في صيف هو الأعلي حرارة علي مدار قرن من الزمان، لابد من الفرار إلي الماء، إلي حمامات سباحة الطوق المرتوي حول القاهرة العطشانة، فمن لم يستطع فمارينا فمن لم يستطع فإلي جمصة أو رأس البر، فمن لم يستطع تنفيذ حلم السفر والعطلة من أساسه، يستطيع أن يستعين بمجاز البلل في رواية ناعمة مثل امرأة يابانية ومثل مترجمها العذب، بسام حجار. للأسف، تمر الروايات اليابانية من فوق أكتافنا لتعبر المتوسط إلي فرنسا قبل أن تعود إلينا. حدث هذا مع كاواباتا وميشيما، وحتي الأجيال الجديدة وبينها كاتبة رواية "حوض السباحة" يوكو أوغاوا. والأمل في نمو مدرسة من الترجمة المباشرة من اليابانية إلي العربية مباشرة، من دون وساطة اللغة الفرنسية، وإن كنا نحتكم في النهاية إلي العربية وإلي العالم النهائي الذي وصلنا من العمل، وقد كان الشاعر الراحل بسام حجار أنيقًا في لغته وفي اختياراته. كاتبة "حوض السباحة" من مواليد 1962، وهي روايتها الأولي كتبتها عندما كان عمرها خمسة وعشرين عامًا، حسب التعريف الذي وضعته دار النشر علي غلاف الرواية، واصفة الكاتبة بأنها من جيل "الحساسية الجديدة" وأظن أن الأوقع أن تسمي "الحساسية اليابانية" فما نراه عند هذه الكاتبة نجده عند كلاسيكيي الكتابة اليابانية، حيث نري عوالم مدهشة وحيوات عذبة لا يحدث فيها شيء تقريبًا. روايات يرنو أبطالها إلي الحياة أكثر مما يعيشونها، وهي سمة بارزة في العمل الأشهر "الجميلات النائمات" لكاواباتا ( 1899 1972 ) وليس في إعادة الإشارة إلي عالمها إفادة، لكننا نجد ذلك أيضًا في رواية أقل شهرة وهي "اعترافات خارجة عن الحياء" لجونيشيرو تانيزاكي (1886 1965) التي تحكي عن اشتهاءات خطيب فتاة لحماته، وعن تواطؤ الزوج والخطيبة من أجل تسهيل بقاء الاثنين معًا، من دون أنري شيئًا يحدث خارج النفوس الأربعة وتأملاتها. في "حوض السباحة" حكاية راويتها بطلتها، وهي ابنة مدير دار أيتام تعيش يومها بوصفها واحدة من أطفال الملجأ مجهولي النسب، وتتعلق بجون المراهق الذي تعيش معه تحت سقف الملجأ وتذهب معه إلي المدرسة ذاتها طوال عشر سنوات، لكنها تكون بكامل افتتانها به وقربها منه عندما تراقبه في حمام السباحة وهو يؤدي تمارينه اليومية، علي مدار عام تراقبه من شباكها في البداية، ثم من المدرجات يوميًا، حيث يكون اتصاله بالماء اتصالاً بها:"عندما تهوي ساقا جون راسمتين ما يشبه الدائرة التي يختطها البركار، كنت أستطيع أن أحس بجسده داخل جسدي. ينزلق بملامسة داخلية متمادية، وكان ذلك أكثر حميمية ومؤانسة من مجرد ضمة. كنت أعلم ذلك برغم أنه لم يضمني يومًا إلي صدره". علي مدار الرواية لا نري إلا تمرينات جون التي يشق فيها الماء مع روح الراوية الأنثي، التي تنظر بهوس إلي جسد المذكر، وتذكرنا إلي حد كبير بعازفة البيانو لألفريدا يلنيك عندما كانت تنظر إلي جسد ابن خالتها ف حوض نمساوي، غير أن بطلة يلنيك تشتبك جنسيًا مع "الجدع" بينما تتحكم الرهافة في الحوض الياباني؛ فلا نري سوي أحلام الراوية التي لا يصبح جون ذكرًا بالنسبة لها إلا في حوض السباحة؛ حيث يعودان إلي دار الإيواء، يرتد كل منهما داخل نفسه، وعندما يتحدثان، يتناولان أمورًا عادية، لكننا في كل لحظة نلحظ التوتر العالي للفتاة، التي يمثل تجلي جون بجسده المبلل أمامها حفلاً للرغبة والحياة والأمل، مما يجعل من الرواية مغطسًا لطيفًا لقارئ حرمه الغلاء الفاحش من ملامسة الماء في هذا الحر المسف. ezzat_elkamhawi @yahoo .com