صدر للباحثة المغربية رشيدة بنمسعود كتاب "جمالية السرد النسائي" عن شركة النشر والتوزيع المدارس وبدعم من وزارة الثقافة. يقع الكتاب في 128 صفحة، ويضم إضافة إلي مقدمة والتركيب 9 مباحث إلي جانب تصدير للباحث والناقد الدكتور سعيد يقطين. في كتابها "جمالية السرد النسائي" تواصل الباحثة رشيدة بنمسعود ما بدأته في كتابيها السابقين، الأول "المرأة والكتابة: سؤال الخصوصية بلاغة الاختلاف"/ط11994، ط22002 والثاني "الكتابة النسائية: بحثا عن إطار مفهومي"/ط11999، تواصل الإنصات لعلاقة المرأة بالكتابة بحس معرفي يستجلي سمات هذه العلاقة ويفكك بعدها الجمالي. كما تواصل الباحثة رشيدة بنمسعود انخراطها الواعي في صياغة أسئلة الخصوصية في كتابات المرأة ومحاولة "التوغل عميقا في جغرافيات الإبداع النسائي". يؤكد الناقد سعيد يقطين أن في كتاب "جمالية السرد النسائي" "تعانق الباحثة رشيدة بنمسعود المرأة المبدعة من خلال فعل الكتابة، بحثا عن الخيط الرفيع الذي يجمع كل هموم المرأة ومختلف مشاكلها التي تختزل كل مشاكل المجتمع". فإذا المرأة، قضية وخطابا، موضوع أثيري ترمي الناقدة من خلاله الغوص في ثنايا التعبير الفني. بحثا عن دلالة وواقع عربي ما تزال المرأة فيه تكابد وتناضل، وتسعي إلي تجسيد حضورها الفاعل وتأكيد "صوتها المقموع". ومن أجل هذا الهدف، "تتوسل الباحثة رشيدة بنمسعود، بالهدوء المنهجي، والعمق النضالي، والموضوعية العلمية. وكل هذه السمات أعطت لمقاربتها طابع الجدية في الرؤية، والعمق في التناول". إن "الحس التاريخي، والوعي النقدي لدي الباحثة، جعلاها تتأمل قضية المرأة بالانطلاق من الإبداع السردي، مسلحة لذلك بما يتلاءم وموضوعها منهجيا وتحليليا". ويندرج هذا الكتاب ضمن استراتيجية تهتم بدراسة المتن السردي بحثا عن حساسية جمالية في الكتابة النسائية. كما يجيب الكتاب علي ما عرفه المشهد الثقافي العربي من حركية نقدية نشيطة أسهمت في تحقيق تراكم نقدي نسائي، يتأمل جمالية السرد النسائي ويبحث في أدبيته. وفي هذا الإطار تعتمد الباحثة رشيدة بنمسعود نصوصا لمبدعات عربيات من مشرق العالم العربي ومغربه {لبنان، فلسطين، الإمارات العربية المتحدة، الجزائر، المغرب} غايتها إنتاج خطاب يتوغل في جغرافية السرد النسائي، انطلاقا من عنصر التخييل الذي يعد جوهر العملية الإبداعية ودور الذات باعتبارها مختبر فعل الكتابة، لمعرفة كيف تساهم الكاتبة العربية في تأسيس سرد نسائي، له جماليته وحيزه في النسق الإبداعي العربي. يتكون الكتاب من تسعة فصول، وتوسلت الباحثة بمقاربات منهجية {سيميائية، موضوعاتية، سردية}. وهكذا اكتفت في الفصل الأول بمقاربة نموذجين: خناثة بنونة {الغد والغضب} و{لونجة والغول} لزهور ونيسي بالتركيز علي ثيمة التحرر بالنسبة للأولي والثورة بالنسبة للثانية. في الفصل الثاني مقاربة لتيمة الجسد في كليته وشموليته عبر تمظهراته المختلفة من خلال السرد النسائي {القصة القصيرة}. في الفصل الثالث، ومن خلال دراسة عينتين من القصة القصيرة في الإمارات العربية المتحدة {ماء لمريم جمعة فرج، آثار علي النافذة لفاطمة محمد}. تبرز الباحثة رشيدة بنمسعود الدور التداولي التي تضطلع به النصوص الموازية paratexts لتحفيز القارئ علي قراءة العمل الإبداعي. الفصل الرابع تخصصه الباحثة لرواية "مذكرات امرأة غير واقعية" لسحر خليفة مركزة علي دور العتبات في مخاطبة أفق الانتظار القراء مبينة دور التأطير والتنضيد في دعم الأطروحة المركزية. في الفصل الخامس دراسة لعتبات رواية "عين المرآة" لليانة بدر وينصب التحليل علي التيمات المركزية والعناصر البنائية البارزة{المكان، الحكي المرآوي..} ويتمحور الفصل السادس حول استجلاء اللعبة التناصية في رواية "ذاكرة الجسد" لأحلام مستغانمي والكشف عن اللعبة المرآوية. وينصب الفصل السابع علي بيان قيمة المكان في قصص الكاتبة الفلسطينية ليانة بدر لكونه يمثل إطارا محددا للأسئلة الموضوعاتية، فهو عنصر جوهري وقيمة جمالية يفضيان إلي فهم المأساة الفلسطينية. وينكب الفصل الثامن علي تحليل رواية "عام الفيل" لليلي أو زيد، في حين ينتهي الفصل التاسع عند مقاربة الزمن في رواية "نجوم أريحا" لليانة بدر والمكانة التي يشغلها في قصصها وروايتها. كتاب الباحثة رشيدة بنمسعود "جمالية السرد النسائي" رغم أن فصوله تبدو، في الظاهر، قد كتبت في فترات متباعدة، إلا أن الباحثة حرصت علي تماسكها المنهجي لإبراز ما يحفل به السرد المسائي العربي من أبعاد جمالية. وهكذا قاربت الباحثة موضوع بحثها من زاويتين. الأولي ذات المنحي الشعري في استجلاء خصوصية الكتابة النسائية واستكشاف في جغرافياتها السرية. أما الثانية فذات نزوع نقدي بحيث أفضت إلي بناء معان بسبل تأويلية واستدلالية. تستنتج الباحثة رشيدة بنمسعود أن الكاتبة العربية تجد متعة في السرد لتعليل حدة حالة الاحتجاج والثورة لديها . كما أن الكتاب مؤشر فعلي لحالة القراءات الممكنة. ومعه أمكننا أن نتبين كيف تتلقي الناقدة العربية، الكتابة النسائية وتتفاعل معها، أيضا يسمح الاهتمام بالجسد إلي فتح آفاق جديدة تمكن الكاتبة العربية من تأسيس خطاب جديد رفع من قيمة الذات، ورد الاعتبار للجسد الأنثوي في إطار التحولات السوسيوثقافية خارج أكليشيهات التصورات التقليدية. والي جانب مفهوم تأنيث اللغة، تقدم هذه الكتابات تنويعا آخر لمفهوم الكتابة في تجليها الجمالي غير المعتاد. الكتاب عموما، تأسيس فعلي لإنصات بليغ وعميق للكتابة النسائية. في استقراء لمنظوراتها المختلفة ووفق أصول المعرفة النقدية، لذلك أمكننا الاقتراب من مواقف ورؤي وفلسفة الوجود تتجاوز القولبة، ويسعي إلي تشكيل خطاب نقدي نسائي يسعف علي تتبع سيرورات هذه الكتابة. وهو أيضا "تنشيط عودة الوعي لمصطلح " الكتابة النسائية" علي مستوي المشهد الثقافي العربي، يفضي إلي بحث ملامح و تمظهرات خصوصية هذه الكتابة". والكتاب يندرج في إطار مشروع للباحثة رشيدة بنمسعود أفقه "المساهمة في تعميق التفكير و تطوير النقاش حول هذا المصطلح/الظاهرة كخطوة منهجية أساسية في أفق بلورة تصور نقدي للكتابة النسائية ينبني و يقوم علي فرضيات و ليس مجرد إسقاط واختزال.." وهو ما سيفضي في المستقبل أن يتحول النقد، والذي يحتاج للتراكم، إلي موضوع المساءلة والتشريح. وفي ذلك أفق كتاب الباحثة رشيدة بنمسعود الذي يظل مسعي البحث والتأويل.