سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية التعاملات الصباحية السبت 4 مايو 2024    المالية: الانتهاء من إعداد وثيقة السياسات الضريبية المقترحة لمصر    إزالة فورية لحالتي تعد بالبناء المخالف في التل الكبير بالإسماعيلية    بلينكن: حماس عقبة بين سكان غزة ووقف إطلاق النار واجتياح رفح أضراره تتجاوز حدود المقبول    الحوثيون يعلنون بدء المرحلة الرابعة من التصعيد ضد إسرائيل    لاعبو فريق هولندي يتبرعون برواتبهم لإنقاذ النادي    تشكيل مانشستر سيتي المتوقع أمام وولفرهامبتون    نظراً لارتفاع الأمواج.. الأرصاد توجه تحذير للمواطنين    إصابة 15 شخصًا في حادث سيارة ربع نقل بالمنيا    بعدما راسل "ناسا"، جزائري يهدي عروسه نجمة في السماء يثير ضجة كبيرة (فيديو)    حدث ليلا.. خسارة إسرائيل وهدنة مرتقبة بغزة والعالم يندفع نحو «حرب عالمية ثالثة»    أسعار اللحوم والدواجن والخضروات والفواكه اليوم السبت 4 مايو    اليوم، تطبيق أسعار سيارات ميتسوبيشي الجديدة في مصر    تفاصيل التحقيقات مع 5 متهمين بواقعة قتل «طفل شبرا الخيمة»    الداخلية توجه رسالة للأجانب المقيمين في مصر.. ما هي؟    إسكان النواب: إخلاء سبيل المحبوس على ذمة مخالفة البناء حال تقديم طلب التصالح    المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    وفاة الإذاعي الكبير أحمد أبو السعود.. شارك في حرب أكتوبر    إغماء ريم أحمد فى عزاء والدتها بمسجد الحامدية الشاذلية    دراسة جديدة تحذر من تربية القطط.. تؤثر على الصحة العقلية    رسالة من مشرعين ديمقراطيين لبايدن: أدلة على انتهاك إسرائيل للقانون الأمريكي    صحيفة: ترامب وضع خطة لتسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا    تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة الجونة    إسماعيل يوسف: «كولر يستفز كهربا علشان يعمل مشكلة»    لو بتحبي رجل من برج الدلو.. اعرفي أفضل طريقة للتعامل معه    الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال أعياد القيامة وشم النسيم    المحكمة الجنائية الدولية تحذّر من تهديدات انتقامية ضدها    مالكة عقار واقعة «طفل شبرا الخيمة»: «المتهم استأجر الشقة لمدة عامين» (مستند)    جوميز يكتب نهاية شيكابالا رسميا، وإبراهيم سعيد: بداية الإصلاح والزمالك أفضل بدونه    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 4 مايو 2024 في المصانع والأسواق    37 قتيلا و74 مفقودا على الأقل جراء الفيضانات في جنوب البرازيل    دفنوه بجوار المنزل .. زوجان ينهيان حياة ابنهما في البحيرة    رشيد مشهراوي ل منى الشاذلي: جئت للإنسان الصح في البلد الصح    معرض أبو ظبي للكتاب.. جناح مصر يعرض مسيرة إبداع يوسف القعيد    مصطفى بكري عن اتحاد القبائل العربية: سيؤسس وفق قانون الجمعيات الأهلية    حسام موافي يوضح خطورة الإمساك وأسبابه.. وطريقة علاجه دون أدوية    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    برش خرطوش..إصابة 4 من أبناء العمومة بمشاجرة بسوهاج    سبت النور.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    هييجي امتي بقى.. موعد إجازة عيد شم النسيم 2024    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    عرض غريب يظهر لأول مرة.. عامل أمريكي يصاب بفيروس أنفلونزا الطيور من بقرة    استقرار سعر السكر والأرز والسلع الأساسية بالأسواق في بداية الأسبوع السبت 4 مايو 2024    أحمد ياسر يكتب: التاريخ السري لحرب المعلومات المُضللة    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    250 مليون دولار .. انشاء أول مصنع لكمبوريسر التكييف في بني سويف    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    أول تعليق من الخطيب على تتويج الأهلي بكأس السلة للسيدات    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المثقفون يعلنون العصيان في وجه الإسلام السياسي
هل صحيح أن الإسلاميين يريدون أن يطفئوا نور الفگر بأفواه السلطة؟
نشر في أخبار اليوم يوم 09 - 12 - 2011


آخبار اليوم تفتح الملفات الشائكة وتسأل:
هل صحيح أن الإسلاميين يريدون أن يطفئوا نور الفگر بأفواه السلطة؟
المفكرون ثائرون.. والفنانون غاضبون .. والإسلاميون يطالبون بعدم وضعهم في سلة واحدة
وحيد حامد : ولا تزال طيور الظلام تنعق في الأجواء.. والثوريون يشربون »المعسل«!
تفتح (أخبار اليوم) هذه الملفات المكثفة في لحظة تحول فائقة الحساسية في المجتمع المصري في ضوء الحراك الواسع الذي يشهده الشارع المصري، يجري جدلا كبيرا وعميقا بين جماعات المثقفين ومجموعة من المنتمين إلي الجماعات الدينية خاصة الإسلام السياسي.
الجماعات الدينية تطلق آراء ومشروعات يغلب عليها طابع الاستفزاز للمفكرين والفنانين بآراء تحمل قوائم من المحظورات والمحرمات ضدهم.
وفي هذا السياق بدأت جماعات المثقفين تتحفز وتتهيأ للتصدي للتيار الاسلامي معتبرين ان تصريحاتهم محاولة جادة للتحرش بهم وبإبداعهم ولذلك قرروا أن يعلنوا العصيان الثقافي في وجه أصحاب الإسلام السياسي.
»أخبار اليوم« في مهمتها المقدسة وهي البحث عن الحقيقة دائماً لا تصادر رأياً ولا تعارض اتجاهاً أو تساند آخر.. وإنما تعرض جميع الآراء وتضع الحقيقة أمام القارئ.. تبدأ من هذا العدد في فتح الملفات الشائكة وتتساءل: هل أعلن المثقفون بالفعل العصيان ضد كل من يحاول الاعتداء علي حرمة إبداعهم؟ أم أن التيارات الإسلامية تقود حملة لإطفاء نور الفكر والثقافة في المجتمع بإشاعة ثقافة المحرمات؟ أم أن هذه كلها إشاعات وأكاذيب روجت لها الفضائيات بهدف إشعال نار الفتنة بين فئات المجتمع وتياراته السياسية والدينية والثقافية؟!
لنبدأ من قاعدة اطلاق شرارة الخلاف من ممثلي الاتجاهات الدينية، عبر تصريحاتهم وأطروحاتهم وفتاويهم المتناثرة هنا وهناك في وسائل الإعلام، ويمكن أن نكثفها في:
توجيه الاتهامات الي رموز الثقافة المصرية، خاصة أكبرها عالميا وهو الكاتب نجيب محفوظ، مثلما أعلن أحد أصحاب الاتجاه السلفي من أنه ضد نجيب وضد أدبه، وإنه يكتب عن بيوت الدعارة والمخدرات، بل إنه يطالب المجلس الأعلي للشئون الإسلامية بالإشراف علي الأدب تصريحات (وأحاديث المتحدث باسم السلفية عبد المنعم الشحات نموذجا صارخا)
مجالس الشعب مجالس كفرية.
إقدام بعض دور النشر، من منطلقات دينية، علي تغيير في النصوص الروائية والأدبية عامة لكتاب أمثال إحسان عبد القدوس، ويوسف إدريس ونجيب محفوظ وغيرهم من قدامي الأدباء والشعراء ممن يشكلون قامات ابداعية في الثقافة العربية القديمة. (بين أيادينا نماذج وشواهد).
مؤتمرات ومناظرات تتحرش بالمفكرين، تحت ضغوط دينية مسعورة من الخارج.
رفع القضايا ضد الكتاب والأدباء والشعراء، وتهددهم باللجوء الي القضاء (وقد حدثت وقائع في هذا السياق بين الشيخ يوسف البدري ود.جابر عصفور، والشاعراحمد عبدالمعطي حجازي، والمفكر سيد القمني وآخرين)
الجرأة في ممارسة الفعل القمعي بالقتل، ومحاولات الاغتيال. (فرج فودة ونجيب محفوظ نموذجين)
إصدار قوائم تكفيرية واهدار دم عدد من المثقفين مثل د. حسن حنفي، والراحل نصر حامد ابوزيد، وغيرهما.
منع ومصادرة الكثير من الكتب والمؤلفات لكبار المفكرين، واستفحال دعوات الحسبة.
النظرة الوثنية للآثار وسعي الكثير من الاتجاهات الدينية الي وضع الشمع علي وجوه التماثيل في الميادين.
لا يعترفون بالأغاني ولا بالفن الغنائي، حتي الاغاني الوطنية حرام، فصوت المرأة عورة، والفنون النحتية والتشكيلية والتجسيدية حرام.
إجبار المذيعات علي ارتداء الحجاب حتي يتحدثوا اليهن عبر الهاتف في البرامج(المذيعة السكندرية ايمان مع عبد المنعم الشحات نموذجا).
كثير من مشايخ الجماعات يصدرون الفتاوي التليفزيونية حول لعب الأطفال والدباديب وحرمتها، حتي أصبح هناك ما يسمي بفقه الدبدوب، وفي الفضائيات الدينية وعلي مواقع التواصل الاجتماعي في الإنترنت عشرات من النماذج .
ليسوا سواء
سألت د.ناجح ابراهيم عضو مجلس شوري الجماعة الإسلامية، ومفكره ومسئول موقعها الإليكتروني: لماذا الاستفزاز؟ فقال:
- تختلف الجماعات من جماعة الي أخري، بل يختلف التوجه من فرد الي فرد، حسب تفكيره.
- وضع الجماعات الإسلامية في سلة واحدة، وحتي وضع الجماعة الواحدة في سلة واحدة خطأ.
ليسوا سواء.. هذا مبدأ قرآني. يعلمنا إياه القرآن، وهو قمة العدل الإلهي، ونرجو أن نعامل علي أساسه حتي ينتهي سوء الفهم والتوتر الدائم.
- كل موقف لجماعة حسب خبراتها الحياتية هل خرجت من المسجد الي الحياة؟ هل انخرطت في السياسة؟ هل تفاعلت مع المجتمع؟ هل اهتمت بالآخر؟.
- إن أحدا لا يستطيع أن ينتقص من المكونات الشاملة للشعب المصري.
-نجيب محفوظ لم تأخذ عليه الحركة الإسلامية إلا روايته »أولاد حارتنا« التي كتبها في فترة مبكرة من مسيرته الإبداعية، ولم يوافق علي نشرها حتي وفاته وحتي بعد محاولة اغتياله كان يقول: أعطوا الفرصة للتيار الإسلامي، في وقت لم يكن يجرؤ أحد علي الحديث عنها، منذ أن حجبها النظام السابق عام 6891 عن الساحة.لقد كان نجيب محفوظ يدافع عن الحريات والديمقراطية.
- كثير من أبناء الحركة الإسلامية لا يحكم علي الإنسان والمفكرين والكتاب الا بأخريات حياته، خذ مثلا مصطفي أمين نموذجا نحن ننظر إلي أفكاره النهائية، فقد صنع الخير بأسبوع الشفاء، وأوصي قبيل رحيله باستمرار مشروع ليلة القدر
رأي شخصي!
سألت عماد عبدالغفور رئيس حزب النور (الإسلامي): لماذ التحرش الثقافي والفكري؟
قال: نحن نسعي الي طمأنة النفوس ونلتزم بمبادئنا الحزبية في القضايا المختلفة، وفي هذا السياق أقول إن الأخ لمهندس عبدالمنعم الشحات، مع احترامنا لمكانته، ليس عضوا عاملا في الحزب، وقد طلبنا منه أن لا يظهر في وسائل الإعلام، وما يقوله يعبر عن رأيه الشخصي.
- لا تعارض بيننا وبين أصحاب الأقلام الأدبية، المصادرة مرفوضة، بل لا ندعو لمصادرة فكر أحد من المثقفين والمفكرين، إلا إذا انحرف عن العقيدة، ونعتمد علي مواجهة الفكر بالفكر.
- نسعي الي التواصل الدائم مع الهوية بوصفها قوة دافعة ، وذلك علي أسس علمية رصينة، ومنهجية تُحسن قراءة النص الشرعي، وتفهم حركة التاريخ وتدرك شروط الواقع وأولوياته، وتتطلع بوعي عميق إلي المستقبل، فتربط ماضي الأمة بحاضرها، وحاضرها بمستقبلها، وفي هذا السياق نتوسع في عقد الندوات و الصالونات الثقافية لإيجاد روح من الإبداع الفكري الذي يسمو بالروح و لا يخدش الثوابت الإسلامية المجمع عليها ويراعي الخصوصية المصرية و يتفهمها.
مرحلة دقيقة
الكلمات محددة، الرؤية واضحة، العبارة دالة، والحديث للدكتور صلاح فضل، هذا المفكر الناقد الغني عن التعريف يقول: »نحن في مرحلة دقيقة وحساسة، وكل من يتسم بقدر من الوعي بمصير هذا الوطن وتألم لتخلفه، واشتاق لنهضته كان يتمني أن تشرق شمس الديمقراطية«.
ويتساءل: كيف تغلل الفكر السلفي القادم من الصحراء بتلك الشراسة في شرايين المجتمع المصري ، وأصحابه لم يغتسلوا بماء الفن العربي الأصيل بالموسيقي والفلسفة والشعر والثقافة، ولم ينضجوا علي وهج المعرفة التي أنتجها عصر النهضة العربي في مصر، ويضيف: كشفت صناديق الانتخاب عن تلك الأمراض المستوطنة في البيئة المصرية والمناقضة لجوهر الشخصية المصرية التي ينشد الآخرون الاقتباس منها والاقتداء بها، ويزداد التعجب من الذين يستوردون نماذجهم الجافة والمتخلفة ويتصورونها حلا لمشاكلهم، ليعلموا الشعب صاحب الحضارة والوعي العميق والنموذج المتوازن في إقامة معادلة رائعة بين الجسد والروح، بين الماضي والمستقبل، بين حاجات الإنسان المادية ووجوب أخذه بمنطق العصر، لكنه يعلن: »لكن لابد لنا أن نقبل نتائج ما أسفرت عنه صناديق الانتخابات بروح الديمقراطية وأن ندعو هؤلاء الذين لم يشربوا ماء الثقافة المصرية ولم ترتو عروقهم بغذائها الحقيقي أن ينغمسوا مرة أخري أن يتعلموا أنهم أولاً ليسوا بحاجة إلي من يعلمهم الدين فهم يعرفون ويفهمون أفضل من أي شعب عربي آخر وبخاصة أفضل من هؤلاء المغرورين بأموالهم«
ويضيف د. صلاح فضل: ستستوعب الحياة المصرية كل هذه الأصوات المنكرة، ستبتلعها ولن تعبأ بها وسيمضي نسقنا كما هو دون تغيير يذكر اللهم بعض التوترات البسيطة في بعض مشروعات القوانين الفاشلة التي سوف يحبطها المصريون أنفسهم وستكون التجربة مفيدة للغاية في تقديري، وقد تأخرت كثيراً لأن جموع شعبنا التي حُرمت من الحرية والديمقراطية ولأن هؤلاء يعذبون في سجونهم ويحرمون من إبداء رأيهم ويحرمون من التفاعل الحي مع الافكار الأخري والمناقشة المستمرة مع التيارات الأخري لايدركهم النضج ولايختبرون آراءهم بالاحتكاك بالآراء الاخري فظلوا علي احادية منظورهم، وهؤلاء عندما ينغمسون أكثر في ثقافة المجتمع ويبتلون بالتجربة الواقعية الحية مع تياراته المختلفة سوف يمتلكون قسطا أكبر من الحكمة والحصانة والمعرفة، سوف يتعلمون ممن وثقوا فيهم وسوف يقللون من غرورهم وادعاءاتهم وسوف يختلف خطابهم كما يختلف خطاب الاخوان المسلمين الآن عن هؤلاء السلفيين، لأن كثيرا من رموز الاخوان المسلمين امتلكوا هذا الحس والتربة والوعي والحكمة، ولذلك لا احسب انهم سينجحون اذا طالبوا بتغيير طابع المجتمع المصري الذي تعود علي أن يستوعب كل العناصر الوافدة وهذه الدعوات المتطرفة المتعصبة الرافضة لمباديء الحرية والمواطنة والدولة المدنية ودولة القانون كل الدعوات الرافضة لهذه الركائز الاساسية للشخصية المصرية لن تلقي نجاحا ولن يقدر لها ان تصنع وجه المستقبل المصري.
وما تقول في مطالبة بعض التيارات الدينية المجلس الأعلي للشئون الإسلامية أن يشرف علي الأدباء والمفكرين في كل ما يصدر ويكتب،
- هذا سخف.. والثقافة بشكل عام لا تحتاج إلي الاحزاب ولم تكن الاحزاب يوما هي الدينامو الذي يصنع هذه الثقافة، الذي يصنع الثقافة في مصر هم آلاف الموهوبين في الفنون والآداب والمعارف والعلوم المختلفة، العقول المصرية هي الكنز الذي يفتح في جسد الثقافة أعمالاً جديدة ومواهب جديدة وطاقات خلاقة، ليس للأحزاب شأن في ذلك، والساسة يقاومون الثقافة ولايصنعونها ولا تعتمد عليهم علي الاطلاق، والدولة إذا قامت بواجبها في رعاية المثقفين أو تنشيط بعض أوجه الثقافة إنما تفيد ذاتها أكثر مما تفيد المثقفين أنفسهم.
انقاذ مصر
قل أيها السلفي: »ح تنقذ مصر ازاي«.. بهذ العبارة المشحونة بالغضب الموضوعي، ودلالة السؤال الاستنكاري يسائل د.جابر عصفور كل الجماعات الإسلامية خاصة السلفية، من منطلق ثقافة المساءلة، ويقول منبها: إنهم ينقلوننا من المعركة الأساسية الي معارك أخري: أين خططهم الاقتصادية.. لتنمية مصر والمصريين؟ أين نظرتهم العلمية والتعليمية.. لتخريج أمثال فاروق الباز وأحمد زويل وغيرهما من العلماء؟ أين برامجهم الاجتماعية؟ ماذا سيفعلون لإنقاذ مصر التي يرزح 04 ٪ من المصريين تحت خط الفقر المدقع، ناهيك عن الفقر العادي، و04٪ تحت سوط الأمية، فهل تكتمل الديمقراطية لجماهير شعب متعلم غير جائع، من السهل التلاعب بعقولهم، ومن ثم لا أتعجب من مهاجمة المفكرين والمثقفين والمبدعين، فهذه »حجة بليدة« و»دخان تعمية« عن البرامج الحقيقية لتنمية مصر.
ويتذكر د.جابر عصفور أجواء العواصف التي ثارت حول أعمال أدبية وفنية عديدة ذات ملامح دينية إسلامية ومسيحية مثل روية نجيب محفوظ »أولاد حارتنا« و»بحب السيما« و» شفرة دافنشي« ويلفت الانتباه الي التشابه الدال في ردود أفعال الرفض ما بين الأصولية القبطية المتطرفة والأصولية الإسلامية المتطرفة التي لم تتوقف عن مصادرة حرية الفكر والإبداع، وتكفير كل ما لا تراه متطابقاً مع تأويلاتها ومداراتها المغلقة. وخطاب التكفير هو الوجه الآخر من تهييج الجماهير لإثارتها، ودفعها للخروج في تظاهرات ضد الأعمال المحكوم عليها بالكفر من منظور التطرف.
ويتوقف د. جابر عصفور ازاء قضية نجيب محفوظ التي يرفعها الظلاميون دائما فيقول إن نجيب محفوظ الذي يصبون عليهم غضبهم، يحيي ذاكرتنا الثقافية فهل ننسي أنهم أصدروا عليه الحكم بالإعدام بضربه سكينة صدئة في عنقه، وقبل ذلك أصدرت الجماعات الإسلامية أربعة كتب في تكفيره هو وأقرانه.ويضيف: أخطأ هؤلاء المتزمتون في حق روية »أولاد حارتنا« لنجيب محفوظ مرتين: الأولي بتضخيم البعد الديني الذي لم يلتفتوا إلي بُعدٍ آخر سواه، كما لو كان عمداً، وتحويل مجازات هذا البعد الذي لا يُفهم إلا في علاقته بغيره من الأبعاد، وتحويل مجازاته التي لا تطابق الواقع بالضرورة الفنية إلي إشارات مباشرة منتزعة من سياقاتها، إشارات يتم تأويلها بما يُفضي إلي تكفير صاحبها، أما الخطأ الثاني الذي وقع فيه هؤلاء، فهو أنهم اختزلوا الرواية في قضايا دينية، أوّلوها علي سبيل التكفير، وتجاهلوا تماماً القضايا الاجتماعية والسياسية التي هي في صدارة الرواية، ولا تشير إلي تعاقب الأديان إلا من خلال منظورها الذي يجعل الرواية رواية من روايات النقد السياسي الاجتماعي في الدرجة الأولي، ورواية من روايات الإدانة الحاسمة لتحويل الوصاية علي الأديان، أو احتكارها.
وللأسف، فإن التيار الغالب علي المؤسسة الدينية هو التيار الماضوي الذي يغلب عليه الاتباع لا الابتداع، والذي يستريب في الاجتهاد والمغايرة، بينما لا يزال التيار العقلاني مهمشاً، مقموعاً في غير حال.
صحيح أن رجالاً من أمثال محمد عبده وتلامذته والمنتسبين إلي عقلانيته الدينية ظلوا، ولا يزالون، يعملون علي توسيع دوائر الاجتهاد والاختلاف، ولكنهم كانوا يصطدمون، ولا يزالون، بالجامدين الحرفيين من رجال الدين لا يزالون يناصبون المختلفين العداء، ولولا رجال من ورثة التقاليد العقلانية، قاوموا، ولا يزالون، يقاومون ما سماه محمد عبده »جمود المشايخ وغفلتهم« لاختفت أصوات الاجتهاد في المؤسسة الدينية علي نحو مطلق، ولم تتح لنا الفرصة للاستماع إلي الأصوات المتعقلة المنفتحة لأمثال الدكتور محمود زقزوق والدكتور أحمد الطيب والدكتور عبدالمعطي بيومي وغيرهم من أشباههم.
والنتيجة يا د.جابر؟
- الاحتقان الذي يتزايد في نفوس المثقفين والمبدعين الذين يقدسون حرية فكرهم وإبداعهم، لكثرة تدخل مجمع البحوث الإسلامية في إبداعاتهم، والميل المسبق إلي تحريمها لا إباحتها، وهو احتقان يزداد قوة مع تكرار المصادرة، وتكرار الحجر علي العقول المبدعة.
والحل في منظورك؟
- تحول المثقف التقليدي الي مثقف مستنير لتكثر مصابيح الاستنارة، فتخفت خفافيش الظلام.
لن نسكت!!
أما الفنان محمد صبحي صاحب المواقف والأعمال الفنية الشاهدة علي رؤاه، فكان منزعجا جدا وسبب انزعاجه يتكشف في علامة استفهام بغيضة وهو يقول: نحن فنانون ولسنا عوالم.. فهل تدركون؟
وأضاف بمرارة: ان الإخوان وكل الجماعات الأخري قد أصبحوا بديلا للحزب الوطني، والسلفيون بدلا من الإخوان، إنهم يفسدون الخطاب الديني، وقال: لن تلغوا رموز الثقافة والفكر والفن منذ مائة عام، لا طلعت حرب ولا محمود مختار ولا طه حسين ولا العقاد ولا نجيب الريحاني ولا أم كلثوم ولا نجيب محفوظ ولا الحكيم ، ولا يوسف ادريس ولا إحسان عبد القدوس، ولا أي رمز عظيم من رموز مصر المستنيرة، فنحن نتاج هذا الميراث، وهذه العظمة.
وأكد صبحي: لن نسكت.. لأننا إذا سكتنا سنكون مخطئين، فنحن بضعفنا نستحق حكامنا، وأنا شخصيا لن أسكت، سقف الفكر مفتوح بلا حدود ولا قيود، نعم أنا ضد الفن الذي يهدم، في داخلنا رقباء لأنني نبني عقولا ونسمو بالوجدان، فمن الطبيعي أن نحافظ علي الفن، ونرتقي بالفكر.
سكت الكثيرون من الفنانين.. أليس كذلك أستاذ صبحي؟
- القامات الفنية اختفت، أصوات فنية قديرة سكتت، تحت جنح ما سمي ب »القوائم السوداء« هناك فنانون ثوار وهناك من لم يسمع منهم كلمة اعتراض، لكن صك الغفران ليس من ميدان التحرير!.
يوجه الفنان صاحب الرؤية رسالة الي الجماعات الدينية:الناس مرعوبة منكم، والفنانون خاصة، وإلا فقل لي كيف تحجبت أربع مذيعات في الشهور الأخيرة؟! نحن في المعركة الحقيقية أما أن يثبتوا جهلهم وعجزهم وإما أن نثبت نضجنا.
هناك في التيارات الإسلامية عقول نحترمها، علمية وهندسية واجتماعية وفكرية، والذي سيخدم مصر نحمله علي الأعناق، شريطة أن يبعد عنه بطانته، وكل من يدعي أنه يتحدث باسم السماء، أو يعتقد أنه وكيل عن الله، أقول له: لا! لن نسمح لأحد أن يمس مصر بسوء وباسم الدين. ويقول: إن معركة هذه التيارات بالنسبة لهم خاسرة، وساعتها لن يكون الصراع بين متدين وغير متدين، ولكنه صراع بين متعلم وجاهل، أملنا أن يتقدم التيار الإسلامي ليجرب ويحكم ، لكن لن نقبل أن يجرنا وراءه الي الخلف.. هذا مستحيل، إن مجلس الشعب القادم سيكون »مجلس شو« وعلي ضوء ما نراه الآن أقول: إن الأسوأ قادم، وما يحدث في مصر الآن.. هو صراع لاغتصاب مصر!!.
هل هذا معقول؟
حرصت علي معرفة رأي ورؤية الفنان الكبير محمود ياسين وهو الذي قدم عشرات الاعمال الفنية التي ابدع نصوصها كبار الادباء والكتاب: توفيق الحكيم، نجيب محفوظ، احسان عبدالقدوس، يوسف السباعي وغيرهم كما قدم روائع الاعمال الدرامية الاجنبية سواء علي خشبة المسرح او شاشة السينما والتليفزيون.
غاضب هو وحزين.. حتي انه يقول لسه فيه ناس بتفكر في الفن والثقافة بالشكل ده.
يرجع محمود ياسين مصدر المشكلة في النظر الي الفن واهميته والفنان ودوره الي الوعي حين يفقد ففي غياب الوعي يصبح كل شيء مباحا انه يقول وظيفة الفن تختلف عن كل الاسهامات الانسانية الاخري والايجابية منها او التي تري الفن مجرد تسلية وتسرية الفن صناعة ثقيلة وصياغة دقيقة لتفاصيل الحياة والدراما هي الحياة ومن ثم اتعجب من هؤلاء الذين لا يزالون يتساءلون: الفن حلال ام حرام يطرحون اسئلة عن الفن بين الحلال والحرام انها اسئلة بلهاء.. تثير القهر في النفس انها قضية حسمت منذ عقود وعقود فلماذا تقفز الان الي الساحة هذا شيء مؤسف.. قاتل غير معقول!
وتصبح الغرابة اكثر في مثل ذلك الطرح حين يشير الي كثرة المؤسسات الفنية في مصر لدينا اكاديمية الفنون والمعهد العالي للسينما ومعهد النقد الفني ودار الاوبرا والمعهد العالي للباليه والكونسرفتوار ومعاهد شتي تخدم الحركة الفنية ولدينار كوادر ابداعية نادرة وقامات فنية عالية تضاهي نجوم العالم ولدينا وزارة ثقافة وقف عليها مثقفون كبار ثم بعد ذلك يأتي من يطرح هذه المقولات الوهمية عن الفن.
يضيف الفنان محمود ياسين هذا امر يدعونا الي ان نقول لهم ان الفنان المصري هو الذي يستشعر النواقص وهو في تحسن باستمرار ولا يحتاج توجيها من احد فالفن في منظورنا يعمق الاشياء بالوعي سواء من داخل الفنان او من المجتمع علي حد سواء وهم بتكلموا في ايه.
ويتميز الفنان محمود ياسين من الغيظ الموضوعي ازاء الاساءة الي كاتبنا الكبير نجيب محفوظ وهو الذي قدم باقة من اعماله الروائية الشهيرة اهكذا يتعامل البعض مع روائع نجيب محفوظ وهو حقيقة جبارة في حياتنا لقد حزنت ان ثمة عقلا ان كان يوجد عقل ما زال يفكر علي هذا النحو من ضيق الافق كيف لصاحبه وقد اتيحت له فرصة الجلوس امام الكاميرا والتليفزيون ويقول مثل هذا الكلام نجيب محفوظ ينشر الرذيلة باعماله!! لقد اسفت لذلك جدا وانظر الي هذه الحالة علي ان الله فضح صاحبها علي الملأ فنحن بين الحين والاخر نري مثل هؤلاء.. حالة مؤسفة للغاية واذا كان لكل انسان الحرية في ابداء رأيه خاصة ممن يسمون بالاسلاميين لكن ليس علي هذا النحو المفزع.
ولما سألته عما يسمي ب القوائم السوداء عن الفنانين قال هذا شيء مخجل وقصر نظر وخبل وانعدام وعي وما ذكرته عن قيمة الفنان والفنان يدحض هذه القوائم المزعومة.
يؤكد الفنان صاحب السيرة والمسيرة الفنية الطويلة ان النيل من رموز الثقافة المصرية هو قبح ولن يستطيعوا خدش قاماتنا الفكرية والثقافية لقد تربت اجيال واجيال علي روائع المبدعين المصريين اقول ذلك وقد قرأت اعمالهم قبل تمثيلها في صدر الشباب لكن هؤلاء لا يدركون.
ولما سألته عن الخصومة المفتعلة بين الدين والفن قال هي علاقة تخاصم عند غير الواعين ففي الدين عذوبة ورقة وحنان انساني وفي الفن دراما الحياة لا يعقلها ناس عقولها مغلقة ورؤيتهم زاعقة في موسم ما في ظرف ما، في توقيت ما ولنا رؤانا في التعامل معهم بالادب فنحن لا نخطئ في حق احد ودائما نتجادل بالحسني هكذا يعلمنا الفن.
طيور الظلام
سألت الكاتب الكبير وحيد حامد: أشعلت الأجواء المصرية بمصابيح الفن السينمائي الجريئة واشرت الي خطورة ما يحدث فيها من ألاعيب عبر فيلمك الشهير »طيور الظلام« قبل حوالي عشرين عاما ضمن أعمالك وكتاباتك التي ساهمت في تراكمية وتراتبية التثوير الاجتماعي والسياسي والشعبي، فكيف تري الأجواء الآن بطيورها المتعددة الألوان والأطياف؟
قال: عثرت علي أصوات طيور الظلام في بداية التسعينيات من القرن الماضي عندما كانت الجماعات تنشط بفكرها المتشدد الذي يهدد بتدمير المجتمع وكلنا يعرف ما هي طيور الظلام من بوم وخفافيش وهي طيور ضارة، وكان الفيلم رؤية استباقية بشخصياته الثلاثة، وكلهم كانوا في مجال الحقوق، واحد يمثل تيار الفساد، والثاني يمثل التيار الديني، والثوري النقي يئس فانزوي يشرب »المعسل«، وما يحدث الآن هو ما رأيته من قبل فكل الثوريين والمثقفين يشربون المعسل الآن، كلهم شاطوا الكرة بعد أن كسروا البلد، من الذي شاطها هم طيور الظلام.
وأضاف: أكثر من خمسين حزبا»علي إيه«؟ ثم انهم يخافون من المفكرين والفنانين، هذا الخوف لدي الدينيين بالذات ليس وليد اليوم إنه موقف قديم، فهم يؤمنون بطاعة الحاكم، وعدم الخروج عليه، ولا يجادلون في ذلك، ومن ثم تراهم يخافون من الفكر الحر المناهض للفاشية الدينية، فهو العدو اللدود لهم، لعلنا نتذكر أن حسن البنا كان في حالة خصومة دائمة مع الدكتور طه حسين، وكتاباته المستنيرة، ومثل طه حسين هناك أئمة وفقهاء مستنيرون كانوا في خلافات كثيرة لأنهم كانوا يؤمنون بأن الحرية للشعوب وليس للحكام.
بحسرة يقول وحيد حامد: لقد قطع المثقفون، بمن فيهم الثوريون، أنفسهم شرائح في الوقت الذي لو كانوا قد اتفقوا علي كيان واحد، إذن لاختلف الأمر، والإخوان من ناحيتهم يعملون بكل جهودهم لإدخالنا بوتقة مغلقة جدا، ستؤتي ثمارها في الفكر والفن والأدب بصورة سلبية، وما يقال عن الإمام حسن البنا عن تشجيعه للفن من مسرح وسينما، ليس حبا في هذه الفنون ولا الآداب، ثمة هدف آخر وأبعد، وجد الناس تحب الفن فيدعي أنه يحبه، ورأي الناس تميل الي الرياضة فيميل وكلهم أيضا، الأمر الذي لا يزال مترسخا في رؤية الجماعة الآن، انهم يخططون علي مراحل وكل شيء عندهم بالتدريح، إن لهم دورة في مجلس الشعب ، والزمن دورات. ثقافة الخوف
فنون الشعب هي الأخطر والأشد أثرا والأبقي تأثيرا ، لذلك يتصدي لها من يحاول هدم ثقافة الأمة والشعب، بمآثره الوجدانية والمجتمعية ومأثوراته الشعبية والتقليدية، من هنا يحذر عالم الفولكلور د. أحمد مرسي أستاذ الأدب الشعبي بجامعة القاهرة من إشاعة »ثقافة الخوف« في المجتمع، فمجتمعنا في حالة خوف قاتل، والخوف لا يؤدي الي إبداع، إنما يؤدي الي الشلل، وهذه الجماعات حولت الناس الي كائنات مرعوبة خائفة أن تفعل شيئا، وأصبح المقياس ليس فائدة الناس وإنما هو الحلال والحرام تحت وطأة هذه المفاهيهم المتخلفة.
هؤلاء ضد الحياة، فالنظام السابق لم يستطع أن يجعل الحياة كريمة للناس، إنما تركهم لقمة سائغة في أيدي الذين يبيعون لهم الآخرة وحولوا الدين إلي مجموعة من الطقوس الشكلية من لحية وحجاب ونقاب وجلباب، وصار شغلهم الشاغل هو المرأة، والنظر اليها علي أنها مجرد »وعاء« يعدون عليها حركاتها وسكناتها، وإذا لم تسمع وتطع يدخلونها النار... وغير ذلك من الأمور السهلة التي لا تكلف جهدا، فالذي يكلف جهدا حقيقيا هو العمل، ومن ثم لابد أن يهاجموا المفكرين وكل من يفكر، أيا كان نوع التفكير، لأن التفكر والتأمل يجعلك تفعل أشياء مختلفة، يجعلك تكتشف، وهذا علم في حد ذاته، وهم ضد العلم.
المواجهة تحتاج إرادة سياسية تقف ضد هذا الكلام، لكن الإرادة السابقة وأزعم الحالية سعيدة بهذه السلوكيات التي تحدث وتمارس، وهم الذين رفضوا، في وهج ثورة 52 يناير، الخروج علي الحاكم، تحت بند طاعة الحاكم الظالم، كانوا كلهم ضد الخروج، وإني لأتعجب كيف تقف الإرادة السياسية الآن علي مسافة متساوية من الجميع؟! كيف نترك الأخ الصغير يقتل الكبير، ولا نقول له:لا؟ في شرع من يتساوي القاتل والمقتول؟! لابد أن ننتصر للتقدم والحرية والاختلاف ، فلا تفرض رأيك عليّ ولا أفرض موقفي عليك.
القوة الناعمة
وفي نفس السياق يتصدي الفن التشكيلي المترامي الأطراف في كل وجدان وفي كل شبر من هذه الأرض الطيبة لكل محاولة تسعي للنيل من القوة الناعمة، حيث يقول الفنان التشكيلي د. طه القرني: لا يمكن لشعب يحول الموت الي حياة أن يقتل وعيه أحد كائنا من كان، أو كيان أو جماعة أيا كانت، وإن شعبا مثل الشعب المصري يمتلك ثروة من القوة الناعمة أن تحاربه بأي سلاح، فكل حين تخرج منه قامة سامقة في الآداب والفنون والعلوم وسائر فروع المعرفة الإنسانية، ولذلك تسقط الهجمة الشرسة التي تتعرض لها رموزنا الأحياء منهم والأموات، كيف يطلع واحد أو جماعة ما لتضرب رمزا في عقيدته مثل نجيب محفوظ أو إحسان أو يوسف ادريس وغيرهم »هي دي الرجولة«؟.
الفن يخيف الجماعات الدينية عبر كل الأزمنة والأمكنة مثل خيفتهم من المبدعين في الفنون والآداب لأنهم يزيلون مساحات العمي عن الشعب بطبيعتهم التنويرية وطليعتهم التثقيفية، والفن التشكيلي بالذات جزء خاص من أطر الجماعات الدينية، لأنه فن ثقافة البشر وكل الناس البسطاء، وقد وصفه الإمام محمد عبده بأنه الشعر المرئي، والأدب هو الشعر المنطوق، وأنا أقول أنه أذان مباشر ودائم ومتداول في كل وقت يدعو الناس الي الحب والجمال ومحبة الإبداع، وفي كل أرض أثر من الفنون الجميلة، فإن من يتلقاه لا يحتاج إلي ثقافة الآخر، فهو فن لغته البصر، والإحساس التلقائي، ولذلك يخافون من خطورته.
هل يريدون منا أن يفهمونا أن الدين، والإسلامي بالذات، خطر علي الهوية المصرية؟ هذا مستحيل، هوية مصر هي »الروح المصرية« مسيحية كانت أم إسلامية، وسر قوة الوطن والمواطنة تكمن في احتفاظه بالقوة الناعمة، لاسيما الفن التشكيلي فهو ذو طبيعة إبداعية ولن ينجحوا حين يغطون التماثيل بالشمع، هل يلغون تاريخا، أين هم من محمود مختار ومحمود سعير وغيرهم من النوابغ، أين هم من أبي الهول الذي يحكي قصص المصريين عبر الزمان.
لقد لعبوا علي هذا التوجه عشرات السنين، وهم إذا كانوا قد نجحوا نسبيا في الهيمنة علي النصف السفلي البسيط من الشعب، فإنهم يستحيل عليهم السيطرة علي النصف العلوي علي الأدمغة والعقول والوجدانات والمشاعر والأفكار، لذلك أدعوا الي تشكيل تكتل ثقافي يتعاون مع كل الأطياف الثقافية ضد أي تيار لا يعظم الثقافة.
لا وقت للخوف
الكاتب يسري الجندي ينظرالي المشهد الراهن في عموميته، ويري أن السلفيين لن يقلموا أظافر الثقافة في مصر، ولن يستطيعوا تهميش المثقفين، وعلينا استنفار أكبر عدد من الكتاب والمفكرين، خاصة أن المشهد السياسي »ملخبط« ولابد أن ترتفع الأصوات التنويرية وأن يشعر الناس بذلك، فالأمل في الثقافة، ويقول إنه وإن كان لا يتوقع شرا من الإخوان لأنهم يلعبون سياسة برجماتية إلا أن الشر قادم من السلفية والسلفيين، فليس لديهم فكر سياسي، وسنري قلقا في المجلس القادم. ويقول: لقد أبديت كثيرا من القلق منذ الأسابيع الأولي للثورة، وحذرت من جوانب أساسية مثل عدم التطهير الكامل بمنطق ثوري، وهو الأمر الذي تأكدت مخاطره، وأبديت قلقي الشديد من تجاهل البدء بالدستور الكامل كأساس لأي بناء، وفي غير ذلك كتبت وحذرت، إلا أنني في كل الحالات كتبت ضد الخوف من المستقبل، هذا الخوف الذي يشيع الآن وإلي درجة الفزع أحيانا لدي البعض ، من جراء صعود التيارات الدينية في نتائج الانتخابات حتي الآن، وهذا ما أود التعليق عليه
إن حائط الصد الأول لما يخشاه البعض من فرض نمط مختلف علي حياة المصريين كما ألفوها بما فيها من نسق اجتماعي وديني وثقافة وفن وغيرها هذا الحائط الذي يقف حائلا دون التصادم أو الهدم لهذه الأنساق هو طبيعة الشخصية المصرية علي مدار القرون، إذ أن لها خصوصية في جوهرها لا تتغير حتي لو بدا في الظاهر غير ذلك، هذه الخصوصية احتفظ بها المصري رغم تعاقب الغزاة علي أرضه، فما تغير المصري، إنما تغيروا هم أحيانا.
أضف الي ذلك أن الفصيل الأقوي وتجربته طوال ثمانين عاما، وهم الإخوان المسلمون، ويقوم في جوهره علي توجه سياسي أكثر مما هو ديني، يسعي الي السلطة بنهج براجماتي يخضع للظروف، وعلي وعيهم السياسي المتمرس بالظرف المحلي والاقليمي والدولي، وما يحيط بالجمع من متغيرات وموازين، فهو إن وصل الي السلطة سوف يطوع تعامله وفقا لذلك دون تصادم، خاصة مع وجود تيار شبابي داخل الاخوان، والاقرب أكثر لمعطيات والعصر.
إن هناك مؤشرات لا أظنها كاذبة تؤكد تطوير أفكارهم إزاء المتغيرات، خاصة ما ينتظرهم من مشاكل جمة اقتصاديا وأمنيا ، وعالم يرصد ويحاور، بل ويصادر، اما عدا ذلك تيارات دينية غير مسيسة ولا خوف منها علي المدي البعيد، اذ ستكون طرفا في صراع سياسي قوي، خاصة فيما يخص وضع الدستور وسيكون صحيا مادام في اطار ديمقراطي حقيقي، وفي اطار وعي عام متطور ومتنام في السنوات القادمة، أيا كانت المفاجأة تجاه ما أطرحه فإنني متفائل بالنظر الي السنوات القادمة، حتي لو طالت، وكما قال »جمال حمدان« في سياق حديثه عن ظروف مشابهة»مصر لا تملك إلا أن تتغير« فلنقاوم الخوف مثلما نقاوم الآن الفشل.
سبب العداء
يرجع الدكتور يسري العزب الموقف العدائي من قبل الجماعات الإسلامية علي إختلاف مشاربها الي الحقد الناتج عن عملية الإبعاد والاعتقال والتعذيب التي تعرضوا لها في العهد الماضي.
ويري أن التصريحات والتعليقات التي يطلقونها ما هي إلا فرقعات إعلامية، ومجرد فقاعات في الهواء »ولا أظن أنهم من التهور الي درجة الارتداد خمسة قرون إلي الوراء، هذه التهديدات لن يستطيعوا تنفيذها بل سيهتدون«.
ثم يقول في السياق العام: لم تزعجني نتائج الانتخابات لأني كنت أتوقعها، عيب الليبراليين وأنا منهم انشغالهم بالالحاح علي تأكيد مطالب الثورة وما أكثرها فقد سلب النظام البائدمعظم الحقوق السياسية للوطن، وعزل معظم أبنائه إما في المعتقلات أو في سجون، ليجتروا أحزانهم علي وطن لم ينجحوا خلال أربعين عاما في منعه من السقوط في بئر من الفساد والظلم والقهر والعمالة القذرة للأعداء والارتماء في أحضانهم بعيدا عن حضن مصر الرحيم. ابتعدنا بالسلب وأبعد الإسلاميون من إخوان وسلفيين وجماعات بالايجاب، وزاد تواصلهم مع القواعد الشعبية واستثمارهم للمنابر ، وبعد فترة التقي الجمعان، وبعد أن عاشوا مناخ الحرية في ظل الشهور الأولي، ما لبثوا أن أفاقوا إلي مصالحم الذاتية، وعلينا المزيد من اليقظة والحذر والتعقل حتي تثبت مصر أنها بنا جميعا ستظل أم الدنيا و ضمن طليعة الديمقراطيات المعاصرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.