حالة من القلق سيطرت علي أهالي الإسكندرية مع انتشار النمل الأبيض بعدّة مناطق خاصة في شرق المحافظة ما يهدد بوقوع خسائر فادحة في الثروة العقارية والممتلكات الخاصة بالمواطنين.. خاصة أنه يُهاجم المنازل ومحتوياتها الخشبية..فضلاً عن مهاجمته للأشجار والمحاصيل الزراعية.. من أين أتي جيش النمل الأبيض؟!..و ما هي خطورته؟!.. وكيف تتم مواجهته؟!.. لم تكن محافظة الإسكندرية الوحيدة التي تعرضت لهذه الهجمات..فقبلها تعرّضت منازل قري محافظة أسوان في مراكز كوم أمبو وإدفو ونصر النوبة لنفس الهجوم..حيث تنتشر هذه الآفة في أغلب المناطق الصحراوية والرطبة في محافظات الصعيد بخلاف محافظات الوادي الجديد والبحر الأحمر وشمال سيناء ومطروح فضلاً عن محافظات الوجه البحري ومنها الإسماعيلية والشرقية وبورسعيد.. ويطلق علي هذه الحشرة اسم »النمل الأبيض» لسيطرة اللون الأبيض علي أغلب أفراد المستعمرة التي يعيش بها وهي طائفة الشغالات التي تُمثل 95% من أفراد المستعمرة التي يصل عددها إلي 3 ملايين فرد..ويعد النمل الأبيض تاريخيًا من أقدم الحشرات علي الإطلاق حيث وجدت لها حفريات يزيد عمرها عن 55 مليون سنه..وكان الرومان هم أول من أشار إليها باسم »ترميت» والذي يعني عندهم دودة الأرض كما اكتُشفت هذه الحشرة في أكفان الموتي وصناديق المومياوات الفرعونية، لأنها كانت تتغذي علي محتويات هذه التوابيت، وكانوا يسمّونها »إسفيت» فقد احتلت مكانة كبيرة وقدسية خاصة عند الفراعنة ليُطلق عليها العرب بعد ذلك »القرضة» هو الاسم الذي شاع حولها.. »الدكتور محمد كمال عباس..رئيس قسم بحوث الناخرات والنمل الأبيض بمعهد بحوث وقاية النباتات» يقول: إن هناك 2600 نوع من النمل الأبيض حول العالم ولا يوجد في مصر منها غير سبعة أنواع تنتمي إلي النوع فوق الأرضي والنوع تحت الأرضي الذي يسبب أضرارًا بالغة لبيئة الإنسان ومسكنه قد تؤدي لانهياره..حيث تتغذي حشرة النمل الأبيض علي مادة السليلوز الجاف بكافة صورها والتي تدخل ضمن مكونات معظم الأشياء التي يستخدمها الإنسان في حياته اليومية.. فالنمل الأبيض يُهاجم المنازل المبنية بالطوب النيئ والأسقف الخشبية وكذا المنازل الإسمنتية، حيث يعمل علي تفريغ الجدران من الداخل، كما يهاجم أخشاب الأبواب والشبابيك والأثاث الخشبي والأرضيات »الباركيه» فضلاً عن السجاد والمفروشات المختلفة غير أنه قد يسبب خسائر كبيرة في الحبوب والغلال في حال هاجم الأجولة التي تحويها في الشون والصوامع لاحتوائها علي مادة السيليلوز.. كما تهاجم بعض الأنواع أشجار النخيل وبعض المحاصيل المنزرعة في الوجه القبلي منها قصب السكر والذرة والقمح والسمسم..لذا تعد مشكلة النمل الأبيض من المشكلات المعقدة التي تتطلب تكاتف مختلف الجهات للتعامل معها فهي من أكثر الحشرات صعوبة وتحتاج إلي خبرة كبيرة ودقة عالية وحتي نتمكن من مجابهتها بالشكل الأمثل نحتاج إلي تدريب وتكوين كوادر فنية قادرة علي التعامل معها بطريقة علمية وتطبيقية، علي أن تكون مزودة بالإمكانيات والأدوات اللازمة لسرعة ودقة الأداء.. ويتابع قائلا: »نحتاج إلي تكوين قاعدة بيانات حقيقية ملموسة بالأرقام توضح نسب الإصابة بالحشرة وكمية الخسائر الناتجة عنها وعلاقتها بالعوامل المختلفة، فحتي الآن ليس لدينا إحصاء واضح عن معدلات الإصابة وعدد البؤر الموجودة. ومن المهم أيضًا فهم سلوك الحشرة قبل البدء في عملية المكافحة.. ودراسة نشاطها الموسمي ومدي انتشارها، وطريقة توزيع المستعمرات تحت الأرض طبقا للمواسم المختلفة علي مدار العام. فضلاً عن ضرورة وجود شركات مكافحة خاصة تحت إشراف وزارة الزراعة، تُعاون الوزارة في مهامها. ويوضح »الدكتور أيمن البسيوني..أستاذ ناخرات الأخشاب والنمل الأبيض بمعهد بحوث وقاية النباتات»: أن النمل الأبيض من الحشرات الاجتماعية التي تعيش مع بعضها البعض في منظومة متكاملة..ويُحدد لكل طائفة من طوائفها وظيفة معينة حيث تكوّن هذة الطوائف ما يسمي بالمستعمرة..ويبلغ طول الحشرة حوالي 3 - 7 ملم للفرد العادي علي حسب النوع..بينما ويبلغ حجم الملكة 15 ملم وفي بعض الأنواع قد تصل إلي 25 ملم. وتتميز هذه الحشرة بسلوكيات معينة حيث تتحرك في شبكة من الأنفاق تصنعها الشغالات ويختلف شكل هذه الأنفاق والتصميم العام لها علي حسب نوع النمل..وهذه الأنفاق تتميز بثبات درجة الحرارة والرطوبة، فهي مبطنة من الداخل بمادة عضوية وغير منفذة للرطوبة والحرارة. ويُشير »البسيوني» إلي أن هناك أعراضا معينة يُمكن ملاحظتها في المنازل أو المواقع المُصابة ورصدها للقيام بعملية المكافحة منها وجود أنفاق علي هيئة أنابيب في مكان الإصابة حيث تمتد من مكان اتصال المستعمرة بالتربة وتنتهي عند مصدر الغذاء وهو العَرَض الرئيسي والمميز للنمل الأبيض تحت الأرضي عن باقي ناخرات الأخشاب والحشرات عموما.. فضلاً عن وجود كُتل من الطين مبنية وملتصقة علي الجزء المتآكل من الخشب أو الأرضيات.. ووجود مسحوق من نشارة الخشب الناعمة غير الفجوات والحجرات التي تُلاحظ في الأخشاب المصابة. وتكمن أهمية ملاحظة الأعراض في سرعة السيطرة علي النمل الأبيض والحد من انتشاره.. بينما يؤكد »الدكتور ممدوح السباعي..رئيس الإدارة المركزية لمكافحة الآفات الزراعية بوزارة الزراعة» أن هناك خطة قومية لمكافحة النمل الأبيض في 16 محافظة علي مستوي الجمهورية..وهذه الخطة تقوم علي تشكيل غرفة عمليات لتلقي البلاغات الخاصة بظهور الحشرة وذلك من خلال خط ساخن تم تخصيصه لذلك.. فضلاً عن تشكيل لجان فنية لرصد وتمشيط بؤر تواجد مستعمرات النمل والقيام بعمليات المكافحة التي تتم بطريقتين أساسيتين هما الطريقة الوقائية والطريقة العلاجية.. حيث تعتمد الوقاية علي ضرورة وجود فتحات جيدة للتهوية مع مصادرة إضاءة كافية وتنظيف الأراضي المعدّة للبناء من أي مصادر سليلوزية من الحشائش والتبن والقش وغيرها ثم معاملة التربة بالطرق الفنية التي تحدد كميات المبيد مع خلط الخرسانة بمحلول المبيد.. وهناك قرار صدر عن مجلس الوزراء العام الماضي تم تعميمه علي المحليات يشترط عدم الحصول علي رخصة البناء في المحافظات المعرضة لوجود النمل الأبيض إلا بعد العرض علي إدارة المكافحة في مديرية الزراعة لعلاج التربة التي سيتم البناء عليها، وهناك قرار مماثل له بمحافظة أسوان منذ عام 1984، لكن للأسف لا يتم الالتزام به من جانب المحليات خاصة وأن كثيرا من المباني بمحافظات الصعيد تتخلل المناطق الجبلية والصحراوية.. أما عن عملية المكافحة العلاجية فتتم بشكل مجاني لمنازل المواطنين غير القادرين وبنصف التكلفة للقادرين.. حيث عالجنا في الإسكندرية 113 وحدة خلال الخمسة أشهر الماضية وفي أسوان 250 وحدة بمراكز كوم أمبو وإدفو ونصر النوبة.. وتختلف آلية وتكنيك المكافحة حسب نوع الإصابة كما يُشير السباعي وما إذا كانت داخل البيت أو خارجه. . حيث يتم عمل خندق حول المبني ملاصق للجدار بعرض 30 سم وعمق 30 سم ليُسكب محلول المبيد قبل ردم التربة..ومن أكثر المبيدات فاعلية في مكافحة النمل الأبيض مُبيد الدورسبان والكلوردان والهوستاسيون.. أما إذا كانت الإصابة داخل المنزل فنقوم بعمل ثقوب في الأرضية علي هيئة مربعات ليتم إشباعها بالمبيد. وفي المباني الإسمنتية تعامل جميع الأعمدة الخرسانية من أسفل سطح التربة حتي أعلاها وتعامل أخشاب النوافذ والأبواب والأجزاء الخشبية الأخري بمحلول المبيد مذاب في الكيروسين.