لا يمكن المطالبة بثقافة بديلة، لأنّها موجودة، فالخطاب الثقافي البديل تاريخيا يحايث السائد ويعتبر نقيضه لكن الإشكالية اليوم وفي هذا الوضع الثوري من السليم أن ينعكس الأمر في المشهد الثقافي ويصبح ما كان بالأمس بديلاً ومهمّشا اليوم هو السائد وهذا ما لم يحصل وذلك لعدّة أسباب أوّلها التفاف قوي المنظومة القديمة علي الثّورة وقدرتها علي التلوّن كالحرباء لتصبح متكلمة بإسم الثّورة وهذا الأمر ينطبق علي المشهد الثقافي فالمثقف السّلطوي والمثقف المستقيل والمتعالي علي الواقع، هذا النمط من المثقفين مازال مهيمنا في كلّ الفضاءات. فقط غيّر مصطلحاته لتتوافق مع الوضع الثّوري ! السبب الثاني يكمن في قدرة المثقفين المهمّشين في النظام السابق علي خلفية مواقفهم أو إنتاجاتهم الثقافية البديلة والنقدية علي اكتساح المشهد الثقافي وتثويره وهذا يتطلّب مشروعًا ثقافيّا متكاملاً ويتطلّب مواقف ثورية من هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم حاملين لثقافة ثوريّة، في هذه اللحظة المطلوب تطهير المشهد الثقافي من المقاولين والسماسرة وكلاب الحراسة الذين كانوا يطبّلون للدكتاتور وزمرته، وهذا لم يحدث. يبدو أنّ الثّورة لم تطل المشهد الثقافي فعديد المثقفين المهمّشين قد شاركوا في الثّورة في الشارع وفي الساحات إلي جانب أبناء الشعب في المسيرات والمظاهرات لكنّهم تناسوا أنّ هناك واجبًا آخر ينتظرهم وهو فرض وإرساء الخطاب الثقافي البديل والملتزم في كلّ الفضاءات وبذلك يتمّ تطهير المشهد الثقافي والقضاء علي الفساد الثقافي الذي تفشي في كلّ المؤسسات والفضاءات والهياكل الثقافية. @ أوّلا الأحزاب السياسيّة ليست لها القدرة علي إقصاء أو تبنّي بديل ثقافي، فقط الأحزاب التي تطرح برنامجًا متكاملاً في كلّ جوانبه من الاجتماعي إلي الاقتصادي إلي السياسي إلي الثقافي هي تعمل علي وضع برنامج ثقافي وطني لكن الأمر يتطلّب مثقفين واعين بمسؤولياتهم التاريخية أي المثقف العضوي الملتزم بقضايا المجتمع والواقع، بالاضافة إلي أنّ الأحزاب السياسية خاصّة المعارضة للنظام السابق تعرف بتنوّع مقولاتها وانتماءاتها الإيديولوجية وهو ما يؤدّي إلي بعد إيجابي منتظر في المشهد الثقافي يحكمه الاختلاف والتنوّع والحوار وهذا أساس التطوّر والثراء وهو أيضا ما يدعو إلي القطع مع هيمنة الخطاب الواحد والنمطي، إنّ ارتباط السياسي بالثقافي يتطلّب مثقفين حاملين لرؤي ومشاريع انسانيّة، وخاطئة هي الفكرة القائلة بأنّ السياسة تقتل الإبداع فمن أروع التجارب في الأدب العالمي نجد بابلو نيرودا المناضل في الحزب الشيوعي الشيلي الحاصل علي جائزة نوبل 1971 عن مُجْمَلِ أعماله الشعريّة وكذلك خورخي أمادو الرّوائي البرازيلي العالمي وهو عضو الحزب الشيوعي البرازيلي وأغلب رواياته كتبت حول نضالات هذا الحزب. @ الحركة التي نطمح إلي تكوينها هي حركة أدبيّة تنطلق أساسًا من الالتزام أي في اطار الصراع الموجود منذ القديم بين مقولة التغيير ومقولة التّبرير، ومقولة التّبرير، ومقولة « الأدب لتغيير الواقع لا الأدب للأدب » أو كما درج بالمنطق الكانطي «الفن للفن». هذه الحركة نطمح إلي أن تكون حاملة لمشروع ثقافي يثبت أنّ الأدب يمكن أن يوفق بين البعد الجمالي والبعد الاجتماعي من خلال المضمون الثوري طبعا وهذا لا يعني أنّ أعضاء الحركة متماهون بل يحكمهم الاختلاف في الرؤي ويجمعهم الإيمان بقدرة القلم الحرّ علي تغيير الواقع وأعتقد أنّ هذه الحركة ستكون تجربة جميلة ستشهدها الساحة الأدبيّة في الأيّام القادمة وأعتقد أيضا أنّها ستشارك بشكل فعّال في تطهير الساحة وكنس الأوساخ التي تراكمت في المشهد الثقافي.