حكاية السرير الطريفة في كل عائلة تحل سمات وأفعال بسيطة ، لكنها تنم علي مدي وحدة مزاج وأهواء هذه الأسرة ، باختلاف كل منها عن الأخري ، كانت عائلتي تختص بالجلوس ، والنوم ، والتسامر وتناول الطعام في غرف النوم ، وترك غرفة السفرة ، والصالة تمامًا ، الحياة تبدأ وتنتهي من غرفة النوم ، وبه أهم عوامل التسلية : التليفزيون . كانت كل صديقاتي، وأخواتي وأقربائنا ، يعرفون مزاجنا في هذه الجلسة ، التي لا تتغير لو ذهبت لأي منزل من منازل أخواتي المتزوجين جميعًا الآن ، إننا لا نجلس أو نتحدث أو نتحاكي إلا في غرفة النوم ، كبرنا وكبرت هذه العادة واحتفظنا جميعا بها من الأم والأب ، وقبلها الجد والجدة ، وظللنا نتوارث هذه العادة حتي الأزواج الجدد علي العائلة بحكم علاقة الزواج والنسب، خضعوا جميعهم لهذه العادة ، ومن حاول الاعتراض منهم ، ملّ من الجدال ، والمحاولة واستسلم في نهاية الأمر، فنحن خمسة بنات بخمس أزواج ، جميعهم الآن تحت سيطرة الفكرة ، وينفذونها بكل هدوء ، وترحاب. وطبيعي أنّ جميعهن أنجبن بناتًا وأولادًا ، وكبر الأبناء ، وتزوجوا ، وتوارثوا جميعًا العادة بحب وطاعة عمياء ، حتي في احدي الجلسات عندي وجميعنا نجلس متفرقين علي سريرين في غرفتي ، ووسطنا صينية عليها فاكهة ومسليات وحلوي واحتفالاً بحضور العريس الجديد لابنة أختي الصغيرة ، هتف زوجها ضاحكا باستهزاء أغلبه ضحكا عاديا. ما هذا ألا تملون غرفة النوم ، أبدا ؟ جميعكم فيها تأكلون وتشربون وتشاهدون التليفزيون.. كل الحياة هنا.. والله حاجة غريبة فعلا العيلة دي . ترد عليه أختي مباشرة بنفس ضحكته المستهزئة : ولا يهمك يا حبيبي ياجوز بنتي الغالي ، قدامك سنة بالضبط وتبقي زينا وأعادت العبارة الأخيرة ، سنة يا قلبي بالضبط وتبقي زينا . وضحكت وضحكنا جميعا لكن هذه المرة ابتهاجا بالنصر الجديد بالفوز بعضو جديد للسرير.. وأنهتها زوجته الشابة الجميلة الظريفة بمزحة عادل إمام في مسرحية شاهد ما شافش حاجة (سايبين الشقة كلها وقاعدين في الاودة) فمتنا من الضحك ، حتي اغرورقت عيوننا بالدموع . أعظم أستاذ في الوجود كان أستاذها في الجامعة ، كانت بذكاء المرأة الفطري ، تدرك مدي إعجابه بها، ؟ ، التي تستحق كل اهتمام ، تذهب إلي مكتبه قبل وبعد انتهاء المحاضرة ، وهو يتقبل هذا بصدر رحب وأريحية ، بل تأخذ صديقاتها للنقاش والحوار الذي ينتهي إرغامًا بموعد الانصراف ، الذي لابد منه ، وفي كل مرة تخاطر بفتح آفاق جديدة للقراءة والبحث ، حتي فاجأها في يوم باسطوانة CD. وقال لها عندما تذهبين إلي المنزل ، افتحيها وأخبريني رأيك، في التليفون ، إذا أثارك الفضول لعدم الانتظار لنهاية الأسبوع حيث حضوري إلي الجامعة ، وافقت مباشرة ودخلت اللعبة ببراءة ، ورغبة في المغامرة الثقافية ، التي توشك أن تتحول إلي مغامرة عاطفية تشعر بالبشارة تأتيها ، وكانت الفرحة الكبيرة عندما وجدت الاسطوانة ما هي إلا مكتبة حافلة بكل ما تحب من الروايات لأهم الكتاب المصريين ، وغير المصريين ، وكتب تحوز اهتمامها عن الدين والميثولوجيا ، والأساطير، بل وقفزت من الفرحة الغامرة ، عندما وجدت بها موسوعة الشعر العربي وأهم أعمال ميلان كونديرا ، التي طلبتها منه أكثر من مرة ، وبكل ابتهاج ورغبة عارمة هاتفته ، وانسابت كلمات الشكر والامتنان والفرحة ، ظلت تقول وتكرر كل كلمة ، فضحك هو بشدة وقال بهدوء: حكاية السرير الطريفة - إذا هي أعجبتك .. فضحكت هي أيضا بشدة.. يبدو هذا يا دكتور وتوقفت برهة ثم هتفت - بل أعظم إنسان في الوجود .. فعلا أنت كذلك. ثم فاجأها بسؤال وتحدث في حوار عادي: - بس تعرفي في حاجة مهمة ناقصة نسيت أحطها في الاسطوانة فتثاءبت وقالت: - ما أظنش.. ولا أقولك إيه هي قال لها: - خمني إنت أيضا طلبتيها مني أكثر من مرة صرخت انبهارًا قائلة : - ايوه صح مقدمة ابن خلدون أستاذي العظيم.. فضحك بشدة قائلاً بإدعاء الملل: - هاتيها إنت بقي.. - لا أنت ها تجيبها ليه يا أعظم إنسان في الوجود. بكت بحرقة وألم وحسرة ما بعدها حسرة ، وهي الآن جالسة في عزائه ، الذي حضره الجميع من أصدقائه وتلاميذه ، بعد أن هاتفته في الأسبوع التالي من اعطائه الاسطوانة لها ، ورد علي الهاتف رجل آخر، يقول لها بكل برود وقسوة ما بعدها قسوة الدكتور عمر شاهين مات يا آنسة ، جاءتها نوبة بكاء ، لا تقوي علي إيقافها وهمست روحها قبل لسانها قائلة كالمهووسة : - طيب يا أعظم أستاذ في الوجود ، لسه باقي مقدمة ابن خلدون .... خريطة العالم الجديدة في ذات يوم ، وفي أثناء حصة الدراسات الاجتماعية قال المدرس : اكتبوا الدرس وليرسم كل منكم خريطة العالم ، هكذا قال المعلم جلس (بل) بجوار (ديفيد) بعد أن كتب الدرس ، دق جرس الحصة الأخيرة ، انصرف التلاميذ عودة إلي منازلهم في أتوبيس المدرسة.. وبعد تناول طعام الغذاء ، استراح (بل) قليلاً وبدأ يفكر فيما طلبه المعلم منه ، قام مسرعا جلس علي مكتبه حاول رسم الخريطة وفي أثناء ذلك خطرت له فكرة ، وقال : ماذا سيحدث لو أبدلت القارات مكان بعضها البعض ، ماذا لو كانت أمريكا مكان إفريقيا ، أو جاءت الصين مكان الهند .. و استراليا مكان أفغانستان أو ... أو ... الخ . بعد تلوين الخريطة كتب علي أمريكا ((إفريقيا)).. وهكذا علي بقية قارات العالم . أخذ يتأمل الخريطة فوجد لكل دولة مكانا بديلا إلا بقعة واحدة علي الخريطة ظلّ حائرا في أي مكان يضعها ، ثم حدث نفسه قائلاً أنا أعلم من الديانات أنها سوف تكون بلا وطن . وأنا هل اخطئ مرة أخري مثلما فعل بلفور.- لا سأفعل ، وسأقول الحقيقة مهما كلفني ذلك . هكذا فعل الطفل الصغير (بل) والذي يعمل والده محاميًا في ولاية فلوريدا بأميركا. والذي سأله يوم من الأيام ، بعد أحداث 11سبتبمر 2001من فعل هذه الحادثة يا أبي. رد عليه جنسون والده العرب المتخلفون ، والدول الإسلامية المتطرفة تحقد علينا يا (بل) تلك الإجابة القابعة في أذهان الأمريكان عن الإسلام ، لكن بل الطفل الصغير أخذ يفكر في نفسه قائلا : - لابد أن هناك خطأ ما... وفي اليوم التالي ذهب (بل) إلي المدرسة ، عرض الفكرة والخريطة علي صديقه ديفيد وكيف أنه حاول تغيير معالمها . وإنه بدل القارات والشعوب المتصارعة كل مكان الآخر، فرد عليه صديقه هذه فكرة جريئة وسوف تكلفك كثيرًا.. قال له (بل) تعتقد يا صديقي ماذا سيحدث ؟ فقال له: - يمكنهم إعدامك .. أو اتهامك بالجنون.. أو يلفقون لك تهمة.. إنك من جذور عرقية.. فتطرد من الولاية ومن رحمة الإله أمريكا. فقال بل بحماسة مبالغ فيها: - سأفعل ما يمليه علي ضميري .. وليكن ما يكون . ليتني عصفور في ساعة الغروب والشمس في طريقها إلي عالم آخر، وكانت السماء لونها أحمر مختلط بلون أصفر ذهبي.. من خيوط الأشعة المنبعثة من قرص الشمس.. وهبوب ريح خفيفة يداعب أغصان شجرة الصابر أيوب التي يسير بجانبها كل يوم الطفل أحمد لتقف عليها طيور السماء ، وهي تطل علي نهر النيل والمياه تجري من تحتها ، والغريب أن الطيور التي جاءت لتقف فوق الشجرة ، كانت من أنواع مختلفة منها البلبل واليمام والحمام . وعصافير الجنة ، والببغاء ، والغراب والكروان والنسور بأنواعها.، وكان أحمد عائدا من المدرسة فرأي هذا الحشد من الطيور، فأمسك بحجر لكي يضرب الطيور فوق الشجرة فصاح الببغاء : أحمد حبيبي لا تضرب بالحجر فنحن أصدقاء. فرفع أحمد عينيه فرأي شيئًا جميلاً بذيل طويل ، ولونه أحمر وأصفر وأزرق الببغاء ذو الألوان المتعددة فدهش أحمد وقال : هل تعرفني؟ فقال : نعم أنا أعرفك كنت آتي كل صباح لأغني لك عندما تبكي أنا عندي بغبغان فعاد يسأل : - لماذا كل هذا العدد من الطيور؟ فقال له : - اليوم زفاف صديق لنا من الطيور فآتينا لنحتفل به فوق شجرة الصابر أيوب فقال: -ومن هو العريس؟ فرد الكروان: - إنه العصفور صوصو والعروس كركر. قال أحمد: وأين يسكن فوق شجرة الصابر أيوب؟ قال الكروان بابتهاج : لقد بني عشا جميلا وفرشه بريش نعام واليوم زفافهما. قال أحمد : هل قدم مهرا مثلنا وكيف يصرف عليها ؟ فقال له الحمام : حياتنا بسيطة ونرتضي بأقل الأشياء فمادام العريس يملك عشًا مجهزا بقش الأرز وريش ناعم فهذا هو المهر. نحن لا نطلب ذهبًا أو فضة أو قصورا وقال له العصفور زرزور أيضًا : ونحن كذلك ، ثم إننا دائما نسعي ونجاهد ونبحث ونطير بلاد ونعبر محيطات ، ونحن لا نزرع ، ولا نحصد ولكن لنا إله محب حنون يعطينا كل ما نحتاجه ، يرعانا ويقوينا ويحمينا من الأخطار ويأمرنا بالتضحية ، فنضحي بأنفسنا في سبيله جل جلاله. نحبه ونسبحه ونسجد له علي الدوام ، فهل لكم اله مثلنا؟ فقال الصابر أيوب: - ما رأيك يا أحمد في هذا الكلام الجميل؟ فقال أحمد: - أنا أحب هذا الإله الواحد الأحد.. ولكن البشر لا يتعظون ولا يعطون أبدًا.. يأخذون فقط.. فقط يأخذون. فقال الصابر أيوب: -لأن الناس لا تحب الله.. بل تحب المال. قال أحمد: - ليتني عصفور....