بعد ثورة 25 يناير، ستظهر الفنون الجديدة ومنها الأدب والنقد.. في هذه الدراسة، سيكون النقد في شكل جديد، فيه الناقد والمنقود، فإذا كان الإبداع نقداً (غير تقريري)، فإن النقد أيضاً إبداع.. بمعني إظهار الحدس أو المكنون أو الذي أحسه المبدع: في عقله اللاواعي ، وأظهره في غير مباشرة أو خطابية، حتي لو كان النص سياسياً، لكنه شيء آخر مسكوت عنه، أحسه الكاتب في الخلفية الذهنية، ولم يشر إليه، بل جعله دون قصد الخيط الرفيع الذي نسج عليه وبه النص.. وقد نسميه المنهج.. يشرك فيه الكاتب قارئه.. بينما هذا القارئ في منطقة وسطي بين الناقد والمنقود، ويكون من حقه الدخول معهما، فتصبح قضية للمناقشة. موضوعنا الكتاب رقم واحد بعد المائة في إصدارات الدكتور مصطفي عبدالغني، من سلسلة عبر رحلته النقدية في السياسة والتاريخ والأدب.. وفي المسرح الشعري مثلاً، غير التراجم والترجمة.. واهتمامه الدائم بعلاقة الثقافة بالسلطة والغرب والعولمة.. والجات والتبعية الثقافية.. إلخ. كتابه الصادر حديثاً: الطريق إلي المستقبل/ ماذا بعد الثورات العربية (عن دار المعارف) يقوم في الأساس علي مصطلح المشترك الثقافي، الذي معناه يؤكد وجوده أنه »لا يتصارع مع الغرب، وكلنه يتأكد من خلال تعميق عناصر الهوية الشرقية الخاصة بنا« ص7.. يضيف »تأكيد الهوية هنا والآن لا يكون بالعودة إلي عناصر هذا المشترك الديني أو السياسي أو الحضاري وحسب، وإنما- قبل ذلك وبعده- تأكيد الهوية بالنظر إلي الأمام لا إلي الخلف«. يقصد د. مصطفي بكلمة الشرق: منطقة الشرق الأوسط.. حيث التعصب والاستيطان الصهيوني الغاصب.. »فإننا يمكننا استعادة دعوة هذا المشترك الثقافي الشرقي، للخروج من عصر العولمة بتجلياتها من الأزمات المتواصلة إلي آفاق الوجود، فتأكيد الهوية يكون بالعودة دائماً إلي الأصل المشترك/ الأديان، والأصل المشترك/ الفكر السياسي والحضاري، والأصل المشترك الوعي بالمستقبل وضرورته في السياق كما يقول.. والعلاقة الخاصة بنا وصولاً إلي علاقة هذه الهوية بتطورات العالم في العصر الحديث. هذا الكتاب بحث علمي من أجل: ماذا بعد الثورات العربية؟ هل سيكون لصالح الشعوب فتتحرر من ديكتاتوريات الأنظمة، أو أن الرأسمالية المتوحشة تأمم هذه الثورات لصالح سياساتها، بحيل مكرهها ومخططاتها، فتهيمن علي السياسيين الجدد بإغوائهم بالرشاوي، تحت مفهوم »المعونات« وقروض صندوق النقد الدولي؟ .. هذا البحث يتوجه إلي المثقفين، وليس إلي العوام، فقد تعمد الديكتاتوريون إغراق شعوبهم في الجهل والفقر والمرض، وإلا أجهزة القمع علي أتم استعداد.. إذن المعركة ضد التجهيل الذي يجعل العلاقة بين الحاكم والمحكوم أبدية.. إما بالنظام الملكي الذي كاد أن يندثر من العالم، وإما بالنظام الجمهوري، الذي ينتهي بوفاة الحاكم وفاة طبيعية.. أو بحادث مثل حادث المنصة أو بانقلاب عسكري أو انقلاب سلمي يقوم علي التضليل وترزية القوانين لعودة الجمهوري إلي الملكي (التمديد والتوريث). المعركة إذن هي معركة المثقفين.. أن يتحملوا مسئولياتهم حيال شعوبهم.. هذه الشعوب تتحرك ذاتياً بفطرية.. ضد الاستبداد.. من أجل مستقبل أوطانهم.. غذاؤها الروحي هو استلهام التراث الشعبي مجهول المؤلف في الأمثال والحكم والسير الشعبية والمواويل.. إلخ.. فالأدب الشعبي يختلف عن الأدب الرسمي الحكومي. هذه الرؤيا (بالألف بعد الياء) السياسية، لا يستطيع إدراكها الكارهون للديمقراطية، لذا يلجأون إلي لعبة الكراسي الموسيقية، للتكالب علي الحكم بكل الحيل الماكرة. د. مصطفي عبدالغني تنبه إلي »المشترك الثقافي« لنظرية بديلة أمام نظرية صراع الحضارات الذي يغلف الهوية الشرقية ويؤكدها.. فهو يجمع الوعي الديني بمفهومه الخاص بالنظر إلي المستقبل لا بالعودة إلي الماضي، وليس في الإمكان أبدع مما كان. إن النظر إلي تاريخ المنطقة، يجد ثلاثة أخطار: الغربي والصهيوني وخطر المصطلح.. مراجعة الأحداث تظهر السعي لتمزيق هذا المشترك الثقافي بين دول المنطقة/ ص24 وما بعدها.. حيث تقسيم الدول إلي دويلات لتقسيم العراق أو عملية فصل جنوب السودان عن العالمين العربي والإسلامي. .. أما الخطر الصهيوني، والمؤرخ الصهيوني المتأمرك برنارد لويس، الذي وضع مشروعه بتفكيك مجموعة الدول العربية والإسلامية جميعاً.. كل علي حدة. خطر المصطلح يبدأ 1897 عندما كتب هرتزل في يومياته »يجب قيام كومنولث شرق أوسطي، يكون لدولة اليهود فيه شأن قيادي ودور اقتصادي مركزي لجلب الاستثمارات والبحث العلمي.. ثم توالت الكتابات في مصطلح الشرق الأوسط من أمثال الفريد ماهان وفالفتاين شيروا وغيرهما.. فوزير المستعمرات في 1907 كامبل بنرمان في مؤتمر عقده علماء التاريخ والسياسة والاقتصاد تناولوا الوضع في المنطقة العربية فيه: »يكمن الخطر علي الغرب في البحر المتوسط، لكونه همزة وصل بين الشرق والغرب ويعيش في شواطئه الجنوبيةوالشرقية شعب واحد، تتوافر فيه وحدة التاريخ واللغة الجغرافية وكل مقومات التجمع والترابط، وذلك فضلاً عن نزعاته الثورية وثرواته الطبيعية الكبيرة« ويقول التقرير إنه إذا انتشر فيها (المنطقة) التعليم والثقافة، فسوف تحل الضربة القاضية بالإمبراطوريات القائمة/ ص36-40. (كيف أمام ما سبق أن يفكر أعداء المستقبل أن في قدرتهم فرض توهماتهم التي تقوم علي إهدار العلوم ونبذها لأنها حسب تفكيرهم من صنع الكفار، فيمزجون بين شهوة الحكم، وبين الادعاء بسياسة الرجوع إلي ما قبل الألف عام؟.. جميعهم- إذن- سلفيون). عن العولمة يري د. مصطفي أنها تهدف إلي سيطرة الثقافة الغربية علي الثقافات الغيرية لإحكام الهيمنة، تحت دعوي التعاون والتواصل وإزالة الحدود والمسافات بين الدول والشعوب (علي هذا تسود فكرة الكوكبية وإلغاء مفهوم الوطنية.. تحت علم واحد هو السلام ومفهوم التصالح والتسامح.. هذا مفهوم العالم الأوروأمريكي، فكيف يتم تفعيل هذا المفهوم علي الصراع العربي الصهيوني؟«. من هنا كان هذا البحث يناقش ثقافة الأقليات، وثقافة العروبة.. ثم إعادة طرح المفهوم المشترك.. و.. المشترك: الثقافة الدينية- والمشترك: الثقافة السياسية.. والمشترك والمستقبل.. لذا كان من الضروري نشر الوثيقة الصهيونية.. ثم الخريطة الأمريكية.. مروراً بالتجربة التركية كنموذج.. و.. الوثيقة الصهيو-أمريكية: مشروع برنارد لويس. هذا الكتاب/ البحث مدعم بالخرائط والوثائق وما جاء في مؤتمرات حضرها الكاتب منها مؤتمر في تركيا مروراً بباريس ولندن قبل أن يعود إلي القاهرة. فضلاً عن عدم الاصطدام بين الفكر العالمي مع فكر الثقافة الإسلامية/ ص107 وبذلك يكون ضرورة اتخاذ المشترك السياسي شكلاً مؤسسياً يقوم علي »الديمقراطية« وهي القيمة التي تساوي الشوري في الثقافة الإسلامية/ ص108 (أري فرقاً كبيراً بين الشوري.. بين الصحابة ورؤساء قبائل في مساحة صغيرة.. وبين الأقيسة والمعايير في دستور لنظام دولة لكثافة سكانية داخل حدود وطن موثقة في هيئة الأممالمتحدة.. أي فرق بين أخذ أصوات عشرات، وأصوات ملايين وصناديق ورقابة، وربما تزوير أيضاً). يذكر الكتاب عن أحمد أبوالغيط في مؤتمر دولي، أنه قال: ... إن الأمر لا يقتضي مجتمعاً من الدول الملتزمة بمبادئ الديمقراطية وعملياتها بل يحتاج إلي مجتمع مدني دولي موسع/ص108.. وأن الديمقراطية مطلب مهم للشعوب في جميع دول العالم. (لم يتكلم أحمد أبوالغيط عن آلاعيب السياسة من جانب الديكتاتوريين بالنسبة لمذهب النفعية سواء أكانوا جماعات أو رؤساء دول.. مثل جونسون أو بوش.. وما حدث في العراق). ثم يتكلم أبوالغيط عن بناء نظام عالمي قوامه المساواة والعدل، والتأكيد علي المشاركة الفعالية للدول النامية في اتخاذ القرار علي المستوي الدولي (كيف.. وإذا استخدم الفيتو؟.. لم يذكر سيادته) ص115.. (ولم يتكلم أيضاً عن تحالف الإسلام السياسي: قطر/ السعودية/ مصر.. أو عن دعم هذا التحالف لجماعة الإخوان في سورية في حربها ضد السلطة، حتي أن هذا الإسلام السياسي في مصر قال.. لم نرسل أعضاء منا إلي سورية (5/9/2012).. هذا قرار سلطة النظام المصري.. هذا يعني التوافق مع القول بإقامة خلافة إسلامية عاصمتها القدس- وبذلك يصبح الصراع الحربي بين السنة وإيران (الشيعة)- وإعطاء مساحة علي أرض مصر.. من رفح المصرية حتي العريش، لإقامة الفلسطينيين باسم إمارة إسلامية.. كتعويض عن الضفة الغربية، وتصبح هذه الإمارة لحركة حماس غير السلطة الفلسطينية في رام الله!!). إنتاج الدلالة نراه مثلاً في »أن دولاً مثل ليبيا والسودان والدول الأبعد منها سوف لا يكون لها وجود بصورتها الحالية، بل ستنضم إلي حالة التفكك والسقوط التي ستتعرض لها مصر، فإذا تفككت مصر فستتفكك سائر الدول الأخري« ص118.. و»إن العراق الغني بالبترول والتي تكثر فيه الفرقة والعداء الداخلي، هو المرشح التالي لتحقيق أهداف إسرائيل«/ 121. لاشك أن هذا جهد علمي، بذل فيه د. مصطفي عبدالغني ما يدفع إلي الحوار معه، من الباحثين والدارسين للرؤي المستقبلية في السياسة العالمية.. جهد له مراجعه مثل مؤتمرات حضرها، ومؤتمرات كانت في أجيال سابقة، بالإضافة إلي خرائط ووثائق، تدفع فعلاً إلي التساؤل: ماذا بعد الثورات العربية.. وماذا تخبئ الرأسمالية المتوحشة؟ هل الديمقراطية هي الحل.. أو أن الرجعيين سينجحون فيما يدبرونه من مكائد لتشويه المشهد السياسي؟ هذا- في رأيي- يعود إلي دور المثقفين والنزول إلي الشارع السياسي والالتحام بالجماهير لنشر الوعي في أوساط المهمشين من أجل مستقبل أفضل.. فيه التنمية وتوزيع عوائدها علي المواطنين توزيعاً عادلاً، فيشعر كل مواطن أن البلد بلده.. دون تمييز لجنس أو دين أو لون.. بذلك يمكن الوصول إلي مستوي الدول المتقدمة.. أما إذا نجح الرجعيون في فرض سطوتهم، فسوف نغرق جميعاً ونذهب نحن وهم إلي زوال.