غزة مكان سياحي.. صورة لساحل غزة المطل علي البحر المتوسط اتخذها معرض "زوروا غزة" بوستراً له.. المعرض الذي اختتم نشاطه يوم الجمعة الماضي بساحة روابط تناول الحياة في قطاع غزة بشكل مختلف، بعيداً عن السياسة وسيطرة حماس علي القطاع، حيث تظهر غزة كحالة إنسانية..كحالة فنية، لا ينقصها الخيال. الخيال دفع محمد عبد الله لكتابة نص مستوحي من عبارة إميل حبيبي "أنا واحد من أولئك الذين لا يستطيعون أن يروا من القمر إلا وجهه المضيء"، فيكتب عبد الله تحت عنوان "زوراوا غزة- وجه القمر المضيء" عنها بوصفها مدينة ساحلية سياحية ويتساءل" هل حلمت يوماً بزيارة شواطئ غزة الخلابة؟". يسعي هذا النص لتحرير القطاع المحاصر من الذاكرة النمطية للخراب والحصار والحرب، حيث يري أن ذاكرتنا عنه لا تختلف عن أرشيف البي بي سي! يستقر نص عبد الله علي لافتة أقيم خلفها مكتب سياحي إفتراضي يسجل رغبات الزوار في قضاء الصيف علي الساحل الغزاوي. مكتب السياحة الإفتراضي يقدم خريطة سياحية للقطاع لا تحدد الاماكن الآمنة، ولا تشير للحصار، بل تقدم الصور المغايرة بتحديد مواقع الفنادق المطلة علي البحر، المعالم الأثرية، المطاعم، والمراكز الثقافية. يُصدر المعرض الذي نظمته مؤسسة المورد الثقافي في إطار "مهرجان الربيع" صوراً مختلفة عن التصور النمطي لغزة، في محاولة للتنقيب عن التعايش اليومي مع الخراب، اليومي كذلك، في العمل التوثيقي "غزة حرب" للمصور الفوتوغرافي شريف سرحان(مواليد غزة 1978). صاغ سرحان من الصور كتاباً توثيقياً يقدم شروق الصباح علي غزة، ولكن الصباح ليس بطعم القهوة، وإنما هو صباح بصوت المدفعية. التعايش مع الموت اليومي يظهر في عمل الليبية ريم جبريل، المقيمة في الولاياتالمتحدة، "عائلة السمعوني: تجهيز". العمل الذي تنتصب فيه ظلال أجساد العائلة التي قتلت بالكامل، حيث قتل 29 فلسطينياً من هذه العائلة في يناير 2009 أثناء قصف إسرائيل للقطاع المحاصر. تقف تكوينات جبريل المكونة من اللون الأسود، بأبعادها الثنائية(الارتفاع والعرض) داخل مسرح روابط، بحيث يمكن للمشاهد التحرك بينها. تحاول جبريل إعادة تكوين الفراغ الذي خلفه الموت، فالفكرة وراء العمل كما توضح ريم أن "تشارك تلك الأجساد المتفرجين في فضائهم. إذ يحتل كل منا فضاء الآخر". عبر سلسلة من الأفلام القصيرة حملت عنواناً واحداً هو"شتاء غزة" تتحول القضية الغزاوية إلي ملمح إنساني واحد يحسه العالم كله. لم يعد قصفها خبراً عربياً، بل تنتقل أصداؤه للناس جميعا. "شتاء غزة" يتكون من عشرة أفلام قصيرة لمخرجين فلسطينين من الداخل، وآخرين من الخارج. "شتاء غزة" من إنتاج نجوي نجار. في فيلم يدور في "أيسلندا" يتابع الناس القصف الإسرائيلي لغزة، الذي صار حديث الساعة هناك. يستخدم المخرج تقنية جذابة حيث يسلط الأحداث في المشاهد الداخلية علي جدران المنزل، أو المكتب، أو موقع البناء. تجد الجنود الإسرائيليين يتحركون داخل المنازل في أيسلندا. يشعر المشاهد أنهم يحاصرون حياة الناس هناك، مثلما يفعلون في غزة.. يمثلون ثقلاً مزعجاً علي حياتهم..هكذا ينقل الفيلم الاحتلال، الشعور بالحصار ليعبر عن مآس كارثية الحياة في غزة للمشاهد. اللافت في "شتاء غزة" ظهور القضية عبر الأبعاد الإنسانية فقط، المشكلات الواقعة علي الأرض وتأثيرتها علي الناس. القصف المستمر، أو "لعبة الكبار" في قتل الأطفال بالكلاشينكوف، في أحد الأفلام يحكي شخص "أخرس" حكايته كيف فقد بيته، وابنه، عملية بحثه عن أشلاء الابن.. الفيلم يصاحبه صوت باللغة العربية يستنطق "الأخرس".. كما لو أن هذا الفيلم القصير يعبر عن "شتاء غزة"، استنطاق الغزاوي والتعبير عنه، وتصدير وضعه وقضيته للآخر، يبدو هذا التفسير صالحاً إذا ما وضعنا في الاعتبار غياب الترجمة للعربية!