عميد الكلية التكنولوحية بالفيوم يتفقد لجان امتحانات الفصل الدراسي الثاني    «التنظيم والإدارة» يتيح الاستعلام عن نتيجة التظلم للمتقدمين لمسابقة معلم مساعد    وزير البترول يبحث تعزيز التعاون مع شركة بيكر هيوز بمشروعات خفض الانبعاثات    «الكهرباء»: تركيب 213 ألف عداد ذكي و1300 مُجمع بيانات في 9 مدن    الدورة ال 77 لجمعية الصحة العالمية ترسخ إنجازات COP28 بشأن الصحة وتغير المناخ    أشرف عطية يتابع مشروع محور بديل خزان أسوان الحر    عاجل| مصدر رفيع المستوى: انتهاء اجتماع ثلاثي بالقاهرة ضم مصر وأمريكا وإسرائيل    هل يرحل؟.. عرض سعودي يهدد استمرار محمد الشناوي مع الأهلي    "رابط النتيجة".. اعرف نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 في دمياط الترم الثاني من هنا    ضاجع شقيقته.. حبس عاطل بتهمة زنا المحارم في المنيا    دماء على الأسفلت.. التصريح بدفن جثة شاب توفي بحادث مروع بالنزهة    سنن الأضاحي وشروط الأضحية السليمة.. تعرف عليها    موعد وقفة عرفات والأدعية المستحبة.. تعرف عليها    الأربعاء المقبل.. رئيسة دار الأوبرا تكرم سميحة أيوب فى أمسية بهجة الروح    3 وكالات أممية تحذر: أطفال السودان عالقون في أزمة تغذية حرجة    العمل: 3537 فُرصة عمل جديدة في 48 شركة خاصة تنتظر الشباب    كولر يوجه صدمة قوية لنجم الأهلي (خاص)    محمد الشيبي.. هل يصبح عنوانًا لأزمة الرياضة في مصر؟    الأهلي يكرم فريق سيدات اليد    إجراء مقابلات شخصية لاختيار أخصائي تخاطب بمراكز شباب القليوبية    شاهد.. الحوار الوطني يناقش المقترحات الخاصة بتطوير مرحلة الثانوية العامة    كيف تحرك مؤشرات البورصة مع بدأ تنفيذ صفة الاستحواذ الإماراتية على أسهم السويدي اليكتريك؟    "محاكمة" الحكومة تثير أزمة في البرلمان.. ومعيط: أرقامنا أدق من صندوق النقد -تفاصيل    أول تطبيق لتحذير النائب العام من تجاوز السرعة.. قرار ضد سائقي حافلتين مدرستين    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل مسن في روض الفرج    برلماني أيرلندي ينفعل بسبب سياسة نتنياهو في حرب غزة (فيديو)    تكريم محمود رشاد وسوسن بدر ونشوى جاد بعد عرض "أم الدنيا 2" في الكاتدرائية    "قصف جبهة" و"سينما 30" يختتمان الموسم المسرحي لقصور الثقافة بمحافظات شرق الدلتا    أحمد حلمي بمهرجان روتردام: الفنان يجب أن يتحمل مسؤولية تقديم الحقيقة للعالم    الاحتلال الإسرائيلي يواصل قصفه قرى وبلدات جنوبي لبنان    تشيلي تنضم لجنوب أفريقيا في الدعوى القانونية ضد إسرائيل    4 أعمال مستحبة في العشر الأوائل من ذي الحجة.. احرص عليها    استقبال 377 حالة تسمم في مركز السموم ببنها    توجيه جديد لوزير التعليم العالي بشأن الجامعات التكنولوجية    وزير المالية: مشكلة الاقتصاد الوطني هي تكلفة التمويل داخل وخارج مصر    وزير الإسكان ومحافظ الإسكندرية يتفقدان مشروع إنشاء محور عمر سليمان    الكلمة هنا والمعنى هناك: تأملات موريس بلانشو    برقم الجلوس.. نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 بكفر الشيخ    كوريا الشمالية ترسل 600 بالون إضافي محملين بالقمامة عبر الحدود    تأجيل نظر طعن المتهمين بقتل شهيدة الشرف بالمنصورة    مفتي الجمهورية: يجوز للمقيمين في الخارج ذبح الأضحية داخل مصر    حج 2024| «الأزهر للفتوى» يوضح حكم الحج عن الغير والميت    الوكرة يكشف ليلا كورة.. حقيقة طلب التعاقد مع أليو ديانج    تحرير 139 مخالفة للمحلات غير الملتزمة بقرار الغلق لترشيد الكهرباء    غرفة الرعاية الصحية باتحاد الصناعات: نتعاون مع القطاع الخاص لصياغة قانون المنشآت الجديدة    في زيارة أخوية.. أمير قطر يصل الإمارات    النواب يحيل 3 اتفاقيات للجان النوعية في بداية الجلسة العامة .. اعرف التفاصيل    توريد 125 طن قمح لمطحن الطارق بجنوب سيناء    نسرين طافش تكشف حقيقة طلبها "أسد" ببث مباشر على "تيك توك"    غرفة الرعاية الصحية: القطاع الخاص يشارك في صياغة قانون المنشآت    طريقة عمل الفطير المشلتت الفلاحي، الوصفة الأصلية    تحرير أكثر من 300 محضر لمخالفات في الأسواق والمخابز خلال حملات تموينية في بني سويف    «الداخلية»: ضبط قضايا اتجار في النقد الأجنبي ب9 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    وزيرة التخطيط ل"النواب": الأزمات المتتالية خلقت وضعًا معقدًا.. ولابد من «توازنات»    ل برج الجوزاء والعقرب والسرطان.. من أكثرهم تعاسة في الزواج 2024؟    الزمالك يستأنف تدريباته اليوم في غياب 12 لاعبا    عمرو السولية: هدفي الاستمرار في الأهلي حتى الاعتزال    قصواء الخلالى ترد على تصريحات وزير التموين: "محدش بقى عنده بط ووز يأكله عيش"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وَديعَةُ الاختيار الشِّعريّ
نشر في أخبار الأدب يوم 13 - 08 - 2012

كان حلمي سالم، واحداً من الشعراء المعاصرين الذين كَرَّسُوا حياتَهُم للشِّعر. في أعماله الشعرية التي تركها وراءَهُ، لم يكن حلمي يُؤسِّس لكتابة تسير في نَسَقٍ واحد. ما يعني أنه ترك يَدَهُ حُرَّةً في اختيارها الشْعري. وسمح لنفسه بحرية أكثر، حين وضع اللغةَ في حَرَج، أعني أنه نقلها من صرامة التعبيرات البلاغية الصِّرْفَة، إلي انْشِراح الكلام، وانْسِرابه، بما تعنيه عبارة كلام من عناق بين العاميّ والفصيح، أو تَفْصِيح الكلام العاميّ، أو الدَّارِج.
هذا الزواج الذي أتاحه حلمي للغة، كان ضمن استراتيجيته الشعرية التي سعي من خلالها إلي توظيف كل مستويات، وصيغ، وأشكال التعبير اللغوية، لالتقاط ما رَغِبَ فيه من صور، أو مفارقاتٍ، لم تكن، في التصوُّر النظري لحلمي، قابلةً للتَّحقُّق، اقتضاءً بأساليب التعبير البلاغي الفصيح وحده. ناهيكَ عن طبيعة الموضوع نفسه، الذي نزل به حلمي سالم إلي « الطريق العام »، أعني إلي طريق الجاحظ، لكن دون ابتذالٍ، أو تعميم ساذج وَضَحْل.
هذا الاختيار الشِّعريّ، في تجربة حلمي سالم، هو تعبير عن رغبة واضحة في الاقتراب من الذوق العام، ليس لمُحاباته، أو استمالته، بل لوضعه في سياق الشَّعر الجديد، من جهة، وفي سياق موضوعاتٍ، هي من قبيل التابوهات، أو من قبيل ما يمكن الكلام فيه.
ما جَرَّ علي حلمي مشاكل، هي من قبيل سوء الفهم، أو القراءة الدوغمائية المُغلقة، ليس في « شرفة ليلي مراد » وحدَها، بل في طبيعة اختياره الشِّعري كاملاً.
ليس ممكناً وضع اختيار حلمي هذا، خصوصاً في شقِّه اللغوي، في سياق تجارب سابقة، كان إليوت نموذجها الأعلي، وأعني، بشكل خاص، تجربة صلاح عبد الصبور. الفرق كبير وواضح بين الشاعرين، وحلمي سالم، كان واعياً بهذا التَّصادُم، ما جعله يكون حريصاً علي خصوصية تجربته، وعلي بقاء المسافة قائمةً بينه وبين هؤلاء « الرواد » بشكل خاص، كون توقيعاتِهم معروفةً، أو هي أصبحت من قبيل الكلاسيكيات في شعرنا العربي المعاصر.
« قصيدة النثر »، في هذا الاختيار الشعري، هي جزء من استراتيجية حلمي سالم الشعرية. و النثرية لا تعني عند حلمي، كما عند غيره من شعراء جيله، ممن ذهبوا إلي هذا المنحي الشعري، ما يقع بين « النظم» أو الوزن، و « النثر »، بهذا النوع الجائر في تَشْظِيَة اللغة، والتمييز فيها بين لُغَتَيْن، في ما التمييز يكون، في مثل هذا الوضع، في الأسلوب، وأعني، قدرة اللغة، في كليتها، وفي مجموعها، علي اسْتِحْداثِ طُرِق في التعبير، هي، حَتْماً، كلام غير الكلام، ولغة غير اللغة، وشعر غير الشِّعر. إنها البرزخ، بالتعبير الصوفيّ العميق.
أُحيل، في هذا السياق، ل « ديوان النثر العربي»لأدونيس، بأجزائه الأربعة، فهو يضع القارئ أمام امتحان عسير، في ما يخُصُّ مفاهيم من قبيل « الجنس» و « النوع » و « النثر» و « الوزن »، ومفهوم « القصيدة » الذي طالما أثرتُ استنفاذها لذاتها في مفهومِي ل « حداثة الكتابة » في الشعر العزبي المعاصر.
وفق هذا المنظور كتبَ حلمي سالم، وحدَّد جوهر اختياراته الشعرية. ووفقه، أيضاً، خاض تجربته الوجودية شعرياً.
لم يتنازل حلمي سالم عن الشعر، لم يتنازل عن اختياراته الشعرية، وبقي، كما جاء في حواره الذي أجراه معه الصديق رشيد يحياوي، ( نُشِر بجريدة القدس العربي بتاريخ 30 8 2012) أميناً علي وديعته، لم يُفَرِّط فيها، رغم أن الموت أصابه، في نهاية المطاف.
لم تقتصر تجربة حلمي سلمي علي الكتابة وفق تصوُّر نظري غَيَّر فيه مجري علاقته باللغة، أو بشعرية الصورة، أو المشهد، بالأحري، فهو أعاد صياغة رؤيته الشعرية، بطريقة أتاحتْ له الخروج عن نسق الصياغات الشعرية الموازية له، وأعني بها ما صدر عن مجايليه، من شعراء السبعينيات، من مثل حسن طلب، وعبد المنعم رمضان، ورفعت سلام، وخصوصاً بعض أفراد جماعة « إضاءة 77»، ممن كانوا رُفقَاء للراحل، من مثل أمجد ريان، وجمال القصاص، وماجد يوسف، ومحمود نسيم، ومحمد خلاف
الشعرية التي راهن عليها حلمي سالم، هي شعرية الدهشة، لكنها دهشة اليومي والبسيط، بما يُخْفِيانه من فداحات و مفارقات، كثيراً ما نعمل علي تفاديها، أو تجاهُلِها، في ما هي جزء من واقعٍ، يتخَفَّي عنَّا، ليس لأننا نجهله، أو هو متشابِك مُعَقَّد، بل لأننا نتعوَّد علي ثوْرِيَتِه، وعلي حَجْبِه، كما لو أنه ليس داخلاً في حياتنا.
حلمي راهن علي كَشْف المستور، و علي إزاحة ورقة التُّوت، وهذا ما جعل من الدهشة، في ما كتبه حلمي، تكون بِوَقْع الصدمة، والإخلال ب « طبيعة » الأشياء!
هذا ما حدث للمُحتَسِبين الذين حاكموا حلمي سالم، ونظروا لِما كتبه، باعتباره مسّاً بال « المقدسات»، في حين أن ما كتبه حلمي هو مجرة « تذكيرٍ للنِّسيان» بتعبير فوكو.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.