مرحباً بالرئيس السوداني عمر البشير، ونرجو الله أن تنقشع إلي الأبد السحابات السوداء من سماء العلاقات بين البلدين، فالنيل الذي يربطنا ليس مجرد مياه تجري في الأرض، لكنه دماء تتدفق في العروق، فتوحد المشاعر والمصالح، وتزيد أواصر المحبة والتآخي، ويا حبذا لو تعضدت العلاقات الطيبة بمشروعات ضخمة، تعود ثمارها علي البلدين، والسودان الشقيق لديه من الإمكانيات والثروات الطبيعية، ما يمكنه من التقدم والازدهار. لن يستفد أحد من الوقيعة بين البلدين إلا أعداء البلدين والشعبين، فلننس خلافات الماضي ونتطلع للمستقبل، ونحلم بالازدهار في وادي النيل، وما أحوجنا أن نستعيد ذكريات الزمن الجميل، حين تألفت القلوب وتصافحت الأيدي، وكان السودان دائماً في قلب مصر، وفتح السودانيون قلوبهم للمصريين في أوقات الشدة والأزمات، ولنتذكر كيف استقبلوا رفاعة رافع الطهطاوي ومحمود سامي البارودي والدكتور محمد حسين هيكل وعباس محمود العقاد، واحتضنوهم بقوة حين ضاقت بهم السبل بفعل الضغوط السياسية، وكانوا رسلاً للوعي والفكر والاستنارة في السودان الشقيق. والتاريخ لا ينسي للرئيس السوداني إسماعيل الأزهري وقفته القوية بجوار أخيه الرئيس جمال عبد الناصر بعد نكسة 67، وأثناء انعقاد القمة العربية في الخرطوم، وأصر الأزهري علي إجراء مصالحة تاريخية بين ناصر والعاهل السعودي الملك فيصل، وإزالة أوجاع حرب اليمن، فتصافحا وتصالحا، واكتسب العرب قوة جديدة، واسترد عبد الناصر ثقة العروبة، ومضي في إعادة بناء القوات المسلحة بدعم ومساندة أشقائه العرب. نحن، في مصر والسودان، يجب أن نفعِّل كل أسباب التعاون والتقارب، خصوصاً في أوقات الخطر، والبلدان يتعرضان الآن لمخاطر حقيقية من قوي متربصة، والظرف الراهن يستلزم استبعاد أسباب الجفوة والخلاف، واستدعاء المخزون الاستراتيجي لوحدة وادي النيل، فبيننا رصيد كبير يمكننا من اجتياز التحديات والأزمات، والانطلاق للمستقبل بخطي واثقة. يُحمد للرئيسين أنهما تجاوزا أسباب الخلاف، وتطلعا إلي المستقبل بإخلاص وتفاهم، وخرجا في قمة أديس أبابا الأخيرة متصافحا الأيدي والقلوب، معلنين بداية مرحلة جديدة، تحتاجها مصر ويحتاجها السودان، محذرين وسائل الإعلام المهيجة التي تفتش عن الوقيعة، من الاستمرار في دسائسها، فمصالح الدول ومصائر الشعوب خط أحمر، ولن تكون أبداً هدفاً لإعلام أسود، يثير الفتن ويبحث عن أسباب الخلاف البسيطة، فيشعلها حرائق كبيرة. لقاء الرئيسين في القاهرة كان بمثابة مظلة سياسية رائعة، لتمضي العلاقات في طرق ممهدة، ولكن تلزمها جهود شعبية علي مختلف الأصعدة: أولاً: من الضروري تفعيل المشروعات الاقتصادية المشتركة، وأن يساهم رجال الأعمال من البلدين في تعظيم الاستفادة من الفرص الاستثمارية المتاحة، وأن تُقدم في الدولتين تسهيلات وامتيازات وضمانات، تجذب رءوس الأموال وتحفِّز علي المشاركة وتخلق فرص عمل، وتحقق قدراً مناسباً من الاكتفاء الذاتي. ثانياً: التقارب الإعلامي من أهم الملفات التي يجب التركيز عليها، فلا يصح أبداً السماح لوسائل الإعلام الضالة أن تعبث في النور والظلام بمصالح الدولتين، ولا يجوز أن ينجرف بعض الكُتَّاب والصحفيين والإعلاميين وراء حملات مغرضة ومشبوهة، كانت السبب الرئيسي في سحابة الصيف التي مرت بسماء العلاقات بين البلدين. ثالثاً: أين الأزهر وجامعة القاهرة والمنتديات الثقافية، التي كانت سياجاً آمناً يحفظ العلاقات ويدعم التواصل مع الأشقاء في السودان، ولماذا تراجع دورها؟.. والأهم من كل ذلك أن تنفتح قنوات التواصل وتبادل الزيارات واللقاءات والفعاليات. رابعاً: من الضروري إيقاظ القوي الناعمة، التي تنبهت لها سيدة الغناء العربي أم كلثوم، فغنت للشاعر السوداني الكبير »الهادي آدم»، قصيدة »أغداً ألقاك»، وكانت بلسماً قاد التلاقي بين الشعبين.. فلماذا اختفت الأعمال الفنية والأدبية المشتركة. مرحباً بالرئيس السوداني، ونتمني أن تكون زيارته فاتحة خير.. وكل الخير لمصر والسودان.