تتعرض مدينة قنا لموجة هي الأشرس والأعنف لمحو تاريخها المعماري والأثري، هجوما مستمرا في عنف وضراوة لايترك لها أو لنا فرصة لالتقاط الأنفاس، هجوما شبه منظم للنيل من تاريخنا من جميع النواحي، سياسيا وفكريا وفنيا وعلميا، وآخرها تلك الاعتداءات الأثيمة علي قصر مكرم عبيد باشا - الذي استحق عن جدارة حُب الشعب المصري ولقبه بالمجاهد الكبير وابن سعد. ووزير مالية مصر الأسبق وأبرز خطيب سياسي في العصر الحديث، والمحامي الضليع الذي دافع عن قضايا الشعب المصري بالفصاحة والبلاغة والنزاهة والصلابة في جميع مواقفه السياسية، وصاحب المقولة الشهيرة نحن مسلمون وطنا ونصاري دينا، اللهم اجعلنا نحن المسلمين لك، وللوطن أنصارا. اللهم اجعلنا نحن نصاري لك، وللوطن مسلمين - ولكن منطق المقاولات لا يضع أهمية لشيء أسمه التراث والتاريخ أو ذاكرة الأمة ومقدساتها ولهذا يستبيح كل شيء علي أساس أنه يفترض أن القيمة الوحيدة هي قيمة المال ممثلاً في أرض أو عقار أو كتل أسمنتية متصورا أن كل شيء قابل للبيع والشراء ابتداء بضمائر الناس وانتهاء بقيمة البشر والتاريخ ..خطة محكمة تجري اليوم في محافظة قنا للإطاحة بقصورها وفيلاتها الأثرية التي هي بمثابة كتاب مفتوح يروي تاريخ المدينة وربما تاريخ الوطن كله . خطة منظمة تبدأ باحتلال مداخل البيوت الأثرية من تجار الفاكهة والهواتف المحمولة وتطورت بخلع أبوابها ونوافذها وتشويه زخارفها أو إزالتها وتنتهي ليلا بمعاول هدم لها لفرض الأمر الواقع في تغافل من الأجهزة الأمنية والتنفيذية والفنية بالمحافظة أمام منطق المقاولات والجشع الذي يحكم أسلوب التعامل في قنا الآن وأصبح يمثل ظاهرة مخيفة طالت قصر مكرم عبيد الذي لا تفصله عن مديرية أمن قنا سوي خطوات معدودة !!. فقام أباطرة المقاولات في شهر يوليو الماضي بالإطاحة بالقصر العتيق تحت حماية البلطجة، والضرب والطرد وتحطيم الكاميرات لكل من يحاول الاقتراب والتصوير. في ظل تغافل من القيادات التنفيذية بالمحافظة مع تجاهل معتاد من رئيس جامعة جنوب الوادي بقنا الذي لم يعر اهتماما بتكليف كلية الآثار بتوثيق ودراسة المباني والقصور ذات الطابع المتميز والتاريخي ولم يبد أي تعاون مع المحافظة ليؤكد علي إخفاقه وترنحه في توظيف الجامعة لخدمة المجتمع المحيط بها . بل ساهم باعتدائه علي التراث المعماري متمثلا في المبني التاريخي لكلية الهندسة بقنا بتشويهه بكتل أسمنتية وجاءت قراراته مع المحافظة بنتائج عكسية وضل الطريق وأمثال هؤلاء يتطلع المواطن القناوي أن ترد أسماؤهم في أول تغيير وشيك خاصة ممن يرفعون شعار حق المجتمع ، والجامعة في خدمة المجتمع !!