أثناء إحدي رحلاتي بالخارج كنت في زيارة احدي الأسر، وكان البيت -كعادتهم- مزدانا بأنواع النباتات الظلية التي يحرصون علي اقتنائها وتعهدها ورعايتها، وقد لفت أبنهم الصغير انتباهي إلي أحد أصص الزرع التي نبتت فيها شجيرة ذات ورود قطيفية حمراء، وقال لي ان هذه النبتة ليست ملك والديه لكنها ملك مدرسته التي أعطتها له كأمانة أثناء الاجازة المدرسية، علي ان يتعهدها ويرعاها ثم يردها بعد انتهاء تلك الأجازة، وأكمل لي والداه أن طفلهما فخور بتفتح هذه الورود التي لم تكن موجودة حين سلمتها لها المدرسة، وأن كل أطفال فصله كلفتهم المدرسة بمثل ما كلفت به ابنهما. وهكذا عرفت لماذا يزدان البيت بالنباتات والورود بل وبحوض أسماك ملونة وقفص به عصافير مغردة، فبهذه الطريقة التربوية تم غرس حب الجمال منذ الطفولة، وهي طريقة تربط بين تكليف الطفل بواجب يشعر معه انه موضع ثقة ويسعده ان يقوم به، وبين حب الطبيعة وتقدير ما بها من جمال. تذوق الجمال اذن عادة يتم غرسها في الطفولة، ويكون في الشارع كما يكون في البيت ومن قبلهما يكون في العقل كما يكون في الوجدان، والبيت القبيح بغض النظر عن فخامة أثاثه أو ببساطته- يصبح مجرد مأوي أو مطعم يفر منه أصحابه إلي خارجه. فعاشق الجمال لايتحمل الحياة إلا في بيئة جميلة تبدأ من بيته الذي يرفض ان تسوده الفوضي، لأن هناك علاقة متبادلة بين العقل والبيئة، إذا كان أحدهما جميلا مرتبا كان الآخر جميلا مرتبا، واذا كان احدهما في حالة فوضي كان الآخر بالضرورة في حالة فوضي. ومن عناصر الجمال -إلي جانب النظافة والترتيب- الصوت الهاديء، سواء كانت أصواتنا أو أصوات مذياعنا أو تليفزيوننا... الخ. كذلك اذا كنت قادرا علي اقتناء لوحة جميلة أو قطعة فنية اعجبتك -واما أفضل أن تكون هذه المقتنيات من بيئتنا ومن أعمال فنانينا -كان هذا من شأنه أن يضفي علي البيت مزيدا من الجمال وان يغرس في أطفالك حبه وتقديره. وحب الجمال وتذوقه لاينحصر في حدود البيت بل انه يمتد الي القرية أو المدينة. في تخطيطها ، في عمارتها، في نطافتها. ثم يمتد هذا الحب الي الاتصال بالطبيعة خارج المناطق السكنية: في الأماكن الخلوية في الليالي القمرية أو في الفجر نتأمل شروق الشمس وعظمة الخلق والخالق وبذلك نتحرر بعض الوقت من رقابة الحياة وضغوطها ونصغي الي حديث الطبيعة وموسيقاها. ليكن شعارنا: ان الله جميل يحب الجمال..