البنك المركزي يطرح أذون خزانة بقيمة 55 مليار جنيه في هذا الموعد    15 شهيدا في مخيم النصيرات.. ومدفعية الاحتلال تستهدف رفح الفلسطينية    الاحتلال الإسرائيلي يخوض اشتباكات في حي البرازيل برفح الفلسطينية    غضب عارم داخل حكومة تل أبيب وتهديدات بالانسحاب.. ماذا يحدث في إسرائيل؟    واشنطن تدين إطلاق كوريا الشمالية لصواريخ باليستية    عاجل.. تطورات خطيرة في إصابة علي معلول ونقله للمستشفى    تشيلسي يستضيف بورنموث في الدوري الإنجليزي.. الموعد والقنوات الناقلة    عاجل.. «رياح واضطرابات شديدة».. «الأرصاد» تحذر من طقس الساعات المقبلة    حظك اليوم برج العقرب الأحد 18-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    سامح يسري يحتفل بزفاف ابنته.. ومصطفى قمر يغني في الفرح (صور)    5 معلومات عن عامر الصباح زوج الفنانة صابرين    عاجل.. موجة كورونا صيفية تثير الذعر في العالم.. هل تصمد اللقاحات أمامها؟    القومي للبحوث يوجه 9 نصائح للحماية من الموجة الحارة.. تجنب التدخين    الداخلية تكشف حقيقة فيديو الاستعراض في زفاف "صحراوي الإسماعيلية"    نصائح لمواجهة الرهبة والخوف من الامتحانات في نهاية العام الدراسي    رئيسا روسيا وكازاخستان يؤكدان مواصلة تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    بن حمودة: أشجع الأهلي دائما إلا ضد الترجي.. والشحات الأفضل في النادي    بوجه شاحب وصوت يملأه الانهيار. من كانت تقصد بسمة وهبة في البث المباشر عبر صفحتها الشخصية؟    عاجل.. إصابة البلوجر كنزي مدبولي في حادث سير    الحكم الشرعي لتوريث شقق الإيجار القديم.. دار الإفتاء حسمت الأمر    خاص- تفاصيل إصابة علي معلول في مباراة الأهلي والترجي    "التنظيم والإدارة" يكشف عدد المتقدمين لمسابقة وظائف معلم مساعد مادة    مع استمرار موجة الحر.. الصحة تنبه من مخاطر الإجهاد الحراري وتحذر هذه الفئات    عيار 21 الآن بالسودان وسعر الذهب اليوم الاحد 19 مايو 2024    إيطاليا تصادر سيارات فيات مغربية الصنع، والسبب ملصق    تعزيزات عسكرية مصرية تزامنا مع اجتياح الاحتلال لمدينة رفح    رضا حجازي: التعليم قضية أمن قومي وخط الدفاع الأول عن الوطن    نشرة منتصف الليل| الحكومة تسعى لخفض التضخم.. وموعد إعلان نتيجة الصف الخامس الابتدائي    أصل الحكاية.. «مدينة تانيس» مركز الحكم والديانة في مصر القديمة    «يلا بينا».. باسم سمرة يروج لفيلمه الجديد «اللعب مع العيال»    باقي كام يوم على الإجازة؟.. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    شافها في مقطع إباحي.. تفاصيل اتهام سائق لزوجته بالزنا مع عاطل بكرداسة    محافظ بني سويف: الرئيس السيسي حول المحافظة لمدينة صناعية كبيرة وطاقة نور    بعد الانخفاض الكبير في عز.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد بالمصانع والأسواق    "التصنيع الدوائي" تكشف سبب أزمة اختفاء الأدوية في مصر    عماد النحاس: كولر أدار المباراة بشكل متميز.. وغربال كان متوترًا    وظائف خالية ب وزارة المالية (المستندات والشروط)    بعد ارتفاعه.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 19 مايو 2024    صرف 90 % من المقررات التموينية لأصحاب البطاقات خلال مايو    اليوم السابع يحتفى بفيلم رفعت عينى للسما وصناعه المشارك فى مهرجان كان    نقيب الصحفيين: قرار الأوقاف بمنع تصوير الجنازات يعتدي على الدستور والقانون    أخذتُ ابني الصبي معي في الحج فهل يصح حجُّه؟.. الإفتاء تُجيب    أوكرانيا تُسقط طائرة هجومية روسية من طراز "سوخوى - 25"    رامي ربيعة: البطولة لم تحسم بعد.. ولدينا طموح مختلف للتتويج بدوري الأبطال    دييجو إلياس يتوج ببطولة العالم للاسكواش بعد الفوز على مصطفى عسل    جريمة في شارع ربيع الجيزي.. شاب بين الحياة والموت ومتهمين هاربين.. ما القصة؟    بذور للأكل للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    تعرف علي حكم وشروط الأضحية 2024.. تفاصيل    على متنها اثنين مصريين.. غرق سفينة شحن في البحر الأسود    هل يعني قرار محكمة النقض براءة «أبوتريكة» من دعم الإرهاب؟ (فيديو)    البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي الأمريكي سيبحث مع ولي العهد السعودي الحرب في غزة    حريق بالمحور المركزي في 6 أكتوبر    مصرع شخص في انقلاب سيارته داخل مصرف بالمنوفية    وزير التعليم: التكنولوجيا يجب أن تساعد وتتكامل مع البرنامج التعليمي    إطلاق أول صندوق للطوارئ للمصريين بالخارج قريبًا    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وثيقة أدبية: تجربتي في نشر مخطوطات محمد لطفي جمعة
نشر في أخبار الأدب يوم 28 - 04 - 2013

لم يحدث في تاريخ الثقافة المصرية الحديثة أن حافظ ابن من أبناء الأدباء الراحلين علي آثار أبيه المخطوطة والمتفرقة في الدوريات الصحفية وقام بتحقيقها ونشرها علي نفقته الخاصة، كما فعل رابح لطفي جمعة (1928-2003) بآثار أبيه محمد لطفي جمعة (1886-1953).
ومهما اختلفنا في تقييم هذا العمل، فإن ما قام به رابح لطفي جمعة إزاء مؤلفات أبيه، واستغرق سنوات طويلة من عمره، يعد من الأعمال النادرة التي تستحق أن يكتب عنها، لأن الكثيرين من أبناء الأدباء وأسرهم يتبرأون في زمننا من ذويهم الذين أدركتهم حرفة الأدب، خاصة إذا لم يكونوا قد أتموا تعليمهم العالي، ويضربون حولهم سياجا من التجاهل والصمت.
أما آثارهم الورقية ومقتنياتهم ومكتباتهم الخاصة، فإنها تشكل في حياتهم وبعد رحيلهم عبئا ثقيلا يجب التخلص منه.
ولنبدأ القصة من أولها.
في 15 يونيه 1953 رحل محمد لطفي جمعة عن سبعة وستين سنة، بعد مرض عضال أصيب به سنوات طويلة. وقبل أن يشتد عليه المرض ويفقد القدرة علي الحركة والكتابة، أوصي لطفي جمعة ابنه رابح، في أول يوليو 1947، وهو علي فراشه، في رقدته الأخيرة، أن يحافظ علي مخطوطاته وأوراقه بعد وفاته، ويتولي نشرها.
وحتي يفي رابح لطفي جمعة بالعهد الذي قطعه له، لم يكن يدع هذه المخطوطات والأوراق تغيب عن عينيه. كان يحمل رزمها الثقيلة معه في تنقلاته وأسفاره التي فرضتها عليه وظيفته غير المستقرة في سلك القضاء، خوفا عليها من الفقد أو التلف أو البعثرة.
وعندما توافر لرابح الوقت والامكانيات المادية، بعد عشرات السنين، أخذ في مراجعتها وترتيبها وتنسيقها واعدادها للطبع في كتب.
كما جمع في كتب أخري مقالات لطفي جمعة المتفرقة في الصحف والمجلات القيمة، وصدرت كلها عن مكتبة »عالم الكتب» ابتداء من سنة 1991.
ويقدر عدد الكتب التي قدمها رابح لطفي جمعة من هذه المخطوطات والآثار المجموعة، عدد ما أصدره لطفي جمعة في حياته.
وإلي جانب الكتاب الذي ألفه رابح لطفي جمعة عن محمد لطفي جمعة، وصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في 1975 في سلسلة »الاعلام» كتب رابح مقدمات الكتب التي طبعها لأبيه، ويتجلي فيها بأوضح بيان حبه واعجابه وتوقيره وبره بهذا الأدب، وادراكه لقيمة الثروة الأدبية التي خلفها، في أبعادها التاريخية والعصرية.
وبفضل هذا الادراك فإن مقدمات رابح لهذه الكتب تساعد القراء جدا علي فهم أدب لطفي جمعة، والوقوف علي همومه وغاياته، كما تساعدهم كتابات النقاد والباحثين الذين تناولوا في دراساتهم لطفي جمعة وأعماله، أو استكتبهم رابح في هذه الكتب، واشتركوا معه في تقديمها.
ولاشك أن علاقة رابح الحميمة بأبيه، وترسمه لبعض خطاه، ومعرفته الدقيقة بحياته وانتاجه، أتاح له من المعرفة بأدبه ما لم يتوافر لهؤلاء النقاد والباحثين المتخصصين. وقد فاقهم رابح بالمراجع التي تيسرت له من مكتبة أبيه الخاصة، وبما ورثه عنه من طباعه وصفاته.
وقبل شهور قليلة من وفاة رابح لطفي جمعة في 22 أغسطس 2003، طلبت منه في احدي زياراتي له أن يدون بقلمه تجربته في نشر مخطوطات وآثار أبيه، لكي لا يذروها النسيان، فكتب بعد تردد هذا الفصل الذي يعرض فيه بصدق هذه التجربة التي ليس لها نظير في تاريخنا الثقافي الحديث.
ويزيد من قيمة هذه التجربة أنها تتصل بأديب متمكن من أدباء النهضة المصرية الحديثة، تجاوز التقاليد القديمة، وضرب في الآفاق الانسانية العامة بما ألف وترجم.
وإذا كان لي أن أذكر شيئا من خلفيات هذه التجربة التي لم يبح بها رابح لطفي جمعة لأحد سواي، فهي أنه ضحي في سبيلها بانتاجه الشعري والنثري المخطوط والمتناثر في عدد من الدوريات العربية، لأن دخله المحدود من الوظيفة لم يكن يسمح له، مع تزايد أعباء الحياة والتضخم، وارتفاع تكاليف الطباعة، بأن ينشر أعماله وأعمال أبيه في آن واحد، فآثر نشر أعمال أبيه علي نشر أعماله.
ولهذا فإني أرجو أن يجد رابح في أبنائه من يحفظ أعماله المطوية، ويصدرونها في كتب، كما وجد جدهم لطفي جمعة في أبيهم.
هذه المفادة التي أنكرت نفسها وفاء له، وحتي تغتني المكتبة العربية بكتابات رابح لطفي جمعة، علي نحو ما اغتنت من قبل بآثار محمد لطفي جمعة، وإن كنت لا أضع الاسمين في موضع المقارنة، لأن الذي جاب المدن والعواصم الأوروبية، مثل لطفي جمعة، ولم تكن له حياة خارج أدبه، وقدم واجب الأدب علي ما عداه، لا يقارن إلا بأنداده من أدباء عصره، من أصحاب الملكات الفنية والوجود الأدبي الذين لا يمكن تخطيهم.
وتتعين الاشارة في نهاية هذا التقديم الي أن حرص رابح لطفي جمعة علي استكمال رسالته التي اضطلع بها كانت تدفعه الي اهداء هذه الكتب التي يطبعها لأبيه علي نفقته لكل من يعرف من النقاد والباحثين والصحفيين والمثقفين، والي المكتبات العامة ومكتبات الجامعات المصرية والعربية وغيرها، كما يوميء في هذه الوثيقة الأدبية التي يتحدث فيها رابح لطفي جمعة رحمه الله - بصدق بالغ وتواضع جم - عن تجربته في نشر مخطوطات محمد لطفي جمعة، وهذا نصها.
»استجابة للمكالمة الهاتفية التي تلقيتها من الأخ الكريم نبيل فرج يطلب فيها مني أن أكتب عن تجربتي في نشر الأعمال الأدبية الكاملة المخطوطة لوالدي محمد لطفي جمعة، أقول انني ترددت في أول الأمر بسبب عزوفي عن الكتابة منذ أن ألمت بي ظروف أليمة لوفاة زوجتي رحمها الله. إلا أنني بعد أخذ ورد بيني وبين نفسي رأيت أن هذه التجربة جديرة بالتسجيل، فأمسكت بالقلم لأكتب هذه الصفحات عن تلك التجربة.
كان محمد لطفي جمعة (1886-1953) من رواد الفكر والتنوير والأدب في مصر منذ مطالع القرن الماضي. وقد أصدر خلال حياته حوالي عشرين كتابا في مختلف ألوان العلم والمعرفة من أدب ونقد وقصة قصيرة ورواية وترجمة وتاريخ واجتماع وسياسة وفلسفة يونانية قديمة وفلسفة اسلامية وسيرة نبوية وتعريب بعض الكتب الأفرنجية الي اللغة العربية فضلا عن عشرات المئات من المقالات التي نشرها خلال تلك الفترة، ثم توقف نهائيا منذ سنة 1940 عن نشر أي كتاب له مخطوط، مكتفيا بمقالاته ودراسته التي كان ينشرها في الصحف والمجلات وخاصة جريدة »الدستور» و»منبر الشرق» ومجلة »المقتطف» و»الرابطة العربية» و»الكتاب» وغيرها.
يبدو أن الذي تركه بعد وفاته سنة 1953 من المؤلفات المخطوطة يربو بكثير جدا علي هذا العدد الذي أصدره حال حياته. ومنذ هذا الوقت بدأت مسيرتي في نشر هذه المؤلفات، وكانت مسيرة مضنية محفوفة بالصعاب والعقبات علي ما سوف أبين فيما بعد.
وقبل أن أبدأ في الكلام عن هذه المسيرة أود أن أجيب علي سؤال قد يتبادر الي ذهن القاريء وهو: لماذا لم يتول لطفي جمعة نفسه طوال حياته نشر هذه المؤلفات واخراجها الي عالم النور بالصورة التي كان يريد اخراجها بها؟
لقد أجاب لطفي جمعة بنفسه علي هذا السؤال في مذكراته المعنوية »شاهد علي العصر»، فقال انه منذ أن أصدر الجزء الأول من كتابه »ثورة الإسلام وبطل الأنبياء أبوالقاسم محمد بن عبدالله» سنة 1940 - وهو آخر ما أصدره من المؤلفات - عزفت نفسه عن نشر شيء من هذه المؤلفات لضيقه ذرعا بالنشر لما لقيه من عنت بعض الناشرين وسوء معاملاتهم مع المؤلفين وأكل حقوقهم وإخلاف وعودهم ونقض عهودهم الي غير ذلك من المتاعب التي يلقاها المؤلفون، وهو ما أفصح عنه أيضا في مقاله »حقوق المؤلفين في مصر».
أعود الي الكلام عن تجربتي في نشر هذه المؤلفات التي طالما تنقلت معي من دار لدار، ومن بلد لآخر، بسبب تنقلاتي خلال مسيرتي الوظيفية بالسلك القضائي.
لقد كانت أول عقبة صادفتني في تجربتي في نشر هذه المؤلفات هي تمويل تكاليف هذا النشر، وأذكر بهذه المناسبة أنني وضعت حوالي سنة 1955 (أي بعد وفاة لطفي جمعة بعامين) ميزانية أو خطوطا عريضة لتكاليف هذا النشر، فاتضح لي انها لا تزيد عن بعض عشرات المئات من الجنيهات، ولم يكن هذا المبلغ متوافر معي في ذلك الحين.
أما ثاني عقبة صادفتني، فهي بأي كتاب أبدأ مسيرة النشر؟
أما أول كتاب أبدأ به مسيرة النشر فقد كان استكمال نشر كتاب »ثورة الإسلام بطل الأنبياء» وكانت بقية مخطوطات هذا الكتاب تعد بعشرات المئات من الصفحات بعد أن أصدر لطفي جمعة سنة 1940 الجزء الأول منه علي ما قدمت، وعرضت فكرة نشر هذا الكتاب بكامله علي أحد الناشرين، فرحب بذلك أشد ما يكون الترحيب، وكاد يقفز من مقعده فرحا بهذا العرض (كذا والله). وبدأت مسيرة النشر بهذا الكتاب عند هذا الناشر حتي تم طبعه سنة 1958 في 1072 صفحة بما في ذلك الجزء الأول الذي صدر حال حياة المؤلف.
ولا أريد أن أقول هنا أن عقد النشر الذي حرر بيني وبين هذا الناشر كان حبرا علي ورق، بل لا يساوي الحبر والورق اللذين حرر بهما.
ويكفي أن يعلم القاريء الكريم أنني وصلت مع هذا الناشر الي ساحة القضاء بعد صدور الكتاب ونشره بأكثر من 15 سنة. وكانت حجته الأبدية أن الكتاب »لم يغط تكاليفه بعد». ويعلم الله كم نسخة طبعها هذا الناشر من الكتاب بالرغم من أن المتفق عليه بيننا كان ثلاثة آلاف نسخة فقط.
المهم انه في سنة 1975 سافرت الي ليبيا معارا للعمل في محاكمها واحتجت لبعض نسخ من هذا الكتاب للإهداء، فلم يكن عند الناشر إلا نسخة واحدة فقط قال انه يحتفظ بها عند اعادة نشر الكتاب مرة أخري(؟) عندها أشرقت علي شمس الحقيقة، حقيقة بعض الناشرين، وتيقنت من صدق ما كتبه لطفي جمعة في حقهم، والتمست له العذر في العزوف عن نشر مؤلفاته المخطوطة حال حياته. ومنذ هذه اللحظات عولت علي أن أتولي بنفسي نشر هذه المؤلفات مهما كلفني ذلك من مال وجهد وتعب وانشغال بال، غير ناظر علي الاطلاق الي ما قد يعود علي ورثة المؤلف من فائدة مادية من وراء نشرها وبيعها.
وبالرغم من أن عشرات المقالات قد نشرت بعد وفاة لطفي جمعة في مختلف الصحف والمجلات، وعن فكره وأدبه، ودعوة بعض الكتاب بإلحاح كالأستاذ اسماعيل النقيب والدكتور عبدالعزيز شرف والأستاذ عبدالعال الحمامصي وغيرهم الي أن تتولي دور النشر وهيئات النشر الحكومية اعادة نشر بعض مؤلفات لطفي جمعة، ونشر ما هو موجود منها مخطوطا لم ير النور بعد، إلا إن اسم لطفي جمعة قد بدأ يبهت في الساحة الأدبية بعد أن كان فيها ملء السمع والبصر كما كان يقول الأستاذ خيري شلبي، وكان لابد أن أعيد حضوره الي هذه الساحة، فصدر لي سنة 1975 كتاب »محمد لطفي جمعة» ضمن سلسلة كتب »الاعلام» رقم 5 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، فبدأ اسم لطفي جمعة يتردد من جديد، ويعود شيئا فشيئا الي ساحتنا الأدبية حتي كانت سنة 1993، وهي البداية الحقيقية والجادة في مسيرة نشر الأعمال الأدبية والفكرية الكاملة للطفي جمعة.
يبدو أن السنوات من 1975 الي 1993 لم تضع هباء، بل عهدت خلال هذه الفترة الي طبع جميع هذه المؤلفات علي الآلة الكاتبة تمهيدا للدفع بها الي دور النشر.
وفي سنة 1991 صدر أول كتاب من هذه المخطوطات وهو كتاب »نظرات عصرية في القرآن الكريم»، وقد قدم له الإمام الأكبر المرحوم جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر السابق.
كما صدر في تلك السنة نفسها كتابي الثاني عن لطفي جمعة حتي يحتل مكانه الذي يستحقه في الساحة الأدبية، وبين رواد التنوير، وهذا كان أعظم دافع وأقوي حافز لي للمضي قدما في مسيرة نشر مؤلفاته.
بيد أن نشر كتاب »محمد لطفي جمعة وهؤلاء الأعلام» قد كلفني ما يزيد علي تسعة آلاف جنيه، أي ما كان يكفي بل ويزيد بكثير علي تكاليف نشر جميع أعمال لطفي جمعة المخطوطة بأسعار سنة 1955 علي ما قدمت ومعني ذلك أنني لن أستطيع مواصلة المسيرة في نشر هذه الأعمال اذا كان نشر الكتاب الواحد يتكلف هذا المبلغ الباهظ، فأحسست بما يشبه الاحباط واليأس مع رسوخ التصميم والاصرار علي استكمال المسيرة - إلي أن حدث وبمحض الصدفة البحتة أن عثرت بين أوراق لطفي جمعة علي دفتر عبارة عن فهرس مرتب حسب الحروف الهجائية وقد كتب لطفي جمعة في أول صفحة منه ما يلي:
»هذا قاموس للغة المصرية القديمة الهيروغليفية مؤلفة للاستفادة به. خادم مصر ومعطي حياته لاعادة مجدها. محمد لطفي جمعة المصري - ليون عام 1909 للمسيح».
علي أنه يبدو أن لطفي جمعة عدل عن وضع القاموس الي تخصيص الدفتر لدائرة معارف مصرية، فكتب فيه بالصفحة التالية مباشرة ما يلي: »مشروع دائرة معارف مصرية».
وملأ الصفحات المحددة بهذا الدفتر لكل حرف من الحروف الأبجدية بمواد وموضوعات مشروع دائرة المعارف. وفي آخر هذا الدفتر أدهشني وأزاح اليأس عني انه دون ما يلي:
»بسم الله الرحمن الرحيم أبدأ ببيان مخطوطاتي الموجودة في مكتبي بالدور الأول بمنزلي عدد 4 شارع الأسيوطي بمنشأة البكري التي دونتها خلال أربعة أو خمسة أعوام أثناء الحرب العالمية الثانية وقبلها، وهو مستوفي علي قدر المستطاع وبدأت البيان في 7 يوليو سنة 1947 (شعبان سنة 1366).
ثم يلي ذلك بيان هذه المخطوطات التي وصل عددها الي ثلاثين مخطوطا، وهذا البيان مكتوب بخطي أنا كاتب هذه الأسطر، وبإملاء والدي عليّ. ثم يلي ذلك مباشرة وبخط يدي واملاأ والدي علي أيضا ما يلي:
»أنا الكاتب في تاريخه قد كتبت هذا بيدي ولمست هذه الأوراق ورأيتها وقد عينني والدي حارسا عليها وأمينا فجعلتها أمانة في عنقي وذلك بحضور أخي عبدالمعين فراج محمد لطفي جمعة في يوم 7 يوليو 1947، وهذه الأمانة أبدية أي تنتهي بانتهاء حياتي، فأنا المسئول عن هذه المخطوطات إما طبعا ونشراً وإما حفظا وصيانة. ولا يطلع علي هذا السر أحد سوانا، والله علي ما نقول شهيد».
أعود فأقول إن ما دون بهذا الدفتر - وإن لم أقف عليه إلا مصادفة - فإنه لم يزدني في الحقيقة إلا حماسا وتصميما وإصرارا علي نشر مؤلفات الوالد المخطوطة، وأعتبر ذلك تنفيذا لوصية الوالد بالرغم من أنني كنت قد نسيت تماما ما دون بالدفتر، فاستأنفت المسيرة في نشر المؤلفات، وكان من حسن الحظ أن ظهرت في ذلك الوقت الكتابة بالكمبيوتر.
وأود أن أشير هنا الي أنه بعد أن كادت المؤلفات المخطوطة أن تصدر جميعا، فقد بدا لي أن أقوم بجمع مقالات لطفي جمعة المنشورة في الصحف والمجلات علي مدي نصف قرن من الزمان في مختلف ألوان العلم والمعرفة، فجمعت أول ما جمعت ما كتبه لطفي جمعة من مقالات في الفولكلور وصدر بها كتاب »مباحث في الفولكلور» وقد أعادت الهيئة العامة لقصور الثقافة نشره في نفس السنة ضمن سلسلة مكتبة الدراسات الشعبية برقم 34. كذلك جمعت ما كتبه لطفي جمعة من مقالات في التاريخ قديما وحديثا وسويت منها كتابا بعنوان »مباحث في التاريخ» وكذا ما كتبه من مقالات في الأدب والنقد وجعلت منها كتابا بعنوان »في الأدب والنقد» وما كتبه في الاجتماع وقضاياه ومشاكله في مصر، وسويت منها كتاب »قضايا ومشكلات اجتماعية في مصر المعاصرة» وهكذا.. اضافة الي ذلك جمعت عشرات المئات من الرسائل التي بعث بها أعلام العصر من الأدباء والكتاب والمفكرين ورجال السياسة والصحافة والاستشراق إلي لطفي جمعة، وبعض رسائله هو إلي هؤلاء الأعلام خلال نصف قرن (1904-1953) وأصدرتها سنة 2000 تحت عنوان »حوار المفكرين، رسائل أعلام العصر إلي محمد لطفي جمعة خلال نصف قرن«
لقد كانت مسيرتي في نشر مؤلفات لطفي جمعة مسيرة مضيئة بكل ما تعني هذه العبارة من جهد ووقت ومراجعة، دع عنك ما تكبدته من نفقات في النسخ أولا، ثم في طبع ونشر ما يتم نسخه واصداره في كتاب عن طريق الناشر.
ولا يفوتني هنا أن أنوه بما بذلته معي المرحومة زوجتي من وقت وجهد ومعاونة مخلصة وتفهم صادق لقيامي بهذه المسئولية، وصبر علي انشغالي وعكوفي علي انجاز ذلك العمل.
ولابد أن أشير الي أن ناشر هذه المؤلفات جميعها هو دار عالم الكتب للطبع والنشر، وقد قصدت الي أن تصدر جميع هذه المؤلفات عن تلك الدار لسبب هو أن يسهل علي من يريد قراءة أعمال لطفي جمعة أن يجدها جميعها في مكتبة واحدة، فلا تتشتت جهوده في البحث عنها في عدد من المكتبات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.