يحق لأبناء الدقهلية أن يفتخروا بأن محافظتهم من أهم محافظات مصر التي أنجبت علماء وسياسيين ومفكرين وفنانين، وبذلك لا يمكن اختصارها فيما يقال عنها إن الجمال الصافي هو من سمات نسائها، فالجمال الحقيقي الذي يتسرب من تاريخها هو ما قدمه الدقهلاوية من عطاء لمصر، بدءا من يوم 8 فبراير عام 1250، والذي دحرت فيه القوات المصرية الصليبيين، وسجل فيه الدقهلاوية بطولات عظيمة ضد الصليبيين، شارك فيها الرجال والنساء والأطفال بالحجارة والطوب والأواني النحاسية التي كانت يتم إلقاؤها علي الصليبيين من علي أسطح المنازل، أخذت المحافظة من تاريخ 8 فبراير عيدا قوميا لها، كعلامة علي النصر والإرادة ضد أي محتل، وتواصل عطاء المحافظة بعد ذلك في كل المجالات، فمنها خرجت سيدة الغناء العربي أم كلثوم ابنة قرية طماي الزهايرة بالسنبلاوين، والمتتبع لسيرة طفولة هذه السيدة العظيمة سيكتشف أن نشأتها الأولي فيها ما يشير إلي أن هذه المحافظة في مطلع القرن الماضي كانت تعوم علي بحيرة من الفنون، ومن بينها فرق الإنشاد الديني التي كانت منتشرة في المحافظة، وإلي ساحتها الغنائية كان تذهب أسماء موسيقية فذة مثل زكريا أحمد وأبوالعلا محمد المكتشف الأول لأم كلثوم، ومن هذا المناخ خرج أيضا الموسيقار الكبير رياض السنباطي قرين رحلة أم كلثوم، والموسيقار الذي أحدث انقلابا في الموسيقي العربية . صدرت الدقهلية إلي القاهرة ومنها إلي العالم العربي هذين الاسمين، أم كلثوم والسنباطي، وهي لم تقتصر علي ذلك في مجال الفن فمنها أيضا أصول سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة والفنان عادل إمام، والفنان يونس شلبي، وصفاء أبوالسعود، كما أن والدة الفنانة دلال عبدالعزيز من المنصورة وعاشت طفولتها فيها، بالإضافة إلي أن والدة الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي هي أيضا من المنصورة، وفي السياق اللبناني أيضا فإن والدة الرئيس اللبناني الأسبق والسياسي البارز أمين الجميل من المنصورة . وإذا كانت أم كلثوم والسنباطي نجمي الفن بامتياز إنتاج الدقهلية، فإن قامة عالمية أخري هي المثال محمود مختار تعد وبامتياز إضافة رائدة لكل تاريخ الفن المصري، ويعد تمثاله نهضة مصر الموجود أمام جامعة القاهرة، الأهم في تاريخ النحت المصري الحديث، ودلل مختار كما دللت أم كلثوم وأيضا السنباطي علي أن عطاء الدقهلية في الفن لا يقتصر علي الكم وإنما علي الكيف بمعني أن هذا الثلاثي لم يكن فقط من عناوين بدء وضع أسس مرحلة النهضة في مصر منذ عشرينيات القرن الماضي، وإنما خرجوا بالفن المصري إلي مصاف العالمية. من الفن إلي السياسة أنجبت المحافظة أسماء بقيمة فؤاد سراج الدين زعيم حزب الوفد الراحل، وعبداللطيف البغدادي عضو مجلس قيادة ثورة يوليو 1952، والمهندس إبراهيم شكري زعيم حزب العمل االمجمد والسياسي الذي توج مطلع حياته البرلمانية بالنجاح من أهل دائرته رغم عداوته الشديدة للملك فاروق، ومن السياسيين الحاليين الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع، والدكتور أسامة الباز المستشار السياسي للرئيس مبارك، وأخوه عالم الجيولوجيا الدكتور فاروق الباز، أضف إلي هؤلاء أحد أبرز القيادات التاريخية لجماعة الإخوان المسلمين عبدالقادر عودة الذي حوكم بالإعدام علي أثر محاولة الجماعة اغتيال جمال عبدالناصر في حادث المنشية بالإسكندرية عام 1954، وإلي هذه العائلة خاصة ومحافظة الدقهلية عامة ينتسب الدكتور عبدالملك عودة أحد أبرز المصريين المتخصصين في الشأن الإفريقي، وابنه الدكتور جهاد عودة الأستاذ الجامعي وعضو لجنة السياسات بالحزب الوطني. وفي مجال الكلمة والفكر، يأتي أبو التعليم المصري علي مبارك ابن قرية برنبال مركز دكرنس في مطلع الذين ساهموا في وضع أسس النهضة الحديثة لمصر، بإعادة تنظيم القاهرة علي نمط حديث بعد أن أسند إليه الخديو إسماعيل هذه المهمة، وأسس مدرسة دار العلوم االكلية حاليا»، بالإضافة إلي دار الكتب، وأنجبت الدقهلية أيضا أستاذ الجيل أحمد لطفي السيد كما أنجبت رائد الرواية الحديثة الدكتور محمد حسين هيكل، ومحمد التابعي أحد رواد الصحافة المصرية الحديثة، وزكريا الحجاوي أحد أكبر رواد الفن الشعبي، والشاعر والفنان عبدالرحمن الخميسي، والكاتب الكبير أنيس منصور، وقدمت عائلة النقاش، كبيرها الناقد والكاتب الصحفي الراحل رجاء النقاش وشقيقتيه فريدة وأمينة وزوجها الكاتب الصحفي والمؤرخ صلاح عيسي رئيس تحرير جريدة القاهرة سابقا، وفي عالم الكلمة يأتي أيضا الكاتب الصحفي البارز محمود عوض، والكاتب والسياسي اللامع عبدالحليم قنديل، وفي مجال الشعر قدمت الدقهلية شاعر الجندول الملاح التائه علي محمود طه، وشاعر الحب كامل الشناوي ومن العائلة أيضا الشاعر الغنائي البارز مأمون الشناوي، والشاعر المتمرد نجيب سرور، وصاحب موسوعة التاريخ الأندلسي المؤرخ محمد عبدالله عنان. وكعادة المحافظة في تقديم القمم في شتي المجالات كان للدعوة والفكر الديني مجال كبير، فمنها خرج وفيها دفن الشيخ محمد متولي الشعراوي، ومن الرموز الدينية الكبيرة أيضا الشيخ جاد الحق شيخ الأزهر السابق وغيرهما. وفي مجال الطب تستحق الدقهلية أن تفتخر بابنها الطبيب محمد غنيم، أحد رواد جراحة المسالك البولية ومؤسس مركز الكلي الذي يعد من أكبر مراكز علاج الكلي في الشرق الأوسط. والدكتور عاطف العراقي ووزير الأوقاف السابق محمود حمدي زقزوق وهناك عشرات من الأسماء الأخري أنجبتها الدقهلية لا يتسع المجال لذكرها، غير أن الملاحظ في الاسماء السابقة أنهم رواد أثبتوا أن جمال الدقهلية عابر للشكل وينفذ إلي المضمون، فكل هؤلاء أعطوا زخما للحياة في مصر، ومنهم وحولهم دارت حكايات ومعارك تحفظها كتب التاريخ كمادة ثرية عن سجل مصر الماضي والحاضر ليس بوصفه تاريخا يخص الدقهلية، وإنما يخص كل مصر.