نحن في انتظار تداعيات قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باعتبار الحرس الثوري الإيراني جماعة ارهابية، صحيح انه كتنظيم مستهدف من قبل الإدارات الامريكية المتعاقبة منذ عام 2007 وكانت البداية فيلق القدس الذي يخضع للعقوبات من ذلك التاريخ، لدوره في برنامج الصواريخ البالستية الإيراني، ومنها أيضا قرار وزارة الخزانة الأمريكية بفرض عقوبات علي شركتي طيران إيرانية مثل »ماهان» و»قشم» في يناير الماضي، بسبب تقديمهما الدعم الجوي لميليشيات تابعة للحرس الثوري الإيراني، أو مدعومة منه داخل سوريا، ولكنها المرة الاولي، فلم يسبق لواشنطن ان صنفت كيانا عسكريا كاملا، ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، مثلما فعلت مع الحرس الثوري الإيراني الذي يعد عمليا جيشا نظاميا، والقرار ينسجم مع فرض عقوبات وحصار اقتصادي علي إيران بشكل عام، خاصة بعد قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي، وتشمل العقوبات تجميد أصول قد يمتلكها الحرس في الولاياتالمتحدة، وفرض حظر علي الأمريكيين الذين يتعاملون معه، أو يقدمون الدعم المادي لأنشطته، وكذلك اي جهة إقليمية او دولية تتعامل معه. ودعونا نتفق علي حقيقة لم تعد خافية علي احد، بالأدلة والوثائق والبراهين، بان الحرس الثوري الإيراني يمثل دولة موازية او دولة داخل الدولة، منذ تأسيسه في أعقاب الثورة الايرانية في عام 1979، بقرار من مرشد الثورة الامام الخميني ، بهدف خلق قوة عسكرية بديلة، تخضع بولائها الكامل للجمهورية الإسلامية، وتتبني أيديولوجيتها، وتنفذ أهدافها الإستراتيجية، كما تكون بديلة عن الجيش النظامي المسلح، التابع لنظام الشاه، ومن ثم، تضمن بذلك لنظام آيات الله في ايران الحماية والبقاء والدعم، ومواجهة حركات التمرد المحتملة من القوي التقليدية والقديمة، والتصدي لأيّة ثورة مضادة قد تدبر، وتشير التقارير إلي ان أعداد افراده تبلغ نحو 125ألف فرد، ويتكون من وحدات عسكرية وبحرية وجوية، كما يقود هيئة عسكرية أخري، تعرف ب »الباسيج»، وعددهم حوالي 90 الفا ولديها القدرة علي حشد حوالي مليون متطوع عند الضرورة، و»فيلق القدس»، والأخير، يقوده قاسم سليماني، ويدعم ويتحكم في أكثر من 60 ميليشيا طائفية في المنظقة تحظي بدعمه، وهو بهذه الصورة تحول إلي قوة عسكرية تفوق الجيش الإيراني، كما أنّ لديه المئات من الكيانات الاقتصادية، التي لا تخضع لإشراف الحكومة في طهران، وتنفذ مهامها بتعليمات مباشرة من المرشد الأعلي، وفِي مقدمته، مؤسسة »خاتم الأنبياء»، والتي تستحوذ علي مشاريع إستراتيجية ضخمة، وتحتكر أنشطة مختلفة داخل طهران؛ كالإنشاءات، والتصنيع، والتجارة، والمقاولات، واستخراج النفط والمعادن والذهب، وهي تشكل ما قيمته 20 بالمائة من الاقتصاد الإيراني. وتشير التقارير إلي ان القرار لم يحظ بتوافق كامل بين أركان الادارة الامريكية، والتي انقسمت إلي مجموعة الصقور، ومنهم وزيرا الخارجية مايك بومبيو والخزانة ستيفن مينوشين، ومستشار الأمن القومي جون بولتون، والذين ايدوا القرار واعتبروه ضمن سلسلة من الخطوات، هدفها ممارسة أقصي قدر من الضغوط علي إيران، في المقابل تحفظت كل من وزارة الدفاع الأمريكية ووكالات المخابرات المركزية، محذرة من خطورة وتداعيات القرار، حيث يشعرون بالقلق إزاء تعريض مزيد من القوات الأمريكية للخطر، وإشعال فتيل صراع مع إيران، يمكن أن يساهم في تقويض الحملة المناهضة لتنظيم داعش في العراقوسوريا، وعلي الجانب الآخر استفز القرار الامريكي حيث التقي المرشد الأعلي، علي خامنئي، بأفراد ومجموعات من الحرس الثوري، كرسالة دعم، كما صنف المجلس الاعلي للامن القومي الإيراني، القيادة المركزية للقوات الامريكية العاملة في الشرق الأوسط، كجماعة ارهابية، وحذر رئيس أركان القوات المسلحة الايرانية محمد باقري البحرية الامريكية، من الاقتراب من زوارق الحرس. ويصبح السؤال المطروح أين نحن كعرب من تبعات القرار؟ قد نكون من المستفيدين منه، باعتبار انه كفيل بتحجيم دور الحرس وفيلق القدس في العديد من الساحات العربية، مثل لبنانوسوريا واليمن والعراق، الذي قد يدعم توجهاته مع لبنان في سياسة النأي بالنفس عن سياسة المحاور، ويقلل من ارتباط الاقتصاد العراقيبايران، ولكن الخوف من استمرار سياسة التصعيد بين طهران وواشنطن، وإمكانية إشعال القرار مزيدا من الحرائق المشتعلة اصلا في المنطقة، وتقف منطقة الخليج في معرض خطر هذا التصعيد، خاصة مع أزمة العلاقات السعودية-الإيرانية، ومع القرار الإيراني باعتبار القوات الأمريكية في المنطقة إرهابية، ولكن الأمل في أن التوقعات بعدم وجود رغبة لدي الطرفين في الذهاب للمواجهة العسكرية. ونحن في انتظار تداعيات القرار الأمريكي وتوابعه.