د. حسام عقل في غير ضجيج إعلامي زائد أو ثرثرة فارغة يمضي القاص الموهوب »محمد إبراهيم طه« في تثبيت قوائم مشروعة القصصي المؤتلق النافذ في مساحتي الرواية والقصة القصيرة . وفي تقديري أن مجموعته القصصية الجديدة «امرأة أسفل الشرفة» الهيئة المصرية العامة للكتاب / 2012) تسدي للحراك القصصي الموار ما هو أبعد، بأشواط واغلة ، من مجرد (الحضور النشط) . فهذه المجموعة تستعيد لروح القصة القصيرة مقادير معتبرة من دبيب العافية ونضارة الرؤية، قالباً وأسلوباً، بعد تعاظم الجدل السجالي حول «موت القصة القصيرة» طوال الأعوام الماضية، إلي حد التورط في المراثي والبكائيات التي غمرت الدوائر النقدية ! وقعت مجموعة «إبراهيم طه» في عشر قصص تنتسب جميعاً، بآصرة سلالية، إلي فكرة جذرية يعاودها الراوي بارتقاءات فنية محسوبة ، أعني فكرة «النوستالجيا» العاصفة التي ترثي الأحلام المجهضة والأعمار الساربة في «الزمن الجميل» الذي غربت شمسه وبقيت منه خيوط شجن في جدار الروح ، يعتصرها الراوي ، صبوة وحنيناً . ويتبدي هذا المنزع الغالب في قصة «ريم تعود إلي البحر » استلهاماً لفكرة السمكة التي تعود إلي بيئتها المائية الطبيعية بعد أن غربتها التجربة في قسوة الصحراء والبراري تعاني العزلة في مهجرها قبل أن تئوب إلي البحر أو الحلم، إنهما زميلا الدفعة الجامعية القديمة يعاودان الصلة بعد عشرين عاماً فينتفض القلب لمرائي العشق ومطارحاته العائدة ، وهنا تغدو نفثة الراوي نفوراً شاملاً من اللحظة الحاضرة في عدوانيتها وضراوتها ، وإياباً حنوناً لدماثة اللحظة القديمة قبل أن تعتكر الروح و يلاحظ أن « ريم « شخصية متكررة في أكثر من قصة تظهر دائماً مضفرة بدلالات رمزية طافحة بمعاني الحلم والتمرد والغنج المصفي . وعلي معزوفة المراوحة في الفضاء الزمني بين زمنين تأتي قصة «شرفة مسمرة من الداخل» مع اعتصار تجربة الخدمة الطبية في الأقاليم، حيث رحل الشاب «خالد جودة» بعد إصابته بسرطان العظام ، ويأنس الأبوان المكلومان في الطبيب المعالج عوضاً إنسانياً عن شروخ الرحيل . وفي قصة « كشف خارجي» وهي من عيون القص الساخر ، تتألق إلي جوار تقنيات السرد والحوار والوصف تقنية مبتكرة هي التعليق « Comment» حيث ينفصل الراوي عن جسم الحدث وحراك الشخوص ليدس تعليقاته النزقة الساخرة ، وخصوصاً بعد موت العجوز في نوبة من نوبات الشبق التي لم تعد تحتملها سنه ! ولا تتباعد بنا القصص الأخري عن منطق الدفق الإنساني والحلم وخصوصاً قصة «جمعة الغضب» حيث تتكامل معزوفات «إبراهيم طه» في نسق دال وائتلاق لافت . ملحوظة وتذييل : قال لي بعضهم إن شاعراً يعيش علي الحافة قد مضي في طريق التعريض ببعض مقالاتك النقدية في تطاول سمج نشداناً للذيوع . فقلت لهم : أخبركم قولاً واحداً بأني قد كففت منذ فترة طويلة عن الاكتراث للفتات ، فإنما يناظر الناقد نداً أو نظيراً يعي النقد الأدبي، اصطلاحاً ومنهجاً ، أما المتلعثمون فهم في المعارك الكبري مجلبة للشفقة لا أكثر !