رئيس جامعة قناة السويس يُؤكد توافر الأطقم الطبية داخل عيادات كل كلية أثناء فترة الامتحانات    اللجنة العامة ل«النواب» توافق على موزانة المجلس للسنة المالية 2024 /2025    «المجلس القومي»: ارتفاع المقاعد المخصصة للمرأة في مجلس النواب إلى 165 عضوة في 2022    وزير الداخلية يستقبل نظيره الكويتي لبحث سبل تعزيز التعاون الأمني بين البلدين (صور)    على غرار 18 و19 يناير 1977 ..هل تتكرر انتفاضة الخبز فى مصر ؟    أثر إيجابي على الوضع الاقتصادي.. رئيس الوزراء يشيد بانخفاض معدل المواليد    بمشاركة 500 قيادة تنفيذية لكبريات المؤسسات غدا.. انطلاق قمة مصر للأفضل تحت رعاية رئيس الوزراء لتكريم الشركات والشخصيات الأكثر تأثيرا في الاقتصاد    وزير الدفاع الإسرائيلي: إسرائيل تعتزم عزل مناطق في غزة وإبعاد نشطاء حماس عنها    ذا هيل: تحالف كوريا الشمالية وروسيا قد يلحق ضررا ببايدن في الانتخابات الرئاسية    مصر تواصل تحركاتها لتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة إلى أهالي غزة    منتخب السويس يتعادل سلبيًا مع الترسانة بدورة الترقي الرباعية    جهزنالك الرابط.. موعد إعلان نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 محافظة دمياط    أماكن صلاة عيد الأضحى في المحافظات 2024.. الأوقاف تعلن 6 آلاف ساحة    «القومي للمرأة»: مؤشر عدد الإناث بالهيئات القضائية يقفز ل3541 في 2023    طبعة إنجليزيّة لرواية "أَدْرَكَهّا النّسيانُ" لسناء الشّعلان (بنت نعيمة)    بسبب الحداد.. عمر كمال يؤجل طرح أغنيتة الجديدة    سوسن بدر تشكر «المتحدة» بعد تكريمها في احتفالية فيلم أم الدنيا 2    ينطلق السبت المقبل.. قصور الثقافة تعلن عروض المهرجان الختامي لفرق الأقاليم المسرحية    تعرف على سبب فشل زيجات نسرين طافش    خبيرة فلك تبشر مواليد هذه الأبراج بانفراجة كبيرة    الأفلام المصرية تحقق 999 ألف جنيه إيرادات في يوم واحد.. والسرب يحتفظ بنصيب الأسد    دعاء ذبح الأضحية كما ورد في السنة..« إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله»    تكبيرات عيد الأضحى مكتوبة.. «الإفتاء» توضح الصيغة الشرعية الصحيحة    تعرف على محظورات الحج وكفارتها كما حددها النبي (فيديو)    "صحة المنيا" تنظم قافلة طبية بقرية الفرجانى.. غدا    رئيس الشعبة بالغرف التجارية: مبيعات الأدوية تتجاوز 65 مليار جنيه خلال 5 أشهر من 2024    البنك التجاري الدولي يتقدم بمستندات زيادة رأسماله ل30.431 مليار جنيه    أمينة الفتوى: «بلاش نحكي مشاكلنا الزوجية للناس والأهل علشان متكبرش»    «كوني قدوة».. ندوة تثقيفية عن دور المرأة في المجتمع بالشرقية    علاء نبيل يعدد مزايا مشروع تطوير مدربي المنتخبات    إصابة سائق إثر حادث انقلاب سيارته فى حلوان    طرق حديثة وحماية من السوشيال.. أحمد حلمى يتحدث عن طريقة تربية أولاده (فيديو)    توني كروس يصل ل300 انتصار مع الريال بعد التتويج بدوري أبطال أوروبا    مفاجأة.. مدرب ليفربول يحسم مستقبل محمد صلاح    خاص رد قاطع من نادي الوكرة على مفاوضات ضم ديانج من الأهلي    الأمم المتحدة: أطفال السودان يعانون من سوء التغذية    عميد الكلية التكنولوحية بالفيوم يتفقد لجان امتحانات الفصل الدراسي الثاني    «التنظيم والإدارة» يتيح الاستعلام عن نتيجة التظلم للمتقدمين لمسابقة معلم مساعد    في دقيقة واحدة.. طريقة تحضير كيكة المج في الميكروويف    برلماني أيرلندي ينفعل بسبب سياسة نتنياهو في حرب غزة (فيديو)    العمل: 3537 فُرصة عمل جديدة في 48 شركة خاصة تنتظر الشباب    الاحتلال الإسرائيلي يواصل قصفه قرى وبلدات جنوبي لبنان    محمد الشيبي.. هل يصبح عنوانًا لأزمة الرياضة في مصر؟    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل مسن في روض الفرج    تأجيل إعادة إجراءات محاكمة متهمين ب "جماعة حازمون الإرهابية" ل 2 سبتمبر    الأهلي يكرم فريق سيدات اليد    مفتي الجمهورية: يجوز للمقيمين في الخارج ذبح الأضحية داخل مصر    وزير المالية: مشكلة الاقتصاد الوطني هي تكلفة التمويل داخل وخارج مصر    توجيه جديد لوزير التعليم العالي بشأن الجامعات التكنولوجية    وزير الإسكان ومحافظ الإسكندرية يتفقدان مشروع إنشاء محور عمر سليمان    تحرير 139 مخالفة للمحلات غير الملتزمة بقرار الغلق لترشيد الكهرباء    توريد 125 طن قمح لمطحن الطارق بجنوب سيناء    في زيارة أخوية.. أمير قطر يصل الإمارات    غرفة الرعاية الصحية: القطاع الخاص يشارك في صياغة قانون المنشآت    محافظ كفر الشيخ يعلن أوائل الشهادة الإعدادية    تحرير أكثر من 300 محضر لمخالفات في الأسواق والمخابز خلال حملات تموينية في بني سويف    لتحسين أداء الطلاب.. ماذا قال وزير التعليم عن الثانوية العامة الجديدة؟    عمرو السولية يكشف طلب علي معلول في لقاء الجونة وما ينتظره من الأهلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما يخفيه المسلسل أكثر فظاعة من الجدل حول تجسيد الصحابة
الحسن والحسين نموذج للفكر السلفي
نشر في أخبار الأدب يوم 28 - 08 - 2011

أثار مسلسل الحسن والحسين الكثير من الجدل حول تجسيد شخصيات الحسن والحسين في المسلسل مما قوبل بالرفض التقليدي من الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية في مقابل تحمس وتأييد من جهات ثقافية أخري يغلب عليها الطابع الحداثي بالاشتراك مع بعض الفقهاء وعلماء الدين المستنيرين الذين أجازوا صدور العمل، وفي تقديري أن هذا الجدل كان محبطا للغاية لأن شكلانيته وجزئيته قد صرفت الأنظار ليس فقط عن المستوي الفني المتواضع للعمل ولكن عن حقيقة أنه إنحاز للحداثة شكلا ولأشد تصورات العقل السني الإسلامي تقليدية وأرثوذكسية لدرجة المدرسية الجامدة مضمونا.
والمسلسل عرض لقضايا الفتنة الكبري وتمرد بعض سكان الأمصار علي الخليفة الثالث عثمان بن عفان وقتلهم إياه ثم خروج طلحة والزبير والسيدة عائشة علي الخليفة الرابع علي بن أبي طالب في موقعة الجمل ثم قتال علي ومعاوية بن أبي سفيان في موقعة صفين وخروج الخوارج لاحقا علي علي بعد وقعة التحكيم وأخيرا مقتل علي وتولي معاوية للخلافة و إنتهاء عصر الخلفاء الراشدين، وتلك الوقائع التي إستغرقت مايقرب من عشر سنوات هي فترة تأسيسية لأغلب الفرق الإسلامية والمذاهب السياسية الإسلامية من هنا كان الاهتمام البالغ تاريخيا من الفقهاء والمؤرخين بها.
ومن العبث أن يتحدث مؤلفو المسلسل عن التزامهم بكتب التاريخ لأن المصادر التاريخية عند الطبري والبلاذري وغيرهما ممن أرخوا لهذه الفترة هي مليئة بالعديد من الروايات التاريخية المختلفة والمتناقضة والتي تختلف حول التواريخ والأسماء والشخصيات والأدوار وتسلسل الأحداث... إذن فانحياز المسلسل إلي رواية تاريخية بعينها وهي نفس الرواية الكلاسيكية الرسمية التي ارتضاها الكثيرون عبر القرون لهو فعل أيديولوجي بإمتياز لا يمكن فهمه إلا في سياق الرغبة الحميمة في الحفاظ علي محددات العقل السياسي العربي فيما يخص قضية عدلية الصحابة والمعارضة السياسية وشرعية الحكم.
تقول تلك الرواية المنتقاة أن المحرك الأساسي والوحيد تقريبا لكل أحداث هذه الفتنة هو شخص يهودي من أهل اليمن هو عبد الله بن سبأ المعروف بإبن السوداء وقد دخل الإسلام بغرض وحيد هوتفتيته من الداخل للتنفيث عن حقده اليهودي ويختلف المؤرخون حول وجود هذه الشخصية أصلا وحول نسبها ومولدها وموطنها وما نسب إليها من أفعال بل يمضي بعضهم إلي قول فيه شطط أن إبن سبأ لم يكن إلا إسما أطلق علي الصحابي المعروف عمار بن ياسر.
و لا خلاف علي ذلك الاختلاف في رأيي حول شخصية الرجل لكن الأزمة الحقيقية هي في ارتضاء البعض لتفسير يقوم بشيطنة هذا الرجل وتصويره بشكل خارق للعادة فهويتنقل بين اليمن ومكة والمدينة والبصرة والكوفة والشام ويجوب الانحاء بتأثير مغناطيسي لا رد له علي مشايخ القبائل والمقاتلة والأعراب والصحابة والمتفقهة بل هومن الدهاء والخطورة بمكان للتأثير علي شخصيات بحجم طلحة والزبير وعائشة وعلي....وهومن قام بتحريض أهالي الأمصار علي عثمان وهومن حرض علي قتله وهومن حرض طلحة والزبير وعائشة علي الخروج إلي البصرة وهومن أفشل محاولات الصلح بين معسكر علي ومعسكر طلحة والزبير وعائشة مما أدي إلي موقعة الجمل وهومن أشعل الفتنة في صفين بل هومن بدأ عقيدة الباطنية والغلوفي التشيع لعلي وفرقته السبئية هي أولي فرق الباطنية والغنوصية وهو مطلع علي معارف اليهود والنصاري والفرس والهند بالإضافة إلي الإسلام ودهائه بلا حدود وجاذبيته ليس لها مثيل.
ومن المعروف ان العقل السني الإسلامي قد إرتضي راحة ودعة هذا التفسير الغرائبي للهروب من المأزق التاريخي بأن الصحابة الكبار المبشرين بالجنة والذين توفي الرسول وهوعنهم راض واهل الشوري وأم المؤمنين قد اقتتلوا وأسالوا الدماء بل وقتل أربعة منهم أثناء الفتنة: عثمان قتل صبرا علي يد بعض أهالي الأمصار في مدينة الرسول و علي مشهد من صحابته بينما قتل طلحة والزبير في ميدان القتال ضد علي وقتل علي نفسه علي يد إبن ملجم الخارجي.
وقضية عدلية الصحابة بتعديل الله لهم إلا من ثبت عليهم الجرح هي قضية مفصلية ولا تنازل عنها لأن علم الحديث والتفسير بالمأثور وأصول الفقه قد بني علي فرضية عدلية الصحابة في السند والرواية والرأي و بالتالي فأي تشكيك تاريخي الطابع فيها لهومعول هدم في البناء الفقهي والعقيدي الإسلامي بالكامل.
ومن هنا كان النحت العبقري لمصطلح فتنة لوصف ما حدث فالفتنة تعني إختلاط الحق بالباطل وبالتالي رفض الأحكام التحليلية والإنحيازات القيمية لأي من أطراف النزاع وتعني أيضا الضبابية وعدم وضوح الرؤية وبالتالي عدم القدرة علي تحديد المسئوليات وبالتالي رفض التحليل التاريخي للفعل السياسي البشري الذي صنع الأزمة وتعني أيضا وجود الأيادي الخارجية ودورها المركزي في إشعال الأزمة (فماحدث لم يكن نتيجة لتطورات ما داخل الجماعة) وأخيرا فهي تضع ماحدث في الدرك الأسفل من المأساة التراجيدية (وليس تطورا تاريخيا ما) ومايتطلبه هذا من تدابير فكرية وعقيدية لمنع تكرار هذه المأساة مرة أخري وقد عني هذا عمليا ليس فقط تأثيم الخروج والمعارضة السياسية عند اهل السنة ولكن الإفقار الملحوظ للفكر السياسي الإسلامي في مباحث الشريعة والأحكام والأصول.
وكان من المأمول أن يقوم المسلسل بإستكمال جهود سابقة لباحثين ومفكرين عرب إقتربوا من حوادث الفتنة الكبري بإستخدام نحليلات سوسيولوجية خلدونية الطابع تركز علي أوضاع القبائل والعشائر الإجتماعية وعصبياتها وحسابات الأهواء والمصالح بين المضرية والقيسية واليمانية وداخل قريش بين هاشم وأمية قبل وأثناء الأزمة ودورها في إشعالها مثل إجتهادات طه حسين في كتابه الفتنة الكبري ومحمد عابد الجابري في العقل السياسي العربي (الذي تحدث فيه عن مثلث القبيلة والغنيمة والعقيدة ) وغيرهما وهي إجتهادات كانت ومازالت تقابل بإعتراضات شرسة من المؤسسة الدينية التقليدية ونتذكر هنا الهجوم الحاد للعلامة محمود احمد شاكر - أبرز مفكري المؤسسة الدينية التقليدية في القرن العشرين-علي كتاب الفتنة الكبري لطه حسين ونعته بتاها حسين وسعيه المحموم لإثبات وجود إبن السوداء والتأكيد علي دوره.
متغيرات أخري مهملة في التحليل التاريخي للفتنة الكبري هي التحولات الإقتصادية وتغير أنماط المعيشة وتوزيع الموارد والثروة التي صاحبت الفتوحات وتغير شكل الدولة وعلاقتها بالناس والهجرات البينية للقبائل وأنماط الحكم في الأمصار وطبيعة الحياة في البصرة والكوفة كمدن عسكرية قائمة علي وجود قبائل المقاتلة علي التخوم وأخيرا فهناك التحليل النفسي لشخصيات شديدة العمق والتركيب مثل علي وطلحة والزبير وعائشة وعثمان ومعاوية وعمرو بن العاص وهي الشخصيات الرئيسية التي تصدرت المشهد بالإضافة إلي عشرات الشخصيات الفرعية التي لعبت أدوارا مهمة مثل عمار بن ياسر وأبوذر الغفاري ومروان بن الحكم ومالك الأشتر النخعي والأشعث بن قيس وعبد الله بن عباس وأبوموسي الأشعري وعبد الله بن عامر وعثمان بن حنيف وقيس بن سعد بن عبادة وعبد الله بن الزبير والقعقاع بن عمروومحمد بن أبي بكر وحرقوص بن زهير ونافع بن الأزرق وعبد الله بن وهب الراسبي وكعب الأحبار وأبوهريرة والأحنف بن قيس وغيرهم، وبإستثناء محاولات عباس محمود العقاد في العبقريات فالإقتراب النفسي في التحليل غير موجود في الفكر الإسلامي.
أين مسلسل الحسن والحسين من كل هذا؟ فالمسلسل قد قدم الرواية الكلاسيكية لدرجة المزايدة علي حرفيتها : تذمر سكان الأمصار علي عثمان لم تكن له أي دوافع حقيقية من سوء حكم أوفساد سياسات بل كان فعلا شيطانيا خبيثا نتيجة لوسوسة عبد الله بن سبأ لعنه الله
شخصيات الصحابة وأبطال الأزمة تظهر مسطحة وباهتة وميكانيكية وليست أشخاصاً من لحم ودم- - مروان بن الحكم رجل مثالي وأشبه بالملاك وأخطائه معدومة- لم يخطئ أي من الصحابة في الجمل وصفين فطلحة والزبير وعائشة ومعاوية لم يكونوا طلاب سلطة ولم ينقضوا بيعتهم لعلي وإنما خرجوا للمطالبة بدم عثمان والصلح كان ليحدث لولا وسوساتا بن سبأ الخبيث، وهوطرح يخالف حتي بعض إجتهادات أهل السنة عن أن طلحة والزبير ومعاوية تأولوا فأخطأوا أوعن أن احدي الطائفتين باغية مع الإمتناع عن تحديد أيهما، وطبعا الإختلاف بين فرق وأحزاب -ومعارضة ولي الأمر -والخروج عن عصا الطاعة كلها أمور شيطانية مرذولة.
وينتهي بنا المسلسل - ذوالإنتاج القطري والسوري والكويتي والمغربي والأردني- مع جمهور مشاهدين توزع بين حداثويين منتشين بالإنجاز التقدمي الرائع الذي تحقق بتجسيد الحسن والحسين علي الشاشة وبين سلفيين ساخطين علي التجسيد ولكنهم منتشان لأن المسلسل أثبت مجددا أن أصل المذهب الشيعي هواليهودي اللعين إبن السوداء.وهذا المركب في رأيي هوعين النموذج الأحدث للسلفية الإستهلاكية الحداثية الشكل والتي تقوم بتسويقها جهات عديدة الآن في العالم العربي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.