تعرف على برنامج احتفالية عيد العمال بحضور السيسي    عيار 21 الآن بيعًا وشراء.. سعر الذهب اليوم الخميس 2 مايو 2024 في أولى التعاملات    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الخميس    تراجع معدل التضخم في كوريا الجنوبية لأقل من 3% لأول مرة منذ 3 أشهر خلال أبريل الماضي    الإسكان: جار تنفيذ 64 برجا سكنيا بها 3068 وحدة.. و310 فيلات بتجمع صوارى في غرب كارفور بالإسكندرية    الطلاب يتظاهرون بالجامعات البريطانية احتجاجا على الحرب في غزة    هيئة البث الإسرائيلية: تشاؤم في إسرائيل بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن    الدفاع الروسية تعلن إحباط هجوم جوي أوكراني وتدمير 12 طائرة مسيرة كانت تستهدف مناطق في العمق الروسي    ميدو يصدم قائد الأهلي ويطالب بتسويقه    فيديو.. الأرصاد: أجواء مستقرة بشكل كبير حتى الثلاثاء المقبل    مصرع طالب صدمته سيارة مسرعه أثناء عودته من الامتحان ببورسعيد    فصل رأسها عن جسمها.. حبس المتهم بذبح ابنته وتقطيع جسدها لأشلاء في بولاق الدكرور    أبطال فيلم السرب وأسرهم يحتفلون بنجاحه في أول أيام عرضه (صور)    سفير روسيا لدى واشنطن: اتهامات أمريكا لروسيا باستخدام أسلحة كيميائية في أوكرانيا بغيضة    ماذا يستفيد جيبك ومستوى معيشتك من مبادرة «ابدأ»؟ توطين الصناعات وتخفيض فاتورة الاستيراد بالعملة الصعبة 50% وفرص عمل لملايين    "الحرب النووية" سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة    ملخص عمليات حزب الله ضد الجيش الإسرائيلي يوم الأربعاء    حملة علاج الادمان: 20 الف تقدموا للعلاج بعد الاعلان    بحضور السيسي، تعرف على مكان احتفالية عيد العمال اليوم    نسخة واقعية من منزل فيلم الأنيميشن UP متاحًا للإيجار (صور)    هل يستجيب الله دعاء العاصي؟ أمين الإفتاء يجيب    مشروع انتاج خبز أبيض صحي بتمويل حكومي بريطاني    تعرف على أحداث الحلقتين الرابعة والخامسة من «البيت بيتي 2»    الصحة: لم نرصد أي إصابة بجلطات من 14 مليون جرعة للقاح أسترازينيكا في مصر    الصحة: مصر أول دولة في العالم تقضي على فيروس سي.. ونفذنا 1024 مشروعا منذ 2014    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على الإعلامية "حليمة بولند" في الكويت    تشيلسي وتوتنهام اليوم فى مباراة من العيار الثقيل بالدوري الإنجليزي.. الموعد والتشكيل المتوقع    خبير تحكيمي يكشف مدى صحة ركلة جزاء الإسماعيلي أمام الأهلي    الثاني خلال ساعات، زلزال جديد يضرب سعر الذهب بعد تثبيت المركزي الأمريكي للفائدة    متى تصبح العمليات العسكرية جرائم حرب؟.. خبير قانوني يجيب    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على حليمة بولند وترحيلها للسجن    «البنتاجون»: أوستن أكد لنظيره الإسرائيلي ضرورة ضمان تدفق المساعدات إلى غزة    أمطار تاريخية وسيول تضرب القصيم والأرصاد السعودية تحذر (فيديو)    تامر حسني يوجه رسالة لبسمة بوسيل بعد الإعلان عن اغنيتها الجديدة.. ماذا قال؟    كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي في الموارد البشرية؟    هاجر الشرنوبي تُحيي ذكرى ميلاد والدها وتوجه له رسالة مؤثرة.. ماذا قالت؟    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    لاعب الزمالك السابق: إمام عاشور يشبه حازم إمام ويستطيع أن يصبح الأفضل في إفريقيا    وليد صلاح الدين يرشح لاعبًا مفاجأة ل الأهلي    عاطل ينهي حياته شنقًا لمروره بأزمة نفسية في المنيرة الغربية    هذه وصفات طريقة عمل كيكة البراوني    أهمية ممارسة الرياضة في فصل الصيف وخلال الأجواء الحارة    حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    كوكولا مصر ترفع أسعار شويبس في الأسواق، قائمة بالأسعار الجديدة وموعد التطبيق    بسام الشماع: لا توجد لعنة للفراعنة ولا قوى خارقة تحمي المقابر الفرعونية    الأنبا باخوم يترأس صلاة ليلة خميس العهد من البصخة المقدسه بالعبور    برج الميزان .. حظك اليوم الخميس 2 مايو 2024 : تجاهل السلبيات    النصر يطيح بالخليج من نصف نهائي كأس الملك بالسعودية    الخطيب يطالب خالد بيبو بتغليظ عقوبة افشة .. فماذا حدث ؟    يوسف الحسيني : الرئيس السيسي وضع سيناء على خريطة التنمية    أخبار التوك شو|"القبائل العربية" يختار السيسي رئيسًا فخريًا للاتحاد.. مصطفى بكري للرئيس السيسي: دمت لنا قائدا جسورا مدافعا عن الوطن والأمة    بعد أيام قليلة.. موعد إجازة شم النسيم لعام 2024 وأصل الاحتفال به    مفاجأة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم في مصر بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال    بقرار جمهوري.. تعيين الدكتورة نجلاء الأشرف عميدا لكلية التربية النوعية    النيابة تستعجل تحريات واقعة إشعال شخص النيران بنفسه بسبب الميراث في الإسكندرية    أكاديمية الأزهر وكلية الدعوة بالقاهرة تخرجان دفعة جديدة من دورة "إعداد الداعية المعاصر"    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حسن طلب في حوار عن الشعر والثورة:
جيل السبعينيات أصبح مجرد ذكري
نشر في أخبار الأدب يوم 27 - 05 - 2012

في 2005 فاجأ الشاعر حسن طلب الكثيرين بقصيدته "مبروك مبارك" والتي اتسمت بالجرأة والموقف السياسي الواضح، وعبّرت عن أصوات الملايين الذين كانوا يتلقفون كل ما يعبر عن موقفهم الغاضب والرافض لمسرحيات الحكم وقتها. عندما عدت لقراءة القصيدة هذه الأيام بدا لي أنها كانت أشبه بالنبوءة، غير أن طلب يرفض هذا الوصف، يقول إنها كانت مجرد تمن، وإنه آخر من يقرن الشاعر بالنبي، ويدهشه تهافت الأدباء لتسجيل نبوءاتهم الوهمية بالثورة، وفي ظنه أن المصادفة وحدها هي التي جعلت الأمنية التي تضمنتها القصيدة تتحقق:
ستفوزُ نعمْ.. لا ضيْرَ
فإن كان فسادٌ سادَ..
فلا بأسَ بآخَرَ سوف يسودْ!
وسيمضِي الوقْتُ.. نعمْ بالتأكيدْ
وستكتبُ أنت بنفسِكَ:
خاتمةَ سُلالةِ حكَّامِ العسكرِ..
لا بدَّ ستصبحُ آخِرَ حِصرِمةٍ في العُنقودْ
وبأيْديكَ تجيءُ نهايةُ هذا العصرِ المَنكودْ!
ستَتِمُّ من الأعوامِ ثلاثونَ..
ولكن لنْ يرثَ الوارثونَ..
سينقشعُ الوالدُ والمولودْ!
***
والقصيدة إن كانت مُلفتة في ذلك الوقت علي المستوي الجماهيري المشحون، والسياسي الصاخب، لكنها أيضاً استرعت الانتباه أيضاً علي مستوي آخر قد يكون أقل خفوتاً وضجيجاً لكنه الأكثر صلة وتأثيراً بالشعر وقضاياه، فتجربة حسن طلب منذ ديوانه "وشم علي نهدي فتاة"، ومروراً ب"سيرة البنسفج"، و"آية جيم"، وغيرها من دواوينه الشعرية المعروفة مثلت مغامرة في الجماليات الفنية وجاءت هذه القصيدة وما تلاها ليبدو للمتابعين من النقاد والشعراء أن تحولاً ما قد تم في رؤيته للشعر ووظيفته.
هذه الأيام صدر العدد الجديد من مجلة "إبداع" والتي يتولي د. حسن طلب منصب نائب رئيس تحريرها، وفيها كتب مقالاً عن علاقة الفني بالسياسي، حمل أفكاراً لها علاقة مباشرة بالواقع الذي نحياه حالياً، وبالحوار الذي لم ينفتح بالشكل الذي يليق به حول تورط الفن يوماً بعد الآخر في السياسي (بمعناه المباشر والفج). وكان المقال فرصة للحوار مع حسن طلب.
في مقالك عن "الفن والسياسة" في عدد الشتاء من "إبداع" قلت: "الحماسة السياسية التي نستشفها من كتابات بعض نقادنا الكبار نموذج للكتابة الشائعة عن صلة الفن بالثورة منذ 1952.
هل تري أنه بعد ثورة يناير هناك إعادة إنتاج لمفاهيم ثورة يوليو من حيث طغيان السياسي علي الفني؟
- نعم، هناك طغيان لا شك فيه للسياسة علي الفن، وهو ما لا يمكن فهمه إلا في ضوء طغيان آخر مواز يتم باسم الدين، وهو بلا شك أخطر وأشد توحشا؛ وتارة أخري يتم باسم الأخلاق؛ وهذه هي الصور النمطية الثلاث التي مورس الطغيان ضد الفن تحت رايتها عبر التاريخ؛ مع ملاحظة الإطار المشترك الذي يوحد أنواع الطغيان الثلاثة من جهة، في مواجهة الفن من جهة أخري؛ فثلاثتها تعمل جاهدة علي مصادرة حق الفن في أن يوجه نفسه بنفسه، أي حريته في أن يعمل وفق قانونه الخاص، لكي تقوم هي بتوجيهه وتحديد ما يصح أن يقوله وما لا يصح، بل وتحديد الطريقة التي يقول بها ما يقول! فالمطلوب من الفن إذن أن يظل خادما إما في ساحة السياسة، أو في بلاط الدين، أو في حضرة الأخلاق! وأنا أتفق معك في هذه النقطة؛ ولكني أختلف معك في نقطة أخري، هي تلك المتعلقة بإعادة إنتاج مفاهيم ثورة يوليو 52، من حيث طغيان السياسي علي الفني؛ فلست من المؤمنين بفكرة (إعادة الإنتاج) من الأساس؛ وإلا فهل نستطيع أن نستعيد المشهد كاملا، لنستبدل بسماسرة النقد هذه الأيام، أعلام النقد في الخمسينيات والستينيات؟! هل يمكن أن تقارن محمد مندور ولويس عوض وشكري عياد ومحمود أمين العالم وعز الدين إسماعيل ومصطفي ناصف وعبد القادر القط بأحد من نقاد الصف الأول هذه الأيام ممن تركوا مهمتهم وتفرغوا لخدمة الطغاة في الداخل والخارج! وسال لعابهم لجوائز مشبوهة من القذافي وغيره، فأحدهم يُحكِّم اليوم والآخر يفوز، لكي تنعكس الآية في الغد؟! نقادنا اليوم أتفه من أن يعيدوا سيرة أسلافهم؛ فهؤلاء كانوا رسلا، قد تختلف مثلا مع لويس عوض في ربطه بين الأدب والثورة (راجع مثلا كتابه: الثورة والأدب)، ولكنك لا تملك إلا أن تحترم واقعيته، كما تحترم محمد مندور في دعوته للشعر المهموس؛ ومحمد حسين هيكل في موازاته بين الثورة الأدبية والثورة السياسية؛ وكما تحترم شكري عياد ومصطفي ناصف، أما أولئك فمجرد سماسرة محترفين يبيعون ويشرون ويساومون في سوق الثقافة.
في 52 كان هناك مشروع سياسي واضح المعالم وعليه كان توجيه الفن لصالح هذا المشروع سهلاً، لكن ما المشروع الآن، وما المطلوب من الفن؟ ومن يوجهه؟
- وهل يحتاج الفن دائما إلي مشروع سياسي؟! ألا يكفيه مشروعه الخاص الذي ترسم حدوده الحرية وتنيره شموس الجمال! نعم قد يتصادف أن يقوم الفن أحيانا بدور سياسي تحريضي، أو بدور اجتماعي مباشر، وقد يؤدي هذا الدور بنجاح منقطع النظير، وفي التاريخ شواهد عدة تؤكد هذه الحقيقة، غير أن ما يقوم به الفن من دور سياسي واجتماعي شيء، وما يجعله ذا قيمة جمالية باقية شيء آخر مختلف تماما، يمكنك مثلا أن تعلق لوحة فنية نادرة علي الحائط بحيث تغطي تشويها أو عيبا ما في هذا الحائط، وسوف تقوم بدورها المطلوب، فيتواري التشويه خلف اللوحة، ولكن سيبقي هذا الدور أمرا عارضا لا علاقة له بالقيمة الجمالية للوحة، وتستطيع بالمثل أن تجد نشيدا أو أغنية حماسية أو مقطعا شعريا ساخنا، يحرك عشرات الألوف من الثوار في لمح البصر، ولكن بعد أن ينقشع الغبار، سيحتاج هذا العمل إلي ما يبرر بقاءه فنيا، وإلا فهو ميت لا محالة! لقد نسينا سائر ما قاله الشعراء في الدفاع عن الإسلام (المشروع الثوري) ضد المشركين في فجر الدعوة، بل نسينا أسماء هؤلاء الشعراء المقاتلين؛ ولكننا لا نزال نستمتع بما تركه لنا العذريون في القرن الأول الهجري: قيس بن الملوح وجميل بن معمر وسواهما. الفن يموت إذا صار تابعا لمشروع من خارجه.
من "وشم علي نهدي فتاة" و"سيرة البنسفج" و"آية جيم" وغيرها من دواوينك الشعرية التي اعتبرها النقاد مغامرة في الجماليات الفنية إلي "مبروك مبارك" و"ارسم هلالاً كالصليب" ثم "إنجيل الثورة وقرآنها"... يبدو هذا تحولاً في رؤيتك للشعر ووظيفته من التلميح والإشارة إلي الوضوح والصراحة... هل تم ذلك وفق مراجعة ما؟
- مراجعة الشاعر والفنان عموما لنفسه أمر طبيعي وأكاد أقول: ضروري إلي أبعد حد، ولكن هذه المراجعة تحتاج لتكون ناجحة إلي ما هو أبعد من مجرد الرغبة فيها، فأنت مطالب دائما بألا تكرر تجارب الآخرين، وألا تستنسخ نفسك في الوقت ذاته، وإلا فخير لك أن تصمت! وربما أكون قد أحسست بحاجة ملحة للمراجعة بعد ديوان (آية جيم) بصفة خاصة؛ فقد بدا لي أني وصلت في هذا الديوان إلي أبعد خطوة يمكنني أن أخطوها في
طريق طويلة غامرت وحدي باستكشافها. غير أن المراجعة عندي لا تعني القطيعة كما روج لها كثيرون بحماسة ينقصها الوعي في الغالب. لا يستطيع الشاعر أن يقيم قطيعة شاملة مع تراثه العام ولا مع تراثه الخاص، وإلا خرج علينا بما يشبه اللغو! ولهذا أظن أن دواويني التالية علي (آية جيم) لم تزل تدل علي صاحبها، فعلي الرغم من أنها قد انتقلت من توظيف الحرف جماليا، إلي توظيف الفكرة، أي من شعرية اللغة الخالصة إلي شعرية اللغة المباشرة؛ إلا أن المحاولة في الحالين تظل في إطار توظيف هذا العنصر أو ذاك لصالح التجربة الشعرية؛ وأنا من الذين يؤمنون بأن الأفكار المباشرة لا تستعصي علي التوظيف الشعري، بشرط أن يكون الشاعر قادرا علي هذا دون أن يضحي بالشعر، ومن يؤمنون بغير هذا يغامرون باستبعاد روائع الشعر العالمي، بل والعربي، وأول من سيستبعد هو شاعر العربية الأعظم: المعري.
وفي هذا الإطار كيف تري الأمر بشكل أعم، بمعني هل يمكن القول إن تلك المراجعة تنسحب علي جيل السبعينيات بشكل ما؟
- جيل السبعينيات أصبح الآن مجرد ذكري! فهذه جماعة (إضاءة) ومن بعدها جماعة (أصوات) قد تفرق أفرادهما أيْدي سَبَأ! أما السبعينيون المستقلون فقد ظهروا فرادي من الأصل؛ وعلي الجملة، بوسعي أن أقول أنه لم يعد يبقي من شاعر حقيقي مهم بين هؤلاء وأولئك غير ثلاثة أو أربعة علي الأكثر، وهم بالتحديد من كانوا الأحرص علي مراجعة أنفسهم، لا من أجل الانقلاب 180 درجة ومجاراة التقاليع الشعرية الرائجة، ولكن من أجل تطوير تجاربهم وتكثيفها وتطعيمها بما يحفظ لها بكارتها وطزاجتها الدائمة، وربما كان الشاعر محمد سليمان هو أبرز من يصدق عليه هذا القول من بين أقرانه.
كيف تري القصيدة بعد الثورة، وكيف يمكنك شخصياً الموازنة بين الجمالي والسياسي؟
في كل مرة أؤكد فيها ما أعتقده من استقلال الظاهرة الجمالية؛ أخشي أن يساء فهم قولي هذا فيؤخذ علي أنه دعوة لفصل الفن عن الواقع أو عن المجتمع عامة وليس عن السياسة وحدها؛ والحقيقة أنني من أشد خصوم هذه الدعوة بصورتها الفجة؛ فمجرد الإمساك بالقلم أو بالفرشاة أو بالإزميل، هو في حد ذاته فعل سياسي بالمعني العميق للكلمة؛ وما دمنا نقول إن الإبداع الفني لا يمكن أن يتحقق أساسا إلا انطلاقا من أرض الحرية، فنحن غير بعيدين عن السياسة بمعناها الأشمل. ومن الواجب هنا أن نفرق بين الفعل السياسي العام الذي يقوم في جوهره علي تأكيد قيم العدالة والحرية في العلاقات الإنسانية المتشابكة بين أطياف المجتمع، وبين الفعل السياسي اليومي المرتبط بمشكلات تفصيلية وأحداث آنية وبرامج حزبية ضيقة قابلة للتغيير أو حتي للتطوير؛ ولا يتعرض الفن للخطر إلا حين يقع في فخ السياسة بهذا المعني المحدود. وهذا هو الأساس الفلسفي الذي جعل فيلسوفا كبيرا مثل "كانط" يقرر أن الظاهرة الجمالية غائية بلا غاية، أي أن النشاط الفني الحقيقي منزه عن الغرض. وهو ما طوره في النصف الأخير من القرن التاسع عشر بعض المفكرين والأدباء من مؤسسي مدرسة: (الفن للفن). ومع هذا؛ ينبغي ألا ننسي ما يؤكد القاعدة من استثناءات عبر التاريخ، حيث ينجح عباقرة الفن الملهمون أحيانا في أن يلقوا بشباكهم ليقنصوا الطائرين معا: طائر الجمال مع طائر السياسة، أو مع طائر الدين والأخلاق، وإن ظل تغريد طائر الجمال هو الأصل! والوقت لا يزال مبكرا للحكم علي شعر الثورة عندنا، ولكن يكفي أن نرصد التهافت المفتعل من أجل غسيل الضمائر بالشعر، من قبل بعض شعراء العامية الذين كانوا يهنئون مبارك بعيد ميلاده قبل الثورة بأشهر قلائل، وكانوا من أتباع وزير ثقافته مع غيرهم من الأتباع، فلما قامت الثورة هرولوا ليلحقوا بقطارها، فكتبوا لها (المنافستو) وبراءة الأطفال في عيونهم، وعلي جبينهم طهارة الثوريين الشرفاء! كما نرصد ظاهرة أخري تخص بعض الشباب ممن أغواهم المشهد بحصد لقب شاعر الثورة في الزحام، وهؤلاء مساكين، فلم يدم لهم اللقب إلا أشهراً معدودات، ثم تبخروا كفقاقيع الهواء! أما الشعراء الجادون ممن استلهموا الثورة في قصائدهم؛ فلا تصدقهم إذا ما قال قائلهم إنه لم يقصد إلا مواكبة هذا الحدث التاريخي الجلل والتغني به؛ فما من شاعر حقيقي إلا ويطمح إلي أن يجمع بين الحسنيين! فيحقق المعادلة الصعبة بين الجمالي والسياسي، وهي معادلة لا يفك طلاسمها إلا العباقرة، ولا يحلها إلا ذو حظ عظيم!
هل تعتقد أن الخلاف بينك وبين جابر عصفور والذي وصل إلي ساحات القضاء، يمكن أن يكون بداية نقاش حقيقي حول علاقة المثقف بالسلطة في مصر والعالم العربي، وفتح ملفات أخري لمثقفين لم يقلوا تورطاً عن عصفور؟
- معركتي مع عصفور ليست معركتي وحدي، بل معركة كل مفكر أو أديب أو فنان شريف حر، لأنها معركة ضد الفساد، وكما يحارب القضاة الفساد في مؤسساتهم، وكما يحاربه السياسيون في أحزابهم والصحافيون بين صفوفهم، فعلي المثقفين كافة أن يتحدوا ليحاربوه معا؛ فبدون اتحادهم لن تتطهر الحياة الثقافية المصرية، ولن تعود لها عافيتها، فقد نجح عصفور وسواه من أتباع فاروق حسني، في زرع جيش من الفلول يحاول الآن جاهدا أن ينقض ليقبض علي مقدرات وزارة الثقافة ويعيدها إلي سابق عهدها، لتظل تدار بالطريقة التي كانت تدار بها أيام فاروق حسني! وهؤلاء الفلول لا يعملون بمعزل عن بعض القوي الفاسدة في جهات عربية إعلامية وثقافية، فإذا بدأ المصريين حملتهم ضد بقايا الفساد الثقافي، سيسقط الفاسدون العرب تلقائيا.
طالبت شاكر عبد الحميد ومن بعده صابر عرب بالتصدي للفساد المتراكم في وزارة الثقافة.. هل تري أن تلك الوزارة قابلة للإصلاح بالفعل لتكون معبراً عن ثقافة مصر ومثقفيها، أم أنها وصلت إلي المرحلة التي أصبح معها عدم وجودها أفضل؟
- كنت أعول علي شاكر عبد الحميد كثيرا، فأنا علي علاقة حميمة به منذ 1975، وأعلم أنه نزيه وطاهر اليد، ولهذا استبشرت خيرا عندما اختاروه وزيرا! وقلت في نفسي: سيصلح ما أفسده الذين سبقوه جميعا، سواء قبل الثورة أو بعدها، غير أن صدمتي فيه كانت كبيرة، وأظن أن كثيرين غيري لديهم الشعور نفسه، فقد جعل شعاره: ليبق الفساد علي حاله، ولأترك المشاكل لمن سيأتي بعدي! وكانت فرائصه ترتعد إذا ما اتخذ قرارا صحيحا فتظاهر ضده بضعة أنفار، ليعود علي الفور فيلغي القرار! وقد تكرر هذا كثيرا في الأشهر التي استوزر فيها، فاكتشفنا ولكن بعد فوات الأوان، أن النزاهة وطهارة اليد لا تكفي، بل لا بد من قوة الشخصية والبصيرة السياسية النافذة والصلابة والخبرة في إدارة الأزمات، كل هذه الأمور ضرورية للوزير، وإذا غابت، فإن نتائجها الكارثية قد لا تقل عن كوارث اللصوص من الوزراء الفاسدين!
غير أن شخصية الدكتور محمد صابر عرب، الوزير الحالي، تختلف اختلافا جذريا عن شخصية سلفه الدكتور شاكر، فهو كما عرفته في أثناء رئاسته لدار الكتب وهيئة الكتاب معا، ذو صحيفة بيضاء من غير سوء، وهو إنسان من الطراز الأول ومثقف جاد وإداري حازم لا يقبل أن يتستر علي فساد أو يغضي علي وضع مرفوض، مهما كان الثمن، ولا أذيع هنا سرا إذا قلت إن أول قرار شجاع اتخذه كان استبعاد رئيس دار الكتب، الذي كان قد عينه الدكتور شاكر علي الرغم من تحذيرات المثقفين وعلي رأسهم الدكتور صابر نفسه!
وما دام المسؤولون قد اهتدوا أخيرا إلي رجل من هذا الطراز ليتولي وزارة الثقافة، فلا مانع عندي من أن تستمر الوزارة، لأنها ستكون تحت قيادته كيانا آخر غير الكيان الفاسد الذي عهدناه، ستكون خير عون للجماعات الثقافية الأهلية ولعموم المثقفين، ولا بد من أن ينعكس هذا بالإيجاب علي حيوية الثقافة المصرية، خاصة إذا استمر الوزير في سياسته التطهيرية دون أن يمنح أذنيه للفلول وأصحاب المصالح، ومن واجبنا ألا نقف متفرجين، وإنما نراقب ونشارك، فنشد علي يد الوزير إذا أصاب، وننبهه إذا أخطأ. علينا أن نغتنم الفرصة، فما كل مرة سيحسن المسئولون اختيار وزير الثقافة!
في مقال لك قلت إن الصراع بين الدين والفن لا يعود إلي تنافر بينهما وإنما لأن كلاً منهما يريد الاستئثار بمملكتي الرمز والخيال... كيف تري الصراع في الفترة المقبلة، وهل بإمكان الجماعة الثقافية بوضعها الضعيف الحالي الدفاع عن حرية الرأي والتعبير، أم ستدخل إلي حظيرة من نوع آخر؟
أقصد بما قلته إن العلاقة بين الدين والفن تختلف جوهريا عن تلك التي بين الدين والعلم، فالأولي علاقة بين أشقاء، فالمنافسة واردة بقوة، والصراع كامن كالجمر تحت الرماد، إنهما قابيل وهابيل، علي أن الدين هو الذي يمثل هنا دور قابيل ليفتك بشقيقه الطيب المسالم هابيل، ويزيحه عن طريقه. هما شقيقان يتكلمان لغة واحدة هي لغة الرمز، ويستظلان بمظلة واحدة هي مظلة الخيال؛ فحاجة الدين إلي التعبير المجازي أو الرمزي لا تقل عن حاجة الفن؛ فيقول مثلا: واعتصموا بحبل الله، وليس من حبل هناك، ويقول: يد الله ووجه الله حيث لا وجه ولا يد وإلا وقعنا في التشبيه والتجسيم. ولأن لغة الدين والفن واحدة، فقد أصبح مفهوما أن يسعي كل طرف إلي أن يكون سيد هذه اللغة ليجعل من الطرف الآخر مجرد تابع، وهذا بالضبط ما يحاوله الدين مع الفن علي مر العصور، ولا سيما الأديان السماوية، فما فعلته المسيحية الوسيطة وهي تحطم الأيقونات، فعله فقهاء الإسلام في حملتهم علي شعر أبي نواس والمعري قديما، وعلي نجيب محفوظ حديثا! غير أن الفن لا يستطيع أن يكون تابعا بدون أن يفقد حريته التي هي سر وجوده، ولا يقبل أن يملي عليه رجل الدين ما ينبغي وما لا ينبغي! فحكم القيمة في عالم الفن هو بين الجمال والقبح، وليس بين الحلال والحرام! إن إحدي خمريات أبي نواس تتفوق جماليا علي مئات قصائد المديح النبوي! وهذا هو ما لا يفهمه فقهاء هذه الأيام ممن وقفت ثقافتهم عند ما حفظوه عن الوهابيين أو ما وصل إليهم من ابن تيمية وابن القيم!
وإذا كانت معركة المثقفين في إحدي جبهاتها هي ضد الفساد الذي أورثنا إياه فاروق حسني وتلامذته المخلصون، فإن الجبهة الأخري هي في مواجهة التيارات الإسلامية المتطرفة التي سيطرت علي البرلمان، وتطمع الآن في أن تتسلط علي عقل مصر ووجدانها، وما حدث من مقاضاة عادل إمام ليس إلا جرس الإنذار الذي يفرض علي المثقفين أن يتوحدوا ليخوضوا معركتهم صفا واحدا، إنها المعركة التي بديل فيها عن النصر.
ما رأيك في موقف أدونيس وسعدي يوسف من الثورات العربية؟
- موقف أدونيس وسعدي من الثورات العربية عموما، موقف سلبي صريح، وعلي الأخص الثورة السورية. غير الأمانة تقتضي أن نميز بين الموقفين لاعتبارات شتي أهمها أن أدونيس شيعي علوي كما هو معروف، وقد ظهر لنا منذ ثورة الخميني في السبعينيات أن شيعيته تغلبه علي أمره فتنتصر علي حداثيته أو استنارته إذا وقع الصدام! وإلا فكيف يمكن أن نغفر مديحه لحكومة آيات الله الثيوقراطية في "قم"؟ وهو مديح حار خارجي كالزفير بارد باطني كالشهيق: يقول أدونيس:
كيف أروي لإيران حبي؟
والذي في زفيري
والذي في شهيقي
تعجز عن قوله الكلمات!
لكي تتحول في صبواتي
نار عصف تطوف في الخليج
وأقول المدي والنشيج
إن أدونيس الذي كتب هذا المديح في آيات الله منذ بضعة وثلاثين عاما، والذي لم يدهشنا صمته عن إباحة دم سلمان رشدي، وإن كان قد أدهشنا بالكتابة عن محمد بن عبد الوهاب باعتباره من رواد النهضة! هو أدونيس الذي لم يفاجئنا من قبل صمته علي توريث الحكم في سورية، ولا موقفه المتواطئ عشية دخول الجيش السوري لبنان لضرب المقاومة الفلسطينية! ولا موقفه الأخير المتخاذل من الثورة السورية وهو يري الدماء تسيل أنهارا، فلا يطرف له جفن! بل واتته الجرأة علي أن يخاطب السفاح السوري قائلا: (السيد الرئيس...)؛ لم يفاجئنا أدونيس بهذه المواقف المشينة كلها، لأنه لم يكن يوما معارضا لنظام الأسد الطائفي الاستبدادي، كما يخبرنا زملاؤه من الكتاب السوريين الثقاة، مثل صادق جلال العظم وفاروق مردم.
هل يمكن للانتماء الطائفي أن يعصف بروح الحداثة ودعوي الاستنارة إلي هذا الحد؟ وهل يمكن أن يكون خروج الثورة من المساجد أحيانا، مبررا للصمت علي هذه المجازر المهولة وهذا الاستبداد الدموي! وهل تفقد الثورة مشروعيتها ويفقد شبابها حقهم في الحماية من الذبح لمجرد أنهم بلا مشروع بديل يجمع شتاتهم! ما أبشع المثقف حين يخون ضميره!
والانتقال من أدونيس إلي سعدي، هو انتقال من الشيعي إلي الشيوعي، ولأن تخاريف سعدي يوسف في السنوات الأخيرة تحت لافتة (الشيوعي الأخير) قد أصبحت عنده حقيقة راسخة لا يصدقها غيره، فقد أراد فيما يبدو أن تكون الثورة المصرية هي الثورة الشيوعية الأخيرة؛ وإلا فهي ليست بثورة، والربيع العربي ليس إلا صنيعة أمريكية! هكذا بجرة قلم ويا له من قلم أرعن رعونة قصيدته عن مصر البهية التي أهداها إلي أحمد فؤاد نجم! بل يا له من قلم خائب خيبة قصيدته الركيكة: أي ربيع عربي! وقصيدته الأفدح ركاكة في هجاء برهان غليون!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.