■ القوات الأمريكية بمدينة منبج المتابع للوضع في سوريا يعلم تماما أنها كانت ومازالت ساحة للصراعات الاقليمية والدولية، الدليل علي ذلك مايحدث في مدينة منبج التي تقع شمال شرق محافظة حلب شمالي سوريا، وتبعد أيضا 30 كم غرب نهر الفرات و80 كم من حلب. المدينة التي تسيطر عليها قوات مجلس منبج العسكري، المتحالفة مع »وحدات حماية الشعب» الكردية وهي جزء من قوات »سوريا الديمقراطية» المدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، الصراع حولها يأتي نظرا لأهميتها، فتركيا تعتبر وحدات حماية الشعب، التي تشكل الغالبية العظمي في قوات سوريا الديمقراطية، امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا من »المنظمات الإرهابية»، كما تخشي من إقامة الأكراد دويلة علي حدودها مما سيشكل مثالا قد يقتدي به أكراد تركيا. لذا تقدم أنقرة الدعم لفصائل المعارضة السورية وتحاول السيطرة عليها في أي فرصة تتسني لها لفصل المدن الكردية عن بعضها وبالتالي لتضعف الأكراد في الوصول إلي تحقيق أي نوع من الحكم الذاتي في سوريا. أما المدينة فتعتبر بالنسبة لوحدات حماية الشعب الكردية، الشريان الاقتصادي بسبب نشاط الحركة التجارية التي تربط مدينة حلب بمناطق شرق الفرات وغربها مثل القامشلي والرقة والحسكة وشرق دير الزور.المدينة أيضا يوجد بها قواعد عسكرية للتحالف الدولي وهي خط ساخن لدعم العمليات اللوجستية للمقاتلين الأكراد، كما أنها تربط المدن الكردية من شمال شرقي البلاد إلي شمال غربها وبالتالي قد يصبح المقاتلون الأكراد أقوي لحصولهم علي الامدادات اللازمة بسهولة.الولاياتالمتحدة أيضا كانت تستخدم مدينة منبج كورقة ضغط علي تركيا من خلال دعم الأكراد الذين هزموا تنظيم ما يعرف ب »داعش»،خاصة أن تركيا لم تسمح للولايات المتحدة من استخدام قاعدة »أنجرليك» التركية وتقاربها من روسيا. الصراع المسلح في منبج لم يكن وليد الأيام الماضية القريبة فقد وصل إلي المدينة، عندما سيطر عليها ما يسمي »الجيش السوري الحر» الذي كان وما زال مدعوماً من تركيا حتي يناير2014، ثم جاء تنظيم »داعش» وانتزعها من سيطرتهم ليبقي فيها أكثر من عامين، ثم استطاعت قوات سوريا الديمقراطية طرد عناصر التنظيم وبسط سيطرتها في أغسطس 2016 وفي بدايات عام 2017، تشكل مجلس منبج العسكري الذي يضم كرديين وعرباً وتلقي استشارات وتدريبات عسكرية من وحدات حماية الشعب والتحالف الدولي. وفي الآونة الأخيرة صعدت تركيا من تهديداتها للقيام بهجمات علي منبج لطرد القوات الكردية منها. وجرت التطورات بشكل سريع في ديسمبر نهاية العام الماضي عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب من منبج، في حين سارع الأكراد إلي الاتفاق مع موسكو والقوات الحكومية التي أرسلت 300 من عناصرها إلي المناطق الحدودية لمنبج للعمل جنبا إلي جنب مع القوات الروسية ومقاتلي مجلس منبج العسكري بناء علي دعوة وحدات حماية الشعب إلي ذلك.وأدت هذه الخطوة إلي تريث تركيا وإيقاف تهديداتها بالهجوم علي منبج. الحكومة السورية استجابت لدعوة وحدات حماية الشعب الكردية في إرسال قواتها المسلحة إلي منطقة منبج التابعة لمحافظة حلب وحمايتها من »التهديدات التركية».وزارة الدفاع السورية، أعلنت دخول وحدات الجيش السوري إلي المنطقة بعد مناشدة ودعوة من القوات الكردية هناك.الوزارة قالت في بيانها إن دخول الجيش السوري إلي منبج جاء انطلاقاَ من الالتزام الكامل للجيش والقوات المسلحة بتحمل مسئولياته الوطنية في فرض سيادة الدولة علي كل شبر من أراضي الجمهورية العربية السورية، واستجابة لنداء الأهالي في منطقة منبج. مؤخرا وقع هجوم بالمدينة،استهدف دورية مشتركة للقوات الأمريكية و»وحدات حماية الشعب» الكردية وأسفر عن مقتل 15 شخصًا بينهم أربعة من الجنود الأمريكيين إلي جانب قتلي وجرحي من »الوحدات»والمدنيين. الهجوم كان الأكبر من حيث عدد القتلي الذين تعرضت له القوات الأميريكية العاملة في سوريا منذ انتشارها هناك عام 2015، الهجوم أيضا تبنّاه تنظيم داعش بعد نحو شهر من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب قراره في 19 ديسمبر الماضي بسحب قوات بلاده البالغ قوامها ألفي جندي من سوريا معلنا هزيمة التنظيم هناك.مقتل الجنود أثار مخاوف لدي تركيا تتمثل بعرقلة اتفاقها مع الأمريكيين حول تسليم المدينة من يد »قوات سوريا الديمقراطية»، خاصة بعد وصف الهجوم من قبل واشنطن ب»الأعنف» ضد قواتها منذ عام 2014.الخارجية التركية في بيان لها أكدت من جديد التزامها بخارطة الطريق مع الولاياتالمتحدة بشأن منبج. نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس، قال، إن واشنطن »ستمضي قدما»في خطة سحب قواتها من سوريا، وأن خطة الانسحاب لن تتأثر. جاء ذلك في الوقت الذي طالب فيه نواب أمريكيون وحلفاء ترامب بإعادة النظر في خطة الانسحاب، خوفًا من أن يؤدي ذلك إلي استرداد التنظيم لقوته من جديد.المجلس العسكري في مدينة منبج، التابع لقوات سوريا الديمقراطية،اتهم خلايا تابعة ل»درع الفرات» في إشارة لفصائل الجيش الحر العاملة في ريف حلب الشمالي، بعد إلقاء القبض علي سبعة أشخاص منهم قال إنهم كانوا يخططون لأعمال إرهابية ضمن المدينة من تفجيرات واغتيالات، متهمًا المخابرات التركية بتوجيههم، بحسب بيانه. تظل أطماع ومصالح القوي الاقليمية والدولية موجهة ناحية الأراضي السورية لكن يبقي قوة الدولة واصطفاف الشعب السوري خلف مؤسساته هو حائط الصد لوقف أي مطامع وصراعات.