متشحتين السواد تصعدان التبه عند الغروب بلا اثر علي الارض الصخرية الجامدة وغير بقع الماء المنسكب في عثراتهم من الجرار الممتلئة بالماء... لايرافقهن أحد فقط يلفهم صوت عواء الريح المارة متخللة "الجزورين" المصطف علي الطريق ونعيق الحدآت الحوم في السماء بلا وجهة.. "لم يأت زائر اليوم من القبائل التي تزرع الخشخاش خلف التبه" عادة لايأتيهم زوار.. ولكنها ألقت الكلمات مبصرة بها ارتباك شقيقتها امام الموقد.. بينما تفترش هي الارض تجدل ضفائرها الكثيفة الحالكة التي جاوزت خصرها- شعرها أجمل ما بهما واكثر ما بهما اثارة للفزع- لم تكن تراها بعينيها الزرقاوين الباهتتين اللتين اعتلاهما حاجبان كثيفان إلي حد مخيف.. هي بالكاد تري في النهار ولاتري تماما بالليل لكنها كانت علي يقين ان شقيقتها سمعت ما قالته وانها لن تجيب لا لكونها بكماء وحسب ولكن لأنها متكتمة اكثر من اللازم بحجة البكم... هما صورة واحدة اختلطت فيها الملامح والصفات انعجن بها المرئي والمسموع علي حد سواء فلن تحتاج الشقيقتان للغة كي تعرف العمياء ان شقيقتها البكماء جذبت ضفائرها الكستانية السميكة حزنا عليه. انتهت البكماء من طهي الطعام وجلستا امام المائدة ادعت الكفيفة انها تأكل بنهم بعد جوع.. بينما ابت الأخري ان يزور الطعام جوفها - كان حزن يختلج احشاءهما - أكتفت بأن تحدث جلبة وصخباً بالأواني ايهاما بأنها تأكل العمياء تدرك ان اختها لاتأكل لأنها »أحبته إلي حد أن جعلته وجبة غداء اليوم، وكانت تأكل بنهم شديد لا لشيء غير ان تنفي ما حدث أو علي الأقل تثبت انه غير حقيقي، وما ان اتمت طعامها بالنهم الكاذب حتي تقيأت.. تساءلت.. أكان هو..؟ وكالعادة لم تجب شقيقتها، ولكنها عرفت بالطبع أنه كان هو لملمت عظامه من المائدة في قفة صغيرة وظلت تهذي من الحمي لأيام ولم تبرح الأخري البكماء شجرة الغربان. كان هزيل البنية دميم الخلقة لاتكاد ملامحه ان تميز ينقل الخشخاش من مزارعه للمشترين مارا في طريقه علي شجرة الغريان خلف دارهما. وكانتا تطعمان الغربان بالتبادل كي يؤنسا صمتهم بالنعيق. تلك المرة لمح الكفيفة تتحرك وسط الغريان في هوج ووحشية تفصح عن عماها لتعري عن جسدها الثوب الأسود كاشفا عن كتف ابيض وقد يشلح عن ساقيها ورغم غزارة الشعر بهم الا انهما بدتا له مثير. جاءها من الخلف منقضا علي جسدها أوقفها عن تخبطها. وأحكم الأمساك بها.. ارتبكت... وقبل ان تفلت نفسها كان قد أنهي الأمر سريعا تاركا لها زهرة خشخاش ولم يتكلم ومضي.. كان وجهها محمرا ينفجر باحتقان جديد عليهما... حين رأت الشقيقة زهرة الخشخاش عرفت أن ثمة زائرا، ربما هو زائر امس.. تكررت الزيارات من نفس النوع. قبيل الغروب ودونما موعد كانتا تنتظران عند الشجرة بالتبادل وكان يأتي.. يترك لهما زهور الخشخاش ليحرقاها في المساء حيث يعبق الليل بالخدر فتنتشيا. لاحظت البكماء تناوبه عليهما حين رأته مع شقيقتها من النافذة الخلفية للبيت مرارا.. حتي يوم انتظرته بعيدا ممتلئة بالحقد ولم يفاجئه وجودها أو انها عرفت الأمر.. اقترب منها في لامبالاة تشق يداه طريقها نحو جسدها.. يلصق شفتيه بشفتيها ولم تعترض استسلمت له لمرة أخري.. وما كادا ينتهيان حتي قضمت علي شفتيه طاعة إياه في عنقه... ذبحت غرابا آخر من شجرة الحدآت لغداء اليوم. حليقتي الرأس.. متشحتين بالسواد.. سارآت بقفة العظام والغراب المذبوح وضفائرهن المجتزة وجرار الماء نحو التبه ليقيما طقوس الدفن.