الأسبوع الماضي كشفت لجنة الشئون الدينية بمجلس الشعب عن العديد من الأخطاء بأحد المصاحف المطبوعة في دار"الغد الجديدة للطباعة والنشر" بالمنصورة، والكارثة الأكبر أن الطبعة حاصلة علي موافقة من مجمع البحوث الإسلامية. خبر مر كغيرة من الأخبار التي نقراها يوميا، ولم يتوقف عنده أحد رغم خطورته، ربما لأننا تعودنا أن نتعامل مع كلمة "خطأ مطبعي" بشكل جعل منها كلمة عادية ومنطقية بل ومقبولة كعذر في أغلب الأحيان، قبلناها بديلا عن كلمات أخري ربما تكون أكثر واقعية وصراحة وإن كانت أكثر حدة مثل الإهمال والتقصير والعبث أيضا..لكن إن كان الخطأ المطبعي مقبولا في أي شئ وأي كتاب فانه بالتأكيد غير مقبول تحت أي مبرر في القرآن الكريم، لكن ورغم ما يحظي به "المصحف"من قدسية إلا انه لم يسلم من محاولات التشويه غير المتعمدة أحيانا، والمتعمدة في كثير من الأحيان؛ كما أن التجارة وطموح الكسب السريع، جعلته يصبح "سبوبة" مضمونة التوزيع لمطابع "بير السلم". د.أحمد عمر هاشم وأعضاء اللجنة الدينية بمجلس الشعب شنوا هجوماً حاداً علي رئيس الوزراء باعتباره وزير شئون الأزهر لعدم حضوره اجتماع اللجنة لمناقشة الأخطاء الجسيمة التي وردت في المصحف، وهي كما قال رئيس اللجنة: جاءت صفحة 196 مباشرة بعد صفحة 419 واستمر ترتيب الصفحات من 196 وحتي 227 ثم جاءت بعد ذلك صفحة 452 فضلاً عن خلو المصحف من 30 ورقة؟!. وعقب الجلسة أجري أحمد عمر هاشم اتصالاً بشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب لإبلاغه بالأخطاء الموجودة في هذه الطبعة لسحب ترخيص المطبعة.
وإذا تم سحب الترخيص فعلا فلن تكون تلك هي المرة الأولي التي يحدث فيها هذا الأمر، حيث طبعت دار بن الهيثم نسخة حافلة بالأخطاء من المصحف الشريف، كانت تباع بمكتبات منطقة الأزهر والحسين منذ فترة، وكانت حاصلة أيضا علي تصريح تداول برقم 98/14 ديسمبر 2004 وتضمن _التصريح- فقرة تؤكد "ضرورة الدقة التامة في الجمع والترتيب وإلا سيتم سحب التصريح ومصادرة النسخ طبقا للقانون 102 لسنة 1985". ورغم ذلك حذفت النسخة من الآية رقم 1 وحتي الآية 23 من سورة النمل، وحذفت الآيات 45 إلي الآية 64 من نفس السورة. وبحسب تأكيدات ضياء الدين محمد رئيس الإدارة العامة للتأليف والبحوث والترجمة فقد تم سحب تصريح هذه الدار بعد اكتشاف لجنة المصحف للأخطاء، كما تم إبلاغ شرطة المصنفات لسحب النسخ من الأسواق. ولكن كيف تأتي الأخطاء في المصحف من الأساس، والمفترض أنه لا يعامل معاملة الكتاب العادي؟ يوضح الشيخ فرحات المنجي الأستاذ بالأزهر العملية تفصيليا فيقول أنه وقبل أن تبدأ المطابع في طباعة المصحف لابد أن تحصل أولا علي ترخيص بالطباعة من مجمع البحوث الإسلامية، وهو وحده المسئول عن إصدار هذه التراخيص للمطابع، ثم يتم اختيار شكل الزخارف علي الصفحات والفواصل بين الآيات، ولابد أن تسجل ضماناً لحق الملكية الفكرية بالإضافة إلي تحديد حجم المصحف المقرر طباعته، وتقديم الأوراق والمستندات الدالة علي ملكية المطبعة والبطاقة الضريبية والسجل التجاري، ويوضع كل ذلك في ملف لدي إدارة التأليف والترجمة. بعدها يحصل صاحب الطلب علي ترخيص بالطباعة يقدم بعده عشرين نسخة من المصحف بشكله قبل النهائي لمراجعته من لجنة تتبع الإدارة مكونة من 19 شيخاً تدقق في الآيات والتشكيل والفواصل وتطابقها مع الرسم العثماني الأصلي للمصحف، وتراجع كل جزء أو عده أجزاء ثلاث مرات بالتداول بين شيوخ لجنة المراجعة، وتكتب الملاحظات، ثم يوقع الشيخ علي كل نسخة بأنها مطابقة ولا توجد بها أخطاء، ثم يوقع علي غلاف الجزء الذي تمت مراجعته وأنه صالح للطبع والتداول ولا يحصل صاحب حق الطبع علي الترخيص النهائي بالطبع والتداول سواء للمصحف أو الكتاب يحوي مادة دينية إلا بعد تنفيذ كل ملاحظات اللجنة. واشترط المجمع مؤخرا أن توضع صورة الترخيص النهائي علي المصحف أو رقم الترخيص كأضعف الإيمان داخل المصحف لمحاسبة المخالفين والمزورين لعملية الطباعة بعد أن زادت عمليات الأخطاء. بعد هذا كله كيف تخرج الأخطاء في المصحف؟ يجيب المنجي: المسألة ببساطة شديدة، أن بعض أصحاب المطابع معدومي الضمير، يرسلون للجنة مصحفا خاليا من الأخطاء في الوقت الذي يكونون فيه قد طبعوا بالفعل المصحف غير المراجع، فنمر نحن بإجراءاتنا _التي تأخذ وقتا طويلا نسبيا- في حين يكون المصحف الذي يحتوي الأخطاء قد أعد للتوزيع بالفعل، وبعد أن يأخذوا الموافقة، يبدءون التوزيع علي الفور، هم يظنون أنهم بذلك اختصروا الوقت وكسبوا أموالا بسرعة، ولكن هل تربح تجارة تزور في كتاب الله؟!.
طبع المصحف الشريف يحكمه القانون أيضا حيث ينص القانون رقم 102 لسنة 1985بشأن تنظيم طبع المصحف الشريف والأحاديث النبوية، علي أنه يختص مجمع البحوث الإسلامية دون غيره بالإشراف علي طبع ونشر وتوزيع وعرض وتداول المصحف الشريف، وتسجيله للتداول والأحاديث النبوية. كما يختص الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية أو من ينوب عنه بالترخيص لدور الطبع، والنشر وللأفراد والشركات والمؤسسات وغيرها بطبع ونشر وتوزيع وعرض وتداول، والتسجيل للتداول لكل ما تقدم أو بعضه وفقًا للقواعد والشروط التي يصدر، بها قرار من شيخ الأزهر. وتنص المادة الثانية علي أنه: يعاقب، بالسجن وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه كل من قام بطبع أو نشر أو توزيع أو عرض أو تداول المطبوعات أو تداول التسجيلات المشار إليها في المادة السابقة بدون ترخيص أو بالمخالفة لشروطه ولو تم الطبع أو التسجيل في الخارج. وتكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات ومثلي الغرامة في حالة العودة. كما يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد علي عشرين ألف جنيه كل من حرف عمدًا نصًا في القرآن الكريم عند طباعته أو تسجيله بأية وسيلة كانت. وتكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة ومثلي الغرامة في حالة العودة. ولا يجوز الحكم بوقف تنفيذ أي من هذه العقوبات. ويكون للعاملين المتخصصين بإدارات مجمع البحوث الإسلامية الذين يصدر بتحديدهم قرار من وزير العدل بالاتفاق مع شيخ الأزهر، صفة مأموري الضبط القضائي فيما يتعلق بتطبيق أحكام هذا القانون.
د.أحمد السايح أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر يري أن الأمر لا يجب أن يمر مرور الكرام، ولا أن يتم التعامل معه علي أنه خطا عادي وارد، الأمر بالنسبة له أكثر تعقيدا، يقول أن الإسلام مستهدف من جهات عده، ومحاولات تشويه القران لم تتوقف "ومنذ عده سنوات رأينا مصحف الفرقان الذي طبعته أمريكا مشوها وصدرته لنا وهذا أمر جلل". يضيف السايح: كان للأزهر مطبعة كبيرة في وقت ما، ولا اعرف ما الذي يفعل بها الآن غير طباعة أسئلة الامتحانات. الكارثة الأكبر الآن أن مصر _بلد الأزهر- لم يعد موثوقا في طبعها للقرآن، حيث نشرت بعض المواقع الاليكترونية العربية تأكيدات بقيام الشيخ "تيسير التميمي" قاضي القضاة بفلسطين بمنع تداول نسخة مصرية من القرآن الكريم، النسخة صادرة عن دار التراث العربي للطباعة والنشر بالمشهد الحسيني بالقاهرة، حيث تبين أن دار النشر وقعت بخطئ أثناء ترتيبها لأوراق المصحف حيث سقطت منه الكهف ومريم وطه وجزء من الأنبياء وتكرر بدلاً عنها الأعراف والأنفال والتوبة!. سبق ذلك ما أعلنته هيئة علماء السودان من وجود نسخ من مصحف الأزهر الشريف بها أخطاء ملحوظة بشكل كبير، مؤكدة أن الأزهر تلَّقي بالفعل نسخة من المصحف تم اكتشاف الخطأ فيها علي الفور، وقد سبقت دار الغد وفضيحة السودان أيضًا مطبعة دار التوفيقية التي قامت بطباعة 40 ألف نسخة من القرآن الكريم تحتوي علي أخطاء فادحة في جميع السور إما بالتكرار أو الترتيب أو الحذف وبتصريح من مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر. الكارثة الكبري أن المصحف خضع بالفعل لمراجعة لجنة مراجعة المصاحف بالإدارة العامة للبحوث والتأليف والترجمة بمجمع البحوث الإسلامية، وضمت اللجنة كما هو مُثبت بالنسخة المشوَّهة الدكتور أحمد عيسي المعصراوي رئيسًا، والشيخ محمد عبدالله مندور وكيلاً، والشيخ سيد علي عبدالسميع وكيلاً، وضمت في عضويتها 01 شيوخ من الأزهر الشريف.
ورغم ذلك كله يري د.جمال قطب الرئيس الأسبق للجنة الفتوي بالأزهر أن المسالة لا تخرج عن إطار التهويل الذي اعتاد عليه المصريون، يقول أن الأمر وارد الحدوث الآن في ظل التقنيات الحديثة التي أتاحت لكثيرين العمل في مجالات الطباعة، وفي ظل محاولات هؤلاء للكسب السريع لا يراعون المبادئ القانونية أو حتي الأخلاقية التي يجب إتباعها في مسائل شديدة الحساسية كهذه، يري قطب أن خبراء الأزهر لا يمكن بأي حال أن يراقبوا جميع عمليات الطباعة التي تجري في مصر خاصة وأن كثير منها يتم "بطرق ملتوية وتحايل"، يقول قطب:"وإذا استطعت السيطرة علي الطباعة في الداخل، فهل يمكن مراجعة كل مصحف يأتي من الخارج، صحيح أن هناك لجنة لمراجعة المصاحف المستوردة، لكن هل سيقرأ المختصون كل المصاحف". الحل من وجهة نظرة أن تتولي عملية الطباعة مؤسسات موثوق فيها وان يخرج القطاع الخاص من هذه المسألة نهائيا "لأن خدمة القران مرهقة ومكلفة والقطاع الخاص غير مضمون علي الأقل في المسالة الأخلاقية".