هو أحد الوطنيين المخلصين الذين أنجبتهم مصر، وأحد مفكرى مصر فى حقبة الأربعينيات والخمسينيات، وهو صاحب المقولة الشهيرة: "مصر ليست وطنًا نعيش فيه بل وطن يعيش فينا"، وهو القائل: "نحن مسلمون وطناً ونصارى ديناً، اللهم اجعلنا نحن المسلمين لك، وللوطن أنصارا.. اللهم اجعلنا نحن نصارى لك، وللوطن مسلمين". يعد أشهر خطيب فى التاريخ السياسى المصرى الحديث، وُلد مكرم عبيد فى مثل هذا اليوم عام 1889 بمحافظة قنا، لعائلة من أشهر العائلات القبطية وأكثرها ثراء، درس القانون فى أكسفورد وحصل على ما يعادل الدكتوراة فى القانون عام 1912. فى عام 1913م عمل سكرتيراً للوقائع المصرية، واُختير سكرتيراً خاصًا للمستشار الإنجليزى طوال مدة الحرب العالمية الأولى، ولكن بسبب كتابته رسالة فى معارضة المستشار الإنجليزى "برونيات" شارحاً فيها مطالب الأمة المصرية وحقوقها إزاء الإنجليز، استغنوا عنه، فعُين أستاذاً فى كلية الحقوق وظل بها عامين كاملين. فى عام 1919م انضم إلى حزب الوفد، وعمل فى مجال الترجمة والدعاية فى الخارج ضد الحكم والاحتلال الإنجليزى وكان له دعاية نشطة فى إنجلترا وفرنسا وألمانيا، ولما نفى سعد زغلول ثار مكرم عبيد وقام بإلقاء الخطب والمقالات مما تسبب فى القبض عليه ونفيه. فى عام 1928م عندما شكل النحاس وزارته عين مكرم وزيراً للمواصلات، وفى عام 1935 أصبح سكرتيرعام حزب الوفد فكان من أبرز أعضاء الحزب والجبهة الوطنية شعبية وحظوة لدى الشعب، وبعد معاهدة 1936 عُين مكرم عبيد وزيراً للمالية، وشارك فى الوزارات الثلاث التى تشكلت برئاسة كل من أحمد ماهر والنقراشى فى عام 1946. عمل بالمحاماة، وكان محامياً ناجحاً، ونذر وقته كله للدفاع عن المقبوض عليهم فى تهم سياسية، ولا زالت أصداء مرافعاته معروفة فى تاريخ المحاماة فى مصر حيث كان يعتمد فى دفاعه على التحليل المنطقى لدوافع الجريمة، وقد اُختير نقيباً للمحامين ثلاث مرات، وكان هو الذى قام بالدفاع عن عباس العقاد حين اتهم بالسب فى الذات الملكية. يُعد مكرم عبيد هو صاحب فكرة النقابات العمالية وتكوينها، والواضع الأول لكادر العمال فى مصر، وتوفير التأمين الاجتماعى لهم، وواضع نظام التسليف العقارى الوطنى، كما أنه صاحب الأخذ بنظام الضريبة التصاعدية للدخل. كان أحد أبرز زعامات حزب الوفد فى مرحلة التأسيس، وكان مقربًا من سعد زغلول باشا، وعندما توفى سعد باشا أصبح مكرم عبيد باشا سكرتيرًا عامًا لحزب الوفد الذى كان يعرف كل صغيرة وكبيرة فيه، وأصبح مصطفى النحاس رئيسًا للحزب الذى تزوج من زينب هانم الوكيل وفارق السن بينهما كان 33 سنة، ثم أزيح مكرم عبيد باشا وهو الشخصية ذات المكانة المهمة فى حياة الوفد والسابقة على تجربة فؤاد سراج الدين باشا، وبالرغم من أن الفضل يعود لمكرم عبيد فى ضم فؤاد سراج الدين لحزب الوفد، ومع أن مكرم عبيد فضلا عن دوره كان رجلاً متميزًا ثقافيًا عن غيره، ولكن كان دور زينب هانم زوجة النحاس باشا أقوى من كل المميزات التى كانت لمكرم عبيد، وتمكنت من إزاحة مكرم عبيد من قيادة حزب الوفد، كى يصبح الطريق ممهدًا لفؤاد سراج الدين فى خلافة النحاس، فأسس مكرم عبيد بعد خلافه مع النحاس حزب "الكتلة الوفدية"، كما كتب الكتاب المشهور جدا عن النحاس باشا وفؤاد سراج الدين والمعروف باسم "الكتاب الأسود"، اتهم فيه النحاس بالفساد وأخذ الرشاوى من الناس وعدم مراعاة مصالح الشعب، واعتقله النحاس باشا أثناء الحرب العالمية الثانية. توفى فى 5 يونيو 1959.