ليس أمامنا بديل سوي أن نقود تغييرا في الشكل والمضمون يستوعب متغيرات العصر ونضع نصب أعيننا اننا صحافة وطنية ترتبط بقضايا الوطن والمواطن. أمام التحدي غير المتكافيء الذي فرضته آلة التصوير.. التي راحت تتطور الي كاميرا سينمائية ترصد الحركة وتربطها بالصوت، وجد الفن التشكيلي نفسه أمام خيارين، إما أن يكسر فرشاته ويطوي لوحته، وإما أن يبحث لنفسه عن شكل إبداعي يبرز فيه انسانية الفنان وانطباعه، وانعكاس الاشياء في عقله، فالغي التفاصيل من المشهد، وأبرز الفكرة، وأمسك بالمعني، وذلك ما تعجز آلة التصوير عن التقاطه، وذلك ايضا ما انقذ الفن التشكيلي وفتح امامه آفاقا رحبة من التعبير، ربما تطرف بعضها فغادر أصول الفن ليلامس مظاهر الجنون. وقريب من هذا ما حدث في مهنة الصحافة، فمع ثورة الاتصالات وبواسطة سلاسل من الاقمار الصناعية التي تطوف الارض تلتقط شفرات من الومضات الاليكترونية وتعيد بثها إلي اطباق أرضية اصبحت رخيصة شائعة في المنازل، لتتحول الومضات إلي اصوات وصور حية، مشاهد ناطقة من الحروب والكوارث الطبيعية، تحركات الزعماء، واصوات المواطنين، انفجارات القنابل، وهمسات المحبين، مواقف الأمم في مجلس الأمن، وجرائم قوات الاحتلال ضد المدنيين العزل، اصحاب ذقون كثة ونظرات شرسة يلوحون بقبضاتهم مهددين بالموت، واصحاب ربطات عنق ملونة يرصدون ويحللون، كل ذلك الكرنفال من الصور الملونة، والأصوات الحية لعيون مشاهد يسترخي امام التليفزيون دون أن يتكلف عناء القراءة ولا وضعية القاريء. التحدي الشرس كان ذلك هو التحدي الشرس الذي واجه مهنة الصحافة المكتوبة علي مستوي العالم فوجدت نفسها أمام خيارين، إما أن تخلي الساحة أمام اعلام ناطق سريع متحرك لا يكتفي بنقل الحدث حال وقوعه، وإنما يحمل المشاهد إلي قلب الحدث كي يري بنفسه، فيعاين ويحقق، يسمع شهادة الشهود وتحليل المحللين، وإما أن تبحث لنفسها عن شكل ابداعي يحفظ تميزها، ويحافظ علي مجدها، ولم تكن الصحافة المطبوعة تملك من ادوات المنافسة إلا سحر الكلمة المكتوبة، وبراعة الصورة المطبوعة، فإن كانت تلك هي التحديات التي واجهت الصحافة علي مستوي العالم، فإن المشهد الصحفي في مصر بدا أكثر تعقيدا، فمصر هي دولة رائدة في مجال الصحافة، ولاتزال (الوقائع المصرية) أقدم صحيفة مصرية وعربية تصدر حتي الآن. بل لا تزال تحمل شرف الجريدة الرسمية لمصر. ومصر قد أنجبت المع الأسماء الصحفية، التي أسست مدارس وتلاميذ علي امتداد بلاد العرب، ومع ذلك فان النمو الصحفي في مصر، كان قد اخذ في التباطؤ، وتلك حقيقة لا جدوي من إنكارها يتحملها بعض شيوخ المهنة -أطال الله أعمارهم- الذين لم يمنحوا اجيال الشباب ما يستحقون من رعاية وفرص في التواجد أو رفض الشباب تلك الرعاية لتفاجيء ثورة الاتصالات الجميع باعلام مرئي، لاتجدي في منافسته عزائم الشيوخ ولاتفلح معه إلا فورة الشباب، لكن ذلك جانب وحيد. ولايزال في المشهد ابعاد أخري، فقد اتت الحريات السياسية التي شهدتها مصر بسقف عال من حرية الكلمة، فامتلكت الاحزاب السياسية في مصر صحفها المستقلة، تم تبعتها مؤسسات خاصة راحت تستثمر في الصحافة، واكتشف »بعض» اصحاب رءوس الاموال أهمية الكلمة المطبوعة فدخلوا بأموالهم الي المجال الصحفي، ثم اكتشف بعض منهم في الصحافة قوة ووجاهة واساليب ضغط، فرصدوا الميزانيات ورفعوا سقف المرتبات ليخلقوا في ساحة الصحافة المصرية منافسة غير متكافئة، لا تلتزم باقتصاديات المؤسسة التجارية، ولاتعبأ بقواعد العمل الصحفي، ليتشكل نوع من الصحافة اقرب الي فن المطاردة والتهديد بالاقتناص، مطاردة الشخصيات العامة، واقتناص نجوم المجتمع، بتأليف الاخبار، وتلفيق الفضائح، واستعمال الرموز المكشوفة التي قد تفلت من القانون، لكنها تفسد مهنة الصحافة، وتطيح بمباديء الشرف الصحفي، وتتلاعب بثقة القاريء في الصحافة المكتوبة. الصحافة الحكومية في الوقت التي وفرت فيه السماوات المفتوحة فرصا متكافئة لجميع الصحف للحصول علي الأخبار طازجة سريعة من مصادرها، كانت الصحافة الحكومية في مصر تفقد ميزة السبق في الحصول علي الأخبار من مصادرها الحكومية، بعد ان اصبح الخبر متاحا للجميع في سواسية اعلامية، واصبح من المفترض أنه لافضل لصحيفة حكومية علي أخري غير حكومية، إلا بصحة المعلومة وابداع التغطية وبراعة التحليل، لكن الأمور لم تجر في هذا الاطار، بل ان هذا الاطار تحديدا اصبح قيداً علي الصحف الحكومية، في الوقت الذي تحللت منه بعض الصحف المستقلة، فلاتستطيع الصحف الحكومية ان تطلق شائعة، او أن تلفق اتهاما، بينما اسرفت بعض الصحف الخاصة في هذا اللون، واستغل بعض الكتاب مناخ الديمقراطية، وحصانة الصحفي، وحرية يكفلها القانون لإبداء الرأي، وراح يطلق السباب متحصنا بواجهته الصحفية. علي الجانب الآخر فان بعض المسئولين في مصر لم يستوعبوا التحولات الجذرية التي طرأت علي العلاقة بين الصحافة والسلطة فقد اراد الرئيس ان تكون الصحافة مؤسسة ديمقراطية تعبر عن هموم وتطلعات المواطنين، تحاور وتقترح وتحاسب، فأطلق حرية الصحافة وتحمل تبعاتها، فلم يحاسب قلما طاش به القول، ولم يطارد كاتبا شط به النقد، رغم ان البعض قد رهن قلمه للتعرض لشخص الرئيس، بحثا عن مغامرة تقوده الي مساءلة قانونية تعلي من شأنه، او صدام يرفع من قدره، فكان لافتا تأكيد الرئيس في كل لقاءاته انه لاتراجع عن الحرية وان قست وتجاوزت في بعض اعراضها الجانبية، هذا بينما بعض المسئولين لايزالون اسري تصور يري في الصحافة الحكومية أداة لمدح قراراتهم، وتبرير سياساتهم، لذلك فهم يضيقون بأي نقد من الصحف الحكومية مهما كان موضوعيا، وأي اختلاف مهما كان منطقيا. وذلك عبء آخر. فإن كانت تلك بعض التحديات التي واجهت الصحافة القومية اليومية فإن العبء كان اثقل في الاصدارات الاسبوعية والمجلات التي تملكها الحكومة التي تتقاسم كل الالتزامات المهنية والاخلاقية مع الصحافة الحكومية وهي ملتزمة بميثاق الشرف الصحفي الذي تحللت منه بعض الصحف والمجلات الخاصة وهي فوق هذا اصدارات اسبوعية، فكيف لها أن تقدم زادا للقاريء علي امتداد الوطن العربي يكفيه سبعة أيام في زمن تتدافع فيه الاخبار والصحف والتعليقات كل ساعة؟! ليس أمامنا من بديل سوي ان نقود تغييرا في الشكل والموضوع يستوعب متغيرات العصر ويتجاوب مع احتياجات القراء، وان نضع نصب أعيننا اننا صحافة وطنية ترتبط اساسا بقضايا الوطن والمواطن، وليس بهذا المسئول أو ذاك. شهادة وخمس بطاقات صدم الرأي العام بخبر جريمة الرحاب التي راح ضحيتها شاب جامعي قتل بوحشية ودفن أسفل مطبخ بشقة بالدور الارضي بمدينة الرحاب المنتجع الراقي -بالقاهرة الجديدة- وتساءل الجميع عن اسباب قتل الشاب الذي اكدت الروايات ان اخلاقه طيبة وان علاقاته مع خطيبته واسرتها كانت ايضا كذلك ولكن سرعان ما تكشفت الحقائق واتضح ان والدها هو المتهم بالقتل!! لكن التحقيقات الأولية اكدت ان القاتل قد صدرت له شهادة وفاة، وهو مازال علي قيد الحياة، واستخرج خمس بطاقات بأرقام قومية، وبأسماء مستعارة مختلفة للهروب من العدالة، لأن القاتل »الميت» كان قد صدر ضده حكم بالسجن المؤبد لتجارة المخدرات منذ فترة زمنية وبالطبع لم يتم القبض عليه! كيف حصل الميت »الحي» علي شهادة وفاته، والاغرب كيف حصل علي خمس بطاقات رقم قومي، وفيزات بنكية مختلفة، وربما يكون اكثر من ذلك، وكيف استطاع الميت ان يحيا بيننا ووسط اسرته دون أي مخاوف او متاعب من أي شيء! تذكرت واقعة علي العكس تماما لأحد الزملاء من الصحفيين عندما ذهب لاستخراج بطاقة رقم قومي هو وزوجته وتأكد أن كل المستندات والاختام للزوجين تمام ولاينقصها شيء علي الاطلاق، وإمعانا في الثقة حمل توصية لمسئول كبير في المصلحة الذي أوصي بالاهتمام.. وذهب الي الشباك المخصص ومعه زوجته وتقدم بأوراقه التي اخذ الموظف في تقليبها ورقة ورقة، واخذ في توجيه الاسئلة اين اختام جهة العمل، واين ارقام التأمينات، وفين تصديق النقابة وعايزين صور عقود الزواج واخذ هو يسأل والزميل يجيب. ثم تنهد الموظف لدقائق وكأنه يلتقط انفاسه لكي يصوب سؤالا ربما لايجد له اجابة فيعيد الأوراق مرة أخري لاستكمالها وفجأة وكأنه وجد السؤال فيه العنوان فأجاب الزميل موجود عندك في الاستمارات.. واضاف: وإيه يعرفني ان العنوان صحيح؟! فأجاب الزميل ان جهة العمل قامت بختم الاستمارات وان كل البيانات سليمة وقسيمة الزواج بها العنوان.. فاذا بالموظف يعيد الاوراق وهو شبه سعيد »لا ياباشا عايزين ايصال كهرباء يؤكد العنوان والإقامة»!! فما كان من الزميل إلا أن ذهب الي المنزل واحضر ايصال استهلاك الكهرباء وعاد الي الموظف الذي اطلع علي الايصال وقال كده تمام بالنسبة لحضرتك.. اما الزوجة فيجب ان تحضر ايصال استهلاك كهرباء عشان عنوان الاقامة.. فقال له الزميل الصحفي دي زوجتي ومقيمة معي بنفس الشقة و»الشقة بعداد واحد» واستكمل كلامه مؤكدا دي تعليمات علي الجميع واقسم انه لن يستخرج بطاقة الزوجة الا بعد تقديم إيصال استهلاك كهرباء يؤكد ان الزوجة تقيم مع زوجها. اضطر الزميل الصحفي الي ان يصعد للمسئول الكبير لكي يتوسط له لدي الموظف لكي يخلص وينهي الموضوع. وقد كان ولم يمس الموظف اي سوء. وأنا اتساءل كيف استطاع »الميت» ان يجتاز كل هذه العقبات وتمكن وهو ميت من استخراج شهادة وفاة لنفسه وخمس بطاقات رقم قومي ولم يكتشف احد، رغم خطورة حصوله علي هذه البطاقات التي يتمكن من يحصل عليها من الهروب من احكام الاعدام أو السجن أو الإفلات من ارتكاب عمليات ارهابية داخليا أو خارجيا.. الامر خطير جدا فالقاتل ميت ميت لكن الحصول علي هذه البطاقات مؤشر غاية في الخطورة ينبغي كشفه ومواجهته وكيف حدث حتي لايحدث والاجابة عن مصلحة الأحوال المدنية.. وصلت الرسالة! كرامة المصريين قرار الرئيس عبدالفتاح السيسي بانهاء قوائم انتظار المرضي الذين ينتظرون شهورا وسنوات وربما يدركهم الموت قبل ان يدركهم الدور لإجراء عمليات جراحية خطيرة هو قرار انساني، يعيد الكرامة ويشعرنا جميعا بالفخر والاعتزاز، ويرحمنا من الإعلانات غير الانسانية التي كانت تهين الانسان المصري وتجرح مشاعره وكرامته.. تحية لكل من شارك في تنفيذ القرار الانساني الوطني. ظلمنا التاريخ الجميع يتحدث ويحذر من حكم التاريخ ولكننا لانقيم للتاريخ وزنا أو حسابا! المعلومات يحتفظ بها من لايتكلمون ولايكتبون.. والنتيجة حقائق منقوصة ومشوهة، بل شائعات!