د. غادة جبارة رئيس المؤتمر مع بعض المشاركين شهدت أكاديمية الفنون الأسبوع الماضي، فعاليات مؤتمرها العلمي الأول تحت عنوان »الفن الأفريقي.. أيقونة الإبداع الإنساني»، الذي أقيم تحت رعاية د.إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة، ود.أشرف زكي رئيس الأكاديمية، وقد تولت رئاسته د.غادة جبارة نائب رئيس الأكاديمية، ود.إيمان مهران مقررًا. تضمن المؤتمر عددًا من الجلسات العلمية، بالإضافة إلي معرض بعنوان »أفريقيا في عيون الفنانين» بقاعة مختار عبد الجواد، وآخر للفنان د.وائل صابر بقاعة ثروت عكاشة، ومهرجان للأكلات والأزياء التقليدية الأفريقية أمام معهد الفنون المسرحية. شملت الجلسات العلمية أكثر من محور، جاء علي رأسها »الموسيقي الأفريقية» التي استغرقت ما يقرب من ثلاث جلسات نقاشية وحوالي 15 بحثًا، حيث تناول عاطف إمام فهمي فنون أداء الموسيقي والغناء الصوفي في دول شمال أفريقيا، مشيرًا إلي أن موسيقانا العربية ارتبطت بالجانب الديني واستمدت ألحانها من اللغة العربية لغة القرآن الكريم. وهو ما ذهب إليه أشرف عبد الرحمن في ورقته البحثية حول »الموشحات الأندلسية في دول شمال أفريقيا بين التشابه والاختلاف»، حيث أرجع تفرد موسيقي وأغاني شمال أفريقيا عن باقي شعوب القارة الأفريقية، إلي نزوح العرب بعد سقوط الأندلس في عام 1492، حاملين معهم فنونهم وآدابهم، ومن أهمها الموشح الأندلسي. وقد تطرق الباحث إلي تاريخ ظهور الموشح والتغيرات التي حدثت له في الأندلس وكيفية انتقاله إلي البلاد العربية وخاصة بلاد المغرب العربي. وبشكل أكثر تخصص ودقة؛ تناول عبدالله إبراهيم عبدالله آلة الزمبارة، الأبرز في السودان، وهي نوع من أنواع الناي، تتميز ألحانها بالشدو الأخاذ الذي يقترب من النفوس، ولها عدة أشكال منها ذات الثقوب الثلاثة والأربعة والخمسة. وفي نهاية ورقته يتطرق الباحث إلي أبواق الوازا الجمعية موضحًا الفرق بينها وبين الزمبارة، بينما يتخذها محمد آدم سليمان أبو البشر موضوعًا لبحثه بعنوان »أبواق الوازا الطقسية بإقليم النيل الأزرق»، موضحًا أن تلك الآلة ارتبطت بالموسيقي الطقسية خاصة بموسم الحصاد. أما محمد أبو شنب فاختار الطنبورة الأفريقية نموذجًا في بحثه »الآلات الموسيقية الأفريقية مصدرًا للإبداع»، وهي واحدة من أهم الآلات الوترية الأفريقية التي عرفتها البشرية في عصورها الأولي، وتجمع بين الكثير من العناصر الثقافية ذات الطابع المادي (الملموس) وغير المادي (المحسوس)، لكنها في طريقها للاندثار، لعدم توافر أماكن كافية مخصصة لتدريب الشباب علي صنعها وطريقة العزف عليها. انتقالًا إلي فن المسرح؛ تناوله علي حمودين ونجلاء نجاحي عند الأمازيغ في شمال أفريقيا، موضحين مراحل تطوره وتأثره بالمسرح اليوناني والروماني، واتجاهات التجريب فيه. ومن جانبها ناقشت رشا خيري الدور الفعَّال لما يُسمي بالمسرح من أجل التنمية، في مجابهة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والصحية، خصوصًا في البلدان النامية من خلال عرض لنماذج من بلدان أفريقية مختلفة. يتميز هذا النوع من المسرح بأنه لا يشترط وجود مسارح تقليدية وإنما يمكن تقديمه في الساحات والأسواق والغرف، وبالتالي لا يتطلب أي تجهيزات معقدة أو مصاريف إنتاجية ضخمة، ولذلك يمكن تحقيقه في الريف والمدن بشكل ثابت أو متجول. وهو يتوجه في الأساس للجمهور الذي لا يتاح له ارتياد المسارح من الطبقات الفقيرة والأقل حظًا في المجتمع. وعلي مستوي السرد؛ ناقش حمدي النورج »الحضور الأفريقي (دول حوض النيل) في الرواية المصرية» واتخذ من رواية »عتبات الجنة» لفتحي إمبابي نموذجًا، موضحًا أبعاد الحضور المصري داخل دول حوض النيل، وكيف هو التفاعل والتعاطي مع روح التواجد، وكيف لعبت العسكرية المصرية دورها البالغ علي مدي سنواتها الممتدة في احتضان دول حوض النيل، وتجذر العمق التاريخي للوجود المصري داخل دول أفريقيا. بينما تناول حسام نايل »تمثيلات أفريقيا السوداء وبناء الهوية السردية» من خلال رواية »ثقوب في الثوب الأسود» لإحسان عبد القدوس، التي يدور نطاقها الجغرافي بين داكار عاصمة السنغال وباماكو عاصمة مالي. وما بين الرواية والهوية؛ ناقشا علي حمودين ونجلاء نجاحي »ملامح الهوية الثقافية في الرواية الأفريقية الحديثة» من خلال رواية (المفسرون) لوول سوينكا، ذلك الكاتب النيجيري الذي تمكن في مؤلفاته الروائية والمسرحية من سرد وتمثيل تاريخ القارة السوداء ونضال شعوبها وأنماط عيشهم وتجسيد هويتهم الثقافية الأفريقية. بينما تطرق أشرف توفيق إلي تناول هوية مصر الأفريقية في إطارها العام، حيث رصد مواطن التجليات الأفريقية في فنون مصر مثل الموسيقي والغناء والحرف الشعبية والفنون التشكيلية مثل الموتيفات ذات الشكل المثلثي والألوان الزاهية الساخنة في زخرفة جدران بيوت النوبة المصرية وشمال السودان، والأدوات المنزلية المستعملة يوميًا في مصر وتشابهها مع نفس تلك الأدوات في نوبة شمال السودان والنيجر وتشاد، وكذلك في بعض الممارسات الاحتفالية الشعبية مثل الزار. واستغراقًا في محور المأثورات الشعبية، تحدَّثت إيمان مهران عن »القيم الجمالية لفن (الزربية) في شمال أفريقيا»، وهو فن المرسمات النسجية المرتبط بتغطية الأثاث والأسطح والأرضيات المختلفة، يتميز بالدقة والتصميمات المحلية القديمة. أما هدي علي أحمد فتناولت »الإناء الأفريقي بين الإبداع وتأصيل الهوية الأفريقية» مشيرة إلي أن الفنان الأفريقي اتجه إلي صناعة الأواني الفخارية بغرض خدمة المجتمع ورغبته في الارتباط بالقوة الروحية الكامنة خلف عالم المرئيات، وهي من المهام الموكلة إلي المرأة الأفريقية لما لديها من خبرات متراكمة ومتوارثة عبر الأجيال. وبين الموروث والفن تناول د.أحمد عبدالله »فن الأقنعة الأفريقية بين المعتقدات المحلية والتأثير في الفن الأوروبي الحديث»، مؤكدًا أن الثراء الفني الذي تميزت به الفنون الأفريقية وبخاصة نحت الأقنعة، جعلها محط أنظار الكثير من الفنانين الأوروبيين، حيث وجدوا فيها مثيرًا بصريًا له قيمته الفنية وتأثيرها الوجداني، مما حفزهم للاستلهام منها في إبداع الكثير من الأعمال الفنية بأساليب جديدة. علي الرغم من تنوع الثقافات في القارة الأفريقية إلا أنه لا يوجد انتشار أو استغلال لها بين دول القارة علي المستوي الإقليمي، بشكل يؤدي إلي المحافظة علي الهوية الأفريقية وعدم اندثارها وسط التغيرات الثقافية التي يشهدها العالم حاليًا. هذا ما ذهبت إليه نيفين وجيه محمد كساب في بحثها حول »دور الإنتاج الإعلامي في الترسيخ للثقافة الأفريقية» حيث أشارت إلي أنه لا يوجد توثيق للتراث الإنساني الذي تمتلكه القارة الأفريقية من خلال الأعمال الفنية المختلفة وخاصة الإنتاج السينمائي والتليفزيوني المتعدد الأشكال. وفي نفس الإطار ناقشت صفاء سعد »دور المسلسل التليفزيوني السوداني في قضايا التنوير والتغيير الاجتماعي» مشيرة إلي تطور المسلسل التليفزيوني الأفريقي في اتجاه التطرق لقضايا المجتمع والهوية وقضايا التغير والتنوير، وأرجعت اختيارها للدراما السودانية تحديدًا إلي التطور في الأفكار والمضامين والتنوع الذي شهدته حتي علي مستوي الكتابة والتأليف والإخراج والأداء التمثيلي خلال الأونة الأخيرة. بينما تناولت رانيا مراد عبد الرحمن وإيناس الشيخ »دور الإعلام في دعم العلاقات المصرية الأفريقية»، تلك العلاقات التي مرت بتحولات كثيرة من التهميش إلي الاندماج، لكن مصر تسعي دائمًا لأن تكون حلقة الوصل بين أفريقيا والعالم العربي، لتحقيق مزيد من التعاون الأفروعربي والتنمية علي كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما يصب ويخدم القارة الأفريقية والمنطقة العربية، ويعَّد الإعلام أداة فعالة من أدوات تحقيق التنمية، حيث يلعب دورًا كبيرًا في تحقيق الاستراتيجيات والسياسات التي تستهدف إعادة بناء المجتمعات.