وصلتني من الصديقة العزيزة الدكتورة منال حسين - دينامو وزارة المالية في وقت مضي، رسالة تحتوي علي مقولة للعالم العبقري الشهير ألبرت أينشتاين يقول فيها »أخاف اليوم الذي تقوم فيه التكنولوجيا بكبت المعاملات الإنسانية، ويصبح في العالم جيل من البلهاء». أكدت لدي هذه المقولة الشعور بالقلق الذي كان ينتابني ويتزايد سنة بعد أخري بحكم عملي كأستاذة جامعية علي مدي ما يقرب من خمسين عاماً ألاحظ تنامي اعتماد الأجيال الجديدة علي الآلة الحاسبة حتي أصبح اعتمادهم عليها بصورة كاملة وفقدوا قدرتهم علي عمل أي عملية حسابية مهما كانت بسيطة ولعلي أطرح بعض الأمثلة الواقعية التي صادفتها وكانت سبباً في ازدياد قلقي مثل : ضعف الرقم 15 أو 12 ÷ 2 أو 4 × 3 000 ولم يتمكنوا من الإجابة إلا باستخدام الآلة الحاسبة، فقدوا القدرة تماماً علي استخدام عقولهم. أعتقد أن هذا الموضوع هام ويحتاج إلي تناوله بنظرة عميقة، وهو ما أطرحه علي الرأي العام وعلي مسئولي العملية التعليمية وعلي رأسها الزميل الفاضل الدكتور طارق شوقي - وزير التربية والتعليم خاصةً ونحن قد بدأنا تطوير شامل للعملية التعليمية كلنا ترقب وأمل في نجاحها. هل نحتاج إلي وقفة لنوازن فيها بين القديم والحديث ؟ 000 هل نحتاج مثلاً بجانب تنمية مهارات التلاميذ علي الآلة والتابلت أن يحفظ الأطفال جدول الضرب ويتعلم بعض الأساسيات الحسابية البسيطة حتي يصبح العقل ذو نفع إذا ما فقدت الآلة مثلاً ؟. أنتمي إلي الجيل القديم الذي تعلم وتربي بالأساليب التقليدية، تعلمنا الحساب بالورقة والقلم وصناعة الورق تكنولوجيا وصناعة القلم تكنولوجيا لكنها تكنولوجيا لم تلغ عقولنا بل كانت عاملاً أساسياً في سرعة استيعابي للآلة ولغيرها من التكنولوجيات الحديثة. واستخدم الآن الآلة الحاسبة باستمرار اقتناعاً بفوائدها الكثيرة إلا أن ذلك لم يلغ عقلي ويمكنني القيام بكثير من العمليات الحسابية إذا ما اختفت الآلة 000 ولعلي أشير هنا إلي أن الجيل القديم الذي تعلم بالأساليب التقليدية هو الذي توصل إلي هذه التكنولوجيا وطورها بهذا الشكل المبهر وهو الذي سيطر عليها في البداية وابتكرها بالطريقة التي أرادها 000 فهل نترك الآلة لتسيطر علي الأجيال القادمة ؟ 000 وهنا أقصد ليس فقط الآلة الحاسبة التي ركزت عليها في مقالي الحالي بل التكنولوجيا بصفة عامة. فالتكنولوجيا ميدان واسع لها آثار إيجابية عديدة إلا أن لبعضها آثاراً سلبية يتحتم التحوط لها ومواجهتها. ولعلي أضرب المثل بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وما لها من آثار إيجابية تساعد علي المزيد من المعرفة بدرجة كبيرة إلا أن لها من الآثار السلبية الاجتماعية علي التعاملات الإنسانية التي أصبحت حتي علي مستوي الأسرة ما يجب التصدي له ومواجهته 000 هذا بالإضافة إلي ما قد تحتويه من معلومات غير دقيقة أو مغلوطة أو غير صحيحة بالمرة وهو ما يتزايد حدوثه هذه الأيام حتي في المعلومات الدينية التي يتم تداولها من خلال تكنولوجيا التواصل الاجتماعي. ليس معني ما سبق أنني ضد استخدام التكنولوجيات الحديثة بالعكس أؤمن بأهميتها وضرورة تطويرها وتحديثها لكني أطالب بأنه يجب أن أسلح النشء بما لا يجعله أسيراً لها ويمكنه من مواجهة آثارها السلبية فلا يقف مغلول الأيدي مغلوق العقل إذا لم تكن متاحة له حتي لا تتحقق مقولة أينشتاين.