تعرف على أسعار الذهب اليوم الخميس 2 مايو.. عيار 21 ب3080    الثاني خلال ساعات، زلزال جديد يضرب سعر الذهب بعد تثبيت المركزي الأمريكي للفائدة    تأهب في صفوف الشرطة الأمريكية استعدادا لفض اعتصام جامعة كاليفورنيا (فيديو)    فلسطين.. قوات الاحتلال تقتحم مخيم قلنديا شمال شرق القدس المحتلة    هاني حتحوت: مصطفى شوبير اتظلم مع المنتخب.. وهذه حقيقة رحيل الشناوي    هل يستمر؟.. تحرك مفاجئ لحسم مستقبل سامسون مع الزمالك    خبير تحكيمي يكشف مدى صحة ركلة جزاء الإسماعيلي أمام الأهلي    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على الإعلامية "حليمة بولند" في الكويت    التحضيرات الأخيرة لحفل آمال ماهر في جدة (فيديو)    ما الفرق بين البيض الأبيض والأحمر؟    «الأرصاد» تكشف موعد انتهاء رياح الخماسين.. احذر مخاطرها    متى تصبح العمليات العسكرية جرائم حرب؟.. خبير قانوني يجيب    أول ظهور ل أحمد السقا وزوجته مها الصغير بعد شائعة انفصالهما    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على حليمة بولند وترحيلها للسجن    «البنتاجون»: أوستن أكد لنظيره الإسرائيلي ضرورة ضمان تدفق المساعدات إلى غزة    طريقة عمل الآيس كريم بالبسكويت والموز.. «خلي أولادك يفرحوا»    مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني يواصل تصدره التريند بعد عرض الحلقة ال 3 و4    أمطار تاريخية وسيول تضرب القصيم والأرصاد السعودية تحذر (فيديو)    حسن مصطفى: كولر يظلم بعض لاعبي الأهلي لحساب آخرين..والإسماعيلي يعاني من نقص الخبرات    واشنطن: العقوبات الأمريكية الجديدة ضد روسيا تهدف إلى تقويض إنتاج الطاقة لديها    بشروط ميسرة.. دون اعتماد جهة عملك ودون تحويل راتبك استلم تمويلك فورى    عاطل ينهي حياته شنقًا لمروره بأزمة نفسية في المنيرة الغربية    سعر الموز والخوخ والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 2 مايو 2024    مُهلة جديدة لسيارات المصريين بالخارج.. ما هي الفئات المستحقة؟    كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي في الموارد البشرية؟    لاعب الزمالك السابق: إمام عاشور يشبه حازم إمام ويستطيع أن يصبح الأفضل في إفريقيا    هاجر الشرنوبي تُحيي ذكرى ميلاد والدها وتوجه له رسالة مؤثرة.. ماذا قالت؟    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    وليد صلاح الدين يرشح لاعبًا مفاجأة ل الأهلي    احذر الغرامة.. آخر موعد لسداد فاتورة أبريل 2024 للتليفون الأرضي    هذه وصفات طريقة عمل كيكة البراوني    أهمية ممارسة الرياضة في فصل الصيف وخلال الأجواء الحارة    صندوق مكافحة الإدمان: 14 % من دراما 2024 عرضت أضرار التعاطي وأثره على الفرد والمجتمع    ترابط بين اللغتين البلوشية والعربية.. ندوة حول «جسر الخطاب الحضاري والحوار الفكري»    حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 2 مايو في محافظات مصر    بسام الشماع: لا توجد لعنة للفراعنة ولا قوى خارقة تحمي المقابر الفرعونية    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    أخبار التوك شو|"القبائل العربية" يختار السيسي رئيسًا فخريًا للاتحاد.. مصطفى بكري للرئيس السيسي: دمت لنا قائدا جسورا مدافعا عن الوطن والأمة    الأنبا باخوم يترأس صلاة ليلة خميس العهد من البصخة المقدسه بالعبور    يوسف الحسيني : الرئيس السيسي وضع سيناء على خريطة التنمية    النصر يطيح بالخليج من نصف نهائي كأس الملك بالسعودية    حيثيات الحكم بالسجن المشدد 5 سنوات على فرد أمن شرع فى قتل مديره: اعتقد أنه سبب فى فصله من العمل    برج الميزان .. حظك اليوم الخميس 2 مايو 2024 : تجاهل السلبيات    اشتري بسرعة .. مفاجأة في أسعار الحديد    أول تعليق من الصحة على كارثة "أسترازينيكا"    بعد أيام قليلة.. موعد إجازة شم النسيم لعام 2024 وأصل الاحتفال به    لبنان.. الطيران الإسرائيلي يشن غارتين بالصواريخ على أطراف بلدة شبعا    مفاجأة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم في مصر بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال    مسؤول أمريكي: قد يبدأ الرصيف البحري الجمعة المقبلة العمل لنقل المساعدات لغزة    القوات الأوكرانية تصد 89 هجومًا روسيًا خلال ال24 ساعة الماضية    الوطنية للتدريب في ضيافة القومي للطفولة والأمومة    أكاديمية الأزهر وكلية الدعوة بالقاهرة تخرجان دفعة جديدة من دورة "إعداد الداعية المعاصر"    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    حمالات تموينية للرقابة على الأسواق وضبط المخالفين بالإسكندرية    النيابة تستعجل تحريات واقعة إشعال شخص النيران بنفسه بسبب الميراث في الإسكندرية    بقرار جمهوري.. تعيين الدكتورة نجلاء الأشرف عميدا لكلية التربية النوعية    وزير الأوقاف: تحية إعزاز وتقدير لعمال مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النشر العلمي العربي
محاولات اللحاق بالقطار
نشر في أخبار الأدب يوم 09 - 08 - 2014

يحضر شبح "العلم" في حياة المصريين والعرب بينما يغيب جسده. المواضيع العلمية حينما تبرز في النقاشات الاجتماعية تدخل من باب الشرعية الدينية أو الترويج السياسي، وبدلاً من النقاش حول جديد الاكتشافات في مجال الخرائط الجينوم، يتحول النقاش إلي حرمانية أو حلال الاستنساخ.
تختفي النظريات والأفكار العلمية وتغيب تفاصيلها، بين يحضرها شبحها، لتصبح البيئة العربية المكان المناسب لنمو المزيد من الخرافات. هذا الضلال هو انعكاس للمستوي الضعيف الذي تثمله الكتب العلمية ضمن الكتب المنشورة العربية، والسبب في ذلك لا يعود فقط لضعف الاسهام العربي في المجالات العلمية المختلفة، بل للصعوبات والتكلفة العالية لنشر الكتب العلمية باللغة العربية. وكما يوضح د. فتح الله الشيخ في مقاله فالترجمة العلمية إلي اللغة العربية تواجه صعوبات نوعية تتعلق بإيجاد مستوي من العربية يمكن أن يكون مفهوماً للقارئ العربي العادي، وفي ذات الوقت لا يختزل التعقيد الفلسفي للأفكار والنظريات العلمية الحديثة. إلي جانب مشاكل تقنيات الترجمة فالتكلفة العالية للنشر العلمي تجعل معظم تجارب النشر غير مكتملة أو متأخرة خطوة أو خطوتين عن اللحاق بقطر التطور العلمي السريع.
في هذا العدد من بستان الكتب نحاول إلقاء الضوء علي تاريخ النشر العلمي عربياً، وعلي عدد من المشاريع النشر التي تحاول تعويض النقص الكبير في هذا النوع من الكتب، كما نركز في الملف علي الدور الذي لعبته المجلات العلمية في دعم قطاع النشر العلمي وتبسيط المفاهيم والمصطلحات العلمية للقارئ العربي، وهو تاريخ من المحاولات الجريئة يمتد من مجلة المقتطف التي كانت تصدر في بداية القرن الماضي، وحتي المجلات والمدونات الالكترونية علي الانترنت في لحظتنا الحالية.
قامت الترجمة العلمية القديمة في حوض البحر المتوسط مثل التجارة والحروب أو أشد وقعا- بربط حضارات المنطقة ربطا متسلسلا من الإغريقية إلي السريانية فالعربية فاللاتينية، ناقلة ومؤثرة في اللغات المقصودة (target)، حتي إن بعض المؤرخين يقولون "بهلسنة" أو "هلننة" الفكر العربي نتيجة الترجمة التي ازدهرت في صدر الدولة العباسية. وكانت ترجمة العلوم (science ) هي الأخطر في هذا الشأن. ولو كانت الإمبراطورية الرومانية قد ترجمت العلوم الإغريقية ولم تقف في ترجمة المراجع الإغريقية عند كتب القوانين والحرب ونظام الدولة، لما انقطع سيال الحضارة الأوربية شمال المتوسط.
كان الطريق من الإغريقية إلي اللاتينية طويلا استغرق أكثر من ألف سنة، وصاحبته حلقات فرعية ناجحة أو فاشلة. فالحلقة الأولي المبتورة كانت من اللاتينية، ولم يكتب لها النجاح لإهمالها ترجمة العلوم. أما الحلقتان الأخريان فهما الهندية الفارسية والمصرية، وقد ساهمتا مع الحلقة السريانية في إمداد الحلقة العربية الكبري بالعلوم الإغريقية. ولقد كان هذا المدد عميقا لدرجة ذوبان الحلقة الفارسية الهندية في الحلقة العربية الكبري ثراء وتشعبا بما احتوته هذه الحلقة من تراث علمي مصري.
ويُري تاريخ اللغة ككل متكامل مع تاريخ العلوم، وانتقال المعرفة عبر الحدود السياسية والجغرافية هو الذي قد أدي إلي التطور والتكيف اللغوي. وقد كانت ترجمة المعرفة العلمية علي مر العصور تقوم علي ما هو أبعد كثيرا من مجرد إعادة توليد وصياغة العلوم. فقد أدت إلي إزاحات وتقنيات واستراتيجيات وفلسفات ونظرات ثاقبة للترجمة. وتكمن مقدرة الترجمة في دورها كقوة تجديد وتكيف. كما تؤدي إمكانية وجود نصوص عديدة ونسخ مضاعفة، ووجود التساؤلات حول دور الأصل ومقارنته بدور النص المترجم إلي ظهور أكثر من "أصل". وقد ضاعفت الترجمة العلوم بزيادة مدي وتنوع النصوص والكيانات اللغوية.
العناصر والصعوبات
تجتمع لترجمة النصوص العلمية، هذا العمل الفكري، عدة صعوبات ومشكلات تتعلق جميعها مباشرة أو بصورة غير مباشرة بكل عناصره. وإذا كانت هناك صعوبات ومشكلات تواجه كل من يتصدي للترجمة عموما، فإن هذه الصعوبات والمشكلات تتضاعف إذا تناولنا ترجمة النصوص العلمية. ويمكن إيجاز عناصر الترجمة العلمية إلي اللغة العربية في:
إجادة اللغة العربية واللغة الأصل.
الوتيرة السريعة لتجدد العلوم.
المصطلح العلمي في اللغة العربية.
المستوي الفكري للقارئ العربي.
ندرة الجمع بين إجادة اللغة العربية والتخصصات العلمية.
فإذا تناولنا هذه العناصر بشيء من التفصيل سنجد أن العربية تعرضت لصعوبات كما لم تتعرض أي لغة أخري من مجموعة اللغات الحية الرئيسية - التي يتحدثها الملايين للإهمال والعزلة والانفصال عن أمتها، بل وتعرضت للسخرية والاستهزاء كما لم تتعرض لغة أخري من هذه اللغات.
ونتيجة لعصور التردي الحضاري التي مرت علي الأمة العربية وعدم الاهتمام باللغة، ثم إصرار مجامع اللغة العربية علي استولاد ألفاظ لا يعرفها الناس ولا يستخدمونها في حياتهم، وإصرارهم علي قولبة اللغة العربية في قوالب وأطر لا تقبل الانفتاح علي الواقع وتغيراته وتطوراته، انعزلت اللغة الفصحي عن الناس، الذين أهملوها وأصبحوا يتحدثون لغة عامية فقيرة وضحلة، لا تكفي إلا بالكاد لسد حاجاتهم المادية والحياتية. أما الحياة الفكرية والثقافية فقد تُركت لها لغة منفصلة ومعزولة عن الناس، لغة أشبه ما تكون الآن بمريض في غيبوبة لا يتنفس إلا اصطناعيا. ولا أعتقد أن هناك لغة أخري تُدرس قواعدها النحوية من كتب مضي عليها أكثر من ألف عام (شذور الذهب في النحو علي العرب، وقطر الندي وبل الصدي، وألفية بن مالك). وما تفعله المؤسسات المسئولة عن حفظ وتطوير اللغات في أنحاء الدنيا هو متابعة ما يتحدثه الناس وتهذيبه وإدخاله إلي حصيلة اللغة. وقد أصبحت اللغات الكبري في عالمنا اليوم تكتسب حصيلة من عدة مئات من الألفاظ سنويا، فتعيش هذه اللغات بأممها منفتحة متطورة تتنفس وتعطي وتأخذ.
وتتخذ هذه المؤسسات التي تحافظ علي اللغة وتطويرها من بعض التجمعات السكانية معيارا لتطور اللغة (موسكو للغة الروسية وتحديدا داخل دائرة ضيقة حول الكرملين "سادوفايا كلسو"). وقد أدي انعزال اللغة الفصحي إلي جهل كل الأمة بها، وأصبحت علامات التشكيل ووضع الهمزة والخلط بين التاء والهاء المربوطة وأداة التعريف من الأمور التي لا يهتم بها أحد. وعندما يصل الأمر أن تصبح الأخطاء الإملائية مسموحا بها في دروس الإنشاء وألا يقرأ الطلاب أي كتاب من عيون الأدب، وأن تصاغ المكاتبات بين المسئولين بلغة عامية فقيرة وضحلة، عندما يصل الأمر إلي هذا الحد الذي لا يتمكن فيه طلاب السنوات النهائية من كتابة إجاباتهم بلغة عربية شبه سليمة (ولا أقول سليمة)، وعندما يصل الأمر أن يرتكب إنسان مؤهل عشرين خطأ إملائيا وعشرة أخطاء نحوية تقريبا في صفحة واحدة، إذن نحن في ورطة لغوية عويصة صنعناها ودخلنا فيها بأنفسنا. وها قد أصبحنا لا نجد بين المتعلمين المتخصصين في العلوم من يجيد اللغة العربية إلا فيما ندر.
تتجدد الموضوعات العلمية وتتشعب وتكتسب حياة متطورة تجعل من يتابعون موضوعا علميا معينا يلهثون وراءه في المجلات العلمية والمؤتمرات. ولا شك أن الأمر نفسه يحدث في الإنسانيات مع فارق نسبي في سرعة التطور والتحديث والتجديد والمعدل الذي تضاف به ألفاظ ومصطلحات جديدة. وقد تابعت الألفاظ والمصطلحات التي دخلت في لغة الناس مع انتشار أجهزة الكمبيوتر والتليفون المحمول (يسيف، ويستب، ويفرمت، ,ويهنج، ويكنسل)، ولو كانت اللغة العربية لغة أخري لأخذت المجامع اللغوية بهذه الألفاظ والمصطلحات وهذبتها واعتمدتها كجزء من حصيلة اللغة. أما واللغة العربية علي ما هي عليه، فإن مجامعنا اللغوية تصر علي استحداث ألفاظ غريبة تولد ميتة لا يتداولها الناس ولا يعرفونها، وتصبح في خبر كان لا اسمها.
ويعد المعدل الذي يتطور به العلم ويتجدد وتضاف له ألفاظ ومصطلحات مصدرا لمشكلة ملحة في الترجمة. فنحن نستخدم في محاضراتنا للطلاب وفي أحاديثنا الخاصة والعامة ألفاظا ومصطلحات لم تقرها وتعتمدها المجامع اللغوية، بل علي العكس، تصر هذه المجامع في أحيان كثيرة علي أن تضرب عرض الحائط بما نستخدمه ونستسيغه من ألفاظ ومصطلحات (لنسترجع قصة الكهرب والإلكترون)، وتعرض علينا ألفاظا من عندها لا يستسيغها ولا يعرف أحد عنها شيئا. ومن الموضوعات العلمية التي بزغت حديثا "نظرية الأوتار الفائقة" و"التوصيل الفائق" و"السيولة الفائقة" و"الهندسة الوراثية".
وفيما يخص المصطلح العلمي في اللغة العربية، فإن اللغات في الدول المتقدمة تجمع علي استخدام الألفاظ والمصطلحات العلمية نفسها مع تحويرها قليلا لتناسب تفعيلة كل لغة. ويشترك في ذلك اللغات من أصول لاتينية وجرمانية وسلافية. ولم تلجأ أي من هذه اللغات إلي ابتكار أو اختراع ألفاظ "نقية" من عندها للدلالة علي معني أو مفهوم علمي، بل استخدمت جميعها اللفظ نفسه محورا قليلا ليناسب تفعيلتها. كان ذلك قديما (alkali, crimson, zero) وما زال مستمرا حتي الآن بالنسبة للألفاظ الحديثة. وفي اللغة العربية لا بد أن يحل التعريب (صياغة اللفظ بتفعيلة عربية) محل ابتكار وتوليد ألفاظ غريبة. ومما يذكر لأستاذنا الراحل الدكتور أحمد مستجير شجاعته في ذلك الأمر، فقد كان عضو مجمع اللغة العربية، وكان يناضل من أجل اللحاق بالألفاظ والمصطلحات الجديدة. ويذكر له إدخاله للألفاظ "دنا DNA" و"رنا RNA" وهي علي الترتيب الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين، والحمض النووي الريبوزي. ونحن نستخدم في محاضراتنا للطلاب وفي ندواتنا ومؤتمراتنا ألفاظا ومصطلحات كان الأجدر بمجامع اللغة العربية اقتناصها كما تفعل سائر اللغات الكبري في العالم وتهذيبها ثم إعادة تصديرها لنا لنقوم أي اعوجاج في نطقنا وكتابتنا لها. وعموما، إذا اهتمت مجامع اللغة العربية، أينما وجدت باللغة التي يتحدثها الناس وتولتها بالرعاية والتهذيب، لكان ذلك أنفع وأوقع من التأليف والابتكار وتوليد ألفاظ لا يعرفها ولا يستسيغها الناس مثل "مذياع" و"مسرة" و"كهرب" و"حاسوب".
تزخر المكتبات الغربية بالإنتاج العلمي التثقيفي الذي ندعوه تبسيط العلوم أحيانا، ويتنافس أهل العلم وأهل الثقافة في إنتاج كم هائل من هذه الكتب التي تخاطب متوسطي الثقافة من الناس. لكن عند ترجمة هذه الكتب، والتي تمثل رافدا هاما من روافد الثقافة والتنوير، يحتاج المرء إلي شرح وتفسير عشرات، بل أحيانا مئات المصطلحات التي لا يعرف القارئ العربي لها معني أو محتوي. ومع الوتيرة المتسارعة لتطور العلوم، أصبح حتي بعض المتخصصين لا يدركون بعض المصطلحات الحديثة (نظرية الأوتار مثالا).
ويمكن هنا طرح مشكلتين، إحداهما ذاتية شخصية وخاصة بالمترجم الذي يتعرض لترجمة النصوص العلمية، والأخري عامة وتخص المصطلح العلمي في اللغة العربية:
تقع النصوص العلمية والتقنية في مستويين علي الأقل إن لم يكن أكثر؛ نصوص متخصصة في تخصصات دقيقة ومتقدمة، مثل نظرية الأوتار الفائقة، والتوصيل الفائق، والهندسة الجينية، وفيزياء الجسيمات الأولية، والصناعات الكيميائية النظيفة، وغيرها. ولترجمة هذه النصوص يلزم الاستعانة بمتخصصين ما أمكن لهم حد أدني من إجادة اللغة العربية. وهناك نصوص من التي اصطلحنا علي تسميتها بالثقافة العلمية، وهي تتطلب ثقافة علمية واسعة وإجادة للغة العربية جيدة. فعادة ما تكون النصوص الأخيرة ذات لغة أصلية رصينة، الأمر الذي يقتضي شيئا من رصانة اللغة العربية المترجمة إليها إعمالا لأمانة الترجمة. هذا ما يخص المترجم للنصوص العلمية.
وهنا أود التأكيد وبشدة علي أن دعوتي ليست لنشر العامية بل لنشر الفصحي الحية المتفاعلة القادرة علي الأخذ والعطاء وتبادل العناصر مع لغات العالم، وهي أهم سمات الحياة. والترجمة الأمينة لنصوص الثقافة العلمية سيعود بكثير من النفع علي نشر وتهذيب ودقة اللغة التي يتحدثها الناس.
العلوم علي الانترنت
من المبادرات الخليجية إلي الأفلام الوثائقية
كل ثانية أصبحت أشبهه بقفزة في مجلة التطور العلمي. ولا شيء يكشف واقعنا الثقافي ومدي انغلاقه أكثر من قياس المسافة التي تحتاجها كل معلومة وكل تطور في أي مجال من مجالات العلوم لكي يصل لنا، وكثيراً ما لا تصل.
نشأ الإنترنت في المقام الأول لتلافي هذا الأمر وفي عصر الأحلام الكبري للانترنت في نهاية التسعينيات، بدا الانترنت يوتوبيا يمكن من خلالها القضاء علي الفجوات المعرفية واحتكار الدولة المتقدمة لإنتاج العلوم واحتكار أسرارها. الآن مع تجاوز الانترنت مرحلة المراهقة وأحلامها يبدو واضحاً أن الجزء الأهم من المعارف والعلوم الانسانية لا يزال مغلقاً عليه في أسوار عالية.
المثال الأوضح علي ما سبق هي الموسوعات والدوريات الأكاديمية الجامعية، فمعظم الجامعات الكبري لا تطيح الاطلاع علي مكتباتها وموسوعاتها إلا لطلابها أو باشتراكات باهظة. يحتاج الباحث أو الطالب الشاب في الجامعات المصرية إلي أن يكون في واحدة من الجامعات الخاصة المكلفة لكي يمكنها الحصول علي "اسم مستخدم" وكلمة "مرور" لكي يمكنه الدخول إلي قواعد بيانات الجامعات والمراكز البحثية ومتابعة الجديد فيها.
يزداد الوضع صعوبة في حالة ترجمة ونشر المحتوي العلمي باللغة العربية، فالمجلات العلمية العربية تعرضت خلال العقد الأخير لخسائر متعددة وبعدها اختفي تماماً من السوق بين من نجح في الاستمرار منها احتاج إلي مؤسسات ودور نشر كبري تقف خلفها وأحياناً لا مناص إلا بكونها مؤسسات حكومية.
أبرز المؤسسات الداعمة للترجمة والنشر العلمي بالعربية علي الانترنت هي مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا، حيث تتحمل المدينة عبء ترجمة ونشر النسخة العربية من مجلة "الطبيعة/ nature" ونظرا لطبيعة المجلة العلمية المتخصصة حتي في نسختها العربية فمن الصعب إيجادها لدي موزعي الصحف والمجلات، حيث أضمن وسيلة للحصول علي نسخة ورقية منها يكون من خلال الاشتراك، لكن في الوقت ذاته فمادة المجلة متاحة بالعربية مجاناً علي موقعها علي الانترنت: http://arabicedition.nature.com/
لكن إلي جنب ما تحققه ترجمة مجلة الطبيعة إلي العربية من ربط للباحثين العرب وجمهور العلوم بأخر مستجدات الاكتشافات والحراك العلمي في كل المجالات، فالمجلة وخصوصاً علي موقعها العربي تعتبر أبرز شبكة اجتماعية للباحثين العلميين العرب، حيث تلعب دوراً هاماً في نشر الوظائف المناسبة للباحثين الشباب في مختلف الجامعات والمراكز البحثية في الدول العربية. تكتسب "ناتشر" مصداقية عالية في مجال النشر العلمي فهي تنشر الأبحاث المُجَازَة للنشر بعد التحكيم العلمي في كل مجالات العلم والتكنولوجيا. ويتم اختيار الأبحاث علي أساس أصالتها، وأهميتها، واهتمامها بتخصُّصات متعددة، وملاءمة توقيتها، وسهولتها للفهم، ورُقِيّ أسلوبها، والنتائج غير المتوقعة التي تتوصل إليها.
تدعم الكويت أيضاً ترجمة ونشر واحدة من أهم مجلات الدوريات العلمية المجزة وهي "scientific American" والتي تنشر في نسختها العربية تحت عنوان "العلوم" وذلك من عام 1995 وحتي الآن، وعلي خلاف "ناتشر" توزع المجلة علي نطاق واسع عربياً، ورغم ارتفاع سعرها نظراً لتكلفة طباعتها المرتفعة أيضاً فأرشيف المجلة متاح علي موقعها: http://www.oloommagazine.com/.
بخلاف ناتشر ومجلة العلوم الأمريكية، فهناك المجلات الوسيطة وهي المجلات التي تسعي إلي تغطية الأخبار والأبحاث والاكتشافات العلمية بمنطق مبسط ومن خلال الاعتماد علي محررين وصحفيين علميين أكثر من اعتمادها علي العلماء والباحثين، أبرز هذه المجلات مجلة "ناشينوال جرافيك" والتي تصدر كمجلة وقناة تليفزيونية وموقع الكتروني بالعربي وذلك عن شركة أبو ظبي للإعلام.
لعبت "الناشينوال جرافيك" دوراً هاماً في نشر المعرفة والعلوم علي نطاق واسع خلال السنوات الماضية، وذلك من خلال قناتها التلفزيونية العربية والتي تذيع عدداً متنوعاً من الأفلام التسجيلية تغطي كافة فروع المعرفة. تعتبر الأفلام الوثائقية العلمية أبرز وسائل نشر الاكتشافات العلمية إلي جانب دورها في تبسيط العلوم والنظريات العلمية الكبري والهامة للجمهور العادي، ربما لهذا ظهر موقع "علوم العرب" http://arabsciences.com/ وهو الموقع المتخصص في بث الأفلام الوثائقية العلمية المختلفة.
يعمل الموقع كقاعدة بيانات تضم أرشيف عشرات القنوات الوثائقية بداية من الجزيرة الوثائقية والناشينوال جيو جرافيك، والأمريكان ديسكفري، ويتم تصنيف الأفلام فيها بناء علي مصدرها، وموضوعها، كما يحتوي علي قسم خاص للسلاسل الوثائقية.
هناك أيضاً المجلات العربية كمجلة "العلم" المصرية والتي تصدر عن دار التحرير، وشهدت تراجعاً كبيراً سواء في مستوي المادة المنشورة أو النشر والتوزيع، في المغرب أيضاً صدرت مؤخراً مجلة العلوم المغربية وهي مجلة عربية أسسها ويشرف عليها خالد مربو وتعتبر من المشاريع التي حققت نجاحاً وانتشاراً ملحوظاً عربياً في الفترة الأخيرة خصوصاً علي شبكة الانترنت: http://science.ma/
المقتطف رائدة الكتابة العلمية في مصر والعالم العربي
شعبان يوسف
منذ أن جاء محمد علي الكبير واليا علي مصر، وبدأت مشاريع التحديث تعمل علي قدم وساق، وليس هذا لعبقرية محمد علي وحماسته للنجاح كي لا يكون لقمة سائغة للسلطان في تركيا فقط،بل كان هذا التحديث ثمرة ناضجة وعظيمة بين استعدادات الشعب المصري الذي وصل إلي درجة معينة من النضج، وبين رغبة محمد علي في التطور والرقي والانفراد بالقطر المصري بعيدا عن الدولة العثمانية إلي حد ما، وكانت رغبات محمد علي تعمل بتعقيدات لا تتضح بسهولة.
كل مشاريع الحداثة كانت مؤهلة للنهوض في تلك المرحلة منذ مطلع القرن التاسع عشر في مصر، ولا بد لهذا النهوض الكبير، أن تكون هناك نهضة علمية عبر الترجمات التي كان يؤسس لها الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي الذي عاد من بعثته إلي فرنسا،ممتلئا كذلك بالحماس لنقل العلوم الفرنسية إلي مصر، وتطورت أشكال الترجمة في مصر، بعد أن صارت له مدرسة، وتوفر لها مترجمون جيدون.
ظلت مصر تعمل علي هذا الطريق، وتم إنجاز بضعة أعمال لافتة في هذه المرحلة، حتي كان اقتراب نهايات القرن ال19، وكانت هجرة الشوام الشهيرة إلي مصر، هذه الهجرة التي تسبب فيها السلطان عبد الحميد، لعمليات الاضطهاد التي كان يقوم بها ضد الكتاب والمثقفين والمبدعين والساسة والشعب كله في بلاد الشام،ولم يكن أمام كل هؤلاء إلا النزوح إلي بلاد أخري أكثر أمنا وسلاما، ولم تكن هذه البلاد من بلاد العرب سوي مصر.
أقول بلاد العرب، لأن البعض كان قد هاجر إلي إمريكا الشمالية واستراليا والبرازيل، وأنشأوا هناك روابط ثقافية وجمعيات ومدارس وشركات،كذلك كانت مصر هي البلد الأكثر قربا ودفئا وأمانا وثقافة وعلما، إذ كانت تستضئ بأسماء كبيرة، وشعراء ومثقفين مرموقين، وثوار من جميع الأطياف، يكفي أن نذكر أسماء مثل عبدالله النديم والشيخ محمد عبده، والاثنان كانا تلميذين للثائر الأكبر جمال الدين الأفغاني، ويكفي أن نقول أن هذه المرحلة هي التي أنجبت أحمد عرابي وسعد زغلول ومصطفي كامل وحفني ناصف وقاسم أمين ومحمود سامي البارودي وغيرهم من رموز مازالت مضيئة حتي الآن، لذلك عندما "لجأ" الشوام إلي مصر، وجدوا مناخا خصبا وحافلا بالنضج الفكري والسياسي والاجتماعي والثقافي، فأنشأوا مجلات وصحفا ومؤسسات ثقافية كبري.
من بين هؤلاء الذين جاءوا كان جورجي زيدان مؤسس دار الهلال، وآل تقلا مؤسسي جريدة الأهرام في الاسكندرية، ومحمد رشيد رضا أسس جريدة المنار، والتي نشر فيها عبدالرحمن الكواكبي كتابه الأهم "طبائع الاستبداد"، وغيرهم كثيرون،وهناك كتابات وأبحاث تناولت ذلك بالتفصيل، ويعنينا هنا من بين كل هذه الأسماء الدكتور يعقوب صروف،الذي عاني مثل كثيرين من الحصار والمطاردة والاضطهاد والتضييق في الشام،هو ورفيقه فارس نمر، وكان يعقوب صروف يعمل بتدريس العلوم والفلك في الجامعة الأمريكية في لبنان، وكان قد أسس مع زميله فارس نمر مجلة "المقتطف"التي تم تأسيسها عام 1873، وأصدرا في لبنان خمسة أعداد منها، وكانت المجلة معنية بالثقافة العلمية بشكل أساسي، وبعدما حوصر وطورد نمر وصروف، وضاقت بهما السبل هناك، حضرا إلي مصر عام 1888،ليصدر العدد السادس، وتظل تصدر في مصر حتي عقد الأربعينيات،أي أنها ظلت تعمل لأكثر من نصف قرن ونيف.
كان الرفيقان قد افترقا منذ مجيئهما إلي مصر،فأصدر فارس نمر جريدة "المقطم"، وتفرغ الدكتور صروف لإصدار "المقتطف"، ومنذ العدد السادس راحت المجلة تنشر موضوعات علمية موسعة وعميقة، وكان حضور يعقوب صروف نفسه فاعلا في المجلة، وإن كان يستعين بكتاب وعلماء وصحفيين وأدباء، ولم تكن المادة العلمية المنشورة، غليظة في أسلوبها، أو جافة في تضاعيفها، ولكن آثر صروف وزملاؤه أن يقدموا المادة العلمية المعقدة والعميقة، في أسلوب رائق ومفهوم وبسيط، دون أدني إخلال بالأفكار المطروحة، والنظريات المعروضة.
حكاية صروف
وكان صروف نفسه شاعرا وروائيا وأديبا وصحافيا،وكان حريصا في الحفاظ علي دقة المعلومة وعمقها من ناحية، ومن ناحية أخري كان حريصا أن تصل إلي قارئها بيسر، ولذلك كان مؤسسا بلا منازع لهذه الطريقة التي انتشرت في مطبوعات أخري كثيرة،مثل مجلات الهلال لجورجي زيدان، والعصور لاسماعيل مظهر، والمجلة الجديدة لسلامة موسي الذي كان يكتب في "المقتطف"في مقتبل حياته، ومن المؤكد أن طريقة مجلة المقتطف في بث الموضوعات العلمية كانت رائدة لكل المطبوعات الأخري، والتي تتلمذ عليها كثيرون في مصر والشرق العربي عموما، وكان صروف نفسه هو الذي زرع البذرة الأولي لهذه الريادة وذلك الأسلوب،ولو تصفحنا أي عدد من المجلة سنلاحظ ذلك بيسر وسهولة.
ففي عدد يناير 1911 تصدرت المجلة مقالة الدكتور صروف، والتي كان عنوانها"مقياس العقل"، والتي استهلها صروف ب"مامن أحد يتعذر عليه أن يري الفرق الشاسع بين رجل حكيم حصيف الرأي حسن النظر في العواقب وبين بليد أبله لا يعي شيئا أو غرّ أحمق يتقلب مع الأهواء، كما يتعذر علي حد أن يحكم بأن الحجر الكبير أثقل من الصغير إذا كانا من نوع واحد، ولكن النسبة الحقيقية بين الحجرين لا تعلم تماما إلا بالمقياس أو بالميزان، وكذلك النسبة بين العقول لا تعلم تماما إلا إذا وجد لها مقياس، وكل معارف الناس لا تبلغ مبلغ العلم الحقيقي ما لم تقس بمقياس حتي تظهر النسبة بينهما، والمقياس أساس كل العلوم الطبيعية، والكيماوية، وإذا أريد أن يجعل ما يعرف من أمور الانسان علما حقيقيا فلا بد من استعمال المقياس نفسه فيها، ولا يخفي أن أمور الانسان الجسدية تقاس بسهولة فيقاس طوله وثقله، وقوة عضلاته واتساع صدره وطول شعره،ولون بشرته ودقة سمعه وحدّة بصره ونحو ذلك،وقد حاول بعض العلماء استنباط وسيلة أو مقياس لقياس قواه العقلية أيضا".
هكذا كان يستعرض صروف أفكاره،ويبسطها بكل هذه السهولة والعمق،وكأنه يستدرج القارئ خطوة خطوة،حتي النهاية التي يكون فيها الاكتشاف الذي يريد صروف أن يصل إليه بكل الطرق،ومن الفقرة السابقة يتبين لنا أن منهج صروف بشكل عام،هو أن كل ظاهرة في الكون لا بد أن تخضع للقياس،فالظواهر الطبيعية هنا،مثل الظواهر العقلية والنفسية والعضوية،ولذلك لم يكن صروف متعصبا لفكرة ما، أو لنظرية معينة،رغم أنه ومجلته تعرضا لهجوم بعض المتطرفين، وذلك عندما كانت المجلة تنشر دراسات وأبحاث ومقالات الدكتور شبلي شميل حول نظرية "النشوؤ والارتقاء"،أو نظرية "التطور" لداروين، ولكن صروف لم يكن ينتبه إلي مثل هذه الانتقادات، والمجلة استمرت في طريقها الصحيح من عام إلي عام،وكانت تكتب علي صدرها "مجلة علمية زراعية صناعية".
من المجلة إلي المعاجم العلمية
أصبح هذا هو منهج المجلة غير آبهة بأي صراخ يطلع من هنا أو هناك،فالمجتمع نفسه لم يكن منصتا إلي مثل هذه السخافات التي كانت تريد تعويق كافة أشكال التطور،حتي المناظرات التي كانت تقام بين صروف والشيخ محمد عبده تجذب انتباها أكثر بكثير من مثل هذه الصرخات الفردية المجنونة، وبالطبع كانت الجهود العلمية تعمل علي قدم وساق،وراحت المجلة تقدم معجما للحيوان من وضع العلّامة الدكتور أمين معلوف،الذي اجتهد كثيرا في إنجاز هذا المعجم النوعي والكبير،والذي كان يتحري الدقة واتساع المعلومات في كل ما كان يتعرض له،ويقدم مادة دسمة ومفيد وممتعة في آن واحد، ففي ذات العدد الذي ذكرناه آنفا يشرح معلوف لمجموعة من الحيوانات فيقول عن "الأصلةالتنين البري" ما يلي:(ضرب من الحيّات كبير جدا يعرف في السودان إلي أيامنا بالأصلة وقد سمعتها كثيرا،ووصف الأصلة مضطرب في اللغة.
قال لسان العرب :الأصلة حيّة قصيرة كالرئة حمراء ليست بشديدة الحمرة لها رجل واحدة تقوم عليه وتساور الانسان وتنفخ فلا تصيب شيئا بنفختها إلا أهلكته،وقيل هي مثل الرحا المستديرة حمراء لا تمس شجرة ولا عودا إلا سمّته، ليست بشديدة الحمرة لها قائمة تحط بها علي الأرض وتطحن طحن الرحا).
يستطرد معلوف في شرح المفردة التي يتعرض لها،ويجمع تعريفاتها من كافي المعاجم والقواميس العربية والأجنبية،حتي يقدم مادة وفيرة ومفيدة وممتعة ورائدة في ذلك المجال،وكما أفسحت المجلة صفحاتها لمعجم للحيوان،كذلك أفسحت صفحات طوال علي مدي أعداد كثيرة لإنشاء معجم آخر للنبات، متحرية الدقة والأمانة والبساطة والإحاطة الشاملة لما تقدمه من أنواع مألوفة وغير مألوفة من النبات.
وهو ما دفع أحد تلاميذ يعقوب صروف،وهو اسماعيل مظهر،لينشئ معجما ضخما ومستقلا للحيتان فقط،واسماعيل مظهر كان آخر رئيس تحرير للمجلة بعد رحيل مؤسسها يعقوب صروف عام 1927، وبعد رحيل ابن شقيقه فؤاد صروف كذلك، وتوقفت المجلة في عام 1942 .
كان الدكتور والأديب والصيدلي نقولا حداد يساهم في تحريرها بشكل واسع وغزير،ويقدم موضوعاته في الكيمياء وعن المعادن بشكل منتظم،وكان كذلك يكتب قصصا علمية مبسطة في كافة هذه المجالات، وكما كانت المجلة تقدم موضوعات كثيرة في أصول العناصر الحيوانية والنباتية، كانت تتعرض للعمليات الزراعية التي تخص الأرض وتسميدها وحرثها وعلاقتها بالطبيعة عموما، وكانت المجلة تقدم بابا للمساءلات التي كان يطرحها القراء في كل عدد، ليسألوا عن المعضلات العويصة التي تخص العلم، وكانت المجلة تخصص كتابا مختصين للإجابة علي تلك الأسئلة، ولم تكتف المجلة بذلك، بل كانت تقدم موضوعات عن المخترعين الكبار مثل إديسون، وعن تاريخ الكليات والمجامع العلمية، وكانت تستكتب في هذه الأمور شخصيات مرموقة وكبيرة.
ففي العدد الصادر في مارس 1937، كلفت المجلة الدكتور علي ابراهيم مؤسس كلية الطب في مصر وأول عميد لها وكان وقت ذاك وكيلا للجامعة المصرية ومديرا لمستشفياتها بأن يكتب موضوعا عنوانه: "كلية الطب.. ماضيها وحاضرها ومستقبلها"، وتعرض في هذا الموضوع لكافة الملابسات التي أحاطت بنشأة هذه الكلية، كذلك عرض للإنجازات التي حدثت في سنوات ازدهارها، والأزمات التي تعرضت لها في الماضي والحاضر،كما شرح كافة الإشكاليات التي ستواجهها في المستقبل"ومن خلال التقديم الذي بدأبه دراسته،سنتعرف علي مضمون ماتعرض له الدكتور ابراهيم،إذ يقول في مستهل دراسته:
(لعله لا يوجد في كثير من البلدان والجامعات معهد ككلية الطب في مصر مرّت عليه صروف الزمان مابين رفع وخفض وترددت فيه لغات مختلفات مابين ضاد وغير ضاد، ولا كمثله معهد صمد للحوادث فأدي للوطن والانسانية رسالة صيغت من جوهر العلم في إطار من الإخلاص، بل ولا كمثله في مصر معهد توطدت بفضل الله الآن أركانه وثبت بنيانه وقد عمت به علي كرّ العشي ومرّ السنين خير التاليم)
ويستطرد الدكتور علي ابراهيم في بحثه منذ أن جاء الطبيب الشاب الفرنسي من بلدته مونبيلييه،ليحل في القاهرة، وهو الطبيب "أنطوان برتملي كلوت"، الذي اشتهر بعد ذلك ب"كلوت بك"،ويحكي بعد ذلك ابراهيم في لغة أدبية رصينة كافة الخطوات التي أسست لهذه الكلية منذ أن كانت فكرة،حتي أصبحت كلية مرموقة، لتخريج أطباء وصلوا إلي درجة العلماء الكبار.
هكذا كانت المجلة تقدم العلم والعلماء وتاريخ المعاهد والمجامع والكليات العلمية،وبالطبع تعرضت بشكل حصري لكافة أنواع ومجالات العلوم الطبيعية، مثل القنابل الذرّية ،والمتفجرات الحربية، وقد خصصت لهذا الموضوع صفحات واسعة علي مدي أعداد متفرقة لأهميته في تلك المرحلة، ففي العدد الصادرمثلافي نوفمبر عام 1935،أفردت مقالا طويلا عن هذا الموضوع وجاء في مقدمته النظرية مايلي:
"يتأثر تطبيق المعارف العلمية علي أساليب الحرب،برأيين متناقضين،فقواد الجيوش يرغبون بوجه عام عن تغيير الوسائل والقواعد التي جري عليها كبار القواد من قديم الزمان،ويحسبون كل اقتراح بتعديلها أو بتغييرها ،اعتداء علي حقوقهم المقدسة،يقابل هذا ،أن الأساليب الجديدة تمنح مستعمليها في الحروب اكتيازا كبيرا علي خصومهم،فلا يلبث هؤلاء الخصوم طويلا حتي يعمدوا إلي وسائل أعدائهم الجديدة"،ويستمر كاتب الموضوع في هذه المقدمة النظرية،ثم يعرض للرأيين المتناقضين بكل حياد،وبعدها يناقش هذين الرأيينالموقفين،في يسر وسهولة دون تعقيدات،ودون انزلاق إلي المنحدر الساسي،ويتلو هذا الموضوع ،موضوع آخر يكمل ماسبقه،وهو عن الغازات الحربية،إذ كان العالم يعيش مرحلة من التقدم العلمي المذهل في ذلك الوقت،كذلك انشغلت المجلة بتقديم موضوعات شاملة تقترب الملفات في مجال الفضاء، وكان الدكتور نقولا حداد هو المختص لمثل هذه الموضوعات،فكتب في أحد الأعداد مقالا مهما عنوانه:"تحدب الفضاء..وماذا عني به النسبيون؟ولماذ لا تصلح هندسة أقليدوس؟"
وكان حدّاد الأديب،يناقش الأمر بكافة استشكالاته اللغوية والعلمية والتاريخية،ويحاول أن يصل لحلول لكل الأسئلة التي كان يطرحها ،ففي هذا المقال يقول:"إذا قلت للعاميّ:الفضاء منحن،أو متحدب ،حسب هذا القول هذيانا أو كلاما فارغا كفراغ الفضاء،لا معني له،وإذا قلت للمثقف ثقافة عامة وهو يفهم إن أي حجم من الفضاء هو ذو ثلاثة أبعاد متعامدة وذو وجهات ست يستهجنه،ويسأل :ماذا يعني بتحدب الفضاء؟
فإذا قلت له :أعني به أن الخط المستقيم الذي عرّفه اقليدوس بأنه أقصر مسافة بين نقطتين لا وجود له في الفضاء لأن كل خط في الفضاء منحن بالنسبة إلي هذا الخط المستقيم الذي عرّفه اقليدوس، وبالتالي الفضاء متحدب، إذا قلت له هذا القول عدّه سخافة وأجابك أنه قول غير منطقي لأنه مناقض بعضه بعضا ،فضلا عن أنه مناقض للاختيار".
وهنا،وبعد كل هذه المقدمة التي يعرضهاحدّاد من وجهة نظر الشخص العادي،ثم من وجهة نظر المثقف العام والعارف ببعض مبادئ العلم دون عمق، يتدخل بأفكاره الواسعة والعميقة والمسهبة والغزيرة، ويعتبر نقولا حدّاد الذي تمر ذكري رحيله الستون هذا العام،من أغزر من كتب في مجالات العلوم في نصف القرن العشرين الأول، وقد استطاع أن يزاوج بين العلم والأدب والرواية بشكل كبير،وقد أنجز عدة أعمال في هذا المجال مازالت تنتظر اليد المخلصة لتنتشلها من الضياع التام،أو الأبدي.
مؤلفات نقولا حداد ويعقوب صروف وفرح أنطون وعزيز ميرهم وغيرهم،تعد من الكنوز العلمية والفكرية والأدبية التي لا تعوض، والتي تعبر عن المرحلة التي كثيرا نقول عنها بأنها المرحلة الليبرالية في مصر، ولكن الأجيال الحديثة ليس عندها خبر أو علم بهذه المنجزات، وربما ينتبه لها هذا أو ذاك من المسئولين الثقافيين الكبار الذين يجيئون ويذهبون دون أن ينقذوا مثل هذا التراث من هذا الضياع الأكيد،وأريد أن أشير إلي أن المجلة كانت تصدر بين الحين والآخر مجلدات تجمع فيها موضوعات متجانسة في كل هذه العلوم،مثل المجلد الضخم والذي صدر في عدة أجزاء وهو :
(أساطين العلم الحديث)، وجاء في الإعلان عنه :"حقائق العلوم الحديثة مطوية في ثنايا تراجم الذين كشفوها وحققوها. تقرأ فصوله كالرواية فيتحول فيها العلم إلي شئ أخاّذ"،وصنّفه واختار فصوله ومادته فؤاد صروف، وهكذا يبدو للقارئ أن المجلة كانت تسعي بكافة الوسائل لتوصل المادة العلمية للقارئ، وتبذل جهدا محترما في التشويق،وأعتقد أنها بهذا الأسلوب وهذه الطريقة، تعد من المجلات العملاقة، والاستثنائية في تاريخ المجلات العلمية والثقافية والفكرية،وهي مازالت حتي الآن تنافس بقوة علي مقعد الريادة والكفاءة.
رغم أن دار الكتب قد اهتمت بنشر بعض المجلات الأدبية والسياسية،مثل جريدة الجريدة لأحمد لطفي السيد،ومجلة الكاتب المصري لطه حسين،ومجلة الرسالة الجديدة ليوسف السباعي،ومجلة الزهور لأنطون الجميل،ومجلة العصور لاسماعيل مظهر،إلا أنها لم تقترب من هذه المجلة الخطيرة،علما بأن معركتنا الأساسية في المرحلة القادمة ،هي العلم ثم العلم ثم العلم،ولدينا من يهتف بذلك صباحا ومساء، ولكن دون أي خطوات لإبراز ما قد فاتنا من تراثنا العلمي العظيم.
العلم والأد معا.. لإنقاذنا رجب سعد السيد رئيس تحرير سلسلة الثقافة العلمية:
في إطار تجديد السلاسل الذي تم في مشروع النشر بهيئة قصور الثقافة، أنشئت منذ ما يقرب من العامين سلسلة " الثقافة العلمية" التي رأس تحريرها أديب ومتخصص في هذا المجال، وهو الأديب السكندري رجب سعد السيد، الذي يمتلك رؤية واضحة لمفهوم الثقافة العلمية، حاول تطبيقه في هذه السلسة، وهو المفهوم الذي يكشف عنه في الحوار التالي.
من وجهة نظرك ما مفهوم الثقافة العلمية؟
تختلفُ الثقافةُ العلمية عن تلقي العلوم في قاعات الدرس التقليدية؛ فهي سعي فردي للمعرفة العلمية، من أجل اكتساب شخصية يشكل التفكير العلمي مجمل سلوكياتها، فتنبذ الخرافات، وتنأي عن الشعوذة والمشعوذين الذين تسربوا، في غيابها، إلي (جيوب) في عديد من جوانب حياتنا. كما أن الشخصية المصقولة بالثقافة العلمية هي الأقدر علي مواجهة المواقف والتعامل مع المتغيرات؛ ولا تنقصها الشجاعة في ذلك، فهي تمتلك رؤية متسعة المجال متعددة الأبعاد، وتعرف حقائق الأمور وطبيعة الأشياء، وتمتلك معيارها المنهجي الخاص الذي يعينها علي أن تعطي مختلف المسائل حق قدرها، بلا تهوين أو تهويل. وهي أيضاً - شخصية قادرة علي الاستجابة للتبدلات والتحولات الطارئة .. استجابة لا تعني تقديم التنازلات المجانية، ولكن التفهم والتقدير والتصرف بمرونة تحقق الهدف بأقل الأضرار وأعظم الفوائد. فماذا نريد لوطننا أكثر من مواطنين بهذه الصفات ؟!.
وليس معني ما قلته إننا لا نقلل من شأن الثقافة الأدبية، ولكنها ساقٌ من اثنتين لا يستقيم عودُ الثقافة، ولا يستوي سيرُها، بغيرهما معاً؛ من هنا نحمدُ للإدارة الحالية للهيئة العامة لقصور الثقافة قرارها إضافة سلسلة كتب جديدة إلي إصداراتها، تختصُّ بالثقافة العلمية، ثقافة العصر، التي طال غيابُها عن أجندة اهتماماتنا الثقافية، وقد آن الأوان لأن تضطلع بدورها في إعادة تشكيل عقل ووجدان مواطنينا، فلا يستمرون قابعين في هامش الكون، عاجزين عن متابعة الدوران المتسارع لعجلات العلوم والتكنولوجيا، في عالم تتبدلُ ملامحُه كلَّ صباح !
هل هناك ضوابط للنشر في هذه السلسلة؟
تدعو السلسلة كل القادرين علي عرض وتبسيط العلوم والتكنولوجيا بلسان العربية، من مثقفين وكتَّابٍ ومشتغلين بالبحث العلمي في وطننا، لأن يتقدموا بإسهاماتهم، إثراءً وتحديثاً لروافد الثقافة العربية المعاصرة، وذلك وفقاً للضوابط التالية منها علي مستوي المحتوي، لابد من تغطية هذه الفروع: نظريات وأفرع العلوم الحديثة، كل مجالات التكنولوجيا، مع الاهتمام بالنواحي المتصلة بالحياة اليومية للبشر،المستقبليات، طروحات مبتكرة لتاريخ العلوم، عالمياً وعربياً، سيرُ العلماء (بيوجرافي أو أوتوبيوجرافي)، عرباً وأعاجم. إسهامات عربية متطورة في مجال الخيال العلمي (نصوص إبداعية : قصص وروايات)، كما ستهتم السلسلة بإعادة نشر مختارات من نتاجات رواد الكتابة العلمية العرب المعاصرين.
ماذا صدر من السلسلة منذ بدايتها وحتي الآن؟
صدر ستة عشر كتابا منها: "ما التكنولوجيا الحيوية". دكتور حسن الشرقاوي ودكتورة منال النجار، " صنع الله".دكتور كمال شرقاوي غزالي، " الأرصاد الجوية" دكتور محمد سعيد، " ازرع أرضك سمكاً. "دكتور عبده السايس، " قضايا علمية تشغل العالم"ترجمة : مصطفي محمود، " حيوانات المختبر شكراً !"، محمود الأزهري " للعرب خيالهم العلمي" شوقي بدر يوسف، " محمياتنا الطبيعية" دكتور مصطفي فودة، "التنوع الحيوي النباتي." وفاء طايع.
ما الجديد الذي قدمته هذه السلسلة؟
عملت السلسلة علي توسيع دائرة المؤلفين العلميين، فاستكتبت أقلاماً جديدة تنشر لأول مرة، أو لم تمارس الكتابة العلمية المبسطة من قبل. وكانت الدائرة مقصورة علي عدد محدود من الكتاب، اهتمت السلسلة بأن تبحث عن المؤلفين خارج دائرة العاصمة، فكتب لها مؤلفون من شبين الكوم والأقصر والإسكندرية والقليوبية والمحلة، إضافةً إلي القاهرة، ومن سوريا، ومصري مقيم في كندا. كما عملت السلسلة علي ألا يقتصر المؤلفون علي أساتذة الجامعة، فاجتذبت غيرهم من المؤلفين، حققت السلسلة التوجه العام المعاصر لأسلوب (العمل من بعد)، اعتماداً علي وسائط الاتصال العصرية، ولم تحدث لقاءات حية مباشرة بين بعض المؤلفين ورئيس تحرير السلسلة، وكان التفاهم حول الأعمال يتم عبر الإنترنت والتليفون،وضعت السلسلة نصب عينيها تنوع موضوعات الكتب المنشورة، واهتمت بالنصوص التي تتصل بالحياة اليومية للناس، وجدت السلسلة صديً طيباً، لمسناه في مختلف أوساط القراء، خاصة الشباب، الأمر الذي يوجب التوجه بالشكر إلي الأصدقاء الأعزاء القائمين علي تحمل مسئولية العمل في الهيئة العامة لقصور الثقافة، للقرار الحكيم الذي اتخذوه بتأسيس هذه السلسلة.
من وجهة نظرك هل تري أن بعض ما نشر في هذه السلسلة من الممكن أن يقدم حلولا لمشكلات واقعية؟
بالتأكيد، فعلي سبيل المثال، طرح كتاب ما التكنولوجيا الحيوية مجموعة من التساؤلات منها: إلي أي مدي يتحقق استخدام التكنولوجيا الحيوية كأداة في دفع برامج البحوث الأساسية، وفي تطوير المنتجات وعمليات التصنيع ؟ ما هي الصناعات التي تعتمد علي التكنولوجيا الحيوية؟؛ وهل تلقي استخدامات تلك التكنولوجيا تشجيعاً من حكومات الدول المهتمة بها ؟؛ وما هي سبل تنظيم هذه الاستخدامات ؟، هل ثمة فرص حقيقية لتسويق منتجات التكنولوجيا الحيوية، من سلع وخدمات، في الأسواق الخارجية ؟،ما قيمة الدور الذي تقوم به الشركات متعددة الجنسيات في مجال التكنولوجيا الحيوية ؟؛ وما مصادر تمويل برامج أبحاث التكنولوجيا الحيوية، علي المستوي العالمي ؟.
وفي هذا الاطار- أيضا- أتذكر كتاب " ازرع أرضك .. سمكاً ! لمؤلفه عبده السايس، فمن المعروف أن المزرعة السمكية مشروع استثماري محدود التكلفة، مضمون الربح، يسهم في إمداد مواطنينا بمورد رخيص نسبياً من البروتين الحيواني، من هنا يساعد هذا الكتاب علي أن نلم بأكبر قدر من المعلومات عن الاستزراع السمكي، وينقل إليك خبرات واحد من أبرز أساتذة وخبراء البيولوجيا البحرية والاستزراع السمكي في مصر، بأسلوب روعي أن يكون سهلاً، لكتاب في منحيً من مناحي الثقافة العلمية، نراه ضروريا، يوفر متعة الثقافة، ممزوجة بما ينفع الناس.
هل النشر في السلسلة مقصور علي كتاب من ذوي التوجه العلمي، أم أنك اكتشفت مؤلفين ينشرون لأول مرة في هذا المجال المعرفي؟
نشرت لمن هم- نظريا- خارج هذا المجال، وعلي سبيل المثال نشرنا للشاعر محمود الأزهري كتابه حيوانات المختبر .. شكراً !، إذ تفتح هذه الدراسة موضوعات عديدة جديرة بالتأمل، من خلال اهتمام المؤلف بعرض مبسط لقضية (حيوانات المختبر)، وتاريخها في خدمة البشر، وهو تاريخ جدير بالاعتبار، ويستحق أن نشكرها عليه !.وأحب هنا أن أنوه إلي أن هذا الكتاب هو أول إنتاج للمؤلف في الثقافة العلمية؛ وهي بذلك تحقق هدفاً مهماً من أهدافها، إذ تضيف إلي دائرة مؤلفي هذا النوع من الثقافة، في العربية، مشاركاً جديداً، وستعمل علي توسيع هذه الدائرة في إصداراتها التالية، فنحن نؤمن بأن رواج هذا النوع من الثقافة، الذي غاب عن أجنداتنا طويلاً، يعتمد، بالدرجة الأولي، علي (كاتب) جيد، بغض النظر عن تخصصه العلمي، مادام قادرا علي اختيار موضوعاته وزوايا معالجتها؛ ونحسب أن مؤلف الكتاب، وهو شاعر، قد تمكن من أن يقدم لنا كتابا يستحق أن يقرأ.
كلمات..
تجربة ناجحة لاتصلح للقياس!
أسامة فاروق
كلمات عربية أو "كلمات" نموذج واضح علي تبني العلوم كمشروع للنشر في مصر، نجحت الدار خلال سنوات قليلة في تقديم مجموعة كبيرة من العناوين في مختلف فروع العلوم، وأضافت إلي المكتبة العربية نماذج لم تكن متاحة بالعربية من قبل. بدأت كلمات نشاطها بالاهتمام بالترجمة بوصفها جسرًا من جسور التواصل مع الآخر، ومعبرًا لانتقال العلوم والمعارف كافة، ثم بدأت بترجمة المقالات العلمية والثقافية المتميزة واتاحتها عبر موقعها، ومؤخرا بدأت في نشر المدونات والأخبار العلمية والثقافية، ونشر كل هذا عبر وسائط تكنولوجية متعددة.
نشرت كلمات ما يزيد علي 40 كتابا في العلوم فقط من أصل 177 كتابا- واتاحت علي موقعها ما يقارب الألف مقال في كل فروع العلوم تقريبا، وطبع بعض كتبها أكثر من خمس طبعات وفي أصعب فروع العلم. وبعد سبعة أعوام من الاستمرار والتوسع تقدم "كلمات" دليلا عمليا علي أن نشر العلوم لم يكن أبدا مشروعا خاسرا.
صحيح نجحت كلمات في مسعاها لملء الفراغ العلمي لكن هل يصلح القياس عليها؟ الإجابة في نظري هي "لا"! والأسباب واضحة فبعد شهور من إطلاق "كلمات عربية" التقيت د.نجوي عبد المطلب مديرة الدار وقتها، سألتها عن سر التركيز علي العلوم رغم كون الشائع وقتها وربما حتي الان- أنه مجال خسارة، وقالت إنها لا تفكر وفق منطق الربح والخسارة، وأن جل همها أن تملأ الفراغ في هذا الفرع بالتحديد. لكن استمرار الدار في النشر والتوسع دليل علي أن الخسارة كانت مدروسة جيدا وأنها بالتأكيد لم تستمر، لكن لا يجب أن نغفل هنا أن الدار مدعومة من اسم المؤسسة الكبير "هنداوي" باعتبارها أحد فروعها. إذن الخسارة حتي لو كانت مؤقته فإنها تحتاج إلي داعم كبير حتي يمكن تحويلها إلي ربح بعد ذلك.
لكن هذا ليس السبب الرئيسي أو الوحيد فكلمات تخطت هذا بإتاحة إنجازها كله عبر موقع المؤسسة وبالمجان! إذن فالحسابات التقليدية للربح والخسارة تختلف الان. لكنها بالتأكيد ليست مشروعا خيريا لنشر العلوم بالتأكيد هناك ربح ما مما تقدمه الدار وهو ما يؤكد عليه إسلام حسني مدير التسويق. يقول إسلام إن الكتب الورقية لاتزال في الصدارة حتي الان رغم تزايد الاقبال علي القراءة الالكترونية، يقول أيضا إن بعض كتب الدار اعيد طبعها اكثر من مرة، لكن ليس هذا فقط فالدار طبقا لما قالته د.نجوي في حواري معها كانت تعتمد أيضا في البداية علي بعض الشركات العربية التي تشتري انتاجها وتسوقه في دول الخليج بشرط وضع علاماتها التجارية علي الكتب..المسألة إذن مدروسة جيدا، لكنها تحتاج إلي رأس مال كبير وربما كبير جدا- وصبر، وهذا بالتأكيد غير متاح للكثيرين.
كانت مديرة الدار تؤمن بأن السبب الرئيسي في الابتعاد عن العلوم هو كراهية تبدأ من المدرسة التي لا تتيح إلا النزر اليسير من المواد العلمية غير الشيقة في الغالب، ولأن تعليم اللغات ضعيف فعلي الطالب أن يتعامل مع صعوبتين في دراسة هذه المجالات: الصعوبات العلمية وصعوبات اللغة، ومن هنا اختارت أن تكون رسالتها توصيل هذه العلوم باللغة العربية، وبطريقة شيقة، لذا كان اختيار الموضوعات وطريقة العرض العامل الاساسي في نجاح الكتب التي تنشرها الدار، كتاب "روعة الكيمياء: العلم المذهل للأشياء المألوفة"يصلح كمثال يوضح الفكرة فهو يتحدي النظرة السائدة إلي الكيمياء علي أنها علم صعب يثير النفور، وجاف إلي درجة تحول دون الاستمتاع به. يستخدم المؤلفان مواد مألوفة لتوضيح مفاهيم الكيمياء بلغة الحياة اليومية، بدءًا من تغير ألوان أوراق الأشجار في الخريف، مرورًا بالألعاب النارية، وطريقة عمل كاشف الدخان والحاسبات الآلية، وصولًا إلي أساسيات الهضم (كما في الجزء الذي عنوانه: عندما تفسد البيتزا الجيدة!). في السياق نفسه تأتي مقالات ك"الجانب الاخر من البكتيريا" الذي يحلل انواع البكتيريا ويطرح الفروق بينها، حيث صنعت أجاباكس - عالمة البيولوجيا التخليقية في جامعة كاليفورنيا بمدينة لوس أنجلوس أنواعا من الجبن باستخدام بكتيريا من تحت إبطها وأنفها وأصابع قدميها!
لكن هذا لا يعني أن كل الاختيارات بهذا الشكل فهناك أيضا كتب علمية معقدة إلي حد ما لكنها سياسة عامة في اتاحة العلوم بشكل يتيح قراءتها للجميع، أينشتاين علي سبيل المثال يبقي واحدًا من أعظم العلماء وأقربهم إلي القلوب في كل العصور، ولكن الكثيرين يعجزون عن فهم أعماله وتراثه فهمًا صحيحًا، لذا كان مدخل الدار في عرض أفكاره عبر كتاب "كون أينشتاين" الذي يعد وسيلة سهلة لفهم حياة أينشتاين وأفكاره وذلك بفضل ذكاء المؤلف ميشيو كاكو وقدرته علي شرح أعقد المفاهيم العلمية باللغة الدارجة التي نستعملها في حياتنا اليومية.
هناك أيضا في السياق نفسه "أكبر خمس مشكلات في العلوم"، و"الذرة والقنابل الذرية" و"14 مليار عام من تطور الكون" و"الجينوم: قصة حياة الجنس البشري" و"الطفرات العلمية الزائفة"، و"قصة الكون" و"اكتشافات وآراء جاليليو" و"عصر الالات الروحية: عندما تتخطي الكمبيوترات الذكاء البشري"، و"روعة الكيمياء" و"أفكار سبع هزت العالم".
سوء الفهم الطويل
بين الدين والعلم
نصر عبد الرحمن
صدر كتاب "مقدمة قصيرة جداً.. الثورة العلمية" ضمن سلسلة تحمل اسم "مقدمة قصيرة جداً" عن جامعة أكسفورد، وتتناول مختلف المعارف الإنسانية بصورة مبسطة ومختصرة. مؤلف هو "لورانس إم برينسيبيه" أستاذ العلوم الإنسانية في جامعة "جونز هوبكنز" في قسم تاريخ العلوم والتكنولوجيا وقسم الكيمياء. انصب اهتمامه علي دراسة تاريخ العلم؛ خاصة الكيمياء والخيمياء، وألف أكثر من كتاب يتناول هذا الموضوع. وصدرت الترجمة العربية لهذا الكتاب عن مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، وقام علي ترجمة الكتاب إلي اللغة العربية محمد عبد الرحمن اسماعيل، وراجعت الترجمة شيماء عبد الحكيم طه، وهي ترجمة مُحكمة، نقلت محتوي الكتاب بدقة ولغة بسيطة في ذات الوقت.
يتناول المؤلف في هذا الكتاب تاريخ الثورة العلمية التي شهدها القرن السابع عشر حياة، والتي غيرت حياة البشرية بشكل جذري، ويرصد جذورها التاريخية وأسبابها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفلسفية والدينية. ويستعرض النظريات العلمية التي خرجت إلي النور في تلك الحقبة وما نجم عنها من تطبيقات، وما صاحبها من معارك فلسفية ودينية. ويغطي المؤلف كافة مجالات العلم في تلك الحقبة عبر فصول الكتاب الستة.
يقدم الفصل الأول للكتاب خلفية تاريخية للنهضة الأوربية ويستعرض أهم ملامحها. كما يشير إلي مقدمات الثورة العلمية التي انقسمت إلي مرحلتين أولهما في القرن الثامن، حين تحول بلاط "شارلمان" إلي ساحة للفكر والأدب، والمرحلة الثانية في القرن الثاني عشر والتي اتسمت بنزوع نحو العلم إلي جانب النهوض الفكري والنقاشات اللاهوتية الواسعة، كما اتسمت برغبة عميقة في الاطلاع علي الماضي اليوناني، وشهدت اتساع نطاق الترجمة من اللغة العربية. إلا أن المجاعات والأوبئة أعاقت هذه النهضة وأوقفتها في القرن الرابع عشر. ويحدد المؤلف فترة الثورة العلمية، التي انطلقت شرارتها الأولي من إيطاليا، بداية من عام 1500، حتي عام 1700 تقريباً،.
يستعرض المؤلف تأثيرات ظهور الطباعة التي أسهمت في سرعة انتشار الأفكار، ويشير إلي دور اكتشاف العالم الجديد، وما صاحبه من اتساع العالم البشري والطبيعي، في تطور أوجه علمية متعددة. ثم ينتقل إلي محاولات الإصلاح الديني، والصراعات الفلسفية والدينية التي اتسمت بها تلك الحقبة التاريخية، والتي فتحت المجال لطرق جديدة في التفكير، وحطمت ثوابت العصور الوسطي وأثرها علي حركة العلم. ثم يخلص المؤلف في نهاية الفصل الأول إلي أن من عاشوا في القرنين السادس عشر والسابع عشر عاشوا عالما سريع الإيقاع، شديد التغير، ورأوا فيه زمن تغيير وحداثة.
يرصد الفصل الثاني نظرة المفكرين في تلك الفترة التاريخية إلي العالم علي أنه "كل منتظم مُرتب"، تترابط مكوناته المختلفة بإحكام، وترتبط بإرادة الله، وأن عليهم أن يحاولوا إماطة اللثام عن هذا التنظيم المُحكم. ويوضح المؤلف الفارق بين العالم في الوقت الراهن؛ الذي يتخصص إلي درجة كبيرة في موضوع ما، وبين العالم في تلك الفترة الذي كان يري الكون باتساعه مادة للبحث والدراسة. ثم يستعرض نظرية أفلاطون عن بنية الطبيعة التي تشبه سلماً متدرجاً، لكل مخلوق موضعه فيه، وعلاقته بمن هو أدني أو أعلي منه، وأن عالم البشر هو محاكاة لعالم السماء، ثم ينتقل إلي نظرية أرسطو عن العلل الأربعة (السبب الفاعل/ المادي/ الصوري/ والغائي) ومدي توافقها مع النظرة المسيحية للعالم.
ويفرد المؤلف مساحة كبيرة للحديث عن السحر الطبيعي؛ كأحد إرهاصات العلم الحديث، ويفرق بينه وبين السحر المرتبط بالشعوذة. فالكلمة اليونانية التي تمت ترجمتها إلي الانجليزية بمعني "السحر" تعني "البراعة"، والسحر بهذا المفهوم هو محاولة فهم طبيعة العالم، والكشف عن العلاقات غير الظاهرة بين الأشياء والتي لا يمكن إدراكها بالحس المباشر، مثل دورات المد والجذر وقدرة حجر المغناطيس علي جذب المعادن وغيرها من الأمور، وهي نقطة البداية الحقيقية للعلم. وإن كانت التطبيقات العلمية للسحر الطبيعي لا تعدو كونها وصفات لحفظ المأكولات وصناعة بعض الأشياء. ويري المؤلف أهمية وضع هذه المحاولات في سياقها التاريخي كي نصدر عليها حكماً صحيحاً.
ويتناول المؤلف في الفصل الثالث "العالم فوق القمري"، التطور في النظرة إلي الأفلاك وتقسيم أفلاطون للعالم إلي فوق قمري (السماء) يتسم بالتغير والحركة، وعالم تحت قمري (الأرض)، ويتسم بالثبات، وأن حركة السماء متناغمة ومتسقة وفق قوانين رياضية وأن الخالق هندسي متمرس، ثم يستعرض المؤلف عدة نماذج للكون قدمها علماء مثل "يودوكوس" و"بطليموس" والعالم العربي "الحسن بن الهيثم"، يعتبرون فيها الأرض مركزاً للكون، وهي رؤية تتفق مع المسيحية، وتبنتها الكنيسة حتي أعلن "كوبرنيكوس" عام 1514 أن الشمس لا الأرض- هي مركز الكون، وما أثاره هذا الاكتشاف من معارك علمية ودينية، ثم توصل "كبلر" إلي نموذج هندسي يدعم فيه أفكار "كوبرنيكوس".
يرسم المؤلف خطاً تطورياً للمعرفة الفلكية، والمحاولات التي سادت في تلك الفترة من أجل الوصل إلي الحقيقة، وتزايد الاهتمام بالفلك، والتنجيم ودراسة تأثير الكواكب في البشر، حتي استخدم "جاليليو" التلسكوب، واكتشف حقائق مدهشة عن الأفلاك تدعم نظرية "كوبرنيكوس"، واكتشافه لدوران الأرض، ومعركته مع الكنيسة، التي انتهت بوضعه تحت الإقامة الجبرية. ثم ظهور "نيوتن" عام 1687، واستنباطه لقوانين حركة الكواكب رياضياً، واكتشافه أن الجاذبية سمة كونية ولا تقتصر علي الأرض فقط. ويبرز المؤلف مقولة "نيوتن" عن أن الجاذبية هي فعل إلهي مباشر.
في الفصل الرابع، يشرح المؤلف التطور الذي حدث في مجال دراسة الأرض والمعادن والميكانيكا وغيرها من العلوم التي ترتبط مباشرة بالأرض، بداية من دراسة عمر الأرض وفق الرؤية التوراتية إلي دراسة الصخور والطبقات الرسوبية. ويشير المؤلف إلي محاولة "أثناسيوس كيرشر" الرائدة لدراسة تغيرات سطح الأرض، وزيارته لبركان "فيزوف"، واستنتاجه أن مركز الأرض ناري، وهناك ممرات تتحرك فيها تلك النار، حتي تخرج من فوهات البراكين. ثم يعرج المؤلف إلي نظرية "جاليلو" عن سقوط الأجسام، وتأثيراتها الهندسية والمعمارية، ودراسة الماء في إيطاليا حيث النافورات والقنوات والأشغال المائية.
يتناول المؤلف في الفصل الخامس، بنفس المنهج والآلية، التطور في دراسة العالم الحي وتطور التشريح، مناقشة الأفكار الأرسطية، واكتشاف الدورة الدموية، واستعمال الآلات مثل الميكرسكوب، وما نجم عنه من اكتشاف عوالم مجهرية. ثم ناقش ما أثارته هذه الاكتشافات الجديدة من جدل حول طبيعة الحياة والخالق. ثم تطرق إلي التوسع الكبير في دراسة الحيوانات والنباتات؛ خاصة مع اكتشاف العالم الجديد وظهور نباتات وحيوانات جديدة، احتاجت إلي إعادة النظر في تصنيف عالم الحيوان والنبات.
يرصد الفصل السادس والأخير، أثر المعارف العلمية المتراكمة في تغيير حياة البشر بشكل جذري، حيث اتسم عصر النهضة بالعمارة الجديدة والمشروعات الهندسية العملاقة، وظهور الروافع والأوناش، وتطور صناعة الأسلحة، وتوفير المياه والطرق للناس. كما أسهمت الوسائل الميكانيكية الجديدة في تطوير التعدين وتوفير الخامات للبناء والصناعة واحتياجات الناس. كما أسهم السعي للحصول علي إمكانيات العالم الجديد إلي تطوير الملاحة والجغرافيا، واستلزم ذلك وضع نموذج لخطوط الطول والعرض، وهو ما استلزم بدوره صناعة ساعات دقيقة. وألمح المؤلف إلي الترابط العضوي بين العلم والتطبيق، فالاحتياجات العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية كانت هي القوة الدافعة للثورة العلمية.
يعتبر الكتاب رغم صغره موسوعة للقرنين السادس عشر والسابع عشر إلي جانب كونه كتباً في تاريخ العلم، حيث قدم المؤلف استعراضاً بانورامياً لكافة مظاهر الحياة في تلك الحقبة الثرية من تاريخ البشرية. كما أن تقسيمه للكتاب بهذه الطريقة المستوحاة من طريقة أفلاطون لتقسيم العالم، أتاح له رصدا، بشكل تسلسلي مترابط، للتطور في كافة نواحي العلم بطريقة مرابطة ودقيقة، كما لا تخلو من تشويق حيث تطرق المؤلف إلي الجوانب الإنسانية لبعض العلماء، واقتبس مقولات علي لسانهم.
إلا أن المؤلف أسرف في الإشارة إلي العلاقة بين الدين والعلم، واستعرضها في الكثير من مواضع الكتاب حتي إن القاريء قد يظن أن الكتاب عن العلاقة بين الدين والعلم. ويحاول أن ينفي وجود توتر بين رجال العلم ورجال الدين، ويفسر بعض المواقف التاريخية الشهيرة بأسباب شخصية وسياسية، مثل تفسيره للعلاقة بين "جاليليو" والكنيسة علي أنها سوء تفاهم شخصي ونتيجة لعدة عوامل سياسية واجتماعية. إلا أن هذه الرؤية تتنافي مع كل ما هو معروف وثابت عن رفض الكنيسة للمنجز العلمي بشكل عام لكونه يتناقض مع الكتاب المقدس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.