن أري نهايتها كيف ابتعدت هكذا؟ وأنا واقفٌ في مكاني مثل شجرة معمِّرةٍ، فلما أيقنتُ أن الحافة قريبة قلت : فليكن عمري قصائد لأزرعها في السهول وأرويها بسحاب آت من الغيب ولما عرفت أنني لم يتبقَّ لي إلا الخسائر قلت : ضعتُ في زحمةِ الحروف، وفي موسيقي عشتُها وأضعتُ الشّعرَ والنساء، والراحة، وصوت البوق الصارخ في البرية ومددت يدي لأقطف قبلة من فم الزمان، لعلني أعوِّضُ امرأتي عن غيابي في سهول الرغبة وشربتُ كأسَ شاي أخضر ونمتُ في تابوتي أنتظرُ أن يأتيني فأقدِّمُ له القهوةَ الصُّحْبَةَ ونسافر سويا إلي حيث لا أعلم، وأتغَطَّي بسماء، وأخلعُ كل المشاعر حيث أبتاعُ مشاعر جديدة قلتُ : الليلُ ستَّارٌ، والصبحُ أنوارٌ، والعمر يذهب مثل جَرْوٍ حقيرٍ فانتظرْني كي نسافر للمجهول دون أن أنظرَ خلفي. الشاعر والوردة كلهم هنأوني كتبوا عن القصيدة مثل ما يكتبه المطر علي صفحات العشب أمطروني بالتحايا بعضهم أيقظ المتنبي من نومته سأله عما استغلق عليه من القصيدة لكن المتنبي أشار إلي كوة في سماء الشعر فاختصموا سألوا امرأ القيس و النابغة ضربوا المندل قرأوا خارطة الرمل ذهبوا إلي عبق الوردة سألوه عن هذه المرأة التي تمرح في قصيدتي مع الحور العين وتبني لها داخل قلبي جنة للعارفين كلهم رجعوا لخريطة العشق لكنهم عادوا دونما دليل، وأنا مازلت أبحث عنك بين كل هؤلاء أقلب صفحات النت وأقرأ ما تكتبه اللغات علي حواف القلوب أبحث عنك دونما دليل وحينما أيقنت أنني هالك لا محالة هددت بأن أكسر قارورة الشعر وأريق ماءها في الرمال وأتحدي السماء الداكنة تأن أخط لها حرفا فلماذا أحرق نفسي كل يوم ، مثل الباحثين عن الثورة، وأنت لاتدرين بي هل وصلتك القصيدة؟ أم ضاعت بين النفوس التي تحرقها بهجة القصائد؟ا الصباح صغير جدا بحثُت عَنِ الصَّباح علي الرغم من شروقِ الشَّمس مُنْذُ ملايين المشاعر، فاللغةُ تهْرَبُ من فَتَحاتِ الزَّمَن، ... فيهربُ الشِّعرُ مرتديا ثوبَ الفَجِيعَةِ وأنتِ تختبئينَ في عُمْري الذي مَضَي فأعرفُ المَوْتَ وأنتظرُهُ واقفاً وأحدّثُهُ جالساً في الأبَدِيَّة فلماذا أيها الموتُ تسرقُ نَغَمَاتي وتخبّئُ رأسَكَ في النَّصيب، انتظرني في نهايةِ الطريق بعدَ البئرِ النَّاِشِف وخبّئْ رأسَكَ، وذيلَ ثوبِكَ، ومنْجَلَكَ ولا تفاجِئْنِي مثلَ لِصّ بلْ قُمْ في منتصفِ الحُزْنِ مثلَ صديقٍ فمازال في قلبي صباحٌ صغيرٌ جداً. الضرير أنا الضَّرِيرُ ، أحْمِلُ مصْبَاحِيَ في عينِ النَّهارِ، ابحثُ عنْ ذَاتِيَ الضَّاِئَعَةَ أتَوَضَّأُ بالضَّوْءِ وأنظرُ خَلْفِي في غَضَبٍ، هذا العُمْرُ الَّذِي تَوَلَّي ليْسَ لِي، وهذا الحلمُ الذي انْقَضَي خَانَنِي، وهذي النِّسَاءُ الجمِيلاتُ الَّلائي طَعِمْنَ منْ عَسَلِي لَسْنَ نسَائِي، فقَدْ خَانَتْنِي أوْفَاهُنَّ، وخَرَجْتُ مِنَ الدُّنْيَا وَحِيدًا وَشَرِيدًا وَعَاِريًا، لا أحْمِلُ إلاَّ ذُنُوبِي، فكَيْفَ أمْضِي مَعَ المَلَائِكَةِ، وأزرَعُ شَجَرَ الرُّوحِ في غاباتِ هذا السديم. أنا الذي نَظَرَ الأَعْمَي إلي ذَنْبِي، فكيف أواجِهُ تلكَ المُوسيقي التي تَحْمِلُنِي عَلَي جَنَاحَيْ مَلَاكٍ وتَذْهَبُ بِي في أسَاطِيرِ ألفِ لَيْلَةٍ وليلةٍ إلي التماثيلِ الرائعةِ في ميادينِ عُمْرِي، فقد عشْتُ في مدينةِ الشَّجَرِ الذي تَغَطَّي بأرْدِيَةِ البحر، وتَخَفَّي في أحضانِ جنِيَّةِ البحرِ ، أنا لسْتُ أُولِيسَ في طريقِ عوْدَتِهِ، وأنا لسْتُ المَلِكَ الضِّلِّيل الذي سَكِرَ في آخرَ ليلَةٍ ، وأقسَمَ أنْ ينتقمَ في الغَدِ، لكنّهُ استمَرَّ في السُّكْرِ لأنَّ الغَدَ لمْ يأتِ بَعْدُ. أنا رهينُ المَحْبِسَيْنِ : الشِّعْرِ والمَرَضِ. فكيف أخْرُجُ من عُزْلَتِي كي أذهبَ للأميرةِ التي تَنْتَظِرْ، وأحملُ عنها البلادَ التي تاهَتْ عنْ ُثوْرَتِهَا، وضاعَتْ في الضَّبَابِ ؟ فلماذا أحملُ خَافِقَيَّ :ْ ِعشْقِي ولِسَاني ؟ وأعودُ إلي حيثُ تشرقُ الحكمةُ من كتابِ الموتَي، فإذا صِرْتُ تُرَاباً فَلِرُوحِي أنْ تعودَ إلي كَنَفِ الآلهَةِ، وتقَدِّمُنِي إليهمْ مِنْ جديدٍ. العصفور قابلتُ الليلة أحد الشهداء قلت له : أهلا بحنين الجنة، وشهاب الترحال، قال : أنا لم أرحل ، لكني أهفو فوق الأرواح الهائمة علي حرف الريح، كي أجد الزهرة في ألق الروح، قلت : الأرض ضباب يتمدد بين الممكن والمسموح، قال : فرتل آيات التسبيح، قلت : وكيف أراك ؟ قال أنا أقف علي الجزء الأخضر من آخر فرع في شجر البوح، لأغني للوطن أغاني الترويح، وأحضر عند الفجر أمام البيت لأشدو للأم وللأخوان، وأقف علي شجر الشرفة ، أرفع شمس النصر أمام حزاني الوجد المسفوح، قال ... وطار أمامي يبسط فوق العصافير الأخري لحنا من أغلي ألحان الروح . الملاك لماذا تُخْطِئُنِي أيُّها الملاكُ وتذهَبُ لأحبَّائي ألم نتفقْ قبلَ أنْ ينشُرَ الأذانُ الوعُولَ - فوقَ ليلِ الأمل - أنني سوفَ آخُذُ أنصِبَةَ الرُّفقاءِ من الأَلَمِ المقدَّسِ !؟ فلماذا تصيب الوَعْلَ الجميلَ وأنا متوضئٌ بالشَّمِسِ فخلايا السرطان تلعبُ بي وتقْذِفُنِي للسماء، فانتظرْ يا مَلَاكي حتي أعبئَ مِخْلَتي بهواء نظيف، وأجمَعَ كل الدعاءات، التي سبق أن نسجْتُها وأجهِّزَ عُمْري من جديد، فأطلق صديقي : فريد. وَنَجِّهِ من الأَلَمِ، ومن صدمةِ الفُجَاءَة. تساؤلات هل مازلتَ - كما كنتَ - تعُدُّ أوراقَ الوردة، وتجلسُ علي ذات المقعد القديم، تشْرُدُ في اللا نهائيِّ، وتصَدِّقُ وعودَ الحلم، وتنظر ُإلي الزرقة الجامحة ؟! كيف لم تدْرِ أنّ أوراقَ الورد باتَتْ صناعية ؟ وأن اللا نهائيّ كأنّهُ الحقيقة؟ كيف لم تدر أن البلادَ استدارت وألقَتْ بأبنائها في متاهات الهرب؟ وأن المقعد الذي تجلس علية غيَّرَ الجالسين يوما بعد يوم وشخصا بعد شخص وحلْما بعْدَ حلم. استَدِرْ فجأةً لتضبط َالشّبَحَ الآتي كي يحمِلَكَ إلي مُدُنٍ أخري وورودٍ أخري لا يعُدُّ عليها العشاق الحبَّ أو العَدَمْ. دلال الفرح تدلَّلَّني اللهُ اليومَ طهَّرَني من رجْسي غَسَلَ فؤادي بالماءِ العلويِّ توشفاني من مرضي توفي نفس اليوم ... أنْ تحدث معجزتان ... أن أقرأَ في لوح الدهر المحفوظ بشارةَ صحوي توبشارة أن يرجع لي بعد الهجران حبيبي تأيُّ دَلَلٍ يرفعني في الملكوت تكيْ أمسك فرحي بيميني توأقول : حبيبي، أهلا بالعَوْدِ، وأهلا بالحب، وأهلا بالروح الطائر في أحلام الفرحة، فأنا لست نبيا، لكن الله رآني أحتاج نشيدا سحريا تأنقذني، وأنا أتغنَّي بحَفِيفِ الوَجْد، فاختار الله أن يفرحَ بي، وأنا بالفرحةِ روَّحْتُ عن الحيري تفي طُرُقِ الحُبِّ وفي طُرُقِ الله. مغفرة مكتوبٌ في صفحات الكون أن الله غافر الذنب فلماذا لا تغفرين لي، وأنا واحد ممن يرتلون كل صباح كتبت علي أَلَقِ الجنونت سطوراً مضيئةت تغني لعيونك مثلما يتغني الطير بالبراح العميق. أخرج من حزني بعد انتصاف الوقت وقد زينت ُقلبيت برائحةٍ تتناثر منك كقطرات الندي فأمسكُ قلبي مخافةَ أن يقفزَ في بهاكِ، أو يتهادي كسحاب سرّيٍّ أو يتسامي لسماكِ وأنا لامطلبَ ليت إلاَّ أنِّي أحْبَبتُكِ ونشرتُ بريق هواك عليت أضواء الشمس وأنا خبأتك في ظني وغطيتك بالألوان الأولي فاغتفر ي ليت جرأتي الفوَّارة واغتفري ليت أني أزرع كل العشق ورودا تحكي للقمر الأبدي عن حبي وعذابي. قصائد َعشقٍ لعينيكِ، ولم أقترف ذنبا واحدا غير أنيت مازال كما هو نهائياً، وبعيداً كخطّ الأفق، وضائعاً،