السيسي يوجه بسرعة الانتهاء من مناقشة مشروع قانون العمل    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتابع بدء تفعيل مبادرة تخفيض أسعار اللحوم    مدير «ابدأ» يطلق صندوق النيل الصناعي للاستثمار المباشر باحتفالية عيد العمال    مدير مصنع فانتازيا: نستهدف زيادة نسبة المكون المحلي في المنتجات ل70%    «أونروا»: نطالب بوقف فوري لإطلاق النار في غزة لإيصال المساعدات الإنسانية    ماكرون لا يستبعد إرسال قوات إلى أوكرانيا في حال اخترقت روسيا "خطوط الجبهة"    رئيس مجلس الشيوخ ينعى النائب الراحل عبدالخالق عياد    صدام جديد.. أنشيلوتي يُجبر نجم ريال مدريد على الرحيل    ضبط 4 أشخاص بتهمة النصب والاحتيال على المواطنين في القليوبية    «التنمية الحضرية»: تطوير رأس البر يتوافق مع التصميم العمراني للمدينة    المجلس القومي للطفولة والأمومة يطلق "برلمان الطفل المصري"    رئيس اتحاد القبائل العربية يكشف أول سكان مدينة السيسي في سيناء    10 آلاف دارس.. الأزهر: فتح باب التقديم لقبول دفعة جديدة برواق القرآن    شيخ الأزهر ينعى الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان    مصدر رفيع المستوى: تقدم إيجابي في مفاوضات الهدنة وسط اتصالات مصرية مكثفة    الموارد المائية تؤكد ضرورة التزام الفلاحين بزارعة الأرز في المناطق المقررة فقط    «انتقد جماهير القلعة الحمراء».. نجم تونس السابق: صن دوانز أقوى من الأهلي    كولر يعالج أخطاء الأهلي قبل مواجهة الجونة في الدوري    شوبير يكشف مفاجأة عاجلة حول مستجدات الخلاف بين كلوب ومحمد صلاح    دعم توطين التكنولوجيا العصرية وتمويل المبتكرين.. 7 مهام ل "صندوق مصر الرقمية"    كشف ملابسات فيديو الحركات الاستعراضية لسائقين بالقاهرة    حار نهارًا.. «الأرصاد» تكشف حالة الطقس اليوم الخميس 2-5-2024 ودرجات الحرارة المتوقعة    ضبط المتهم بإدارة ورشة لتصنيع وتعديل الأسلحة النارية بالبحيرة    تحرير 30 محضرًا تموينيًا في الأقصر    الأمن تكثف جهوده لكشف غموض مق.تل صغيرة بط.عنات نافذة في أسيوط    مصادر بالتعليم: أرقام جلوس طلاب الثانوية العامة خلال أيام    مهرجان الجونة السينمائي يفتح باب التسجيل للدورة السابعة من منصة الجونة السينمائية    مسلسل البيت بيتي 2 الحلقة 3.. أحداث مرعب ونهاية صادمة (تفاصيل)    كلية الإعلام تكرم الفائزين في استطلاع رأي الجمهور حول دراما رمضان 2024    رئيس جامعة حلوان يكرم الطالب عبد الله أشرف    هل تلوين البيض في شم النسيم حرام.. «الإفتاء» تُجيب    وزيرة التضامن الاجتماعي تكرم دينا فؤاد عن مسلسل "حق عرب"    محافظ الجيزة يستجيب لحالة مريضة تحتاج لإجراء عملية جراحية    الرعاية الصحية والجمعية المصرية لأمراض القلب تطلقان حملة توعوية تحت شعار «اكتشف غير المكتشف» للتوعية بضعف عضلة القلب    120 مشاركًا بالبرنامج التوعوي حول «السكتة الدماغية» بكلية طب قناة السويس    منها إجازة عيد العمال وشم النسيم.. 11 يوما عطلة رسمية في شهر مايو 2024    مدرب النمسا يرفض تدريب بايرن ميونخ    بنزيما يتلقى العلاج إلى ريال مدريد    محامي بلحاج: انتهاء أزمة مستحقات الزمالك واللاعب.. والمجلس السابق السبب    حادث غرق في إسرائيل.. إنقاذ 6 طلاب ابتلعتهم أمواج البحر الميت واستمرار البحث عن مفقودين    المفوضية الأوروبية تقدم حزمة مساعدات للبنان بقيمة مليار يورو حتى عام 2027    كوارث في عمليات الانقاذ.. قفزة في عدد ضحايا انهيار جزء من طريق سريع في الصين    لمواليد 2 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    على طريقة نصر وبهاء .. هل تنجح إسعاد يونس في لم شمل العوضي وياسمين عبدالعزيز؟    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل للمتقدمين من 12 محافظة    رئيس الوزراء: الحكومة المصرية مهتمة بتوسيع نطاق استثمارات كوريا الجنوبية    هيئة الجودة: إصدار 40 مواصفة قياسية في إعادة استخدام وإدارة المياه    سؤال برلماني للحكومة بشأن الآثار الجانبية ل "لقاح كورونا"    أبرزها تناول الفاكهة والخضراوات، نصائح مهمة للحفاظ على الصحة العامة للجسم (فيديو)    تشغيل 27 بئرا برفح والشيخ زويد.. تقرير حول مشاركة القوات المسلحة بتنمية سيناء    هئية الاستثمار والخارجية البريطاني توقعان مذكرة تفاهم لتعزيز العلاقات الاستثمارية والتجارية    دعاء النبي بعد التشهد وقبل التسليم من الصلاة .. واظب عليه    التضامن: انخفاض مشاهد التدخين في دراما رمضان إلى 2.4 %    صباحك أوروبي.. حقيقة عودة كلوب لدورتموند.. بقاء تين هاج.. ودور إبراهيموفيتش    هل يستجيب الله دعاء العاصي؟ أمين الإفتاء يجيب    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأدب العربيّ المعاصر بعض الأفكار

للمترجم والباحث الألماني الدكتور هارتموت فاندريش دور مفتاحي في مضمار استقبال الأدب العربي الحديث في الأقطار الناطقة بالألمانية. فقد ترجم هذا الرجل ما يربو علي ستّين كتاباً أدبياً من العربية إلي الألمانيّة، وألّف عددا كبيراً من الكلمات الختامية للكتب التي ترجمها، ومن المقالات النقدية حول الأدب العربي الحديث، كما قام بدور استشاري لدي دور نشر المانية وسويسرية بخصوص الأدب العربي، ونظّم أكثر من مؤتمر وندوة حول ذلك الأدب. ومن أحدث النشاطات الأدبية التي قام بها الدكتور فاندريش الإشراف علي ملفّ "أدب جديد من المنطقة العربيّة" الذي يتضمنه العدد (139) من مجلة "إضاءات" النمساوية Lichtungenس ك وهو ملفّ يضمّ قصصاً وقصائد وفصولاً من روايات لعدد من الأدباء العرب المعاصرين الذين يقَدَّم بعضهم للقارئ الألماني للمرة الأولي، أمّا كتّاب هذا الملفّ فهم: إيمان مرسال- ياسرعبد اللطيف- مازن معروف- أحلام بشارات - سنان أنطون- حسين الواد- هالة كوثراني- ياسين عدنان- نجاة العدواني- رجاء عالم- إبراهيم الكوني- محمد المطرود. وقد زوّد الدكتور فاندريش الملفّ بمقدّمة عنوانها: "الأدب العربيّ المعاصر: بعض الأفكار"، وهي مقدّمة تمت ترجمتها إلي العربيّة لأنها تنطوي علي رؤية غربية للأدب العربي المعاصر، رؤية من الضروري أن يطلّع عليها قرّاء "أخبار الأدب".
هنالك قول كثيراً ما يسمعه المرء في العالم العربي، ألا وهو: "في القاهرة يُكتَب وفي بيروت يُنشَر، وفي بغداد يُقرَأ. هذا قول يرجع أصله إلي خمسينيات القرن العشرين، ومن المؤكّد أنه قد بات بحاجة لإعادة نظر. ففي هذه الأثناء (وآنذاك أيضاً في حقيقة الأمر)، كان يُكتَب في بيروت أيضاً. كذلك فإن صناعة الكتاب والنشر قد شهدت في السنوات الأخيرة نشاطاً مشجّعاً من الدار البيضاء إلي أبو ظبي. وأخيراً فقد أصبح علي المؤلّفين والمؤلّفات العراقيين الكثير أن يكتبوا في بغداد، وليس في نيويورك وبرلين وستكهولم وباريس. فالقول السابق الذكر لم يعد مسوّغا كما كان في الخمسينيات، وهو يلحق بشكل خاصّ ظلماً لا مبّرر له بأقطار المغرب العربي ولا يراعي ما تمّ في تلك الأقطار من تطورات علي صعيد الأدب.
أدب عربيّ أم آداب عربيّة
إنّ ضخامة الرقعة التي ينتشر فوقها الأدب العربي داخل العالم العربي وخارجه تستدعي أن يتساءل المرء عمّا إذا كان من المشروع أن يتحدّث عن "أدب عربي". إنها مسالة خلافية، حتي بين العرب أنفسهم، علماً بأنّ اعتبارات لا أدبيّة (كالتقسيمات القطرية) قد لعبت دوراً كبيراً علي هذا الصعيد. إلا أن السؤال المفتوح هو : ما الذي يمكن أن يجمع هذا الأدب العربي الذي يجري إنتاجه اليوم في أكثر من عشرين دولة تختلف كل منها عن الأخري في كثير من النواحي؟
بوسع المرء أن يلجأ بهذا الخصوص إلي التعريف اللغوي للأدب، وأن يُجمَل إنطلاقاً منه، تحت مفهوم "الأدب العربي" كلّ تلك الأعمال الأدبية التي كتبها أو يكتبها مؤلفوها باللغة العربية الفصحي ، مع أن عناصر تلك اللهجات العاميّة واللغة الدارجة المحكيّة، التي تتميز كلّ منها عن الأخري إلي هذه الدرجة أو تلك، كثيراً ما تستخدم تلك المؤلّفات. إلا أننا نكون بذلك قد ظلمنا أولئك الكتاب العرب الذين يكتبون بلغات أجنبية، بغضّ النظر عن الأسباب التي جعلتهم يلجؤون إلي ذلك. كما لا يجوز لنا بهذه المناسبة أن ننسي أن بعض الكتّاب العرب الذين يكتبون بغير العربية، ولا سيما أولئك المغاربة الذين يكتبون بالفرنسيّة، قد أبدعوا أعمالاً أدبية جعلت منهم قدوة حتي لأولئك الذين يكتبون بالعربية.
الأدب العربيّ الذي عرّفناه علي النحو السالف الذكر هو أدب جديد وحديث، ولكنه أدب ذو تاريخ قديم. قد يبدو أن هنالك تناقضاً مستهجناً في ذلك، ولكنّ استيعاب تلك الحقيقة أمر مفيد لفهم الكتابة الأدبية العربية المعاصرة. إنّ هذا الأدب جديد لأنه بدأ خطواته الأولي في النصف الثاني من القرن التاسع العشر، ثم تطوّر، وإن يكن بدرجات تتباين كثافتها من قطر عربي لآخر، إلي أن نشأت فيه الأجناس الأدبية كلها التي تؤطّر الكتابة الأدبية في العالم، ألا وهي: الرواية، والقصة القصيرة، والشعر، والمسرحية. كذلك فإن هذا الأدب العربي يؤدي الوظيفة عينها التي يؤدّيها الأدب في كل مكان: أن يكون ميزاناً لتفكير وأحاسيس وآمال وتطلعات ومخاوف أولئك الناس الذين ينحدر الأديب أو الأديبة من محيطهم، وأن يعبّر لغوياً عن البيئة السياسية والاجتماعية والتقنيّة، واصفاً ومنتقداً ومتابعا التفكير ، ومطوّراً بذلك عوالم بديلة. وللتوصّل إلي ذلك كان لا بدّ للكتاب العرب في أوّل الأمر ، وللكاتبات العربيات فيما بعد ، من أين يجتازوا طريقاً طويلاً: فقد خاضوا نقاشات طويلة حول جدوي الأدب التخييلي، كما لم يكن هناك بدّ من أن يتدرّبوا علي كثير من الأمور المتعلقة بانتاج هذا النوع من الأدب ، ولا نذيع سراً عندما نقول أنهم اقتدوا في ذلك بالآداب الأوروبية، ثمّ بأدب أمريكا الشمالية، وفي وقت لاحقا بأدب أمريكا اللاتينية. إن أسماء ليو تولستوي، إرنست همنغواي، أنطون تشيخوف، وليام فوكنر، جيمس جويس، فرانز كافكا، جي دي موبسّان، فيكتور هيجو، خورخي لويس بورخيس، جبراييل جارثيا ماركيز لم تكن مجهولة بالنسبة لممثلي أدب عربي يتجدّد، وهي أسماء مألوفة أيضاُ بالنسبة لكثير من الأدباء الشباب المعاصرين، وإن كان هؤلاء يستطيعون اليوم أن يطلّوا علي عدد كبير من القدوات الأدبية العربية وأن يهتدوا بها.
كتاب وكاتبات
من بين العدد الكبير من الذين ينتجون أدبا باللغة العربية لم يشتهر خارج العالم العربي من خلال الترجمة سوي عدد ضئيل نسيباً، كما يلاحظ أنّ كتاباً وكاتبات مهمّين ينتمون إلي أحد الأقطار العربية كثيراً ما يكونون غير معروفين في أقطار عربية أخري، لا بل من غير الممكن الحصول علي مؤلفاتهم في تلك الأقطار، وذلك نتيجة الأوضاع المؤسفة التي تسود التبادل الثقافي بين الأقطار العربية.
من المؤكد أن أشهر كاتب عربيّ حديث هو الروائي المصري نجيب محفوظ (1912ر2006) الذي أنجز إنتاجاً روائياً ضخماً يدور حول القاهرة منذ الحرب العالمية الأولي، وقل أن ينكر كاتب عربي أنه قد تأثّر به ذات يوم. وفي هذه الأثناء أعقب نجيب محفوظ في عدة أقطار عربية جيلان أو ثلاثة أجيال من كتّاب الرواية (والقصة القصيرة) الذين يكتبون حول مواضيع تختلف عن مواضيعه، وبأساليب تختلف عن أسلوبه إلي ذلك الحدّ أو ذاك. نذكر من هؤلاء علي سبيل التمثيل لا الحصر: الروائي السعودي- العراقي عبد الرحمن منيف (1931-2004) ،كاتبة القصّة القصيرة المصرية سلوي بكر (من مواليد 1949) ، القاصّ الفلسطيني الذي يحمل الجنسيّة الاسرائيلية إميل حبيبي (1921-1996) ، الروائي المصري جمال الغيطاني ( المولود سنة 1945) الروائي اللبناني رشيد الضعيف (من مواليد 1945) ، القاص السوري زكريا تامر (من مواليد 1931) . إنهم كتاب غاصوا عميقا في التراث الأدبي العربي بشأن الكثير من مؤلفاتهم.
تاريخ طويل
يطلّ الإبداع الأدبي الحديث في العالم العربي علي تاريخ طويل من الكتابة الأدبيّة. فبعد فترة قصيرة من ظهور الإسلام في القرن السابع ظهرت مؤلفات لم تقتصر مواضيعها علي دراسة الإعجاز الأسلوبي للقرآن الكريم الذي نوّه إليه كثير من العلماء، ولا علي الشؤون اللاهوتيّة، بل شملت العلوم الإنسانية والطبيعية، وتضمّنت مقومات أدب تخييلي صيغ جزئيا باللغة الدارجة، وفي الجزء الآخر بلغة عربية فصيحة رفيعة جدّاً، وذلك لاختلاف الجماعات المستهدفة. برز في هذا الإطار ذلك العمل الذي عُرِّف به العالم العربيّ أدبياً في الغرب منذ ترجمته الأولي (الفرنسية) في مطلع القرن الثامن عشر، ألا وهي قصص (ألف ليلة وليلة) إنها مجموعة من القصص التي ينهل منها الكتّاب في العالم العربي وفي العالم بأكمله. منها يأخذ الكتاب بني فنيّة وأغراضاً ومواضيع وشخوصاُ يواصلون نسجها وصياغتها. إلا أنّ (ألف ليلة وليلة) ليست كلّ شيء ولم تقتصر علي حركة التأليف عليها، فقد كان هنالك تاريخ، وشعر، ومقالات حول موضوعات لا عدّ لها ولا حصر، وكانت هناك نكات، والعديد من التعبيرات الأدبية عن الوقائع والأحداث السياسية والاجتماعية. لقد كُتب ذلك كلّه بلغة عربية هي، من حيث البنية، اللغة العربية الفصحي إلي أبعد حدّ وهذا ما يجعل العلاقة بالكتابات التي ترجع إلي عهود قديمة أسهل بكثير مما هي عليه في الأقطار الأوروبيّة، التي لكلّ منها لغة قديمة، ولغة متوسّطة، ولغة حديثة.
إنّ الجدل الدائر في العالم العربي حول قيمة أو لا قيمة ذلك الأدب القديم بالنسبة للأدب العربي المعاصر لم يزل مستمراً، وهو بعيد عن أن ينتهي، كذلك فإنّ الأجابة عليه تختلف دائما من أديب عربي لآخر. هنالك من يري أن بوسع المرء أن يغفل ذلك الأدب القديم، وأن ينصرف إلي "الحداثة" بصورة كاملة، وهذا ما يقوم به كثيرون. إلا أن باستطاعة المرء أيضاً أن يشتغل عليه، وأن يجد متعة في أشكال الأعمال الأدبية القديمة ومضامينها، وقد يكتشف فيها أشكالاً حديثة تستفيد منها الكتابة الأدبية الحديثة بصورة جادّة أو بصورة ساخرة. وهنالك في الأدب العربي الحديث أمثلة علي تلك الإمكانات المختلفة، وهذا ما يجعل الأدب العربي أدباً غنياً ومثيراً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.