بعد سنوات طويلة من الغياب، وصحوات ما بين المرض والمعاناة، عاش فيها وحيدا منعزلا، إلا من قلة قليلة من الأصدقاء، بدأت تدب الحياة في أوصال حياته من جديد، حينما أعلن وصيته أمام الجميع : بأنه ينوي التبرع بجميع ممتلكاته ومردود رواياته لمستشفي مجدي يعقوب والتبرع بمكتبته إلي نادي الشبان المسيحيين في المنيا، المكان الذي قرأ فيه بالمجان أيام طفولته، مما جعل العديد من دور النشر تتسابق علي إعادة طبع أعماله، تمهيدا لتكريمه في مهرجان السينما القادم علي أعماله التي تحولت إلي أفلام سينمائية. مجيد طوبيا هو أحد رواد كتاب الرواية والقصة في الستينات، شهدت الساحة الثقافية أعماله وسط جيل من الرواد والمبدعين أمثال نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم واحسان عبد القدوس وكامل الشناوي وصلاح جاهين وغيرهم ممن صنعوا وشكلوا وعيا ثقافيا. علي عكس العديد من المبدعين والأدباء يري الأديب مجيد طوبيا أن رحلته الإبداعية بدأت مع أول كتاب قرأه وليس مع أول قصة كتبها، لذا فرحلته الإبداعية تعود إلي الطفولة في محافظة المنيا بجنوب مصر حيث أول ما قرأ كان موسوعة التاريخ التي كتبها سليم حسن وكان عمره وقتذاك اربعة عشر عاما وحينها قرر ان ينضم الي قافلة الكتاب والمبدعين، وكلما توغل في القراءة ترسب في وجدانه واستقر. الروائي مجيد طوبيا ينتمي إلي قلة من المبدعين ممن طغت شهرة أعمالهم علي تواجدهم في الساحة الثقافية فهو نادر الظهور في المنتديات والمؤتمرات والأماكن العامة، ونادر الحديث عن أعماله، رغم أنها نالت شهرة واسعة من خلال تحويلها إلي عدد من الأعمال الدرامية والسينمائية. اختيرت روايته »تغريبة بني حتحوت» ضمن أفضل ألف رواية عربية في القرن العشرين كما اختير فيلم أبناء الصمت المأخوذ عن قصته ضمن أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية.. صدر له مؤخرا إعادة طبع مجموعة من أعماله الإبداعية في أكثر من دور نشر في وقت متقارب، مما أثارفرحة عشاق كتاباته، وشغف جيل جديد لم يقرأ له من قبل . من بين هذه الأعمال رواية »الهولاء» رواية تدور أحداثها بديار »أيبوط» المجيدة وترتبط بأحد رعايا تلك الديار من المثقفين، تتخذ الرواية ذات الاجواء الفانتازية، من قطار الدرجة العادية فضاء جديدا لمجريات أحداثها، يسترجع الراوي من خلالها تاريخ مصر القديمة وما أصابها من الانهيار، بعد أن كانت مركزا لحضارة العالم.. أما روايته »تغريبة بني حتحوت» التي تقع في أربعة أجزاء قال عنها في أحد حواراته :» استغرقت كتابتها ستة أعوام سبقها عام لتجميع مادتها العلمية، تدور أحداثها في نهاية القرن الثامن عشر، ثم القرن التاسع عشر في محاولة لاستنباط شكل روائي جديد مستلهما التراث المصري الحكائي في سرد الأحداث كما في كتب التاريخ والسير الشعبية وألف ليلة: إذ يسير السرد في خط مستمر دون التفات إلي الخلف مصوراً أحوال مصر في فترة التحول الحاسمة من أيام المماليك حتي قيام دولة محمد علي عبر ثلاثة أجيال من أسرة حتحوت، لكنها تتخطي الفترة التاريخية وتصبح واقعاً أدبياً لأبناء الحاضر يعيشونه باعتباره جزءاً من ماضيهم. أما هيكل الرواية فيعتمد علي فكرة الرحلة المقترنة بالنبوءة . القصة القصيرة برع مجيد طوبيا في كتابة القصة القصيرة بنفس قدر براعته في الرواية ، حيث احتلت كتابة القصة القصيرة في حياته باكورة أعماله في المجموعة القصصة»فوستوك يصل إلي القمر» ثم جاءت رائعته القصصية »خمس جرائد لم تقرأ» الذي أصدرها بعد ثلاث سنوات من مجموعته الأولي... والتي قال عنها يوسف الشاروني في دراسة نقدية مستفيضة حول أعمال طوبيا لمجموعته »خمس جرائد لم تقرأ» التي حملت عنوان المجموعة : »نجد أن بطلنا الذي لا اسم له – فجثته تروي القصة علي لسانها – قد نزح من القرية إلي المدينة، لماذا؟ القصة لا تقول لنا. لا بد أن القرية ضاقت علي مطامحه فأقبل إلي المدينة ربما ليتعلم وربما ليكسب قوته. ليست هناك إلا إشارة إلي نساء المدينة علي لسان رفاق قريته. فامرأة المدينة سهلة المنال من ناحية والصعيدي له جاذبية شديدة بالنسبة لها من ناحية أخري لكن حتي عندما تحقق حلمه في امرأة المدينة وأصبحت قريبة المنال كانت تجربته معها أقرب إلي الكابوس مما هي إلي الحلم.وكما كانت المدينة تبدو له حلما ممتعاً وهو بعيد عنها في القرية، هكذا بدت له المرأة باهرة في شرفتها، وأكثر فتنة عند ركوبها السيارة. وكما صدم في المدينة التي لفظته من بيت قريبه الصعيدي إلي الفندق، ومن الفندق إلي شقته التي وجدوا فيها جثته، كذلك صُدم في هذه المرأة التي مالت عليه لتقبله في شقته، فرأي وجهها مطلياً بمسحوق برونزي يركض خلفه بسرعة كبيرة جدا فركض عنه ببطء شديد جدا. وحدث له ما يحدث في الكابوس تماما: أراد أن يصرخ فوجد أن حبال صوته منزوعة ممزقة، وعندما عثروا علي جثته في شقته وجدوا خمس جرائد لم تقرأ أي أنه مات منذ خمسة أيام.ثم أخد يفند قصص المجموعة قصة وراء قصة ليصل بنا إلي أن مجيد طوبيا صاحب تجربة قصصية متميزة ولابد من إعادة طبع أعماله حتي تتاح الفرصة للأجيال القادمة أن تقرأ أعمال ويرحل يوسف الشاروني وتتحقق أمنيته في هذه الأيام حيث صدرله أربعة أعمال عن داربتانة للنشر وهي :» رواية »أبناء الصمت»، ورواية »حكاية ريم الجميلة»، والمجموعة القصصية »الوليف»، والمجموعة القصصية »خمس جرائد لم تقرأ».ورواية »الهولاء» عن دار تويا للنشر وثلاث روايات ومجموعة قصصية عن دارتبارك للنشر ، كل هذه الأعمال تصدر دفعة واحدة.