عصفت مؤسسة نوبل بكل التكهنات وأعلنت تمسكها بإنقاذ جائزة الأدب، وإن تطلب الأمر التضحية بالأكاديمية السويدية التي تتحمل منحها واختيار الفائز بها منذ تأسست عام 1901 ، وأن تكلف جهة أخري بمسئوليتها، ولكنها في ذات الوقت أتاحت للأكاديمية الفرصة الكاملة لتصحيح أوضاعها وأمهلتها حتي عام 2020، وبعد أكثر من عام مضي بدأت نسمات التغيير تتجلي ويبدو أنها لن تتوقف. لم تكن أزمة نوبل للأدب العام الماضي التي تسببت في تأجيل الجائزة ليعلن عنها مع نظيرتها الخاصة بالعام الحالي، سوي حركة شطرنجية أخيرة لتكشف عن وعي مؤسسة نوبل بحاجة جائزة الأدب للتطوير ومتابعتها الجادة لنبض العالم ومآخذه عليها منذ عقود، كما كشفت كذلك عن انقسام وصراع كبير بل ورهيب ظل خفيا لفترة طويلة بين جانبين علي طرفي نقيض داخل الأكاديمية أحدهما يدعو للتغيير الجذري والآخر يتمسك بتقاليد الأكاديمية والجائزة. جاء إصرار المؤسسة الصريح علي تغيير المنظومة والتخلص من إشكالية الأعضاء ال18 وتضارب المصالح التي تكررت معها حوادث الفساد المالي والإداري والتي كشفتها الأجهزة الرقابية ومازالت قيد التحقيق، ليمنح تيار التغيير الفرصة لبحث كل السبل الممكنة لتحقيقه، فاستعانوا بالكتاب والنقاد المتاح وسائل الاتصال بهم، وراسلوا المشتركين بالموقع الإلكتروني الخاص بجوائز نوبل لتلقي الاقتراحات المختلفة للتطوير ومن ثم دراستها واختيار المناسب منها. مر عام وبضعة أشهر قبل أن تعلن الأكاديمية السويدية عن عودة جائزة الأدب باثنتين، وبعدها بأيام كشفت عما قررت تغييره رسميا في منظومة عملها بدءا من الدورة الحالية، ويتمثل في تعديل قانون الأكاديمية المتعلق بأعضائها ال18، فلم يعد بقائهم أبديا، ويمكن للعضو أن يستقيل أو يُبعد ويُستبدل به آخر أو يتم انتخاب أعضاء جدد، ولا يظل مقعده فارغا حتي وفاته. كما قررت الأكاديمية أيضا إضافة 5 أعضاء مستقلين من خارجها إلي أعضائها ال18 ليشاركوا في اختيار الفائز، وإن لم يفصحوا عن كيفية اختيارهم، أو جنسيتهم، ولكنها خطوة، وإن كانت أقل من المنتظر بأن يقتصر عدد أعضاء الأكاديمية علي 10 أعضاء يتم انتخابهم انتقاليا كل خمس أو عشر سنوات، يضاف إليهم ما بين 20 إلي 30 عضوا مستقلا يمثلون العالم فكريا وأدبيا وجغرافيا وفق معايير علمية منضبطة. ما تبناه تيار التغيير في الأكاديمية وتمكن من إقراره يعد أقل القليل من المقترحات التي تلقتها، والتي أثير بعضها إعلاميا قبل وبالتزامن وبعد الإعلان عن التغييرات، ومنها ما رفضه الكتاب والنقاد رفضا مسببا، ومن هذه المقترحات أن تجري تصفية المرشحين للجائزة علي عدة مراحل بمشاركة مجموعة كبيرة من نقاد الأدب وخبراء اللغة لاستيعاب مختلف الثقافات والمساعدة علي تقييم أعمال الكتاب من مختلف دول العالم. وهناك كذلك إعادة تشكيل اللجنة الرئيسية التي تختار الفائز من القائمة القصيرة بمشاركة عدد من رواد الأدب في العالم إلي جانب أعضاء الأكاديمية، وأيضا الاستعانة بالجامعات والمكتبات العامة لتشارك في ترشيح من يجدونه يستحق من حيث المبدأ سنويا، وهو ما وجده الناقد »ريتشارد ميلين» صعبا وغير مجد، وأن كل جامعة أو مكتبة ستخضع لقيود الولاء للوطن والقومية والإقليم واللغة طوعيا، ورده الكاتب الصحفي »ريتشارد لي» بأن هذه القيود المرجوة تضمن التنوع وتفرز الأفضل والأكثر عطاء للإنسانية عبر فكره وأدبه. كما انتقد الكثيرون فكرة الاستعانة ببعض الفائزين السابقين كأعضاء لاختيار الفائز من القائمة القصيرة، فيري الناقد »ماريكو ناكامورا» أن الأحياء منهم عددهم قليل إلي جانب أنهم طاعنون في العمر وظروفهم الصحية لا تسمح، في حين وجد الكاتب »بيل شابيل» أنهم غير مؤهلين للتقييم خاصة أن قائمة الفائزين تعاني ضمنيا من التحيزات المختلفة. وكذا عارض الناقد »أليسون فلود» رؤية أخري مفادها أن يسند الاختيار النهائي من القائمة القصيرة للجنة مستقلة عن أعضاء الأكاديمية ال 18، لأن في ذلك هدرا وتخلي عن خبرات طويلة ليست ممثلة فقط في الأعضاء، ولكن في كوادر أخري تتابع وتراقب وتستعد منذ سنوات طويلة في انتظار أن يأتي دورها يوما لتشارك في اختيار الفائز بأكبر جائزة أدبية في العالم. آل مآل سابقه اقتراح آخر بإمكانية منح الجائزة لمن توفي ولم يمر علي وفاته أكثر من عشر سنوات، حيث اعتبرت خبيرة نوبل »كريستينا بوراك» أن هذا الفكر يفتح باب لأسر الجائزة ووضعها في قفص الموتي للأبد، فبمرور الزمن سيميل أعضاء لجنة الاختيار إلي تعويض من رحلوا ولم تلحق بهم الجائزة، وتساءلت في سخرية عمن سيتسلم الجائزة ويلقي الكلمة التاريخية التي تعد جزءا هاما من تراث نوبل. واستهجن الكاتب »كلايفين ريد» مقترحا بأن يتم الإعلان عن المرشحين في القائمة القصيرة، حيث سيعرض الأكاديمية وأعضائها لضغوط أكبر من كل جهة لا ترضيها الاختيارات، وتتضاعف هذه الضغوط نتيجة القيمة المالية والأدبية الكبيرة للجائزة. حضر كذلك نقد الفيلسوف »نعوم تشومسكي» لفكرة تداول الجائزة بين القارات الخمس مع ضم الأوقيانوسية لإحداهم، ففي رأيه أن في ذلك تمييز ضد الأكثر تفوقا منها لحساب الأقل، لأن التباين بينها من حيث عدد المتميزين أمر طبيعي، وأن الأجدي هو ضبط المعايير التي تضمن التوصل إلي أكثر من يستحق الجائزة في الأرض وقت الاختيار، والنضال لأجل حمايتها من أي تدخل لجهة أو جماعة ضغط لاعتبارات منحرفة وغير سوية. وعلي غرارها نالت فكرة اقتسام الجائزة بين رجل وامرأة سنويا أو منحها بالتبادل بينهما عام بعد الآخر، ما نالت من قبل الكتاب والنقاد، فوجدت »مارجريت أتوود» أن في ذلك عودة للخلف وتشكيك في قدرات المرأة، وأيدها »لورانس جيمس» وأن المرأة في عصرنا هذا لن تقبل إلا بالمنافسة التي ربما لا تتاح في مجالات الموسيقي والدراما ولكنها متاحة في الفن التشكيلي والكتابة. كما أثير مقترح آخر بأن تقسم الجائزة لعدة فروع، فتُمنح واحدة للشعر وأخري لفنون السرد وثالثة للفنون التشكيلية، وربما يضاف إليها واحدة للكتابة المسرحية ولا مانع من خامسة للصحافة، وهو ما اعتبره الناقد »أليكس مرشال» أنه يفرغ جائزة نوبل للأدب من مضمونها ويقلل من قيمتها، بينما وجدته الكاتبة »كاتي كابرينو» يخالف وصية نوبل دون سبب واضح يستدعي الأستحداث. مجمل ما يحدث خلال هذه الفترة من شد وجذب، يعد حراكا يمكن أن يفيد الجائزة علي المديين القريب والبعيد.