يشير الأكاديمي والكاتب البريطانى روبرت إيغلستون (1968 )، فى كتابه "الرواية المعاصرة: مقدمة قصيرة جداً" إلى قدرة الفن الروائى على تناول كل الموضوعات سواءً أكانت واقعية أم ميتافيزيقية، الأمر الذى يعزز القناعة السائدة بأن الرواية وبخاصة المعاصرة وسيلة ثورية لمقاربة كل المعضلات الإشكالية فى عالمنا وعلى الصعيدين الفردى والجمعي. الكتاب الذى صدر بترجمة وتقديم الأديبة لطفية الدليمى (دار المدى_2017)، لفتت أن الكتاب بمثابة دراسة مسحية لأهم الروايات المعاصرة. ومن خلال تجربتها فى ترجمة العديد من الحوارات لروائيين من جغرافيا مختلفة لاحظت أن هناك ميلاً طاغيا للروائيين المعاصرين نحو جعل الرواية نصاً معرفياً بحدود ما يمكنهم توظيفه ويأنسون له. اعترف روبرت إيغلستون أنه لا يستطيع وضع تعريف حقيقى حاسم للرواية المعاصرة، فهى ليست ببساطة شيئاً مختلفاً مثلما أنها ليست وسيطاً يحكى حكاية فحسب. فإن هذه الرواية تجنح نحو نهايات محددة لكن من غير أن تكون تلك النهايات يقينية أو حاسمة. وأضاف: "الرواية يمكنها الإستجابة لكل جانب من جوانب العالم التى يشغف بها الكاتب ويرى نفسه مولعاً بها، وعلى هذا النحو تتناول الرواية المعاصرة أى شيء وكل شيء معاً، كما يمكنها توظيف أى شكل يختاره الكاتب. العالم الذى نعرفه متعدد الوجوه ومعقد للغاية، وليس ثمة قواعد صلبة وسريعة لقراءة الرواية. هذه الحرية غير المقيدة للرواية المعاصرة مقرونة بالعدد الهائل من الروايات التى تنشر سنويا". ينفى صاحب كتاب (النقد الأخلاقياتي: القراءة بعد ليفيناس)، أن يكون هناك اتفاق بشأن التأريخ الذى يجوز معه وسم الرواية بسمة المعاصرة، ويستطرد، من المعروف تقليدياً أن الفترات الأدبية تستمد تواريخها المعلنة من نقاط التحول التاريخية المفصلية فى أوروبا، على سبيل المثال، قد يجوز بدء تأريخ الحقبة المعاصرة مع عام 1945، فى إسبانيا يمكن القول أن بدء الحقبة المعاصرة مع نهاية الحرب الباردة عام 1989، أو مع إعادة توحيد الألمانيتين عام 1990، وبحسب إيغلستون، المجتمعات المختلفة تملك حساً مختلفاً بشأن بداية اللحظة المعاصرة. كذلك ساهمت التغيرات التاريخية والتقنية المتسارعة فى جعل الماضى يتراجع بسرعة. السؤال الذى يطرحه الكتاب هو، أين هى الرواية المعاصرة اليوم؟ يجيب إيغلستون: من الطبيعى أن تكون أغلبية الروايات المنشورة واقعية، ولكن يبدو ثمة ثلاثة أنواع من المجالات التى تمثل تحدياً جدياً لهذه الواقعية الروائية وبخاصة فى السنوات العشر الأخيرة، الأول التراجع عن التخوم الأكثر تطرفاً فى ما بعد الحداثة نحو إحساس أكبر بالسرد ذاته، الولع المتجدد بالتقنيات التى جاءت بها أعمال فرجينيا وولف، إضافة إلى تهشيم الحدود الفاصلة بين عالم الرواية وعالم الكتابة فى الميادين غير الروائية. هذه التوجهات الثلاثة تقترح بأن لم يعد ثمة خط إبداعى وحيد على صعيد الإبتكار الروائي. وفى إشارة إلى العلاقة بين الماضى والرواية المعاصرة، قال روبرت إيغلستون: لطالما امتلكت الروايات ولعاً لا يفتر بالماضي، والتأريخ، والذاكرة. عندما كانت الرواية لا تزال شكلا فنيا جديدا نسبياً فى بداية القرن التاسع عشر فقد تشكلت وعلى نحو حاسم بفعل النجاح الثقافى والتجارى للرواية التاريخية التى كتبها والتر سكوت، وتشهد الرواية المعاصرة عودة حديثة نحو التفكير بشأن الماضي، ولكن هذه العودة تطرح جانباً الرواية التأريخية التقليدية وتعمد إلى التركيز على استكشاف الذاكرة، والصدمات التاريخية، والطريقة التى يمكن بها للماضى أن يؤثر على الحاضر.